المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: عقوبة الساحر: - حقيقة السحر وحكمه في الكتاب والسنة

[عواد المعتق]

الفصل: ‌ثالثا: عقوبة الساحر:

السحر من السبع الموبقات وأمر باجتنابها لما يترتب على فعلها من ضرر في الدنيا وعذاب في الآخرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق بشيء وكل إليه" 1

وجه الدلالة: أن في الحديث تصريحاً بأن فاعل السحر قد أشرك.

هذا شيئ من الأدلة من الكتاب والسنة. كلها صريحة بتحريم السحر وعده إما كفراً أو معصية كبيرة - مما يدل على أن السحر قد يكون كفراً، وذلك إذا كان فيه ما يقتضي الكفر، ويكون فسقاً إذا لم يكن فيه شيء من ذلك. وهو السحر المجازي والله أعلم.

1 أخرجه النسائي في التحريم باب الحكم في السحرة وفي سنده عباد بن ميسرة المنقري وهو لين الحديث، جامع الأصول حديث 3071.

ص: 171

‌ثالثاً: عقوبة الساحر:

نظراً لتعدد أنواع السحر لذا اختلف العلماء في عقوبة الساحر على قولين:

القول الأول: وهو ما ذهب إليه جمهور أهل السنة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ورواية عن الإمام الشافعي أنه متى ما ثبتت جريمة السحر بحق إنسان بإقرار أو بيّنه وجب قتله مطلقاً من غير استتابة إلا أن يأتي تائباً قبل أن يقدر عليه.

يقول الإمام أبو حنيفة: "يقتل الساحر إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل قوله إني أترك السحر وأتوب منه."فإذا أقرّ أنه ساحر فقد حل دمه، وإن شهد عليه شاهدان أنه ساحر فوصفوا ذلك بصفة يعلم أنه ساحر قتل ولا يستتاب، وإن أقرّ فقال: كنت أسحر وتركت هذا منذ زمان قبل منه ولم يقتل.

ص: 171

وكذا لو شهد عليه أنه كان مرة ساحر وأنه ترك منذ زمان لم يقتل إلا أن يشهدوا أنه الساعة ساحر وأقرّ بذلك فيقتل.1

وحكى محمد بن شجاع عن علي الرازي. قال: سألت أبا يوسف عن قول أبي حنيفة في الساحر: يقتل ولا يستتاب. لمَ لم يكن ذلك بمنزلة المرتد؟ فقال الساحر جمع مع كفره السعي في الأرض بالفساد والساعي بالفساد إذا قتل قتل.2

وقال الإمام مالك: "الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله كالزنديق"3

وقال أيضاً: "فإذا جاء الساحر أو الزنديق تائباً قبل أن يشهدوا عليهما قبلت توبتهما"4

وقال ابن قدامة:"

وحد الساحر القتل روي ذلك عن عمر وعثمان ابن عفان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله وجندب بن كعب وقيس ابن سعد وعمر بن عبد العزيز وهو قول أبي حنيفة ومالك

إلى أن قال: وهل يستتاب الساحر؟ فيه روايتان: أحدهما: لا يستتاب، وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحراً.5

وقال عياض: "وبقول مالك قال أحمد وجماعة من التابعين"6

1 أحكام القرآن ج1ص60 وانظر: تفسير الرازي ج3ص215.

2 أحكام القرآن ج1ص61.

3 فتح الباري ج10ص224، ونيل الوطار ج7ص363.

4 تفسير القرطبي ج2 ص49.

5المغني لابن قدامة ج8ص153.

6 فتح الباري ج10ص224.

ص: 172

وقال القرطبي: "اختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم

فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفراً يقتل ولا يستتاب ولا تقبل توبته؛ لأنه أمر يستسر به كالزنديق والزاني

وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق والشافعي وأبي حنيفة.1

وقد أيدوا قولهم بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة وأفعال الصحابة والتابعين منها ما يلي:

الأول: قال تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ

الآية} 2

وجه الدلالة: أن الآية تدل على أن السحر كفر من وجوه - أحدها: نفي الكفر عن سليمان عليه السلام في معرض اتهامه بالسحر وإثباته للشياطين لتعليمهم الناس السحر دليل على أن السحر كفر.

ثانيها: تحذير الملكين من تعلم السحر بأنه كفر3. وعليه فإن الساحر يقتل لأنه كافر.

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن الحسن عن جندب أنه صلى الله عليه وسلم قال: "حد الساحر ضربة السيف" 4

1 تفسير القرطبي ج2ص47-48.

2 آية 102 سورة البقرة.

3 المغني ج8ص152 وتفسير القرطبي ج2 ص 47، 49 وأحكام القرآن للجصاص ج1ص63.

4 واه الترمذي في كتاب الحدودباب ماجاء في حد الساحر ج4 ص60 وضعف إسناده حيث قال: لا نعرفه مرفوعاً: إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم يضّعف في الحديث من قبل حفظه

والصحيح عن جندب موقوف انظر نيل الأوطار ج7ص362-363 وعلى هذا فهو عند الترمذي المرفوع ضعيف والصحيح أنه موقوف. ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك في كتاب الحدود باب حد الساحر ضربة بالسيف ج4ص360 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ويرحج ما قاله الحاكم العمل بمدلوله عند كثير من الصحابة والتابعين - كعمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبي موسى وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز وغيرهم - انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج2 ص48 وأحكام القرآن ج1ص60.

ص: 173

ولجندب راوي الحديث قصة توضح معنى الحديث وتؤكده وهي: أن ساحراً كان عند الوليد بن عقبة يلعب فذبح إنساناً وأبان رأسه فعجبنا فأعاد رأسه فجاء جندب الأزدي فقتله1.فثبت بهذا أن عقوبة الساحر هي القتل.

الثالث: ما روي عن بجالة بن عبدة قال: كنت كاتباً لجزي بن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بسنة "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة

" 2فقتلنا ثلاث سواحر في يوم.

الرابع: ماروي عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبّرتها فأمرت بها فقتلت رواه مالك في الموطأ3.

الخامس: ما ذكره ابن حزم عن يحي بن أبي كثير قال: إن غلاماً لعمر بن عبد العزيز أخذ ساحرة فألقاها في الماء فطفت فكتب إليه عمر بن عبد العزيز إن الله لم

1 رواه البخاري في تاريخه عن أبي عثمان النهدي، انظر تيسير العزيز الحميد ص343.

2 رواه أبو داؤد في كتاب الإمارة باب في أخذ الجزية من المجوس ج3ص168 وأحمد في مسنده ج1 ص190- 191 وانظر: نيل الأوطار ج7 ص 362 والمغني ج8 ص 153.

3 الموطأ: كتاب العقول باب ما جاء في الغيلة والسحرة ج2ص628.

ص: 174

يأمرك أن تلقيها في الماء فإن اعترفت فاقتلها1.

كما روي قتل السحرة عن غير هؤلاء من الصحابة والتابعين من الصحابة: عثمان وابن عمر وأبي موسى وقيس بن سعد، ومن التابعين سبعة منهم عمر بن عبد العزيز.2

وكما نرى قتل الساحر مذهب عدد من كبار الصحابة ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة3.

وعند علماء الأصول أن الصحابي إذا قال قولاً أو فعله واشتهر ولم يعلم له مخالف فإنه يعد إجماعاً سكوتياً4ويؤكد هذا أنه مذهب جماعة من التابعين قال ابن قدامة - بعد أن ذكر من قال بوجوب قتل الساحرمن الصحابة وهذا اشتهر فلم ينكر فكان إجماعا5.

وبذلك ثبت في الكتاب والسنة والإجماع من الصحابة والتابعين قتل الساحر مطلقاً عند الجمهور.

قال الإمام الشنقيطي: "فهذه الآثار التي لم يعلم أن أحداً من الصحابة أنكرها على من عمل بها مع اعتضادها بالحديث المرفوع المذكور هي حجة من قال بقتله مطلقاً، والآثار المذكورة والحديث فيهما الدلالة على أنه يقتل ولو لم يبلغ

1 المحلى لابن حزم ج11 ص 395.

2 انظر تفسير القرطبي ج2ص48، وأضواء البيان ج4 ص461.

3 انظر: أضواء البيان ج4ص460.

4 أصول الفقه الإسلامي ص 239.

5 المغني لابن قدامة ج8 ص 153.

ص: 175

به سحره الكفر لأن الساحر الذي قتله جندب كان سحره من نوع الشعوذة

وقول عمر: "اقتلوا كل ساحر" يدل على ذلك بصيغة العموم1.

القول الثاني: وهو مذهب الإمام الشافعي وابن المنذر وراية عن الإمام أحمد2أن الساحر إذا عمل بسحره ما يبلغ الكفر وجب قتله كفراً بعد الاستتابة أما إذا لم يبلغ الكفر وقتل نفساً قتل قصاصاً. وما سوى ذلك يعزر. يقول السبكي "وأما مذهب الشافعي فحاصله أن الساحر له ثلاثة أحوال حال يقتل كفراً، وحال يقتل قصاصاً، وحال لا يقتل أصلاً بل يعزر. أما الحالة التي يقتل فيها كفراً فقال الشافعي رحمه الله أن يعمل بسحره ما يبلغ الكفر. وشرح أصحابه ذلك بثلاثة أمثلة - أحدها: أن يتكلم بكلام هو كفر، ولاشك أن ذلك موجب للقتل ومتى تاب منه قبلت توبته وسقط عنه القتل وهو يثبت بالإقرار وبالبينة.

المثال الثاني: أن يعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل بأنفسها، فيجب عليه أيضاً القتل

وتقبل توبته. ولا يثبت هذا القسم إلا بالإقرار.

المثال الثالث: أن يعتقد أنه حق يقدر به على قلب الأعيان فيجب عليه القتل

ولا يثبت ذلك أيضاً إلا بالإقرار، وإذا تاب قبلت توبته وسقط عنه القتل. وأما الحالة التي يقتل فيها قصاصاً فإذا اعترف أنه قتل بسحره إنسانا

وأنه مات به وأن سحره يقتل غالباً فها هنا يقتل قصاصاً ولا يثبت هذه الحالة إلا الإقرار ولا يسقط القصاص بالتوبة. وأما الحالة التي لا يقتل فيها أصلاً ولكن يعزر فهي ما عدا ذلك3.

1 أضواء البيان ج4 ص 461.

2 انظر: المغني لابن قدامة ج8 ص153.

3 فتاوى السبكي ج2 ص324.

ص: 176

وقال القرطبي: "نقل عن ابن المنذر أنه قال: "إذا أقر الرجل أنه سحر بكلام يكون كفراً وجب قتله إن لم يتبت وكذلك لو ثبتت عليه بينة، ووصفت البينة كلاماً يكون كفراً وإن كان الكلام الذي ذكر أنه سحر به ليس بكفر لم يجز قتله، فإن كان أحدث في المسحور جناية توجب القصاص اقتص منه إن عمد ذلك"1.

أدلتهم: وقد استدل الشافعي ومن وافقه على هذا القول بأدلة منها ما يلي:

1-

ما رواه الشافعي في مسنده من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس"2.

يقول السبكي: بعد إيراد الحديث - "القتل" في الحالة الأولى بقوله "كفر بعد إيمان، وفي الحالة الثالثة بقوله "أو قتل نفس بغير نفس" وامتنع في الثانية لأنها ليست بإحدى الثلاث، فلا يحل دمه عملاً بصدر الحديث3.

2-

ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها باعت مدبرة لها سحرتها4.

وجه الدلالة: أنه لو وجب قتلها تأجل بيعها قاله ابن المنذر وغيره5.

1 تفسير القرطبي ج2ص 48.

2 مسند الشافعي ص 164ورواه الترمذي في الفتن باب ماجاء لايحل دم امرىء إلا بإحدى ثلاث، والنسائي في تحريم الدم باب ما يحل به دم المسلم بنحوه"انظر: جامع الأصول حديث 7731 عن أبي أمامه عن عثمان أنه صلى الله عليه وسلم " قال.

3 فتاوى السبكي ج2 ص324.

4 المغني ج8 ص 153، وأضواء البيان ج4ص461.

5 اتظر: أضواء البيان ج4 ص461.

ص: 177

- ما ورد في الصحيحين وغيرهما: أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقتله1فوجب أن يكون المؤمن كذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: "لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين"2.

4-

ما وراه ابن حزم عن ربيعة بن عطاء أن "رجلاً عبداً سحر جارية عربية فكانت تتبعه فرفع إلى عروة بن محمد وكان عامل عمر بن عبد العزيز فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن يبيعه بغير أرضها وأرضه ثم أمره أن يدفع ثمنه إليه"3 فعمر كما نرى أمر بتعزير فقط دليل على أنه لا يقتل. وقد استدل به الشافعية على الحالة الثالثة. مما ذكرنا يظهر - والله أعلم - أنه لا خلاف في قتل الساحر الذي بلغ بسحره الكفر أو قتل بسحره نفساً اللهم - إلا أن الجمهور قالوا يقتل حداً والشافعي ومن معه قالوا: يقتل كفراً أو قصاصاً.

وإنما الخلاف في الساحر الذي لم يبلغ بسحره الكفر ولم يقتل نفساً. فالجمهور - كما نرى- قالوا بقلته مطلقاً. والشافعي ومن معه قالوا لا يقتل، إنما يعزر. وقد رجح البعض4ورأي الجمهور – لاتفاق الكتاب والسنة وفعل الصحابة له من غير نكير. ولذا أجابوا عن أدلة الشافعي ومن معه بما يلي:

1 سبق تخريجه، وانظر فتح الباري ج10ص231.

2 رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن حبان والدارقطني عن أنس كنز العمال حديث 374 ورواه النسائي في كتاب الإيمان وشرائعه باب على من يقاتل الناس ج8 ص 109 وانظر: جامع الأصول حديث 38.

3المحلى لابن حزم ج1 ص 395.

4انظر: تيسير العزيز الحميد 342 وأضواء البيان ج4 ص462.

ص: 178

أما الدليل الأول: فأجيب عنه: بأن الساحر عند الجمهور كافر، ذلك أن السحر في الشرع لا يتحقق إلا بالتقرب إلى الشياطين وعبادة الكواكب ونحوه، وذلك عين الكفر، وعليه فهو حلال الدم وعلى فرض أنه ليس بكافر فإن هذا الدليل عام.

وأدلة قتل الساحر خاصة. والخاص يقضي على العام1.

أما الدليل الثاني: فقيل لعل الأمة التي سحرت عائشة كان سحرها ليس فيه كفر كالأدوية ونحوها. أو أن السحر لم تعلمه وإنما عمل لها أو أنها تابت فسقط عنها القتل والكفر بتوبتها2.

أما الدليل الثالث: فأجيب عنه بما يلي:

1-

الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك قتل لبيد لأنه ليس بواجب وإنما ترك قتله خشية أن تثار فتنة بين الناس، وهي أعظم من قتل واحد. وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:"قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس شراً"3.

أو يكون في قتله تنفير عن الدخول في الإسلام.

قال القرطبي: "لا حجة على مالك من هذه القصة؛ لأن ترك قتل لبيد بن الأعصم كان لخشية أن يثير بسبب قتله فتنة، أو لئلا ينفر الناس عن الدخول في الإسلام وهو من جنس ما راعاه صلى الله عليه وسلم من منع قتل المنافقين حيث قال: " لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" 4.

2-

على فرض أنه صلى الله عليه وسلم ترك قتله لأنه ليس بواجب فوجب أن يكون المؤمن كذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لهم ما للمسلمين وعليهم

1 انظر تيسير العزيز الحميد ص 335 وأضواء البيان ج4 ص462.

2 انظر المغني ج8 ص 153.

3 جزء من حديث سبق تخريجه.

4 فتح الباري ج10 ص 231.

ص: 179

ما عليهم" يقال استدلال غير مسلم؛ لأن المراد بالحديث: المنقادون للدين الإسلامي فأصبحوا مسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ويدل على ذلك أول الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله

حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ماعلى المسلمين" 1وعلى هذا فليس المراد أهل الكتاب2.

وأما الدليل الرابع: فأجيب عنه بما يلي:

1-

أن هذا الخبر غير صحيح؛ لأنه يتنافى مع رأي عمر إذ إنه من أصحاب القول الأول.

2-

على فرض صحة هذا الخبر فإنه مؤول بالسحر المجازي الذي يقوم على حسن البيان ونعومة الألفاظ التي تستمال بها القلوب. وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن من البيان لسحرا"3. ويؤكد ذلك استدلال الشافعية به على الحالة الثالثة، وهي التعزير. ورجح البعض رأي الشافعي ومن معه، بأن دماء المسلمين حرام إلا بيقين ولا يقين مع الإختلاف4 وأقول: الذي يظهر- والله أعلم- أن الخلاف بين الجمهور والشافعي ومن معه فيما يتأتى به السحر الحقيقي. فالجمهور: يرون أن السحر الحقيقي لايتأتى إلا بالتقرب إلى الشياطين وعبادة الكواكب ونحو ذلك، وذلك عين الكفر. ولذا

1 سبق تخريجه.

2 انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص 169.

3 رواه الترمذي في الأدب باب ماجاء إن من الشعر لحكمة، وأبو داود في الآداب باب ماجاء في الشعر وانظر: جامع الأصول حديث 3219.

4 تفسير القرطبي ج2 ص 48، وأضواء البيان ج4 ص 462.

ص: 180

كان حقه القتل مطلقاً والشافعي ومن معه يظنون أنه يتأتى بدون الشرك ولذا فصّلوا فيه. والحق أن السحر أنواع، الأول: ماله حقيقة والثاني سحر التخييل وهذان يطلق عليهما السحر الحقيقي، ولا يتأتيان إلا بقول أو فعل أواعتقاد مكفر كالتقرب إلى الشياطين وعبادة الكواكب ونحو ذلك ولذا فهو كفر يقتل صاحبه.

الثالث: السحر المجازي: وهذا يتأتى بالأدوية وبالكلام وخفة الحركة ونحو ذلك ولذا فهو ليس بكفر بل معصية حق صاحبها التعزير إذا لم يقتل نفساً1 والله أعلم.

حكم المرأة الساحرة: اختلف في حكمها. فذهب الأئمة الثلاثة أحمد والشافعي ومالك إلى أن حكم المرأة الساحرة حكم الرجل.

وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن حكمها الحبس حتى ترجع إلى الإسلام بالتوبة، لأنها مرتدة أو تموت2.

والأظهر - والله أعلم - الأول: بدليل قول عمر: "اقتلوا كل ساحر وساحرة" حيث لم يفرق بينهما، ولأن لفظ من في قوله: صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه" 3تشمل الأنثى على أظهر القولين وأصحهما إن شاء الله تعالى4.

1 انظر: تيسير العزيز الحميد ص335 وعالم السحر والشعوذة ص 240-24 وأحكام القرآن ج1ص63.

2 انظر: تفسير ابن كثير ج1ص147 والروضة الندية ج2ص419.

3 أخرجه البخاري في استتابة المرتد باب حكم المرتد، والترمذي في الحدود ما جاء في المرتد وانظر: جامع الأصول حديث 1801.

4 انظر اضواء البيان ج4ص459.

ص: 181

حكم ساحر أهل الكتاب:

ذهب الإمام أبوحنيفة إلىأنه يقتل لعموم ما تقدم من الأخبار التي دلت على قتل الساحر المسلم ولأنه جناية أوجبت قتل المسلم فأوجبت قتل الذمي كالقتل1.

وذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، وابن شهاب الزهري إلىأنه لا يُقتل إلا أن يقتل بسحره، وهو مما يقتل غالباً لما يلي:

1-

أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقتله

2-

أن الكتابي مشرك، والشرك أعظم من السحر ولا يقتل به2 وقد رجح البعض3 رأي الجمهور، ولذا أجابوا عن أدله أبي حنيفة بما يلي:

1-

أما الأخبار التي وردت في قتل الساحر المسلم، فلأن المسلم يكفر بسحره. والكتابي كافر أصلى.

2-

أما قوله "بأن السحر جناية أوجبت قتل المسلم فأوجبت قتل الذمي، كالقتل. فيقال: هذا القياس ينتقض باعتقاد الكفر والتكلم به. وينتقض بالزنى من المحصن فإنه لا يقتل به الذمي ويقتل به المسلم4.

3-

ورجح البعض5 رأي أبي حنيفة وأجابوا عن استدلال الجمهور بقصة لبيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يقتله، لأنه لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي أن

1 المغني لابن قدامةج8ص155،وتفسير ابن كثير ج1ص147، وفتح الباري ج10ص236.

2 المغني لابن قدامةج8ص155، وتفسير ابن كثير ج1ص147، وفتح الباري ج10 ص236.

3 مثل ابن قدامة: المغني ج8 ص155.

4المغني ج8 ص155.

5 مثل الإمام الشنقيطي. أضواء البيان ج4 ص471.

ص: 182

‌المبحث الرابع: علاج السحر (النشرة)

‌تقديم

وعلى هذا فالسحر داء كغيره يبحث له عن دواء. ويطلق على ذلك الدواء إذا وجد "النشرة".

ما هي النشرة؟ لغة: مصدر نشر ينشر نشراً، وهو في لغة العرب يرد لمعان منها: الريح الطيبة.

قال مرقش:

النشر مسك والوجوه

دنانير وأطراف الأكف عَنم

ومنها: الإحياء. يقال: نشر الله الميت ينشره نشراً ونشوراً: أحياه كما قال تعالى {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} 1 ومنها البسط. تقول نشرت الثوب: أي بسطته ومنها: الإذاعة. يقال نشرت الخبر أنشره نشراً أي أذعته.

ومنها: النحت أو القطع، نقول: نشرت الخشبة بالمنشار أي نحتها أو قطعتها2. والمراد هنا بالنشرة: هي حل السحرعن المسحور برقية أو علاج وسميت بذلك؛ لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أي يكشف ويزال3.

1 آية 15 سورة الملك.

2 انظر لسان العرب، مادة نشر.

3 انظر تيسير العزيز الحميد ص 367 والنهاية في غريب الحديث والأثر ج5 ص54.

ص: 178