الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا معنى جميع هذه الأسماء واشتقاقها، فقد ذكرتُه، وذكرتُ ما وقع لي من أمهاتهم وأحوالهم وما جرى لكلِّ واحدٍ منهم في ترجمته في كتابي:"شرح السيرة" المذكورة
(1)
، ويرِدُ بعضُه في هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
الكلام على متن الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيَّات" وفي رواية: "إنما الأعمال بالنيَّة" وفي رواية: "إنما العمل بالنيَّة"، وفي كتاب "يا أيها الناس":"إنما الأعمال بالنيَّة"(14/ و) وهذا كلُّه هو الصحيح.
والذي في أول كتاب الشهاب للقضاعي "الأعمال بالنيَّات"، بحذف إنما. رواه كذلك القضاعي في مسند كتابه الشهاب، عن عبد الرحمن بن عمر التجيبي، قال: أبنا أحمد بن محمد بن زياد، أبنا محمد بن عبد الملك الدَّقيقي، ثنا يزيد بن هارون، أنا يحيى بن سعيد.
(2)
فوقع نقص "إنما" من واحدٍ من الرواة دون يزيد بن هارون؛ فإنَّه رُوي من طريق صحيحة إليه بإثبات "إنما".
وقال الحافظ أبو موسى المديني وغيره: لا يصح إسناده، يعني: بدون
(3)
"إنما".
(4)
(1)
مخطوط المورد العذب الهني في الكلام على السيرة للحافظ عبد الغني (4/ أ) نسخة مكتبة داماد إبراهيم باشا رقم (420).
(2)
مسند الشهاب، للقضاعي (1/ 35).
(3)
من هامش الأصل.
(4)
التلخيص شرح الجامع الصحيح (1/ 313) وقال الإمام ابن الملقن: "فقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: لا يصح إسنادها. وأقره النووي على ذلك في "تلخيصه" وغيره، وهو غريب منهما، فهي رواية صحيحة أخرجها إمامان حافظان، وحكَما بصحتها: أحدهما: أبو حاتم ابن حبان، فإنه أورده في "صحيحه" عن عليّ بن محمد القباني، ثنا عبد الله بن هاشم الطوسي، ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد، عن علقمة عن عمر قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ .. " الحديث بطوله.
ثانيهما: شيخه الحاكم أبو عبد الله، فإنه أورده في كتابه "الأربعين في شعار أهل الحديث" عن أبي بكر ابن خزيمة، ثنا القعنبي، ثنا مالك، عن يحيى بن سعيد به سواء، ثمَّ حكم بصحته، وأورده ابن الجارود في "المنتقى" بلفظ سادس عن ابن المقرئ، ثنا سفيان، عن يحيى:"إن الأعمال بالنية، وإن لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرته إلى دنيا .. ". وانظر: فتح الباري، لابن حجر (1/ 35).
و"إنَّما" كلمة تدلُّ على الحصر، وتأتي أيضًا للتأكيد نحو: إنما الرجل زيدٌ. ومعناها: إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عمَّا عداه. ثمَّ تارة تقتضي الحصر المطلق، وتارة تقتضي حصرًا مخصوصًا، ويُفهم ذلك بالقرائن. وهي ملفقة من نفي وإثبات؛ لأنَّ "إنَّ" للتحقيق، و"ما" للنفي، فيُعمل بركنيها نفيًا وإثباتًا.
وقوله: "إنما الأعمال بالنيات" بكسر النون وتشديد الياء وهذا هو المشهور، (15/ ظ) وحكى النووي تخفيفَها.
وأصلُ النية الطلب، وقيل: القصدُ للشيء بالقلب، وقيل: عزيمة القلب.
قال الخطابي: لم يُرِدْ أعيان الأعمال؛ لأنها حاصلة حِسًّا وعيانًا بغير نيَّة، وإنما معناه أن صحة أحكام الأعمال في حقِّ الدِّين إنما يقع بالنيَّة، وأنَّ النيَّات هي الفاصلة بين ما يصح من الأفعال وما لا يصح.
(1)
وذكر شيخُنا أبو الفتح القشيري: أنه لا بد من حذفٍ في قوله: "إنما الأعمال بالنية"، فاختلف العلماءُ في تقديره، فالذين اشترطوا النيَّة قدَّرُوهُ: صحة الأعمال بالنيات، والذين لم يشرطوها قدَّرُوهُ: كمال الأعمال بالنيات.
قال: ورُجِّح الأول
(2)
بأنَّ الصحة أكثر لزومًا للحقيقة من الكمال، فالحملُ عليه أولى؛ لأنَّ كلَّ ما كان ألزمَ للشيء كان أقربَ إلى خُطُورِهِ بالبال عند إطلاق اللفظ، ويقدرونه أيضًا: إنما اعتبار الأعمال بالنيات.
(3)
وذكر القاضي أبو بكر ابن العربي فقال: وقال علماؤنا إنَّ المراد بهذا الحديث يعني الحديث الذي خرَّجَه (15/ و) الترمذيُّ وابنُ ماجه عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا وضوء لمن لم يذكر اسمَ الله عليه"، هو النيَّة؛ لأنَّ الذكر
(1)
أعلام الحديث (1/ 112).
(2)
من هامش الأصل.
(3)
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 61).
يُضَادُّ النسيانَ، والنسيان والذكر إنما يتضادان بالمحلِّ الواحد، ومحلُّ النسيان القلب، فمحلُّ الذكر إذًا القلب، وذِكْرُ القلب: هو النيَّة. وذَكَر أنَّ هذا الحديث ضعيفٌ. قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا.
(1)
وقال شيخُنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السَّروجي الحنفي قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية: التقدير ثوابها لا صحتُها؛ لأنَّه الذي يطَّرِدُ، فإنَّ كثيرًا من الأعمال تُوجد وتُعتبر شرعًا بدونها؛ ولأنَّ إضمار الثواب متفقٌ على إرادته؛ ولأنَّه يلزم منِ انتفاء الصحة انتفاءُ الثواب دون العكس، فكان ما ذهبنا إليه أقلَّ إضمارًا، فهو أولى؛ ولأنَّ إضمار الجواز والصحة يُؤدِّي إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد (16/ ظ) وهو ممتنع؛ ولأنَّ العامل في قوله بالنيَّة مُقدَّرٌ بإجماع النُّحَاة، ولا يجوزُ أن يتعلق بالأعمال؛ لأنَّها رفع بالابتداء، فيبقى بلا خبر، فلا يجوز، فالمقدَّر إمَّا مجزئة أو صحيحة أو مثيبة، فمثيبة أولى بالتقدير لوجهين: أحدهما: أنَّ عند عدم النيَّة لا يبطل أصلُ العمل، وعلى إضمار الصحة والإجزاء يبطُل، فلا يبطل بالشكِّ. الثاني: قوله: "ولكل امرئ ما نوى"، يدلُّ على الثواب والأجر؛ لأنَّ الذي له إنما هو الثواب، وأما العمل فعليه.
(2)
قال بعضُ علماء الحنفية: إنَّ الصحة والكمال مقدَّران غير منطوقٍ بهما، والتقدير: إضمار، والإضمار على خلاف القياس، فكلُّ ما أدَّى إلى تقليله كان أولى في تقدير كمال الأعمال أقلّ؛ لأنه يلزم من نفي الكمال الصحة، ويلزم من نفي الصحة نفي الكمال، فمن قدَّر نفي الصحة يلزم منه نفيُ الجواز، فيصير المنفيُّ شيئين: الصحة والكمال، وإذا نُفي الكمالُ لا يلزم منه نفيُ الصحة (16/ و) فتعيَّن أنَّ نفي شيءٍ واحدٍ أولى من نفي شيئين، وهذا تقدَّم إلا أنَّه أبْيَنُ.
(1)
عارضة الأحوذي، لأبي بكر ابن العربي (1/ 39).
(2)
انظر: طرح التثريب في شرح التقريب، للعراقي (2/ 7).
وذكر النووي: الأعمالُ ضربانِ: ضربٌ يُشترَط النيةُ لصحته، ويحصُلُ الثوابُ فيه. كالأركان الأربعة وغير ذلك ممَّا أجمع العلماءُ على أنَّه لا يصحُّ إلا بنيَّةٍ، وكالوضوء، والغسل، والتيمم، وطواف الحجِّ والعمرة، والوقوف ممَّا اشترط النيَّة فيه بعض العلماء.
وضربٌ لا تُشترَط النيَّةُ لصحته، لكنْ يُشترَط حُصُول الثواب. كسترِ العورة، والأذانِ، والإقامةِ، وابتداءِ السلام وردِّه، وتشميتِ العاطس وردِّه، وعيادةِ المريض، واتباعِ الجنائز، وإماطةِ الأذى، وبناءِ المدارسِ والرُّبُط، والأوقاف، والهبات، والوصايا، والصدقات، وردِّ الأماناتِ ونحوِها.
وأمَّا إزالةُ النجاسة، فالمشهورُ عندنا أنَّه لا يفتقر إلى نيَّة؛ لأنها من باب التُّرُوك، والتركُ لا يحتاجُ إلى نيَّة، وقد نُقِل الإجماعُ فيها. (17/ ظ) قال: وشذَّ بعضُ أصحابِنا فأوجَبَها.
(1)
وقال الإمام أبو الوليد محمد بن أحمد بن رُشد المالكي في كتابه "بداية المجتهد": "اختلف علماءُ الأمصار هل النيَّةُ شرطٌ في صحة الوضوء أم لا؟ بعد اتفاقهم على اشتراط النيَّة في العبادات. فذهب فريقٌ منهم إلى أنَّه شرط، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وداود، وبه قال إسحاق. وذهب فريق آخر إلى أنَّها ليست بشرطٍ، وهو مذهب أبي حنيفة، والثوري.
(2)
.
ورُوي عن الحسن بن صالح بن حييٍّ. وعن مالك رواية شاذَّة: أنَّ الوضوء يُجزئ بغير نيَّة. وعن الأوزاعي: أنَّ الطهارة والتيمم لا يفتقرانِ إلى نيَّة. ذكر ذلك السفاقسي.
وسبب اختلافهم: تردُّد الوضوء بين أن يكون عبادةً محضةً غير معقولة المعنى. كغسل النجاسة؛ فإنَّهم لا يختلفون أنَّ العبادة المحضة مفتقرة إلى النيَّة، والعبادة
(1)
شرح النووي على مسلم (13/ 54).
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد (1/ 15).