الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: تعريف موجز بالأمام يحي بن معين
…
المبحث الرابع: تعريف موجز بالإمام يحيى بن معين.
هو (ع) يحيى بن معين بن عَوْن بن زياد المُرِّيُّ الغطفاني، أبو زكريا البغدادي الحافظ، مولى غطفان، إمام أهل الحديث في زمانه والمشار إليه من بين أقرانه، وهو كما وصفه الخطيب البغدادي:"كان إماماً ربانياً، عالماً، حافظاً، ثبتاً، متقناً"(1) اختاره الله سبحانه وتعالى من بين رهط مبارك؛ لحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والذَّبِّ عنها، وجمع له ما حفظه اثنا عشر عَلَماً من علماء الأمة في البصرة، والكوفة والحجاز (2) ، حتى أصبح متميزاً من بين خاصة أهل الحديث وأعلمهم بصحيح الحديث وسقيمه" (3) .
تخصص يحيى بن معين بمعرفة الرجال حتى إذا اختلف أساطين العلم رجعوا إليه كما ورد عن علي بن المديني وأحمد بن حنبل (4) . وجَنَّد نفسه من نعومة أظفاره وأفنى حياته وما يملك حتى توفاه الله عز وجل في خدمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورث عن أبيه "ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه"(5) وكان يقول: "كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث. قال أحمد - راوي الخبر -: وإني أظن أن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ستمائة ألف، وستمائة ألف"(6) .
(1) تاريخ بغداد 14/177.
(2)
تاريخ بغداد 14/177، وتهذيب الكمال 31/550-551.
(3)
تهذيب الكمال 31/551.
(4)
تاريخ بغداد 14/182.
(5)
تاريخ بغداد 14/177، وتهذيب الكمال 31/547.
(6)
المصادر السابقة.
ورحل كثيراً في طلب الحديث، وكان صبوراً على طلب العلم، فهذا مظفر بن مُدْرِك الخراساني نزيل بغداد - ثقة متقن، كان لا يُحَدِّث إلا عن ثقة ت 207هـ- كان أول من جاء إليه مع الإمام أحمد، ولم يحدِّثهم سنة شيئاً، فعدّوا الأيام، فلما تمت السنة جاؤوا فحدَّثهم" ومنه تعلم صنعة الحديث ومعرفة الرجال (1) .
وكان حريصاً على سؤال بعض الشيوخ الكبار في أول لقائه بهم والتعرف عليهم، فحينما قدم حران مع الإمام أحمد للقاء عبد الله بن محمد النفيلي - ثقة حافظ ت 234هـ- سأله وهو يعانقه قال:"يا أبا جعفر. قرأت على معقل ابن عبيد الله عن عطاء (أدنى وقت الحائض اليوم؟) فقال له أبو عبد الله - يعني الإمام أحمد - لو جلست؟ قال: أكره أن يموت أو يفارق الدنيا قبل أن أسمعه"(2) . وكان يقول: "كتبت بيدي ألف ألف حديث، وكل حديث لا يوجد ها هنا - وأشار بيده إلى الأسفاط - فهو كذب"(3) . ورغم هذا الكم الهائل من الحديث كان كما يقول ابن سعد: "
…
وكان لا يكاد يحدث" (4) .
ولعل السبب في ذلك ما ذكره أبو زرعة: "لم ينتفع بيحيى؛ لأنه كان يتكلم في الناس"(5) .
(1) تاريخ بغداد 6/29 (ترجمة إبراهيم الحربي) ، نفسه 13/125 (ترجمة المظفر بن مدرك) .
(2)
الجامع لأخلاق الراوي.... 2/241 القول في كتب الحديث على وجهه
…
(3)
تهذيب الكمال 31/548، سير أعلام النبلاء 11/92، يعني بالأسانيد المكررة للمتن الواحد، ولأنه كان يكتب الحديث نيفاً وخمسين مرة - السير 11/92.
(4)
طبقات ابن سعد 9/357 والسير 11/92.
(5)
تاريخ الإسلام وفيات 231-240 ص411.
وقد اعتنى بمعرفة الرجال وأحوالهم، حتى إن الحافظ الذهبي عَدَّه من الذين تكلموا في أكثر الرواة (1) ، وصنفه ضمن المتعنتين في الجرح والمتثبتين في التعديل، يغمز الواحد منهم الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه، ثم وصف هذا القسم وأصحابه بأنه "إذا وَثَّقَ شخصاً فعض على قوله بناجذيك، وتمسك بتوثيقه، وإذا ضَعَّفَ رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه؟ فإن وافقه، ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلا مفسراً يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يوضح سبب ضعفه، وغيره قد وثقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحُسن أقرب. وابن معين وأبو حاتم، والجوزجاني: متعنتون"(2) .
وبسبب كثرة السائلين له عن الرجال تعدَّدت أقواله واختلفت، يقول الحافظ السخاوي:"يحيى بن معين وقد سأله عن الرجال غير واحد من الحفاظ، ومن ثَمَّ اختلفت آراؤه وعباراته في بعض الرجال، كما اختلف اجتهاد الفقهاء، وصارت لهم الأقوال والوجوه، فاجتهدوا في المسائل كما اجتهد ابن معين في الرجال"(3) .
(1) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ص158 والمتكلمون في الرجال للسخاوي ص93.
(2)
ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ص158-159، والمتكلمون في الرجال للسخاوي ص93 بلفظ:"ومثل هذا يختلف في تصحيح حديثه وتضعيفه". ومن المعلوم أن هذا التقويم من الحافظ الذهبي له مكانته؛ لأنه كما قال الحافظ ابن حجر عنه: "هو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال" انظر الحاوي للفتاوي 1/348 وكذا السخاوي قالها في المتكلمون في الرجال ص132.
(3)
المتكلمون في الرجال للسخاوي ص93.
ولمعالجة هذه الظاهرة عند ابن معين كان هذا البحث محاولةً للوصول إلى طرق يوفق فيها وتجمع أقواله المختلفة، والخطوات التي ينبغي سلوكها لمعرفتها والتثبت منها، وكذلك تمييزها والوصول إلى نتائج مبنية على قواعد النقاد ومسالك بحثهم، وبالله التوفيق.
نموذج لأحد الرواة الذين اختلفت فيهم أقوال ابن معين
محمد بن إسحاق:
لعل أكثر الرواة الذين تعددت فيهم أقوال ابن معين واختلفت هو
محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي مولاهم المدني إمام المغازي
(ت 150هـ)(1) .
الذي قال عنه الخطيب: "احتجَّ بروايته في الأحكام قوم من أهل العلو وصَدَفَ عنها آخرون"(2) .
وقال عنه الحافظ الذهبي: "فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسنُ الحديث، صالح الحال صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئاً. وقد احتج به أئمة؛ فالله أعلم"(3) .
أقوال ابن معين في ابن إسحاق:
1-
سأله الدوري: "أيما أحبّ إليك: موسى بن عبيدة الرَّبَذِي - ضعيف ولاسيما في عبد الله بن دينار - أو محمد بن إسحاق؟ فقال: محمد بن إسحاق، محمد بن إسحاق صدوق ولكنه ليس بحجة"(4) .
2-
وقال في روايته عنه أيضاً: "محمد بن إسحاق ثقة، ولكنه ليس بحجة"(5)، وعقَّبَ على ذلك ابن سيِّد النّاس بقوله: "وأما قول يحيى: ثقة
(1) صدوق يدلس (ط 4) وُرمي بالتشيع والقدر (خت م 4) ، التقريب رقم (5725) .
(2)
تاريخ بغداد 1/ 215.
(3)
الميزان 3/ 475.
(4)
تاريخ ابن معين رواية الدوري 2/504 رقم (230) ، والجرح والتعديل 7/192.
(5)
تاريخ ابن معين - الدوري - 3/225 رقم (1047) .
وليس بحجة. فيكفينا التوثيق، ولو لم يُقبل إلا مثل العمري - عبيد الله بن عمر - ومالك لقلَّ المقبولون" (1) .
3-
وقال الدوري: " سمعت يحيى يقول: لا تتشبث بشيء مما يحدثك به ابن إسحاق؛ فإن ابن إسحاق ليس هو بقوي في الحديث. فقال رجل ليحيى: يصح أن ابن إسحاق كان يرى القدر؟ قال: نعم كان يرى القدر"(2) .
4-
وقال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن عمرو أحب إليّ من محمد بن إسحاق"(3) .
5-
وقال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: ليث بن سعد أثبت في يزيد بن أبي حبيب من محمد ابن إسحاق"(4) .
6-
وقال الدوري: "محمد بن عبد الله بن أخي الزهري أحبُّ إليّ من محمد بن إسحاق في الزهري"(5) .
7-
وقال الدوري: "سمعت يحيى يقول: محمد بن عجلان أحب إليّ من محمد بن عمرو، ومحمد بن عمرو أحب إلي من محمد بن إسحاق"(6) .
وفي رواية العقيلي من طريق الدوري بلفظ: "
…
محمد بن عجلان أوثق من محمد بن عمرو، ولم يكونوا يكتبون حديث محمد بن عمرو، حتى
(1) عيون الأثر 1/65.
(2)
تاريخ ابن معين - الدوري - 2/504 رقم (1158) .
(3)
الكامل 6/2118.
(4)
تاريخ ابن معين - الدوري - 4/466، الكامل 6/2118، وتهذيب الكمال 24/ 263.
(5)
تاريخ ابن معين - الدوري - 2/524 رقم (730)، وانظر: رقم (1153) أيضاً.
(6)
تاريخ ابن معين - الدوري - 3/226.
اشتهاها أصحاب الإسناد فكتبوها، ومحمد بن عمرو أحب إلي من محمد بن
إسحاق" (1) .
8-
وقال في رواية الدارمي: "ليس به بأس، وهو ضعيف الحديث عن الزهري"(2) .
9-
وقال أبو زرعة الدمشقي: "قلت ليحيى بن معين وذكرت له الحجة، فقلت له: محمد بن إسحاق منهم؟ فقال: كان ثقة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس، وذكر قوماً آخرين"(3) .
10-
وقال المفضل بن غسان الغلابي: "سألت ابن معين عن محمد بن إسحاق، فقال: كان ثقة، وكان حسن الحديث. فقلت: إنهم يزعمون أنه رأى سعيد بن المسيب. فقال: إنه لقديم"(4) .
11-
وقال أيضاً في رواية الغلابي: "ابن إسحاق ثبت في الحديث"(5) .
12-
وقال في رواية أحمد بن أبي خيثمة: " محمد بن إسحاق ليس به
بأس" (6) .
(1) الضعفاء للعقيلي 4/110، إكمال تهذيب الكمال 10/301، وفي تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن عمرو 9/377 باختصار.
(2)
تاريخ الدارمي ص44 رقم (15) .
(3)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/460-461، وفي الكامل 6/2118، ومختصره للمقريزي ص649 بلفظ:"هو حجة فقال: هو صدوق ولكن الحجة عبيد الله بن عمر والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز"، وتاريخ بغداد 1/ 232، وتهذيب الكمال 24/423.
(4)
تاريخ بغداد 1/218، وتهذيب الكمال 24/411. وتهذيب التهذيب 9/39-40.
(5)
تاريخ بغداد 1/231، عيون الأثر 1/58.
(6)
تاريخ بغداد 1/232، وعيون الأثر 1/58-59، وتهذيب الكمال 24/423، وتهذيب التهذيب 9/44.
13-
وقال في رواية أخرى عنه: "ليس بذاك، ضعيف"(1) .
14-
وقال في رواية أخرى عنه: "محمد بن إسحاق عندي سقيم، ليس بالقوي"(2) .
15-
وقال ابن أبي خيثمة: "سمعت يحيى وقيل له أيما أحب إليك موسى ابن عبيدة الرَّبَذي أو محمد بن إسحاق؟ فقال: محمد بن إسحاق"(3) .
16-
وقال أيضاً: وسمعت يحيى يقول: "لم يزل الناس يتقون حديث محمد ابن إسحاق"(4) .
17-
قال يعقوب بن شيبة: "سألت يحيى بن معين قلت: كيف محمد بن إسحاق عندك؟ قال: ليس هو عندي بذاك، ولم يثبّتْه وضعّفه، ولم يضعّفه جداً. فقلت له: ففي نفسك من صدقه شيء؟ قال: لا، كان صدوقاً"(5) .
18-
قال الميموني: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق ضعيف"(6) .
19-
وقال في رواية محمد بن عبيد الله الزهري: "محمد بن إسحاق ليس بذاك"(7) .
(1) المصادر السابقة والجرح والتعديل 7/194.
(2)
تاريخ بغداد 1/232، وعيون الأثر 1/59، وتهذيب الكمال 24/423، وتهذيب التهذيب 9/44.
(3)
الجرح والتعديل 7/194، والثقات لابن شاهين ص200 رقم (1200) .
(4)
الجرح والتعديل 7/194.
(5)
الكامل 6/2119، وتاريخ بغداد 1/231، وعيون الأثر 1/58، وتهذيب الكمال
24/ 422، والميزان 3/472.
(6)
تاريخ بغداد 1/231.
(7)
تاريخ بغداد 1/231.
- قال أحمد بن محمد بن القاسم بن مُحْرِز وسمعت يحيى وقيل له: "أيما أكثر محمد بن إسحاق أو محمد بن عمرو؟ قال: محمد بن عمرو أحب إليّ منه، وأهل المدينة لا يرون أن يحدثوا عن ابن إسحاق، وذلك أنه كان
قدرياً" (1) .
21-
قال إسحاق بن منصور: "سئل يحيى بن معين عن محمد بن عمرو ومحمد بن إسحاق أيهما يقدم؟ فقال: محمد بن عمرو"(2) .
22-
وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: "قال يحيى بن معين: الليث بن سعد الفَهْمي -ثقة ثبت فقيه إمام مشهور (ت 175هـ) - عندي أرفع من محمد بن إسحاق. قلت له: فالليث أو مالك؟ قال لي: مالك"(3) .
23-
وقال الليث بن عَبْدَة المروزي نزيل مصر: "سمعت يحيى بن معين يقول: الليث أرفع عندي من محمد بن إسحاق"(4) .
24-
وقال محمد بن هارون الفلاس المخرمي: "سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق؟ فقال: ما أحب أن احتج به في الفرائض"(5) .
وعقب ابنُ سَيِّد النَّاس على قول ابن معين فقال: "وأما قول يحيى: ما أحب أن احتج به في الفرائض، فقد سبق الجواب عنه فيما نقلناه عن الإمام أحمد رحمه الله قوله
…
أما في المغازي وأشباهها فيكتب، وأما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا - ومدّ يده وضمّ أصابعه - على أن المعروف
(1) رواية ابن محرز 1/118، رقم (578) .
(2)
تهذيب التهذيب 9/376.
(3)
تاريخ بغداد 3/13، الكامل 6/2120.
(4)
الكامل 6/ 2118.
(5)
الجرح والتعديل 7/193.
عن يحيى في هذه المسألة التسوية بين المرويات من أحكام وغيرها والقبول مطلقاً أو عدمه من غير تفصيل" (1) .
رواية ابن معين لأقوال بعض شيوخه في محمد بن إسحاق:
قال أحمد بن أبي خيثمة: "سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق، فقال: قال عاصم بن عمر بن قتادة - ثقة عالم بالمغازي (ت بعد120هـ) -: لا يزال في الناس عِلْمٌ ما عاش محمد بن إسحاق"(2) .
قال أحمد بن الدورقي: "حَدَّثني يحيى بن معين عن يحيى القطان- ثقة متقن حافظ إمام قدوة (ت 198هـ) - أنه كان لا يرضى ابن إسحاق، ولا يروي عنه"(3) .
وقال أحمد بن الدورقي أيضاً: "قال يحيى بن معين: محمد بن عمرو
- صدوق له أوهام (ت 145 هـ) - روى عنه يحيى القطان، وقال: هو أحب إليّ من محمد بن إسحاق" (4) .
معرفة ابن معين بأحوال ابن إسحاق ومروياته وسماعاته:
1-
قال ابن محرز: " سمعت يحيى بن معين يقول: ما رأيت لمحمد بن إسحاق شيخين أقدم من هذين: أبي سلمة بن عبد الرحمن - الزهري ثقة مكثر (ت 94هـ) - وسالم بن عبد الله - بن عمر بن الخطاب أحد الفقهاء السبعة كان ثبتاً عابداً فاضلاً (ت 106هـ) - "(5) .
(1) عيون الأثر 1/ 61-66.
(2)
تاريخ بغداد 1/220، عيون الأثر 1/56، وتهذيب الكمال 24/413.
(3)
تاريخ بغداد 1/227، والكامل 6/2118 دون قوله:"ولا يروي عنه".
(4)
الكامل 6/ 2118.
(5)
رواية ابن محرز 1/73 رقم (151) وذكر روايتين لابن معين تتعلق بهما رقم (149) و (150) ورواية من طريق ابن إسحاق عن أبان بن عثمان رقم (152) ، وتاريخ بغداد 1/218.
2-
قال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق مولى قيس بن مخرمة"(1) .
3-
قال أحمد بن زهير: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق مات سنة 152هـ"(2) .
4-
قال عباس الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: لم نسمع من عبد الله بن دينار، عن أنس إلا الحديث الذي يحدث به محمد بن إسحاق يعني حديث الرويبضة. وعقب عليه ابن عدي برواياته له من طريق ابن إسحاق فقال: حدثناه أحمد بن علي بن المثنى ثنا أبو كريب ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن دينار عن أنس قيل: يا رسول الله، ما الرويبضة؟ قال: الفاسق يتكلم في أمر العامَّة"(3) .
(1) تاريخ بغداد 1/215.
(2)
تاريخ بغداد 1/234.
(3)
الحديث رواه بهذا الإسناد أحمد بن حنبل في المسند 3/220 وأبو يعلى في مسنده 6/378 رقم (3715) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (465) و (466) من طرق عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن دينار عند البزار، إذ قال بعد روايته الحديث عن عوف بن مالك- وقع في المطبوع من مجمع الزوائد 7/284 (عمرو بن عوف) . وفي مسند البزار 4/174 رقم (2740) وكذا في كشف الأستار 4/132 رقم (3373) (عوف بن مالك) - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بمثل هذا الحديث: "قال ابن اسحاق: وحدثني عبد الله بن دينار، عن أنس، عن النبي بنحوه" وللحديث شاهد آخر عن أبي هريرة أخرجه ابن ماجه 2/ رقم (4036) ، وأحمد في المسند 2/293، والحاكم في المستدرك 4/465، 512، والخرائطي في مكارم الأخلاق ص30، وإسناده ضعيف لضعف عبد الملك بن قدامة، وجهالة إسحاق بن بكر ابن أبي الفرات، وأخرجه أحمد في المسند 2/338 من طريق سعيد بن عبيد في السباق عن أبي هريرة بنحوه وإسناده حسن، ولم أقف على إسناد أبي يعلى الذي رواه عنه ابن عدي، عن أبي يعلى - محمد بن العلاء - أبي كريب في المسند المطبوع، وقد سأل ابن أبي حاتم والده عن هذا الحديث، فقال:"لا أعلم أحداً روى عن عبد الله بن دينار هذا الحديث عن محمد بن إسحاق، وودت في رواية بعض البصريين عن عبد الله عن المثنى الأنصاري عن عبد الله بن دينار عن أبي الأزهر عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه" قال أبي: " ولا أدري من أبو الأزهر هذا قلت: من الذي رواه عن عبد الله بن المثنى؟ فقال: حجاج الفسطاطي قال أبي: لو كان حديث ابن إسحاق صحيحاً لكان قد رواه الثقات عنه" علل الحديث 4/116 رقم (2792) أقول: قد روى هذا الحديث عن ابن إسحاق بعض الثقات مثل: عبد الله ابن إدريس الأودي، عباد بن العوام الواسطي، وقد وثَّقهما أبو حاتم نفسه كما في الجرح والتعديل
6/ ترجمة 425 بل قال في حديث ابن إدريس: "هو حجة يحت بها، وهو إمام من أئمة المسلمين ثقة"، الجرح والتعديل 5/ ترجمة 44 فلعله رحمه الله لم يقف على روايتهما عن ابن إسحاق والله أعلم.
5-
قال الدوري: "سمعت يحيى يقول: لم يسمع محمد بن إسحاق من طلحة بن نافع شيئاً"(1) .
6-
وقال أيضاً: "سمعت يحيى يقول: لم يسمع محمد بن إسحاق من طلحة بن نافع شيئاً، ولم يسمع حديث ابن عباس في البكر، وهو حديث ليس له أصل"(2) .
7-
وقال أيضاً: "سمعت يحيى يقول: لم نسمع عن عبد الله بن دينار عن أنس الحديث الذي يحدث به محمد بن إسحاق عن عبد الله بن دينار عن أنس"(3) .
8-
وقال أيضاً: سمعت يحيى يقول: "قد سمع محمد بن إسحاق عن أبان ابن عثمان، وسمع من عطاء، وسمع عن أبي سلمة عن عبد الرحمن، وسمع أيضاً من القاسم بن محمد"(4) .
9-
وقال أيضاً: "وسمع من مكحول، وسمع من عبد الرحمن بن الأسود"(5) .
(1) تاريخ ابن معين - الدوري - 3/167، والكامل 6/2120.
(2)
تاريخ ابن معين - الدوري - 2/504، 3/241.
(3)
تاريخ ابن معين - الدوري - 3/135.
(4)
تاريخ ابن معين - الدوري - 3/201، وتاريخ بغداد 1/218، وتهذيب التهذيب 9/40.
(5)
تاريخ ابن معين - الدوري - 3/212، وتاريخ بغداد 1/218.
تصنيف الأقوال وتحليلها ومحاولة الوصول إلى الحكم المناسب له:
أولاً: بعد جمع الأقوال المختلفة لابن معين في ابن إسحاق، والتي يمكننا أن نصنفها حسب التقويم التالي:
1-
الأقوال التي تنطق بالتوثيق والتعديل، وكذا التليين والتضعيف والتوسط في ذلك.
2-
الأقوال التي تُعَدُّ من قبيل التعديل النسبي وضده.
3-
الأقوال التي نقلها عن شيوخه وبخاصة بعض أئمة النقد منهم كالقطان مثلاً.
4-
الأقوال التي تدل على معرفة ابن معين بأحوال ابن إسحاق كسماعاته عن بعض الشيوخ وطبيعة - نوعية - المرويات عنهم، إلى غير ذلك مما يساعد على إعطائه التصور المتكامل عنه.
أقوال ابن معين في توثيق ابن إسحاق:
1-
(الدوري) - صدوق ولكنه ليس بحجه.
2-
(الدوري) - ثقة ولكنه ليس بحجة.
3-
(أبو زرعة الدمشقي) - ثقة، إنما الحجة فلان....
12-
(ابن أبي خيثمة) - ليس به بأس.
11-
(الغلابي) - ثبت في الحديث.
أقوال ابن معين في تضعيف ابن إسحاق:
13-
(ابن أبي خيثمة) - ليس بذاك، ضعيف.
14-
(ابن أبي خيثمة) – سقيم، ليس بالقوي.
18-
(الميموني) - ضعيف.
أقوال ابن معين التي توسط فيها في ابن إسحاق:
10-
(الغلابي) - ثقة حسن الحديث.
19-
(محمد بن عبيد الزهري) - ليس بذاك - أي القوي.
8-
(الدارمي) - ليس به بأس - وهو ضعيف الحديث عن الزهري.
3-
(الدوري) - ليس هو بقوي في الحديث.
17-
(يعقوب بن شيبة) - ليس هو عندي بذاك، ولم يثبّتْه، وضعفه ولم يضعّفْه جداً، كان صدوقاً.
24-
(الفلاس المخرمي) - ما أحب أن احتج به في الفرائض.
التحليل:
بدراسة أقوال ابن معين المختلفة في ابن إسحاق، نجدها تتفق في بعض الروايات عنه في عدم العلو به إلى التوثيق العالي الذي عبر عنه بقوله:"ليس بحجة" وتتراوح بين قوله: "ثقة ولكنه ليس بحجة"، "ثقة إنما الحجة فلان
…
"، "صدوق ولكنه ليس بحجة". وأيضاً رواية الغلابي البغدادي: "ثبت في الحديث" حيث وافق فيها روايتي الدوري البغدادي صاحبه وملازمه، والدمشقي، وكذلك مع رواية ابن أبي خيثمة: "ليس به بأس" التي هي عنده توازي الثقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اتفق ابن أبي خيثمة، والميموني وكلامها بغدادي على قوله: (ضعيف، سقيم ليس بالقوي، ليس بذاك، ضعيف) وابن أبي خيثمة شارك بالرواية عن ابن معين - مَنْ وثَّقه حيث قال: "ليس به بأس".
ولعل رواية الميموني في حالة خاصة، أو رواية عناها ونقلها عنه الميموني. ولعل القول الذي يقترب من رأيه المتوازن الذي استغرق في وصفه وفصل بين
التوثيق والتضعيف هو الذي نقله عنه ابن شيبة: "ليس هو عندي بذاك" - أي القوي - ولم يثبِّتْه - وضعفه، ولكن استدرك على ذلك بقوله - ولم يضعفه جداً، ثم أقره على صدقه - والله أعلم -.
ويستأنس له بالأقوال الأخرى - أي الزهري، والغلابي، والدوري -. وأما في عدم روايته له والاحتجاج به في الفرائض فقد دافع عنه ابن سيد الناس، وهذا مذهب من يرى التشدد فيها وفي الأحكام وبيّن الخطيب البغدادي أن بعض الأئمة احتج بروايته في الأحكام وتوقف، أو لم يحتج بها البعض، لذا يرى الحافظ الذهبي وغيره أن حديثه (حسن) والله أعلم.
ثانياً: التأمل في تعديله وتليينه النسبي:
قارن ابن معين ابن إسحاق ببعض الرواة الآخرين الذين يقاربونه في الطبقة والمشاركة معه في الرواية.
فقد فَضَّل عليه الليث بن سعد في الرواية عن يزيد بن أبي حبيب، وكذلك قدَّم عليه ابن أخي الزهري في الرواية عن الزهري، وكذلك فضل عليه محمد بن عمرو الليثي المدني في الرواية، وكذلك الإمام مالك. ومن جهة أخرى فضل ابن إسحاق على موسى بن عبيدة الرّبذِي.
وعلق على هذا التوثيق النسبي الإمام أبو الوليد الباجي حيث قال: "وقد روى عباس بن محمد الدوري عن ابن معين أنه قال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بُحجّة، وأصل ذلك أنه سئل عنه، وعن موسى بن عبيدة الرَّبذي أيهما أحبّ إليك؟ فقال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة. فإنما ذهب إلى أنَّه أمثل في نفسه من موسى بن عبيدة الرَّبذيّ "(1) .
(1) التعديل والتجريح 1/ 285.