الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاحظة:
مما مر بنا من أدلة مذهب الجمهور تظهر قوة قولهم وترجيحه، ولكن يجب علينا أن نفرق في هذا المقام بين كون الرسم توقيفياً، وبين وجوب الالتزام بالرسم العثماني.
فالأدلة التي ذكرت في قول الجمهور لا يصرح شيء منها بكون الرسم توقيفياً، لعدم وجود دليل صريح من الكتاب أو السنة على ذلك.
أما وجوب الالتزام بالرسم العثماني، فنعم، وأقوى دليل عليه، هو إجماع الصحابة –أولاً-، ثم إجماع الأمة الإسلامية منذ العصور المتقدمة.
كما أنه ينبغي أن يفرق هنا بين الالتزام بالرسم العثماني لكتابة المصاحف الأمهات، وبين كتابة الآيات القرآنية في غير المصاحف.
فبالنسبة لكتابة المصاحف الأمهات: فأرجح في ذلك قول الجمهور.
أما بالنسبة لكتابة الآيات القرآنية المفرقة في غير المصاحف – كالاستشهاد بآية أو بجزء منها في مؤلف أو في رسالة علمية أو في الأجزاء المفرقة التي تطبع لتعليم الناشئة- فينبغي فيها الالتزام بالرسم العثماني، وهو الأحوط للخروج عن الخلاف، ولكن لم يتضح لي وجوب الالتزام بالرسم العثماني فيها1.
العثماني..نشر في مجلة الدراسات الإسلامية بإسلام آباد باكستان، ع:4،م:29:1415هـ.
المطلب السابع: قضية إتقان الكتابة لدى الصحابة:
وبمعنى آخر: هل كان الصحابة يجيدون الخط والكتابة، أو أنهم ارتكبوا أخطاء في كتابة المصحف لعدم إجادتهم صناعة الخط والكتابة؟
ذهب البعض من المتأخرين1 والمعاصرين2إلى أن الصحابة لم يتقنوا صناعة الخط والكتابة، فمن ثم وقعوا في أخطاء حين كتابة المصاحف.
1 على رأسهم العلامة ابن خلدون، المؤرخ المعروف، انظر قوله في مقدمة تاريخه، ص:419.
2 منهم الأستاذ/ أحمد أمين في كتابه: فجر الإسلام، ص:142، حيث قال: وحتى هؤلاء الذين كانوا يكتبون الوحي لم يكونوا مهرة في الكتابة، ولا كتابتهم سائرة على نمط واحد، لا خاضعة لقوانين الإملاء، وسبب ذلك- كما يعلله ابن خلدون ضعفهم في صناعة الخط، وأنهم لم يبلغوا حد الإجادة فيها.
وهنا نقف فنتساءل هل يستطيع تلامذة المرحلة الابتدائية في خلال مدة دراستهم في هذه المرحلة، أن يتقنوا الخط والإملاء أم لا؟ وبخاصة إذا كان الطالب ممن يطلق عليهم – في الاصطلاح المعاصر -:(موهوبون) ، ولا سيما إذا لم تكثر ولم تتعدد لديه المواد الدراسية.
للإجابة عن هذا السؤال: أرى أن هذه المدة تكفي تماماً لإجادة الخط والإملاء، وهذا هو المشاهد في المدارس الابتدائية.
والذين مارسوا الكتابة في جمع القرآن كان على رأسهم زيد بن ثابت الأنصاري، والذي عرفنا عنه سابقاً أنه تعلم السريانية في خلال سبعة عشر يوماً فقط، وكان يمارس الكتابة منذ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان من كتاب الوحي المشهورين، وهو الذي مارس كتابة القرآن كله حين الجمع الصديقي سنة 12 من الهجرة حين كان عمره حوالي 23سنة، ثم هو الذي مارس الكتابة في الجمع العثماني سنة: 24 أو 25 من الهجرة حين كان عمره حوالي 35 أو 36 سنة (أي في عنفوان شبابه)، فهل يتصور من مثل هذا الشاب الموهوب أنه لم يكن – في خلال هذه المدة كلها – قد أتقن الكتابة ثم ارتكب الأخطاء في كتابة كلام الله الذي يقول فيه:(فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن)1.
فالقضية واضحة، ولا ينبغي اتهام الصحابة بعدم إجادة صناعة الخط، ثم تعليل ذلك بنسبتهم إلى البداوة وعدم التحضر – كما فعل ذلك ابن خلدون وأتباعه2.
1 البخاري، فضائل القرآن:4603، الترمذي، التفسير: 3028، أحمد، مسند العشرة المبشرين بالجنة: 72، ومسند النصار:20657.
2 انظر قوله في مقدمته: 419، وراجع فجر الإسلام لأحمد أمين:142.