المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثقافة حسن البنا: - حسن البنا - الرجل القرآني

[روبيرت جاكسون]

الفصل: ‌ثقافة حسن البنا:

‌ثَقَافَةُ حَسَنِ البَنَّا:

ولم تكن هناك دعوة ولا نزعة ولا رسالة، مما عرف العالم في الشرق أو في الغرب، في القديم أو في الحديث .. لم يبحثها أو يقرأها أو يدرس أبطالها، وحظوظهم من النجاح أو الفشل، أو يحمل منها ما يصلح لتجاريبه وأعماله.

كان يقول كل شيء، ولا تحس أنه جرح أو أساء .. وكان يواجه النقد في ثوب الرواية أو المثل، وكان يضع الخطوط يترك لأتباعه التفاصيل.

كان قديرًا على أن يحدث كُلاًّ بلغته وفي ميدانه وعلى طريقته وفي حدود هواه وعلى الوتر الذي يحس به، وعلى «الجرح» الذي يثيره.

ويعرف لغات الأزهريين والجامعيين والأطباء والمهندسين والصوفية وأهل السنة، ويعرف لهجات الأقاليم في الدلتا وفي الصحراء وفي مصر الوسطى والعليا وتقاليدها، بل إنه يعرف لهجات الجزارين والفتوات، وأهالي بعض أحياء القاهرة الذين تتمثل فيهم صفات معينة بارزة، وكان في أحاديثه إليهم يروي لهم من القصص ما يتفق مع ذوقهم وفنهم.

بل كان يعرف لغة اللصوص وقاطعي الطريق

ص: 20

والقتلة، وقد ألقى إليهم مرة حَدِيثًا، وهو يستمد موضوع حديثه - أثناء سياحته في الأقاليم وفي كل بلد - من مشاكلها ووقائعها وخلافاتها، ويربطه في لباقة مع دعوته ومعالمها الكبرى فيجيء كلامه عَجَبًا .. يأخذ بالألباب.

كان يقول للفلاحين في الريف «عندنا زرعتان .. إحداهما سريعة النماء كالقثاء، والأخرى طويلة كالقطن» .

لم يعتمد يومًا على الخطابة، ولا تهويشها ولا إثارة العواطف علي طريقة الصياح والهياج .. ولكنه يعتمد على الحقائق، ويستثير العاطفة بإقناع العقل، ويلهب الروح بالمعنى لا باللفظ، وبالهدوء لا بالثورة، وبالحجة لا بالتهويش.

ويعد «الحديث» عند بعض الناس آيته الكبرى غير أنني علمت من بعض المتصلين به .. أنها آخر مواهبه فقد كانت أبلغ مواهبه القدرة على الإقناع، وكسب «الفرد» بعد «الفرد» فيربطه به برباط لا ينفصم، فيراه صاحبه خاصًا، وتقوم بينه وبين كل فرد يعرفه صداقة خاصة خالصة، يكون معها في بعض الأحيان مناجاة، وتنتقل بالتعرف على شؤون الوظيفة والعمل والأسرة والأطفال.

وهذه أقوى مظاهر عظمته، فهو قد يكسب

ص: 21