المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ محتوياته وأهميته: - جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية - المقدمة

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ محتوياته وأهميته:

شبهة التركيب والتجسيم، وشبهة التشبيه، والاتفاق والاشتراك بين الموجودين يكون في مراتب الوجود الأربعة

".

وقال (6/ 487): "وقد بسطنا الكلام على هذا في الأجوبة المصرية، وبينا أن الله ليس كمثله شيء بوجه من الوجوه، فيجب أن ينفى عنه المثل مطلقًا ومقيدًا، وكذلك الندّ والكفو والشريك ونحو ذلك من الأسماء التي جاء القرآن بنفيها

".

والموضع الأخير الذي أشار إليه عندما تحدث عن التركيب والتجسيم والمعنى الصحيح لهما، فقال (7/ 571):"ولولا أنا قدَّمنا أصل هذا الكلام في الحجج العقلية لبسطناه هنا، وقد بسطناه أيضًا في جواب المعارضات المصرية".

رأينا في النصوص السابقة أن المؤلف تناول في الكتاب موضوعات عديدة تتعلق بصفات الله سبحانه وتعالى، وفصَّل فيها كلَّ تفصيل، حتى بلغ الكتاب أربع مجلدات. وهو من الكتب المهمة لشيخ الإسلام، ولذا أكثر من الإحالة عليه كلّما جاءت مناسبة. وذكره بعنوانِه أو وصفَه بما يقاربه ويدلُّ على موضوعه، فتارةً سماه بالعنوان المعروف، وتارةً قال:"جواب الأسئلة المصرية" أو "جواب المعارضات المصرية" أو "الأجوبة المصرية"، وأشار به إلى الكتاب الذي بين أيدينا جزء منه. وهذا منهجه المعروف في تسمية كتبه والإشارة إليها، فلا غرابة في ذلك.

*‌

‌ محتوياته وأهميته:

ذكرنا فيما سبق أن الكتاب كان في أربعة مجلدات، ويُعدّ من المؤلفات الكبار للشيخ، وقد أحال عليه في كتبه الأخرى، ويعتبر "بيان تلبيس الجهمية" تتمة لمباحثه. وكتابٌ هذا شأنه لابدّ أن يكون من أهمّ

ص: 13

مؤلفاته في باب العقيدة، وبيان مذهب السلف في الصفات، والدفاع عنه. ويُستنبط من الإحالات العديدة عليه تنوعُ مباحثه وتوسُّع الشيخ في تناولها.

ولا يمكن لنا الآن وصفه وبيان جميع محتوياته، لأن أغلب الكتاب لا زال في عداد المفقود، وإنما نستعرض هنا محتويات القطعتين اللتين حصلنا عليهما، ونبين أهمية المباحث التي توجد فيهما.

أما القطعة الأولى فتبدأ بذكر جواب المعترض عن الأحاديث التى يُحتج بها في إثبات الصفات، من أربعة وجوه:

أحدها: أنها أخبار آحادٍ، لا تُفيد العلمَ بل تُفيد الظن.

الثاني: أنها ليست نصوصًا في ذلك، بل هي ظاهرة قابلةٌ للتأويل.

الثالث: أن السلف تأوَّلوا كثيرًا منها، ومنهم ابن عباس الذي روي عنه تأويل عدد من الآيات.

الرابع: أن الأدلة العقلية عارضتْها، فيجب تأويلها.

قام المؤلف بعد ذلك بالردَّ على كل وجه بتفصيل. أما قوله: "أخبار آحاد لا تُفيد العلمَ" فكان جوابه من ثلاثة طرق:

1) بيان موافقة الأحاديث والآثار للقرآن وتفسيرها له.

2) بيان وجوب قبولها.

3) بيان صحة الاعتقاد الراجح بها.

وقد توسع في الجواب عن الشبهة السابقة وبيَّن اتفاق القرآن مع الحديث، وضرورة الاستدلال على معاني القرآن بما رواه الثقات

ص: 14

الأثبات بدلًا من الأخذ عن أهل البدع أو بعض أهل العربية الذين يتكلمون بنوع من الظن والهوى، وقارنَ بين الاستشهاد على معاني القرآن بألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم وألفاظ الصحابة والتابعين وبين الاستشهاد بشعرٍ لم يُروَ بإسناد ولم يُعرف قائله. وتوصَّل إلى بيان استقامة هذه الطريق (طريق الاحتجاج بالآثار) وأنه لا طريق يقوم مقامها. وأطال في بيان ذلك من وجوه متعددة، وبيانِ فساد الطرق الأخرى في فهم معاني القرآن وتفسيره. وذكر أن من عَدَل عن التفسير المأثور فأحد الأمرين لازمٌ له: إما أن يَعدِل إلى تفسيره بما هو دون ذلك، فيكون محرِّفًا للكلم عن مواضعه، وإما أن يبقى أصمَّ أبكم لا يسمع من كلام الله ورسوله إلَّا الصوتَ المجرد، وكل من هذين باطل. ثم بيَّن وجهَ بطلانهما.

ثم انتقل إلى النقطة الثانية، وهي بيان وجوب قبول الأخبار الصحيحة، فقسَّم الأخبار ثلاثة أقسام: متواتر لفظًا ومعنىً، ومستفيض متلقًّى بالقبول، وخبر الواحد العدل الذي يجب قبوله. وتكلَّم عن كل قسم بتفصيل، وبيَّن إفادته العلم.

ثم انتقل إلى بيان صحة الاعتقاد الراجح بها، وأنه لا فرق فيها بين المسائل العلمية والخبرية، ولا يُردُّ الخبر في باب من الأبواب سواءً كانت أصولًا أو فروعًا بكونه خبرَ واحد.

إلى هنا كان الجواب عن السؤال الأول الوارد في أول الكتاب. ثم بدأ (ص 54) في الجواب عن السؤال الثاني، وهو قوله:"ليست الأحاديث نصوصًا في ذلك، بل هي ظاهرة قابلة للتأويل". وقد أجاب عنه أولًا بجواب مجمل ثم بجواب مفصل. وأنكر أن يكون في القرآن أو الأحاديث الثابتة ما ظاهره ممتنعٌ في العقل، ولا يقدر أحدٌ أن يأتي

ص: 15

بحديثين صحيحين متعارضين، والذين ردُّوا بعض الأحاديث الثابتة أو أوَّلوها في زمن الصحابة اجتهدوا في طلب الحق وإن أخطأهم، فنوسع لهم الاعتذار والاستغفار. ثم ذكر بعض الأمثلة على ذلك، منها حديث:"إن الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه"(ص 59 - 74)، وحديث عمار في التيمم (ص 74 - 75)، وبعض أحاديث أبي هريرة وفاطمة بنت قيس وبَرْوع بنت واشق وغيرها. وقال في آخره: ما علمنا أحدًا من الصحابة والتابعين ردُّوا حديثًا صحيحًا وتأوَّلوه على خلاف مقتضاه، لمخالفة ظاهر القران في فهمهم أو لمخالفة المعقول أو القياس، إلّا كان الصواب مع الحديث ومن اتبعه، فكيف بمن بعدَهم؟ !

ثم تحدث عن خاصية أبي بكر الصديق، فإنه لم يُعرف له فتوى ولا كلام يخالف شيئًا من الأحاديث، وكان يبيِّن للصحابة معاني النصوص إذا اعتقدوا في ظاهرها ما لا يدلّ عليه، وذكر أمثلة على ذلك. وفي أثنائه تكلم عن علاقة القرآن بالسنة، والتحديث لأهل الأهواء والبدع، ومعنى العبادة وكيف تختلف عن العادة.

ثم عقد فصلًا تكلم فيه عن معنى التأويل عند السلف وعند المتأخرين، وبيان المذموم منه، وذكر أن من اعترض على السنة والجماعة بنوعِ تأويل: قياس أو ذوق أو تأويل منه خالف به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه شوبٌ من الخوارج.

أما الاعتراض الثالث: "أن السلف تأولوا كثيرًا من الأحاديث والآيات" فذكر الجواب عنه من وجوه، منها: أنه إذا كان المراد بالسلف الصحابة فهذا النقل عنهم باطل، لم يتأوَّل أحدٌ من الصحابة قطّ شيئًا من آيات القرآن التي ظاهرها أنها صفة لله تعالى. وكذلك الأمر في التابعين.

ص: 16

ولا يصحُّ في ذلك عن ابن عباس أو غيره شيء.

وفي الأخير جاء إلى الأمر الرابع وهو قوله: "عارضتها الأدلة القطعية فيجب تأويلها"، وردَّ عليه من وجوه عديدة، منها: أنه لم يعارضها دليلٌ قطعيٌّ قطُّ، وأن ما هو مدلولها لم ينفِه العقل، والذي نفاه العقلُ ليس مدلولَها. ثم تكلَّم على قولهم: إن إثبات الصفات ظاهرها التجسيم، وبيَّن أن نفي المثل عنه والسميّ والمساوي يقتضي نفيَ ذلك في كل شيء، وذكر ما بين الأسماء من التواطؤ والافتراق، وما بين مدلولها من التباين والاشتباه.

وأما القطعة الثانية: فهي خاصة بالكلام على حديث "خلق آدم على صورته" و"على صورة الرحمن"، فذكر أنه مروي بألفاظ متنوعة، ولم يكن في السلف من تأوله، ولكن بعض علماء أهل السنة تأولوه، أو تركوا روايته لأسباب أخرى، كما يُذكر عن الإمام مالك. ثم ذكر طرق الحديث ومن رواه من الأئمة مثل الليث بن سعد ويحيى بن سعيد القطّان ومعمر وعبد الرحمن بن مهدي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وذكر قول الإمام أحمد والحميدي وغيرهما في تصحيحه، وإنكارهم على أبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ ممن تأوَّل هذا الحديث، ونقل نصوصًا مهمة من "مناقب الإمام إسماعيل بن محمد التيمي" لأبي موسى المديني و"الفصول من الأصول عن الأئمة الفحول" لأبي الحسن بن الكرجي و"تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة، وردَّ على التأويلات الباطلة للحديث.

هذا عرض موجز لأهمّ الأبحاث التي توجد فيما وصل إلينا من هذا الكتاب، ونظرًا إلى أهميته وما فيه من مناقشات قوية اعتمد عليه تلميذ

ص: 17