المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وفاة الإمام محمد بن عبد الوهاب - حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول)

[إسماعيل الأنصاري]

الفصل: ‌وفاة الإمام محمد بن عبد الوهاب

‌وفاة الإمام محمد بن عبد الوهاب

توفي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عن عمر يناهز اثنتين وتسعين سنة عام 1206، بذل جهده طيلة ذلك العمر في طاعة مولاه والاستعداد ليوم المعاد والدعوة إلى الله عز وجل. وقد رثي بمراثي كثيرة نقتصر منها على مرثيتين: إحداهما لحسين بن غنام، والثانية للإمام الشوكاني.

قال ابن غنام:

إلى الله في كشف الشدائد نفزع

لقد كسفت شمس المعارف والهدى

إمام أصيب الناس طرا بفقده

وأظلم أرجاء البلاد لموته

شهاب هوى من أفقه وسمائه

وكوكب سعد مستنير سناؤه

وصبح تبدى للأنام ضياؤه

لقد غاص بحر العلم والفهم والندى

فقوم جلا عنهم صدا الدين فاهتدوا

وقوم ذوو فقر وجهد وفاقة

لقد رفع المولى به رتبة الهدى

أبان له من لمعة الحق لمعة

سقاه غير الفهم مولاه فارتوى

فأحيا به التوحيد بعد اندراسه

فأنوار صبح الحق باد سناؤه

وليس إلى غير المهيمن مفزع

فسالت دماء في الخدود وأدمع

وطاف بهم خطب من البين موجع

وجل بهم كرب من الحزن مفظع

ونجم ثوى في الترب واراه بلقع

وبدر له في منزل اليمن مطلع

فداجى الدياجي بعده متقشع

وقد كان فيه للبدية مرتع

فأسماعهم للحق تصغى وتسمع

حووا واقتنوا ما فيه للعيش مطمع

بوقت به يعلى الضلال ويدفع

أزيل بها عنه حجاب وبرقع

وعام بتيار المعارف يقطع

وأقوى به من مظلم الشرك مهيع

ومصباحه عال ورياه ضيع

ص: 152

سما ذروة المجد التي ما ارتقى لها

سواه ولا حاذى قناها سميدع

وشمر في منهاج سنة أحمد

يشيد ويحيى ما تعفى ويرفع

وينفى الأعادى عن حماه وسوحه

ويدمغ أرباب الضلال ويدفع

يناظر بالآيات والسنة التي

أمرنا اليها في التنازع نرجع

فأضحت به السماء يبسم ثغرها

وأمسى محياها يضيء ويلمع

وعاد به نهج الغواية طامسا

وقد كان مسلوكا به الناس تربع

وجرت به نجد ذيول افتخارها

وحق لها بالألمعي ترفع

فآثاره فيها سواح سوافر

وأنواء فيها تضىء وتسطع

لقد وجد الإسلام يوم فراقه

مصابا خشيناه بعده يتصدع

وطاشت أولو الأحلام والفضل والنهى

وكادت له الأرواح تترى وتتبع

وطارت قلوب المسلمين بيومه

وظنوا به أن القيامة تقرع

فضجوا جميعا بالبكاء تأسفا

وكادت قلوب بعده تتفجع

وفاضت عيون واستهلت مدامع

يخالطها مزج من الدمع يهجع

بكته ذوو الحاجات يوم فراقه

وأهل الهدى والحق والدين اجمع

فمالى أرى الأبصار قلص دمعها

وليست على فقداه تهمى وتدمع

ومالى أرى الألباب تبدى قساوة

وليست على ذكراه يوما توجع

لقد غدرت عين تضن بماءها

عليه وكبد قد أبت لا تقطع

يحق لأرواح المحبين أن ترى

مقوضة لما خلت منه أربع

وتتلو سريرا فوقه قمر الهدى

وشمس المعالى والعلوم تشيع

فما بالها قرت بأشباح أهلها

ولم تك في يوم الوداع تودع

فيالك من قبر حوى الزهد والتقى

وحل به طود من العلم مجرع

لئن كان في الدنيا له القبر موضعا

فيوم الجزا يرجى له الخلد موضع

سقى قبره من هاطل العفو ديمة

وباكره سحب من البر همع

وأسكنه بحبوحة الفوز والرضى

ولا زال بالرضوان فيها يمتع

ص: 153

وقال الشوكاني:

مصاب دها قلبي فأذكى غلائلي

وأحمى بسهم الافتجاع مقاتلي

وخطب به أعشار أحشاي صدعت

فأمست بفرط الوجد أي ثواكل

ورزء تقاضاني صفاء معيشتي

وأنهلني قسرا أمر المناهل

غدوت به وهن التياع ولاعج

حليف أسى للقلب غير مزائل

أسير جوى أفنى فؤادي رسيه

وقلب من الحزن البدح ذاهل

مصاب به قامت علتي قيامة

ومن كرب لاقيت أعظم هائل

مصاب به ذابت حشاشة مهجتي

وعن حمله قد كل متني وكاهلي

مصاب به قد أظلم الكون كله

وكان على حال من الحزن هائل

مصاب به الدنيا قد اغبر وجهها

وقد شمخت أعلام قوم أسافل

رميت به عن قوس أبرح لوعة

بها نجم روحي كان أسرع آفل

به هد ركن الدين وانبت حبله

وشد بناء الغي مع كل باطل

وقام على الإسلام جهرا وأهله

نعيق غراب بالمذلة هائل

وسيم منار الاتباع لأحمد

هوان انهدام جاء من كل جاهل1

وهبت لنار الابتداع سمائم

بسم لنفس الدين صرد وقاتل

فيا مهجتي ذوبي أسى وتأسفا

ويا كبدي انقشي بحزن مواصل

ويالوعتي دومي وزيدي ولازمي

ويا فجعتي للقلب ما عشت نازلي

ويا مقلتي غني الكرى عنك جانبا

وجودي بدمع دائم السكب هاطل

ويا جزعي لاغبت كن متجددا

ويا سلوتي ولي وللقلب زائلي

فقد مات طود العلم قطب رحى العلا

ومركز أدوار الفحول الأفاضل

وماتت علوم الدين طرا بموته

وغيب وجه الحق تحت الجنادل

إمام الهدى ماحي الردى قامع العدى

ومروى العدى من فيض علم ونائل

جمال الورى رحب الذرى شامخ الذرى

وجم القرى صدر الصدور الأوائل

عظيم الوفا كنز الشفا معدن الصفا

جلى الخفا عن مشكلات المسائل

بهى السنا عذب طيب الثنا

منيل المنى من سيبه كل آمل

1كذا في أثر الدعوة الوهابية للشيخ محمد حامد الفقي وفي الدرر السنية قسم التراجم.

ص: 154

إمام الورى علامة العصر قدوتي

وشيخ الشيوخ الحبر فرد الفضائل

محمد ذو المجد الذي عز دركه

وخل مقاما من لحوق المطاول

إلى عابد الوهاب يعزى وأنه

سلالة أنجاب زكى الخصائل

عليه من الرحمن أعظم رحمة

تبل قراه بالضما والأحائل

لقد أشرقت نجد بنور ضيائه

وقام مقامات الهدى بالدلائل

امام له شأن كبير ورتبة

من الفضل تثنى عزة المتطاول

فريد كمال في العلوج فهل ترى

له في تقادير لها من مماثل

على خلق يحلى الشيخ لطافة

وكامل أوصاف وحسن شمائل

وقلب سليم للمهيمن خاشع

ضيب وعن مولاه ليس بغافل

وجنب تجافيه المضاجع في الدجى

وجفن بهتان المدامع هامل

وعن ذكر رب العرش في السر دائحا

وفي الجهر طوال الدهر ليس بغافل

عفو عن الجانى صفوح وحلمه

الى الشيخ يعزى ليس يهفو لعاجل

يقابل من يلقى ببشرى ومبسم

ضحوك ووجه للبشاشة باذل

ويأمر بالمعروف في كل حالة

وعن منكر ينهى وليس بقابل

ولم يأل جهدا في نصيحة مسلم

برأى وتدبير وحسن تعامل

يجازى بإحسان إساءة غيره

وبالجاه عن مستوجه غير باخل

تقمص بالتقوى وبالخشية ارتدى

ولم يمض منه العمر في غير طائل

ومن شأنه قمع الضلال ونصره

لمن كان مظلوما وليس بخاذل

وكم كان في الدين الحنيفى مجاهدا

بماضى سنان دافع للأباطل

وكم ذب عن سامى حماه وزاد من

مضل وبدعى ومغو وفائل

ففيم استباح أهل الضلال لعرضه

وما نكست أعلامه بالارازل

وليس له شيء عن الله شاغل

ولا عن وصال الاعتبار بغافل

فلولاه لم تحرز رحى الدين مركزا

ولا اشتد للإسلام ركن المعاقل

ولا كان للتوحيد واضح لاحب

يقيم اعوجاج السير من كل عادل

فما هو الا قائم في زمانه

مقام نبى في إماتة باطل

ستبكيه أجفاني حياتي وإن أمت

سيبكيه عنى جفن طل ووابل

ص: 155

وتبكيه أقلامي أسى ومحابري

ويبكيه طرسي دائما وأناملي

عجبت لقبر ضمه كيف لم يكن

يميد ببر فائض العلم سائل

ومن نعش كان حامل جسمه

هنيئا له إذ كان أشرف حامل

ولا غرو وأن بكى الزمان لفقده

فقد كان غيث الجود كهف الأرامل

فآها على ذاك المحيا وحسنه

وآها على تلك العلوم الجلائل

وآها على تحقيقه في دروسه

وتوضيحه للمعضلات المشاكل

فمن للبخاري بعده ولمسلم

يبين المخبا منهما للمحاول

ومن ذا لتفسير الكتاب ومن ترى

لأحكام فقه الدين من للرسائل

ومن لمسانيد سمت ومعاجم

وكشف لثامي الحكم عند النوازل

ألم تر أن الدهر نصف كآبة

عليه وذو جسم من الحسن ناحل

ومن للمعاني والبيان ومنطق

وردع أخي الجهل الغوي المجادل

ومن لك بالأصلين واللغة التي

بها أنزل القرآن أشرف نازل

ومن بعده للصدع بالحق قائم

يجد ولا يخشى ملامة عازل

أفق يا معيب الشيخ من ذا تعيبه

لقد عبت حقا وارتحلت بباطل

نعم ذنبه التقليد قد جذ حبله

وثل التعصب بالسيوف الصياقل

ولما دعا لله في الخلق صارخا

صرختم له بالقذف مثل الزواجل

دعا لكتاب الله والسنة التي

أتانا بها طه النبي خير قائل

فوا أسفى والهف قلبي وحسرتي

عليه ويا حزني لأكرم راحل

ويا ندمي لو كان يجدي من القض

ولكن قضاء الله أغلب حائل

ولو كان من ريب المنية مخلص

لكنت له بالجهد أي محاول

ومر إلى أن قال وهو يعزي فيه آل الشيخ.

فيا سائر الأولاد للشيخ أنني

أعزيكم مع ذي انتساب لوائل

وأوصيكم بالصبر طرا وبالرضا

بجاري القضا في عاجل ثم آجل

بتسليم أمر الله ثم احتساب ما

لديه تعالى من أجور جزائل

ص: 156

فما جزع يوما بنافع جازع

وما حزن رد القضاء بفاعل

ومثلكم لا يعتريه تزلزل

ولا وهن في فادحات النوازل

فإن كان للجنات والدكم مضى

فقد كان فينا معقبا كل كامل

وأنتم بحمد الله عنه خلائف

بعلم وفضل شامخ القدر شامل

وإنا لنرجو أن تكونوا أئمة

بكم يقتدي في دينه كل فاضل

للخير والإحسان من كل وجهة

حث إليكم مضمرات الرواحل

نسأل رب العرش يعظم أجوركم

ويحميكم من طارقات الغوائل

ويجبر صدع القلب والكسر منكم

ويعقبكم طرا جمال المحافل

ولازلتم غيظ القلوب لكل من

يعاديكم من كل حاف وناعل

ولافجعت في الدهر ساحة سوحكم

برزء لموصول المسرة فاضل

عليكم سلام الله ماهب نائم

وجمل زاكي ذكركم كل عاطل

وأوفى الثنا مني عليكم مكررا

وأزكى تحيات سواح كوامل

* ثم 1 قال الشوكاني في تعزيته الأئمة من آل سعود في ذلك الإمام:

وأضعافها للمقرنين كلهم

هداة الورى من محتدى فرع وائل

هم الناس أهل الباس يعرف فضلهم

جميع بني الدنيا فما للمجادل

لقد جاهدوا في الله حق جهاده

إلى أن أقاموا بالظبا كل مائل

فناديهم في كل ناد مبجل

فحقهم التبجيل بين القبائل

سعود مضى والسعد حالف نجله

كما حالف الآباء ليس براحل

لقد نصروا دين الإله وحزبه

كما دفعوا داعي الهوى بالقنابل

(*) ساق الشيخ عبد الرحمن بن قاسم مرثية الشوكاني هذه كلها في قسم التراجم من الدرر السنية ص20 – 24، وأورد الشيخ محمد حامد الفقي الكثير منها في أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في الإصلاح الديني والعمراني.

ص: 157

عليهم سلام الله ما ذر شارق

وما اهتزت الأزهار في صبح هاطل

وأزكى صلاة الله ثم سلامه

على المصطفى الهادي كريم الشمائل

محمد المختار من فرع هاشم

وآل وأصحاب كرام أفاضل

وفي ختام كلمتي هذه نسأل الله أن يجزي الإمام محمد بن عبد الوهاب وآل سعود عن الإسلام خير الجزاء، والله ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.

ص: 158