المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من ثناء أهل العلم على الإمام محمد بن عبد الوهاب - حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول)

[إسماعيل الأنصاري]

الفصل: ‌من ثناء أهل العلم على الإمام محمد بن عبد الوهاب

‌من ثناء أهل العلم على الإمام محمد بن عبد الوهاب

حظي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب من ثناء أهل العلم عليه بالشيء الوفير ; وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر منهم من يلي: -

1-

والده الشيخ عبد الوهاب، كان يتوسم فيه الخير ويحدث بذلك ويبديه ويؤمل بذلك ويرجوه، ويعترف بالاستفادة منه على صغر سنه. قال سليمان أخو الإمام محمد بن عبد الوهاب - كان عبد الوهاب أبوه - أي: محمد - يتعجب من فهمه وإدراكه قبل بلوغه، ويقول: لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام، أو قريبا من هذا الكلام، وذكر ذلك العلامة ابن غنام في "روضة الأفكار والأفهام" جـ1 صـ25.

2-

العلامة الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني1 أنشد فيه قصيدة أثنى عليه فيها بقيامه بالتوحيد وبإلزامه من تحت يده إقامة شعائر الإسلام. بين في تلك القصيدة ما عليه أكثر الناس في زمان الشيخ محمد بن عبد الوهاب من التبرك بالأشجار والأحجار والقبور وغير ذلك من أنواع الانحراف.

يقول الصنعاني في تلك القصيدة:

سلامي على نجد ومن حل في نجد

وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي

لقد صدرت من سفح صنعا سقي الحيا

رباها وحياها بقهقهة الرعد

سرت من أثير ينشد الريح أن سرت

ألا ياصبا نجد متى هجت من نجد

1وقد أثنى عليه ابن غنام في روضة الأفكار والأفهام بقوله ج1 ص19 كان مشهورا بالعلم والفهم. ا. هـ.

ص: 131

يذكرني مسراك نجدا وأهله

لقد زادني مسراك وجدا على وجد

قفي واسألي عن عالم حل سوحها

به يهتدي من ضل عن منهج الرشد

محمد الهادي لسنة أحمد

فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدى

لقد أنكرت كل الطوائف قوله

بلا صدر في الحق منهم ولا ورد

وما كل قول بالقبول مقابل

ولا كل قول واجب الطرد والرد

سوى ما أتى عن ربنا ورسوله

فذلك قول جل قدرا عن الرد

وأما أقاويل الرجال فإنها

تدور على قدر الأدلة في النقد

وقد جاءت الأخبار عنه بأنه

يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

وينشر جهرا ما طوى كل جاهل

مبتدع منه فوافق ما عندي

ويعمر أركان الشريعة هادما

مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد

أعادوا بها معنى سواع ومثله

يغوث وود بئس ذلك من ود

وقد هتفوا عند الشدائد باسمها

كما يهتف المضطر بالصمد الفرد

وكم عقروا في سوحها من عقيدة

أهلت لغير الله جهرا على عمد

وكم طائف حول القبور مقبل

ومستلم الأركان منهي باليد

إلى أن قال:

فقد سرني ما جاءني من طريقه

وكنت أرى هذه الطريقة لي وحدي 1

وفي بيان حالة الأقطار وقت ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول الصنعاني في قصيدة له أخرى:

1 وردت هذه القصيدة بكمالها في ديوان الصنعاني ص122-132، وأشار إليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في "مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد" بقوله:"الأمر كما قال الصنعاني في قصيدته" أقاويل لا تعزى إلى عالم فلا تساوي فلسا إن رجعت إلى النقد. وذكر الصنعاني في "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد" منها أربعة أبيات تبتدئ بقوله: أعادوا بها معنى سواع، وتنتهي بقوله: ويستلم الأركان منهي بالأيدي وعبر الصنعاني عما ذكره منها بالأبيات النجدية وكرها ابن غنام في روضة الأفكار والأفهام ج1 ص46-49 ووصفها بأنها بديعة في معناها فائقة أترابها رونقا وحسنا.

ص: 132

أسائل من دار الأراضي سياحة

عسى بلدة فيها هدى وصواب

فيخبر كل عن قبائح ما رأى

وليس لأهليها يكون متاب

لأنهم عدوا قبائح فعلهم

محاسن يرجى عندهن ثواب

3-

العلامة محمد بن علي الشوكاني صاحب نيل الأوطار وغيره من الكتب المهمة، ذكره في ترجمة غالب بن مساعد أمير مكة من كتابه "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" وقال في جـ 12 "وفي سنة 1215 وصل من صاحب نجد المذكور أي: عبد العزيز بن سعود مجلدان لطيفان أرسل بهما إلى حضرة حولان الإمام حفظه الله، أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة. والمجلد الآخر يتضمن الرد على جماعة من المقصرين من سفهاء صنعاء وصعدة ذكروه في مسائل متعلقة بأصول الدين وبجماعة من الصحابة، فأجاب عليهم جوابات محررة مقررة محققة تدل على أن المجيب من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة. وقد هدم عليهم جميع ما بنوه وأبطل جميع ما دونوه؛ لأنهم مقصرون متعصبون، فصار ما فعلوه خزيا عليهم وعلى أهل صنعاء وصعدة، وهكذا من تصدر ولم يعرف مقدار نفسه، وأرسل صاحب نجد مع الكتابين المذكورين بمكاتبة منه إلى سيدي المولى الإمام فدفع حفظه الله جميع ذلك، فأجبت عن كتابه الذي كتب إلى مولانا الإمام حفظه الله على لسانه بما معناه: أن الجماعة الذين أرسلوا إليه بالمذكرة لا ندري من هم، وكلامهم يدل على أنهم جهال، والأصل والجواب موجودان في مجموعين" اهـ.

وذكر الشوكاني في ترجمة الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود من "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" جـ1 صـ262. ذكر ما قام به الإمام محمد بن عبد الوهاب من الدعوة إلى توحيد الله عز وجل والإنكار على المعتقدين في الأموات، وما قام به الإمام محمد بن سعود من إجابته ونصره ومجاهرة من خالف دعوته دعوة التوحيد، وقيام الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود مقامه، وقيام الإمام سعود بن عبد العزيز مقام عبد العزيز من بعده، وما لذلك في بلاد اليمن من الآثار العظيمة، فقال: "وصل إليه - أي: إلى محمد بن سعود - الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب

ص: 133

الداعي إلى التوحيد المنكر على المعتقدين في الأموات، فأجابه وقام بنصره وما زال يجاهد من يخالفه. وكانت تلك البلاد قد غلبت عليها أمور الجاهلية وصار الإسلام فيها غريبا، ثم مات محمد بن سعود وقد دخل في الدين بعض البلاد النجدية، وقام ولده عبد العزيز مقامه، فافتتح جميع الديار النجدية والبلاد المقدسة والبلاد العارضية والحسا والقطيف، وجاوزها إلى فتح كثير من البلاد الحجازية، ثم استولى على الطائف ومكة والمدينة وغالب جزيرة العرب، وغالب هذه الفتوح على يد ولده سعود، ثم قام بعده ولده سعود فتكاثرت جنوده واتسعت فتوحه ووصلت جنوده إلى اليمن، فافتتحوا بلاد أبي عريش وما يتصل بها، ثم تابعهم الشريف حمود بن محمد شريف أبي عريش، وأمدوه بالجنود ففتح البلاد التهامية كاللحية والحديدة وبيت الفقيه وزبيد وما يتصل بهذه البلاد، وما زال الوافدون من سعود يفدون إلينا إلى صنعاء إلى حضرة الإمام المنصور وإلى حضرة ولده الإمام المتوكل، فكتب إليهما بالدعوة إلى التوحيد، وهدم القبور المشيدة والقباب المرتفعة، ويكتب إلي - أيضا - مع ما يصل من الكتب إلى الإمامين، ثم وقع الهدم للقباب والقبور المشيدة في صنعاء، وفي كثير من الأمكنة المجاورة لها، وفي جهة ذمار وما يتصل بها" ا. هـ.

4-

الشيخ العلامة محمد بن أحمد بن عبد القادر الحفظي1 قال في الثناء عليه والإشادة بدعوته:

الحمد حقا مستحقا أبدا

لله رب العالمين أبدا

مصليا على الرسول الشارع

وآله وصحبه والتابعي

في البدء والختم وأما بعد

فهذه منظومة تعد

1 وصفه الشيخ محمد بن محمد بن يحيى بن زبارة الحسني اليماني الصنعاني في كتابه "نيل الوطر في رجال اليمن في القرن الثالث عشر" بأنه الشيخ العلامة البارع في الفنون وقال: كان سريع البادرة حسن المحاضرة مع تواضع ودماثة أخلاق واشتغال بما يقربه من الأخلاق وكان المرجع لأهل جهته بعد وفاته قال: "ولما ظهرت الدعوة النجدية - يعني دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - بالبلاد التهامية كان ممن مال إليها وحث الناس على إجابتها وكتب إلى حاكم المخلاف السليماني أبي عريش القاضي عبد الرحمن البهكلي وسائر علماء المخلاف قصيدة في ذلك أولها:"هاج الشجى وهاج شوق* المبتلي وبدت صبابات الغرام الأول"

وذكر أن له مؤلفات في النحو وغيره ومات بقرية رجار من عسير في سنة 1237هـ.

ص: 134

حركني لنظمها الخير الذي

قد جاءنا في آخر العصر القذي

لما دعا الداعي من المشارق

بأمر رب العالمين الخالق

وبعث الله لنا مجددا

من أرض نجد عالما مجتهدا

شيخ الهدى محمد المحمدي

الحنبلي الأثري الأحمدي

فقام والشرك الصريح قد سرى

بين الورى وقد طغى واعتكرا

لا يعرفون الدين والتهليلا

وطرق الإسلام والسبيلا

إلا أساميها وباقي الرسم

والأرض لا تخلو من أهل العلم

وكل حزب فله وليجة

يدعونه في الضيق للتفريجة

وملة الإسلام والأحكام

في غربة وأهلها أيتام

دعا إلى الله وبالتهليلة

يصرخ بين أظهر القبيلة

مستضعفا وما له من ناصر

ولا له مساعد موازر

في زلة وقلة وفي يده

مهفة تغنيه عن مهذه

كأنها ريح الصبا في الرعب

والحق يعلو بجنود العرب

قد أذكرتني درة لعمر

وضرب موسى العصا بالحجر

ولم يزل يدعو إلى دين النبي

ليس إلى نفس دعا أو مذهب

يعلم الناس معاني أشهد

أن لا إله غير فرد يعبد

محمد نبيه وعبده

رسوله إليكم وقصده

أن تعبدوه وحده لا تشركوا

شيئا به والابتداع فاتركوا

ومن دعا دون الإله أحدا

أشرك بالله ولو محمدا

إن قلتم نعبدهم للقربة

أو للشفاعة فتلك الكذبة

فربنا يقول في كتابه

هذا هو الشرك بلا تشابه

هذه معاني دعوة الشيخ لمن

عاصره فاستكبروا عن السنن

فانقسم الناس فمنهم شارد

مخاصم محارب معاند

ما بين خفاش وبين جعل

شاهت وجوه أهل هذا المثل

وبعدما استجيب لله فمن

حاد في الله تردى وافتتن

ص: 135

ذكر هذه الأبيات الشيخ سليمان بن سحمان في كتابه "الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية" صـ72، وأضاف الحفظي إلى ذلك ما صرح به في "اللجام المكين والزمام المتين" حيث قال: ولقد كتبت إلى بعض علماء اليمن وقضاتها منظومة قلتها في ذلك - أي في الدفاع عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.

والحق أولى أن يجاب وإنما

لم أدر ما حيلولة المتحيل

إن كان ظنا أن ذاك مخالف

فهو البري من الخلاف المبطل

بل قام يدعو الناس للتوحيد

والتجريد والتغريد للرب العلي

ويذب عن شرع النبي محمد

ويذم من يدعو النبي أو الولي

أو كان ظنا أن فيه غلاظة

وفظاظة وشكامة لم تجمل

فأقول حاشا أن فيه ليونة

وهيونة للمقبل المستقبل

وإذا رأيت مفاسدا من بعضهم

فالشيخ عن ذاك الفساد بمعزل

ومما وفق فيه العلامة الحفظي مكاتبة أئمة الدعوة في كل مناسبة تقتضي ذلك. فقد كتب إليهم يسأل عن مسألة الضيافة هل هي واجبة أم لا؟ وعن طلب الإمام وعماله الزكاة من الأموال للباطنة هل يجوز له أم لا؟ وعن حكم العمل بصريح الحديث وظاهره إذا وجده المرء الأمهات الست أو ما التزم مخرجه فيه الصحة والحسن. هل للإنسان العمل به والاعتماد عليه وإن لم يبحث عنه هل هو منسوخ أم لا؟ وهل عارضه أقوى منه؟ وفي خطاب الحفظي المتضمن لتلك الأسئلة تصريحه بأنه على ما عليه الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب من إخلاص الدعاء لله وترك عبادة ما سواه وأنه لا يرضى بالإشراك والتخلف عن التوحيد ولو قدر فواق، فأجابه الشيخان الجليلان حسين وعبد الله ابنا الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب عن تلك الأسئلة بجواب سجل تحت عنوان "المسائل الحفظية" في الجزء الرابع من مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ط مطبعة المنار صـ54- 549.

وكتب الحفظي - أيضا - إلى أئمة الدعوة يسأل عن ضبط كلمة الإخلاص ومعناها وحقيقتها وحكمها ولازمها وفائدتها ومقتضاها ونواقضها ومتمماتها، فأجاب عن ذلك

ص: 136

السؤال العلامة سعيد بن حجي الحنبلي النجدي بجواب طويل جدا ورد في الجزء الرابع من مجموعة الرسائل والمسائل النجدية صـ840- 874.

وكتب مسألة أخرى يسأل فيها عن مسائل أوردها عليه بعض المجادلين في الدعوة وسمى تلك الرسالة "اللجام المكين والزمام المتين" فأجاب عنها الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر الحنبلي بجواب جيد في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية جـ4 صـ582- 659.

وللحفظي ألفية ما زالت مخطوطة نظم فيها خمسة كتب للإمام محمد بن عبد الوهاب هي: تفسير كلمة التوحيد والخصال الثماني وكتاب التوحيد والثلاثة الأصول وكشف الشبهات. وله في التوحيد رسالة قيمة سماها "درجات الصاعدين إلى مقامات الموحدين" أثنى فيها على الإمام محمد بن عبد الوهاب وعلى أنصار دعوته أئمة آل سعود حق الثناء، قال فيها صـ43 "فمن حين ظهرت هذه الدعوة النجدية إلى توحيد الإلهية وجردت عليها السيوف فمن ردها وأباها فالكلام عليه واللوم متوجه إليه، وهي الآن بحمد الله قد غارت وطارت. والقرآن العظيم أكبر حجة على من بلغه، والمسائل الواضحة التي يشترك في معرفتها الخاص والعام، مثل توحيد الله بالعبادة وأنه لا شريك له فيها، يدل عليها القرآن دلالة صريحة معقولة للتالي والسامع مع هداية العقل إلى ذلك ودلالته عليه، وفهم الحجة غير بلوغها. وللعلماء أقوال في هذا المجال. وقد نص القرآن العظيم على ذم قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا".. قال "كالدعوة إلى التوحيد".

هذا أمر مستفيض وشيء مشهور على علم التوحيد أنه فرض لازم. وعلى الشرك أنه حرام محض، ولكنها حصلت غلطات شنيعة وعادات فظيعة وأعمال كفرية وأقوال شركية وردة صريحة وأفعال قبيحة تتابع فيها كثير من الناس، وقلد بعضهم بعضا إلا قليلا من الأكياس، وكادت تنطمس آثار مباني الشريعة، وتنهدم معانيها المنيعة، وما أوتي الناس إلا من قبل الولايات. وهل أفسد الدين إلا أولئك وأحبار سوء ورهبانها. حتى بزغ قمر التجديد وطلعت شمس التوحيد بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أسكنه الله جنة المآب، فنور الظلام وأجلى الله به الغمام، وبين سبل السلام إلى بلوغ المرام، وألف

ص: 137

المؤلفات في التوحيد بجميع العبادات مع إقامة الحجج القاطعة والإنصاف التام في المناظرة والمراجة، فعاد قارح الإسلام به جذعا، ورجع دارس الأحكام به متبعا، وكان رحمه الله سنيا أثريا متبعا، وأجاب دعوته وآوى غربته السعيد المسعود محمد بن سعود على قلة من الأعوان وابتكار لهذا الشأن، ثم وازره بجهوده وبطوقه وعارضه حتى استوى على سوقه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود.

5-

الشيخ محمود شكري الألوسي قال في تاريخ نجد صـ114 (كان - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - شديد التعصب للسنة كثير الإنكار على من خالف الحق من العلماء، والحاصل أنه - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - من العلماء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، وكان يعلم الناس الصلاة وأحكامها وسائر أركان الدين ويأمر بالجماعات، وقد جد في تعليم الناس وحثهم على الطاعة وأمرهم بتعلم أصول الدين وشرائطه وأحكام الصلاة وأركانها وواجباتها وسننها وسائر أحكام الدين وأمر جميع أهل البلاد بالمذاكرة في المساجد كل يوم بعد صلاة الصبح وبعد العشاءين في معرفة الله تعالى ومعرفة دينه الإسلام ومعرفة أركانه وما ورد عليه من أدلة، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه ومبعثه وهجرته، وأول ما دعا إليه من كلمة التوحيد وسائر العبادات التي لا تنبغي إلا لله؛ كالدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء والخشية والرغبة والتوكل والإنابة وغير ذلك، فلم يبق أحد من عوام أهل نجد جاهلا بأحكام دين الإسلام، بل كلهم تعلموا ذلك إلى اليوم بعد أن كانوا جاهلين بها إلا الخواص منهم. وانتفع الناس به من هذه الجهة الحميدة" ا. هـ.

وقال الألوسي في هذا الكتاب في موضع آخر "وقد قرر - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - على شهادة أن محمدا رسول الله من بيان ما تستلزمه هذه الشهادة وتستوعبه وتقتضيه من تجريد المتابعة، والقيام بالحقوق النبوية من الحب والتوقير والنصرة والمتابعة والطاعة وتقديم سنته صلى الله عليه وسلم على كل سنة وقول، والوقوف معها حيثما وقفت والانتهاء حيث انتهت في أصول الدين وفروعه، باطنه وظاهره وخفيه وجليه كليه وجزئيه ما ظهر به فضله وتأكد علمه ونبله، وأنه سباق غايات وصاحب آيات لا يشق غباره ولا تدرى في البحث والإفادة آثاره وأن أعداءه ومنازعيه

ص: 138

وخصومه في الفضل وشانئيه يصدق عليهم المثل السائر بين أهل المحابر والدفاتر.

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالناس أعداء له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسدا وبغيا إنه لدميم

6-

العلامة الشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى، المعروف بابن بدران الدمشقي، وصف الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتابه "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" صـ229؛ بأنه العالم الأثري والإمام الكبير قال: "ولما امتلأ وطابه من الآثار وعلم السنة وبرع في مذهب أحمد، أخذ ينصر الحق ويحارب البدع ويقاوم ما أدخله الجاهلون في هذا الدين الحنفي والشريعة السمحاء، وأعانه قوم وأخلصوا العبادة لله وحده على طريقته التي هي إقامة التوحيد الخالص والدعوة إليه وإخلاص الوحدانية والعبادة كلها بسائر أنواعها لخالق الخلق وحده، وهب إلى معارضة أقوام ألفوا الجمود على ما كان عليه الآباء وتدرعوا بالكسل عن طلب الحق، وهم لا يزالون إلى اليوم يضربون على ذلك الوتر، وجنود الحق تكافحهم فلا تبقي منهم ولا تذر، وما أحقهم بقول القائل:

كناطح صخرة يوما ليوهنها

فلم يضرها وأعيا1 قرنه الوعل

ولم يزل مثابرا على الدعوة إلى دين الله حتى توفاه الله تعالى سنة ست ومائتين وألف.

1 وفي بعض النسخ (وأوهى) .

ص: 139