المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إلى مرحلة ومن دور إلى دور على أساس النضج والتكامل، - حسن البنا - الرجل القرآني

[روبيرت جاكسون]

الفصل: إلى مرحلة ومن دور إلى دور على أساس النضج والتكامل،

إلى مرحلة ومن دور إلى دور على أساس النضج والتكامل، وكان هذا يزعج خصوم الوطن الذي لم يعهد سياسة تعلو على المطامع الفردية، وتتعالي على الأغراض الذاتية، وتنقي جوها من الدوافع الشخصية الخاصة.

وكان الرجل على قدراته الفائقة في ضبط أعصابه كَيِّسًا في مواجهة الأمور، لَبِقًا في استقبال الأحداث والأزمات.

وإلى هذا كله كان غاية الاعتدال، فكان يعيش براتب لا يزيد على راتبه المدرسي المحدود، وبين يديه الأموال الضخمة المعروضة من أتباعه، وحوله من العاملين معه من يصل دخله إلى ضعف أو أضعاف ما يحصل عليه.

‌زُهْدٌ وَبَسَاطَةٌ:

وكان في بيته مثال الزهادة، وفي ملبسه مثال البساطة، وكنت تلقاه في تلك الحجرة المتواضعة الفراش ذات السجادة العتيقة والمكتبة الضخمة، فلا تراه يختلف عن أي إنسان عادي، إلا ذلك الإشعاع القوي والبريق اللامع الذي تبعثه عيناه. والذي لا يقوى الكثيرون على مواجهته، فإذا تحدث سمعتَ من الكلمات القليلة المعدودة مُوجَزًا وَاضِحًا للقضايا المطولة التي تحتويها المجلدات، وكان إلى هذه الثقافة

ص: 17

الواسعة الضخمة، قديرًا على فهم الأشخاص لا يفاجئك بالرأي المعارض، ولا يصدمك بما يخالف مذهبك، وإنما يحتال عليك حتى يصل إلى قلبك ويتصل بك فيما يتفق معك عليه .. ويعذرك فيما يختلفان فيه. وهو واسع الأفق إلى أبعد حد، يفتح النوافذ للهواء الطلق، فلا يكره حرية الرأي ولا يضيق بالرأي المعارض، وقد استطاع أن يحمل الرأي الجديد إلى الجماهير دون أن يصطدم بهم .. هذا الجديد الذي لو عرض بغير لباقة لوقفوا ضده وحاربوه، لقد نقلهم من وراثياتهم، وَغَيَّرَ فهمهم للدين: وَحَوَّلَ اتجاههم في الحياة وأعطاهم الهدف وملأ صدورهم بالأمل في الحرية والقوة.

وكان له من صفات الزعماء، صوته الذي تتمثل فيه القوة والعاطفة، وبيانه الذي يصل إلى نفوس الجماهير ولا تنبو عنه أذواق المثقفين. وتلك اللباقة والحنكة والمهارة في إدارة الحديث والإقناع.

وبهذه الصفات جميعها استطاع كسب هذه الطائفة الضخمة من الأنصار في هذا الوقت القصير من الزمن، فحول وجهات نظرها ونقلها نقلة واسعة .. دون ارتطام أو صراع ..

كان سمته البسيط ولحيته الخفيفة، وذلك المظهر

ص: 18

الذي لا تجد فيه تكلف بعض العلماء، ولا العنجهية ولا السذاجة .. قد أكسبه الوقار ..

ولقد كانت شخصية حسن البنا جديدة على الناس .. عجب لها من رآها واتصل بها .. كان فيه من الساسة دهاؤهم، ومن القادة قوتهم، ومن العلماء حججهم، ومن الصوفية إيمانهم، ومن الرياضيين حماسهم، ومن الفلاسفة مقاييسهم، ومن الخطباء لباقتهم ومن الكُتَّابِ رصانتهم.

وكان كل جانب من هذه الجوانب يبرز كطابع خاص في الوقت المناسب، ولكل هذه الصفات التي تقرؤها في كتب شمائل الصحابة والتابعين، لم يكن مقدرًا أن يعيش طويلاً في الشرق .. وكان لا بد أن يموت باكرًا، فقد كان غريبًا عن طبيعة المجتمع، يبدو كأنه الكلمة التي سبقت وقتها، أو لم يأت وقتها بعد.

ولم يكن الغرب ليقف مكتوف اليدين، أمام مثل هذا الرجل .. الذي أعلي كلمة الإسلام علي نحو جديد .. وكشف لرجل الشارع حقيقة وجوده ومصيره وجمع الناس علي كلمة الله .. وخفت بدعوته ريح التغريب والجنس ونزعات القومية الضيقة .. واعتدلت لهجات الكتاب، وبدأ بعضهم يجري في ركب «الريح الإسلامية» .

ص: 19