المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحقيقة دعوته

[سليمان الحقيل]

الفصل: ‌الفصل الثاني: حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

‌الفصل الثاني: حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

تمهيد:

إن كل عالم منصف متجرد واع ومدرك لأسس الإسلام وأهدافه وأحكامه، يعلم أن ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في دعوته الإصلاحية السلفية، ليس سوى العودة إلى الإسلام بكل مبادئه وتعاليمه الخالصة من شوائب الشرك والوثنية.

فالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يدع لمذهب جديد، لأنه لا جديد في الإسلام فهو أحكام ووحي منزل من عند الله تبارك وتعالى على محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبق بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أمام أمته إلا اقتفاء أثره، واتباعه والاستمساك بالمحجة البيضاء التي ترك الأمة عليها.

دعوة الشيخ في جوهرها، دعوة لتنقية التوحيد من كل شوائب الشرك ظاهره وخفيه، دعوة إخلاص الدين لله وحده، دعوة لنبذ البدع والانحرافات. الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله لم يدع إلا لعقيدة السلف الصالح في جميع أبواب الاعتقاد. جميع مؤلفاته ورسائله بل سيرته

ص: 79

وأفعاله وسلوكه تؤكد بلا ريب اهتمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وحرصه الشديد على التزام منهج السلف الصالح والاقتداء بهم.

كما أن ما كتبه أتباعه يبين بكل جلاء ووضوح لكل من أراد معرفة الحقيقة ما اتصف به الشيخ محمد بن عبد الوهاب من تمسك والتزام بمنهج أهل السنة والجماعة، ويظهر حال وشأن أولئك الأتباع وما كانوا عليه من التمسك الصادق بعقيدة الفرقة الناجية سواء في أقوالهم أو أفعالهم.

وقد شهد بعض العلماء المنصفين في الشرق والغرب وفي أزمان متفاوتة، بل ومن ديانات ومذاهب متنوعة أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يدعو إلى الإسلام كما كان عليه أول ظهوره من صفاء ونقاء ووضوح، بعيدا عن لوثات الفلسفة وأدران الشرك وخرافات التصوف ومحدثات البدع1.

ولإبراز حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سوف نتحدث بالتفصيل في هذا الفصل عن أربعة موضوعات من أجل بيان حقيقة دعوة الشيخ لمن تهمه معرفة الحقيقة والموضوعات هي:

أولا: الأهداف الحقيقية من تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالوهابية من قبل خصوم الدعوة، وجناية هذه الكلمة على الحقيقة والواقع والتاريخ.

1 عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف، دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الرياض، دار الوطن، 1412هـ.

ص: 80

ثانيا: بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ثالثا: بيان الأسس العامة التي قامت عليها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

رابعا: بيان غاية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهدافها العامة.

أولا: الأهداف الحقيقية من تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالوهابية من قبل خصوم الدعوة، وجناية هذه الكلمة على الحقيقة والواقع والتاريخ.

الوهابية لقب لم يختاره أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأنفسهم، لكن أطلق عليهم من قبل خصومهم، تنفيرا للناس منهم، وإيهاما للسامع أنهم جاءوا بمذهب خامس يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة، واللقب الصحيح لدعوة الشيخ هو الدعوة السلفية.

يقول الدكتور عبد الله العثيمين: "من المعروف أن الغرض من اختلاق المعارضين تلك التسمية تنفير الناس من دعوة الشيخ، وهو بتعبير آخر اتهامه بأنه يدعو إلى دين جديد، أو مذهب خامس، كما يقولون أحيانا وبالرغم من أن كثيرا من الناس في مشارق الأرض ومغاربها أصبحوا على علم بحقيقة ما يدعو إليه الشيخ محمد فإن الصفة التي أطلقها خصومه على أتباعه وعقيدته ما زالت شائعة الاستعمال من قبل كثير من الكتّاب في الأقطار المختلفة"وعلى أي حال فإن عددا قليلا من العلماء التابعين لدعوة الشيخ محمد أو المتعاطفين معها، بدأوا في

ص: 81

السنوات الأخيرة لا يتحاشون استعمال كلمة وهابية في كتاباتهم. ولا بد أن هذا الموقف جاء نتيجة اعتقاد هؤلاء بأن ما كان يدعو إليه الشيخ وأنصاره بات واضحا بدرجة كبيرة، وأن ما تحمله هذه الكلمة من معاني في الزمن الماضي أصبح أضعف من ذي قبل في أذهان الكثيرين.

ويقول أحمد بن حجر آل طامي في كتابه عن محمد بن عبد الوهاب "ومن معاملة الله لهم- أي خصوم الدعوة- مقتضي مقصدهم هو أنهم قصدوا بلقب الوهابية ذمهم، وأنهم مبتدعة، ولا يحبون الرسول كما زعموا، صار الآن لقبا لكل من يدعو إلى الكتاب والسنة، وإلى الأخذ بالدليل، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة البدع والخرافات والتمسك بمذهب السلف"1.

ويقول الدكتور محمد بن سعد الشويعر: "أطلق خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية التصحيحية، التي نبعت من الجزيرة العربية، لإزالة ما علق بتعاليم الإسلام من شوائب وما أدخل على التوحيد وخاصة توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات من مشاركة المخلوق مع الخالق، في صرف ما هو له جل وعلا وإشراك المخلوق، نقول: "إن أولئك الخصوم أعطوا الدعوة اصطلاحا في اللقب هو"الوهابية" من باب التنفير حسب حركة ذلك الاصطلاح ودعت إليه بعض الطرق الصوفية، ومصالحها في تضليل العوام"2.

1 محمد بن حجر آل طامي، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الكويت، مكتبة السندس، 1409، ص120.

2 محمد بن سعد الشويعر، مجلة البعث الإسلامي، العدد الثامن، المجلد الثامن والعشرون، 1404هـ، ص52.

ص: 82

ويقول مسعود الندوي: "إن من أبرز الأكاذيب على دعوة شيخ الإسلام تسَميتها بالوهابية ولكن أصحاب المطامع حاولوا من هذه التسمية أن يثبتوا أنها دين خارج عن الإسلام. ونجح الإنجليز والأتراك والمصريون فجعلوها شبحا مخيفا بحيث كلما قامت أي حركة إسلامية في العالم الإسلامي في القرنين الماضيين ورأى الأوربيون فيها خطرا على مصالحهم ربطوا حبالها بالوهابية النجدية

وعلى أي حال فنظرا إلى تلك المحاولات التي بذلت لإظهار الوهابية في صورة مذهب مستقل وطائفة ضالة فتنقد أشد الانتقاد هذا الاسم، ولكن بغض النظر عن هذه الأكذوبة والافتراء فلا أرى حرجا في هذه التسمية1.

ويقول أحمد القطان في كتابه:"إمام التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب": "وأيا كان الأمر فليس في التسمية ما يعيب الحركة الوهابية فإن التسمية ليست أكثر من علم على مجموعة من الناس يلتفون حول أهداف ومبادئ معينة يجمعهم اسم معين. وسواء سميت هذه الحركة بالوهابية أو السلفية فإن منهجها يفرض عليها أن تكون سلفية، وهي تسمية صادقة تعبر عن حقيقة هذه الحركة وواقعها العملي"2.

ويقول الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ: "كلمة الوهابية أصبحت في عصرنا الحاضر لا تمثل لنا مشكلة ما، ففي عصر

1 مسعود الندوي، محمد بن عبد الوهاب / مصلح مظلوم ومفترى عليه، من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1404 هـ، ص 165.

2 أحمد القطان وآخرون، إمام التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الكويت، مكتبة السندس، 1409 هـ، ص 29.

ص: 83

السرعة، والمخترعات قربت المسافات، وزاد اتصال الناس بعضهم ببعض، وشاهد الناس ما كان يصعب عليهم فيما مضى مشاهدته، واطلعوا بأنفسهم على ما كان ينقل إليهم فيما سبق محورا ومزيفا ولمسوا بجوارحهم، وبعين المشاهدة ما كان يدلس ويلبس عليهم في غابر الزمان.. ووضح الحق وجلت الحقيقة لكل ذي بصر وبصيرة

وعرف الناس أن الوهابية لا تعني سوى طائفة من أهل السنة متمسكين بعقيدة السلف، يذودون عنها ما وسعهم الجهد، يطبقون الشريعة الإسلامية، ويتخذون الكتاب والسنة دستورا لدولتهم الإسلامية، واعتز حاكمهم وصاحب الأمر منهم، بإطلاق لقب "خادم الحرمين الشريفين" عليه، تشرفا واعتزازا بارتداء ثوب خدمتها، وما أحلاه من ثوب.. ثم ما تحقق من خدمات الحرمين الشريفين، وللأماكن المقدسة بصفة عامة، وما قدم ويقدم لخدمة ضيوف الرحمن، مما لم يشهد له التاريخ الإسلامي مثيلا أو نظيرا، وأصبح الحديثِ به يجري على كل لسان.

هذه الأعمال وغيرها كثير، قدمت خدمة للإسلام والمسلمين، في شتى بقاع الأرض، وفى سبيل خدمة العقيدة السلفية والإسلام بصفة عامة، قام ويقوم بها من أطلق عليهم فيما مضى وهابيون، أطلقها عليهم خصومهم لغرض في نفوسهم، فأصبحت اليوم تعني المتمسكين بعقيدة السلف، القائمين على خدمة الإسلام المنفذين لشرعه

فلا ضير من استعمالها، وإطلاقها، أنى شئنا أو شاء غيرنا من الكتاب والباحثين والمؤرخين"1.

1 عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، المختار من مجلة المنار، ج2، 1412 هـ، ص 4- ص 5.

ص: 84

مما سبق يتضح أن بعض المعاصرين لا يتحاشون من استخدام كلمة الوهابية بينما ما زال بعض الباحثين يتحاشون استخدام لقب الوهابية1.

جناية كلمة الوهابية على التاريخ:

الواقع أن جناية هذه التسمية، أي تسمية الدعوة السلفية بالوهابية، على التاريخ لم تكن أقل من جنايتها على الواقع والحقيقة، ذلك لأنها سبب لوقوع كثير من المؤرخين في الخطأ، حيث نسبوا هذه الدعوة الإصلاحية إلى والد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولعل أول من وقع في هذا الخطأ، كما أشار إلى ذلك الأستاذ مسعود الندوي هو السائح الأوروبي برجس، الذي قال عند كلامه عن الشيخ حسين بن الشيخ محمد إنه حفيد صاحب الدعوة. كما وقع في هذا الخطأ الرحالة برجاردت الذي قال: إن لصاحب الدعوة ولداً اسمه محمد. وقال المؤرخ الفرنسي سيديو في كتابه تاريخ العرب العام عند كلامه عن الوهابية: "اسم واضع هذه السيطرة هو عبد الوهاب التميمي. بل لقد وقع في هذا الخطأ مؤلفو دائرة معارف أمريكية تعرف باسم، "كتاب العالم" وكلهم من حملة شهادة الدكتوراه في التاريخ والأدب والفلسفة ومن بينهم الدكتور حتى المؤرخ. لقد جاء في هذه الموسوعة تحت كلمة الإخوان "

1 لمزيد من المعلومات انظر تعقيب الشيخ صالح الفوزان على كتاب محمد بن عبد الوهاب، لعبد الكريم الخطيبِ، مجلة كلية أصول الدين، العدد الأول ص 68، وانظر أيضا ما كتبه الشيخ عبد الله الجبرين حول هذا الإطلاق في مجلة البحوث الإسلامية، العدد 9، ص 129.

ص: 85

هم جماعة من المسلمين في قلب الجزيرة العربية يتبعون تعاليم عبد الوهاب المصلح الذي ظهر سنة 1745م.

وقال فريد وجدي في دائرة معارفه، الجزء العاشر تحت كلمة الوهابية:"هي طائفة من المسلمين اتبعوا شيخاً يقال له عبد الوهاب في بلاد العرب".

ولم يقع هؤلاء المؤلفون وغيرهم في هذا الخطأ إلا بسبب هذه التسمية المخالفة للواقع.

ثانيا: بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

لعل أبرز رسائل الشيخ التي تبين عقيدته تلك الرسالة التي أرسلها إلى أهل القصيم إجابة عن سؤالهم عن معتقده ونظرا لأهمية هذه الرسالة نوردها فيما يأتي:

سأل أهل القصيم الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن عقيدته فأجابهم رحمه الله بهذا الكتاب1

بسم الله الرحمن الرحيم

"عقيدة أهل السنة والجماعة"

أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.

1 الدرر 1 السنية، ج، ص 28 - ص 31.

ص: 86

صفات الله:

ومن الإيمان بالله، الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سمي له ولا كفء له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثاً، فنّزه نفسه عما وصفه به المخلقون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصّافات الآيات: 180-182] .

"أهل السنة وسط":

والفرقة الناجيه وسط، في باب أفعاله تعالى بين "القدرية"" و "الجبرية"، وهم وسط في باب وعيد الله بين "المرجئة" " و "الوعيدية""، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين "الحرورية" "، و "المعتزلة""، وبين "المرجئة" و "الجهمية" "، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله بين "الروافض" و "الخوارج".

"القرآن":

وأعتقد أن القرآن كلام الله، منَزل، غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره

ص: 87

بينه وبين عباده: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

"القدر":

وأؤمن بأن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن قدرته ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور.

"البعث والحساب ":

وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأؤمن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلاً، تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد. {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون الآيتان: 102-103] . وتنشر الدواوين، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.

"حوض النبي وشفاعته":

وأؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. وأؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا بعد الإذن والرضى، كما قال تعالى:{وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء من الآية: 28] .

وقال

ص: 88

تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة، من الآية: 255] .

وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النّجم: 26] . وهو لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب، كما قال تعالى:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] .

"الصراط والجنة والنار ورؤية الله":

وأؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم، يمر به الناس على قدر أعمالهم. وأؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان. وأؤمن أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته.

"النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة":

وأؤمن بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته.

وأن أفضل أمته، أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم.

وأتولى أصحاب رسول الله وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم واستغفر لهم وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم، عملا

ص: 89

بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] .

"كرامة الأولياء":

وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء. وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله.

"لا أكفر مسلما بذنب":

ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام.

"استمرار الجهاد":

وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام، براً كان أو فاجراً، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداَ صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.

"طاعة الأئمة":

وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم، مالم

ص: 90

يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه.

"أهل البدع":

وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة.

"أنواع الإيمان وشعبه":

وأعتقد أن الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة، أعلاها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق.

"الأمر بالمعروف":

وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة.

فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي، والله على ما نقول وكيل.

هذه عقيدة الشيخ كما أوضحها رحمه الله لأهل القصيم. ولإلقاء المزيد من الضوء على عقيدة الشيخ نورد المزيد من أقوال الشيخ وبعض أقوال أتباعه في هذا الشأن:

ص: 91

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب موضحاً حقيقة دعوته: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام من الآية: 161] ولست -ولله الحمد- أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم، أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم، مثل ابن القيم، والذهبي، وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

ويقول رحمه الله: "مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعهَ، وطريقتنا طريقة السلف، التي هي الطريق الأسلم والأعلم والأحكم، خلافا لمن قال طريقة الخلف أعلم".

ويقول رحمه الله موضحاً عقيدته التي انبثقت عنها دعوته: "أنا نقرأ آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها ونكل علمها إلى الله تعالى مع اعتقاد حقائقها، فإن مالكًا وهو من أجل علماء السلف لما سئل عن الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . قال الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".

ونعتقد أن الخير والشر كله بمشيئة الله تعالى، ولا يكون في ملكه إلا ما أراد، فإن العبد لا يقدر على خلق أفعاله، بل له كسب رتب عليه الثواب فضلا والعقاب عدلاً.

ونحن في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة دون غيرهم لعدم ضبط مذاهب الغير.

ولا نفتش عن أحد في مذهبه ولا نعترض عليه إلا إذا اطلعنا على نص جلي مخالف لمذهب أحد الأئمة1.

1 سليمان به سمحان، الهديية السنية والتحفة الوهابية النجدية، ص 38.

ص: 92

ويوضح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في إحدى رسائله لعبد الرحمن بن عبد الله السويدي أحد علماء العراق حقيقة دعوته بقوله: "أخبرك أني ولله الحمد متبع، ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة، ولكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات الصالحين وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يعبد الله به، من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق لله الذي لا يشرك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة"1.

هذه بعض النصوص من مؤلفات ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي كتبها لتوضيح حقيقة دعوته.

وكما عمل الشيخ على توضيح حقيقة دعوته عمل أتباعه كذلك على إيضاح حقيقة دعوته وبيانها. يقول حفيده الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن- رحمه الله في بيان حقيقة دعوة جده: "اٍن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله إنما دعا الناس إلى أن يعبدوا الله لا شريك له، ولا يشركوا به شيئاً، وهذا لا يرتاب فيه مسلم أنه دين الله الذي أرسل به رسله، وأنزل به كتبه".

ويبين الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن حسن في رسالته التي بعثها إلى الحجاز يبين فيها معتقدهم وما يدعون إليه فيقول: "اعلموا أن

1 مجموعة مؤلفات الشيخ "الرسائل الشخصية"، ج5، ص 36.

ص: 93

الذي نعتقده، وندين الله به، وندعوا الناس إليه ونجاهدهم عليه هو دين الإسلام الذي أوجبه الله على عباده وهو حقه عليهم الذي خلقهم لأجله، فإن الله خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به في عبادته أحداً من المخلوقين لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عن غيرهما، ونأمر بهدم القباب ونهدم ما بني على القبور، ولا يزاد القبر على شبر من التراب وغيره، ونأمر بإقامة الصلاة جماعة في المساجد، ونؤدب من تخلف أو تكاسل عن حضورها، وترك الحضور إلى المسجد ونلزم ببقية شرائع الإسلام كالزكاة والصوم والحج للقادر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وننهى عن الربا والزنا وشرب الخمر والتتن، وعن لبس الحرير للرجال، وننهى عن عقوق الوالدين وعن قطيعة الأرحام.

وبالجملة فإنا نأمر بما أمر الله به في كتابه، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم وننهى عما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله، ولا نحرم إلا ما حرم الله ولا نحلل إلا ما حلل الله، فهذا الذي ندعوا إليه، من كان مقصده الحق ومراده الخير والدخول فيه، التزم ما ذكرناه وعمل بما قررنا، فيكون له ما لنا وعليه ما علينا".

ولقد لخص أحد أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا المعتقد بقوله: "إن كل ما ثبت في الشريعة الإسلامية مما جاء عن الله ورسوله فهو مذهبنا، ومعتقدنا وديانتنا، سواء ذكرناه وحرصنا به أو لم نذكره، ولم نعالن به، وكل ما نَفَتْهُ الشريعة الإسلامية، فهو الذي ننفيه ونرفضه، لذلك فعلى كل من تروى له رواية عنا فليعرضها على كتاب الله وسنة رسوله فإن وافقتها فليعلم وليوقن بأنها رأينا ومذهبنا، وإن خالفتها فليوقن

ص: 94

أننا نخالفها" 1.

مما سبق من استعراض لبعض النصوص المقتبسة من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه تتضح عقيدة الشيخ التي انبثقت عنها دعوته والتي تتلخص في الدعوة إلى التمسك كل التمسك بمنهج السلف الصالح في العقائد والسلوك والشرائع. أنها دعوة مصدرها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم صاحبها متبع وليس بمبتدع.

ثالثا: بيان الأسس العامة التي قامت عليها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية:

قامت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على عدة أسس من أهمها ما يأتي:

أولا: التوحيد وهو أساس الأسس التي قامت عليما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. والتوحيد كما عرفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب "هو: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى عباده"2.

ويمكن القول: إن قضية التوحيد أهم القضايا التي تناولها الشيخ وأتباعه. لقد سعى- رحمه الله إلى تصحيح العقيدة الإسلامية في فكر المسلمين وتطهيرها من مظاهر الشرك التي علقت بها، وبإيجاز:

1 جريدة أم القرى، العدد "130".

2 محمد بن عبد الوهاب، كشف الشبهات ضمن "مجموعة التوحيد النجدية" ص 69.

ص: 95

إعادة المسلمين إلى عقيدة التوحيد كما وردت في الكتاب والسنة دون تشبيه أو تجسيم أو تعطيل أو تأويل. وقد بلغ من عناية الشيخ بالعقيدة حدا كبيرا لدرجة أنه قام بتتبع مجالات تصحيحها، ومقاومة صور الشرك في كل كتاباته وخطبه ورسائله وكانت العقيدة هي المحور الذي تدور حوله كل اهتماماته، وذلك بالإضافة إلى الكتب والرسائل التي تكاد تفرد لقضية التوحيد مثل:"كتاب التوحيد"؛ الذي جاء في ستة وستين بابا سد فيها رحمه الله كل منافذ الشرك و "رسالة كشف الشبهات"، و "رسالة ثلاثة الأصول ورسالة القواعد الأربع"، وكتاب"فضل الإسلام" وكتاب"أصل الإيمان" و "مجموعة رسائله في التوحيد والإيمان التي بلغت ثلاث عشرة رسالة"، و "كتاب الكبائر"، ورسائله الإحدى وخمسين التي وردت في تاريخ الشيخ ابن غنام الأحسائي، وفي الدرر السنية في الأجوبة النجدية والتي تناولت جوانب خمسة تتصل كلها بالعقيدة، كبيان أنواع التوحيد، وبيان معنى لا إله إلا الله، وما يناقضها من الشرك والأشياء التي يكفر مرتكبها1.

ويرى الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله أن أعظم نواقض الإسلام تتمثل في عشرة أمور لكونها تتعارض مع عقيدة التوحيد الصافية والنواقض العشرة هي:

1 عبد الحليم عويس، أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في الفكر الإسلامي الإصلاحي في الجزائر، القاهرة، دار الصحوة، 1405 هـ، ص 7.

ص: 96

الأول: الشراكة في عبادة الله وحده لا شريك له.

الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعا.

الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر إجماعا.

الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر.

الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

السادس: من استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه كفر.

السابع: السحر ومنه العطف فمن فعله أو رضي به كفر.

الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين.

التاسع: من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم وأنه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليهما السلام فهو كافر.

العاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به.

ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف والمكره وكلها من أعظم ما يكون خطرا ومن أكثر ما يكون وقوعا فينبغي للمسلم

ص: 97

أن يحذرها ويخاف منها على نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه1.

والخلاصة أن مسألة التوحيد وإفراد الألوهية وإخلاص العبادة لله وحده هي أساس الأسس في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. لقد اهتم رحمه الله اهتماماً بالغاً في جميع كتبه ورسائله بالتوحيد، فكانت دعوته دعوة التوحيد وكان شعاره- رحمه الله كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان يوضح معاني هذه الكلمة لكل واحد ويسعى إلى ترسيخ حقيقتها في الأذهان.

ثانيا: محاربة البدع والخرافات2:

محاربة البدع والخرافات هي الأساس الثاني من الأسس التي قامت عليها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهذا الأساس في حقيقته منبثق من الأساس الأول ونتيجة له.

لقد وجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله مظاهر شائعة في العالم الإسلامي، كلها تعد بحكم مخالفتها لعقيدة التوحيد الصافية بدع شاذة وتحريفات خطيرة تتعارض مع تعاليم الإسلام، مثل بناء القباب على القبور وتجصيصها، ووضع العمائم الخضراء عليها حتى تشييد

1 جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، القسم الخامس، الرسائل الشخصية، الرسالة 32 ص 212 - 214.

2 جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ج 2، ص 313.

ص: 98

الأبنية عليها، واتخاذها مساجد، والنذر للأولياء وأصحاب القبور، والطواف حولها أحياناً، أو حول الصخرة المشرفة في بيت المقدس، والاستغاثة بالصالحين، والاستعانة بهم.. والتمسح بالقضبان والتبرك بالعمدان وشد الرحال إلى قبور بعض الأولياء، وزيارة القبر لدفع الكرب، أو طلب النفع

والاهتمام بالرقي والتمائم والسحر للوقاية من المكروه، والاحتفال بالموالد وبخاصة في مصر كمولد الحسين والبدوي، ومنكرات المأتم والجنائز

ونفقات أيام الخميس وليالي الجمع والأربعين والذكرى السنوية.. واستئجار قراء القرآن للقراءة على روح الأموات

وحلقات الذكر المصحوبة بالطبول والرقص، مما لم يكن في صدر الإسلام، وبدع الصوفية المتنوعة، ولاسيما التأويلات والخوارق ونحو ذلك.

لقد هالت هذه البدع والخرافات وأمثالها الشيخ محمد بن عبد الوهاب لكونها تتنافى مع حقيقة التوحيد لذا كان تركيزه- رحمه الله على محاربة هذه البدع والخرافات أحد الأسس التي قامت عليها دعوته الإصلاحية المباركة.

ثالثا: إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد الأسس والمرتكزات التي قامت عليها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية. ومن المعروف ما للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمية في الأمة الإسلامية، ومن المعلوم أيضا أن القيام به صفة من

ص: 99

الصفات التي جعلت هذه الأمة توصف بأنها خير أمة أخرجت للناس، وقد اهتم العلماء في الإسلام بهذه الفريضة وبينوا مكانتها وأهميتها ومتطلبات القيام بها، ومن بين من تكلم عنها بالتفصيل الإمام ابن تيمية رحمه الله في كتابه القيم"الحسبة في الإسلام" وطبقا لما ذكره شيخ الإسلام فإن دين الإسلام مبني على أساسين: الأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على ذلك واجبة ملحة على الأمة بصفة عامة، وعلى كل مسلم قادر على تنفيذه بصفة خاصة1. ولكن تنفيذه يجب أن يتم بطريقة مناسبة حتى لا يؤدي إلى نتائج ضارة. وقد حدد شيخ الإسلام ثلاثة شروط يجب أن تتوافر في كل من يقوم بهذا الأمر:

ا- أن يعلم ما هو المعروف وما هو المنكر، وأن يعلم حال المأمور أو المنهي.

2-

أن يكون رفيقاً في طريقته.

3-

أن يكون صبورا على ما قد يترتب على القيام به من أذى.

ومن الواضح أن الشيخ وأتباعه يلتزمون بالشروط التي ذكرها ابن تيمية للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ففي رسالة الشيخ محمد إلى أحمد بن سويلم وسعود بن ثنيان يقول: "الإنسان لا يجوز له الإنكار إلا بعد المعرفة، فأول درجات الإنكار معرفتك أن هذا مخالف لأمر الله"2. ويقول في رسالة إلى أنصاره في سدير: "أهل العلم يقولون الذي

1 بتصرف، عبد الله الصالح العثيمين، محمد بن عبد الوهاب، حياته وفكره، الطبعهَ الثانية، الرياض، دار العلوم، 1412 هـ ص 154- 155.

2 روضة الأفهام 1 ج، ص 158. ??

ص: 100

يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج إلى ثلاث: أن يعرف ما يأمر به وينهى عنه، ويكون رفيقاً فيما يأمر به وينهى عنه، صابرا على ما جاءه من الأذى"1.

وعلى أي حال فإن الشيخ وأتباعه لم يكتفوا بذكر آرائهم حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما قاموا بتنفيذه".

ممارسة هذه الفريضة منذ فجر الدعوة الإصلاحية المباركة كانت أحد أسباب تعميق الخلاف مع المعارضين للدعوة في منطقة الرياض وغيرها، وقد ذكر الشيخ محمد ابن عبد الوهاب- رحمه الله أن هذا هو السبب الرئيس من أسباب الخلاف ولم يكن خروجه من حريملاء إلا بسبب قيامه بهذه الفريضة.

يقول رحمه الله في رسالة له لأحد علماء المدينة موضحا أسباب خلافه مع معارضيه: "وإن سألت عن سبب الخلاف الذي بيننا وبين الناس فما اختلفنا في شيء من شرائع الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك ولا في شيء من المحرمات، الشيء الذي عندنا زين هو عند الناس زين، والذي عندهم شين عندنا شين، إلا أنا نعمل بالزين الذي يدنا عليه وننهي عن الشين ونؤدب الناس عليه. والذي قلب الناس علينا الذي قلبهم على سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم "2.

1 روضة الأفهام، 1ج، ص 171.

2 عبد الله بن محمد العجلان، حركة التجديد والإصلاح في نجد في العصر الحديث، 1409، ص 156.

ص: 101

وفي الرسالة التي كتبها الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأهل مكة بعد دخول جيوش الدعوة الحجاز عام 1218هـ، يذكر أن الأمير سعود الكبير بيّنَ لعلماء مكة أن الاختلاف بينهم قائم على أمرين:

أحدهما: إخلاص التوحيد لله تعالى.

والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لم يبق عندهم إلا اسمه وانمحى أثره ورسمه، ويذكر الشيخ عبد الله أن علماء مكة وافقوا الأمير سعود على ذلك واستحسنوا رأيه دون مشقة1.

والحق أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي حرصت الدعوة السلفية على تطبيقها، قد أثمرت الثمار المطلوبة على مدار الدولة السعودية في أدوارها الثلاثة، وكان هذا بفضل الله ثم بفضل جهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وجهود القادة من حكام الدولة السعودية الذين وفروا جميع سبل القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما أنشئت الرئاسة العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية إلا من أجل القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طبقاً لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

رابعا: وجوب الحكم بما أنزل الله:

من الأسس المهمة التي قامت عليها دعوة الشيخ محمد بن

1 دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي، مرجع سابق ص 59.

ص: 102

عبد الوهاب رحمه الله الحكم بما أنزل الله جل وعلا والرضاء به، فهو يعد- رحمه الله الحكم من أخص خصائص الألوهية، وأنه لا يجوز العدول عن حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى حكم الطواغيت وأعراف الجاهلية.

ولهذا فقد أكد رحمه الله على وجوب التحاكم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ورد الحكم إليهما عند التنازع1، وشدد النكير على من خرج عن ذلك إلى حكم الطواغيت المعاصرين له وأعراف الجاهلية ومواصفات البشر التي كان معمولا بها عند قيام دعوته وفي ذلك يقول:"من أنكر البعث أو شك فيه أو سب الشرع أو سب الأذان إذا سمعه أو فضل فرائض الطاغوت على حكم الله"، حتى قال:"إنه كافر مرتد"2. واعتبر أن من حكم بغير ما أنزل الله فإنه واحد من رؤوس الطواغيت الخمسة وهم:

1-

إبليسِ لعنه الله.

2-

مَنْ عُبِدَ وهو راضٍ.

3-

مَنْ دَعا الناس إلى عبادة نفسه.

4-

مَنْ ادعى شيئاً من علم الغيب.

5-

مَنْ حكم بغير ما أنزل الله.

1 حركة التجديد والإصلاح في نجد في العصر الحديث، مرجع سابق، ص 69.

2 القسم الخامس من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية الرسالة رقم 34، ص 234- ص 236.

ص: 103

وقد رتب على هذا الأصل من الأصول والأسس التي قامت عليها دعوته أحكاما يكفر من عرف هذا الحكم بدليله وقامت الحجة عليه بالبيان والدعوة ثم أصر على التحاكم إلى غير ما أنزل الله وفضل حكم البشر على حكم خالقهم واعتدى على الألوهية في أخص خصائصها وجعل له إلها في الحكم غير الله وحكم على من أنكر هذا الأصل أو دافع عن مرتكبيه بالباطل أو شايعهم وظاهرهم على المسلمين أنه كافر.

يقول حفيده الشيخ سليمان بن عبد الله في شرحه لقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [النّساء من الآية: 60] . يقول الشيخ سليمان في شرحه لهذه الآية "لما كان التوحيد الذي هو معنى شهادة لا إله إلا الله مشتملا على الإيمان بالرسل مستلزماً له وذلك هو الشهادتان. ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم ركناً واحداً ونبه في هذا الباب على ما تضمنه التوحيد واستلزمه من حكم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النّزاع، إذ مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله ولازمها الذي لا بد منه لكل مؤمن، فإن من عرف أن لا إله إلا الله فلا بد من الانقياد لحكم الله، والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النّزاع فقد كذب في شهادته1.

1 جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ج1، ص 203.

ص: 104

خامسا: اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة:

من أهم الأسس التي قامت عليها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله اعتمادها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يأت بمذهب جديد وإنما سعى لرد الناس إلى الشريعة الإسلامية من مصدريها الأساسيين القرآن الكريم والسنة المطهرة.

والقرآن هو كلام الله أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو أساس الدين ومصدر التشريع، وحجة الله البالغة في كل عصر ومصر بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته امتثالا لأمر ربه. وتلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاوة وحفظاً ودراسة لمعانيه، وعملا بما فيه، واستمر حفظ المسلمين للقرآن في كل عصر وتوارثت الأمة نقله بالكتابة على مر الدهور جيلا بعد جيل، من غير تحريف أو تبديل. وذلك مصداقاً لقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .

وقد اشتمل القرآن الكريم على أصول الشريعة وقواعدها في الحلال والحرام.

والسنة: هي المصدر الثاني في التشريع الإسلامي وقد بين الإمام الشافعي- رحمه الله في الرسالة أنه لن تنْزل بأحد من أهل الدين نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها.

ص: 105

وقسم الأحكام إلى أقسام:

1-

ما أبانه لخلقه نصا كتكميل فرائضه من الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن أو تحريم الزنا وأكل الميتة ولحم الخنْزير.

2-

وما جاء حكمه في القرآن مجملاً وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والعملية، كتفصيل مواقيت الصلاة وعدد ركعاتها وسائر أحكامها، وبيان مقادير الزكاة وأوقاتها، والأموال التي تزكى، وبيان أحكام الصوم، ومناسك الحج، والذبائح والعيد وما يؤكل وما لا يؤكل، وتفصيل الأنكحة والبيوع والجنايات وغير ذلك مما وقع مجملاً في القرآن وهو الذي يدخل في الآية الكريمة:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النّحل من الآية44] .

3-

وما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس فيه نص حكم بالقرآن حيث فرض الله في كتابه طاعة رسوله والانتهاء إلى حكمه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النّساء من الآية: 59] .

فمن قبل هذه السنة امتثل أمر الله. وقد أمرنا الله بطاعته وطاعة رسوله في قوله عز وجل: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النّساء: 59] . وقد تضمنت الآية احتمال التنازع بَين المؤمنين في بعض الأحكام- وأوجبت الرد عند

ص: 106

التنازع إلى الله والرسول، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه نفسه في حياته أو إلى سنته بعد وفاته، والأمر بالرد عند التنازع إلى الكتاب والسنة يدل على أنهما يشتملان على حكم كل شيء، لأن قوله:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} [النّساء من الآية: 59] ، ذكره في سياق الشرط وسياق الشرط كسياق النفي، فهي تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين1.

الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد نحى هذا المنحى الأصيل في دعوته بكل جانب من الجوانب التي تناولها. لقد أكد- رحمه الله في غير موضع من رسائله وفتاواه وكتبه ضرورة الرجوع إلى الكتاب والسنة. ومن تتبع أقوال الشيخ وفتاواه يجد تأكيد وجوب اتباع الله واتباع رسوله والرد في محل النّزاع إلى الكتاب والسنة تارة بالإجمال وتارة بالتفصيل، وأوضح بيان له في ذلك ما ذكره في رسالة له "أربع قواعد تدور الأحكام عليها". ونحن نقتطف من ذلك أهم ما ورد في هذه القواعد.

القاعدة الأولى: تحريم القول على الله بدون علم لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ _ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] .

القاعدة الثانية: أن كل شيء سكت عنه الشارع فهو عفو لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يستحبه أو يكرهه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

1 بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ج1، مصدر سابق، ص 22.

ص: 107

آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة من الآية: 101] .

القاعدة الثالثة: أن ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ متشابه هو طريق أهل الزيغ كالرافضة والخوارج قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران من الآية: 7]، الواجب على المسلم اتباع الحكم وإن عرف معنى المتشابه وحده لا يخالف الحكم بل يوافقه فالواجب عليه اتباع الراسخين في قولهم:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران من الآية: 7] .

القاعدة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: "أن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات".

فمن لم يفطن لهذه القاعدة وأراد أن يتكلم على مسألة بكلام فاصل، فقد ضل وأضل، فهذه ثلاث ذكرها الله في كتابه،.. والرابعة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.

واعلم رحمك الله أن هذه الكلمات الأربع مع اختصارهن يدور عليها الدين، سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير أو في علم الأصول، أو في علم أعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك أو في علم الحديث، أو في علم الحلال والحرام، والأحكام الذي يسمى علم الفقه، أو في علم الوعد والوعيد، أو غير ذلك من أنواع علوم الدين.

ثم ذكر الشيخ أن الواجب اتباع النصوص مع احترام العلماء. فقال بعد كلام طويل: "وبالجملة فمتى رأيت الاختلاف فرده إلى الله والرسول

ص: 108

فإذا تبين لك الحق فاتبعه فإن لم يتبين لك الحق واحتجت إلى العمل فخذ بقول من تثق بعلمه ودينه".

والخلاصة أن المطلع على مؤلفات الشيخ ورسائله يرى اهتمام الشيخ وتقديره الكبير لكتاب الله تعالى عن طريق سرد الآيات من القرآن الكريمتؤيد آراءه، حتى تكاد بعض مؤلفاته أن تصبح جمعاً للنصوص سواء من القرآن الكريم أو السنة النبوية. وفي كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب:"أصول الإيمان"" فصل بعنوان: "الوصية بكتاب الله".

وفي مؤلفات الشيخ وأتباعه من علماء الدعوة لا يكادون يذكرون آيات القرآن الكريم إلا ويقرنونها بأشياء من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب، "أصول الإيمان" " السالف الذكر يعقد فصلا بعنوان:"تحريضه صلى الله عليه وسلم على لزوم السنة"". ويظهر اهتمام الشيخ بالسنة النبوية في دعوته بقيامه باختصار "صحيح البخاري" " و "سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم "، ليسهل على أتباعه الرجوع إليها. ويقرر علماء الدعوة ما قاله الإمام مالك بأن كل يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم.

سادسا: فتح باب الاجتهاد:

من الأسس التي قامت عليها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله فتح باب الاجتهاد- عند توافر وسائله- وعدم التعصب

ص: 109

لمذهب معين وضرورة أن يعود المسلمون إلى الاتصال المباشر بالكتاب والسنة.

وقد اتهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب من قبل خصومه منذ فترة مبكرة من ظهور دعوته بأنه يدعي الاجتهاد ويرفض التقليد وأنه يحرم كتب المذاهب الأربعة.

والواقع أن الشيخ وأتباعه لا ينكرون على أحد تقليد أحد الأئمة الأربعة شريطة ألا يؤدي التقليد إلى تعصب. وهم إذ لا يمنعون تقليد أحد الأئمة الأربعة يمنعون تقليد سواهم لعدم ضبط مذاهب من عداهم.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "ونحن أيضاً في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وما ننكر مَنْ قلد الأئمة الأربعة دون غيرهم لعدم ضبط مذاهب الغير، كالرافضة والزيدية والإمامية ونحوهم، لا نقرهم ظاهراً على شيء من مذاهبهم الفاسدة، بل نجبرهم على تقليد أحد الأئمة الأربعة، ولا نستحق مرتبة الاجتهاد ولا أحد منا يدعيه إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة أخذنا به وتركنا المذهب"1.

وهكذا يتضح أن الشيخ وأتباعه لا ينكرون تقليد أحد الأئمة الأربعة لقناعتهم بأنهم على الحق والصواب، الذي أنكره الشيخ وأتباعه هو

1 الأجوبة، 1، ص 126.

ص: 110

التعصب الأعمى والتقليد المذموم الذي أفضى بالأمة إلى الخلاف والتفرق "فيجب الإنكار على من ترك الدليل لقول أحد من العلماء، كائنا من كان، ونصوص الأئمة على هذا، وأنه لا يسوغ التقليد إلا في مسائل الاجتهاد التي لا دليل فيها يرجع إليه في كتاب ولا سنة، فهذا هو الذي عناه بعض العلماء بقوله: "لا إنكار في مسائل الاجتهاد وأما من خالف الكتاب والسنة فيجب الرد عليه". "التقليد قبل بلوغ الحجة لا يذم، وإنما ينكر على من بلغته الحجة وخالفها لقول إمام من الأئمة"، وذلك إنما ينشأ عن الإعراض عن تدبر كتاب الله وسنة رسوله، والإقبال على كتب من تأخر والاستغناء بها1.. فيجب على من نصح نفسه إذا قرأ كتب العلماء ونظر فيها وعرف أقوالهم أن يعرضها على ما في الكتاب والسنة، فإن كل مجتهد من العلماء ومن تبعه وانتسب إلى مذهبه لا بد أن يذكر دليله، والحق في مسألة واحد والأئمة مثابون على اجتهادهم، فالمنصف يجعل النظر في كلامهم وتأمله طريقاً إلى معرفة المسائل واستحضارها ذهناً وتمييزاً للصواب من الخطأ بالأدلة التي يذكرها المستدلون، ويعرف بذلك من هو أسعد بالدليل من العلماء فيتبعه والأدلة على هذا الأصل في كتاب الله أكثر وفي السنة كذلك"2.

1 فتح المجيد ص 139- ص 395.

2 عبد الرحمن بن حسن، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، ص 398.

ص: 111

ويقسم الشيخ محمد بن عبد الوهاب الاجتهاد قسمين:

اجتهاد مطلق واجتهاد جزئي أو محدود، كما يقسم من يقوم به إلى مجتهد مطلق، ومجتهد مقيد، فالأول من هو مؤهل في أمور الدين وقادر على إعطاء رأي مستقل، مثل الأئمة الأربعة. والثاني من هو ليس مثل هؤلاء لكنه متعمق جداً في المسائل التي يراد الحكم فيها1.

وهكذا يتضح أن من أهم الأسس التي قامت عليها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فتح باب الاجتهاد فيما يجوز الاجتهاد فيه، والعودة بعلماء المسلمين إلى الاجتهاد في الفروع بعد أن كان ذلك معدوماً أو شبه معدوم.

في نهاية هذا الموضوع أحب أن أشير إلى أن قلة اجتهادات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعود إلى أنه صرف جل وقته في إقرار مسألة الدعوة الكبرى إقرار التوحيد الكامل لله تعالى وعدم صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله. والقضاء على كل ما ينافي ذلك في المجتمع الإسلاميفقضية التوحيد أخذت الجانب الأكبر من جهد الشيخ ووقته ولم يتفرغ للمسائل الاجتهادية من فروع الدين.

1 محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره، مرجع سابق، ص 150.

ص: 112

رابعا: بيان غاية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهدافها:

تتلخص غاية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في العمل على تحقيق العبودية الخالصة لله جل وعلا ومحاربة الشرك بشتى أنواعه وصوره. يقول يرحمه الله: "وأما ما دعونا الناس إليه، فندعوهم إلى التوحيد الذي قال الله فيه خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] .

وقوله جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن: 18] . وأما ما نهينا الناس عنه، فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة من الآية: 72] . ويقول رحمه الله في الرسالة الموجهة إلى عبد الله الصنعاني "الذي ندين به عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بعبادة غيره"1.

لقد سلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لتحقيق هذه الغاية سبيل الدعوة من خلال البيان بالتعليم والتلقين في جميع تنقلاته

1 الرسائل الشخصية، مرجع سابق، الرسالة، 15، ص 101.

ص: 113

الكثيرة في أنحاء الجزيرة، ومن خلال كتابة الرسائل ردا على الأسئلة التي كانت ترد إليه من أطراف الجزيرة. لقد ركز رحمه الله على بيان حقيقة التوحيد وتعريف الناس بربهم الحق، وما ينبغي له من التنْزيه والإجلال، وبيان حقوق الله على العباد، وأن الله هو الحقيق وحده بالعبادة دون شريك، وأن يعبد بما شرع وأن له الخلق والأمر.. ومن أجل تحقيق التوحيد وحمايته من الشرك هَاجَمَ رحمه الله الصوفية في عنف ظاهر وما يخيم عليها من العقائد المنحرفة، كالجبرية والاتحاد والحلول كما أعلن رحمه الله أن التوسل والشفاعة لا تكون بغير الله تعالى. يقول رحمه الله في رسالة أرسلها إلى أهل المغرب:"فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد التي لا تصلح إلا لله، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها، لانه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا"1.

هذه الغاية العظيمة التي سعى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى تحقيقها وقد انبثق عن هذه الغاية العظيمة أهداف نبيلة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان لا بد منها لتحقيق الغاية النهائية من

1 الرسائل الشخصية، مرجع سابق، الرسالة 17، ص 111.

ص: 114

الدعوة وهي تحقيق العبودية الخالصة لله جل وعلا ويكمن إجمال أهم هذه الأهداف فيما يأتي:

1-

محاربة البدع والخرافات وتنفير الناس منها.

2-

تطهير الاعتقاد مما شابه من أوضاع الجاهلية.

3-

تجلية المفاهيم الإسلامية مما أحاط بها من غموض أو نقص أو ميل أو تحريف.

4-

إقامة فرائض الإسلام وشرائع الدين والاحتكام إليها في مختلف شئون الحياة.

5-

بيان الجائز والممنوع في العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والدماء.

6-

بيان الحلال والحرام.

7-

رفع غشاوة الجهل وتصحيح المفهومات الخاطئة.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالة وجهها إلى عبد الله ابن عبد اللطيف، "لست - ولله الحمد - أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضى بها أول أمته وآخرهم وأرجو أني لا أرد

ص: 115

الحق إذا أتاني، بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه، إن أتاني منكم كلمة الحق لأقبلنها على الرأس والعين، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق.. "1.

ويقول رحمه الله في رسالة إلى السويدي عالم العراق مصححا ما أثير حوله من المفهومات الخاطئة والشبهات الباطلة: "أخبرك أني ولله الحمد متبع ولست بمبتدع عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة، لكني أبين للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود، وغير ذلك مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة"2.

8-

إقامة دين الله بين عباده بالطرق الموصلة إلى ذلك ومن أهمها إقامة الحدود الشرعية، يقول ابن غنام:"ولم يزل الشيخ رحمه الله مقيما في العيينة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويعلم الناس دينهم ويزيل ما قدر عليه من البدع ويقيم الحدود ويأمر الوالي بإقامتها"3.

1 الرسائل الشخصية، مصدر سابق، الرسالة 37، ص 252.

2 حسين بن غنام، تاريخ نجد، تحقيق ناصر الدين الأسد، ص 359.

3 المرجع السابق، ج 1، ص 79.

ص: 116

9-

إعلاء راية الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا:

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالة بعث بها إلى عبد الله ابن سويلم: "وذلك أني لا أعرف شيئا يتقرب به إلى الله أفضل من لزوم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال القربة، فإن انضاف إلى ذلك الجهاد عليها الكفار والمنافقين كان ذلك تمام الإيمان". ثم يضيف قائلا: "من أفضل الجهاد جهاد المنافقين في زمن الغربة"1.

10-

إقامة مجتمع إسلامي متكامل يؤمن بالإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ومنهاج حياة.

11-

إقامة الإمامة الراشدة التي تقوم على أمور المسلمين بالحق.

لقد دعا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله المسلمين إلى حمل لواء الدعوة الإسلامية، وإمامة حركة إسلامية إيجابية تعيد للإمامة المسلمة فاعليتها، وتسليم القيادة إلى من يقوم بها على وجهها الصحيح. كما نعى على المسلمين تواكلهم وسلبيتهم، وأعلن أن كل مسؤول أمام الله عن إقامة هذه الإمامة الصالحة، ونصرة عقيدة التوحيد وإزالة كل صور الشرك والجاهلية من حياة المسلمين، وكان يستنصر بالأمراء والحكام لكي يحملوا لواء الدعوة إلى التوحيد الخاص

وكانت نقطة التحول الرئيسية في حياة الدعوة

1 عنوان المجد في تاريخ نجد، مصدر سابق، ج 1، ص 45.

ص: 117

تحويلها إلى حركة جهادية، حين استجاب الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية وانطلقت الدعوة إلى التوحيد تحت توجيه الإمام محمد بن عبد الوهاب وتعضيد ومناصرة وحماية الأمير محمد بن سعود.

ص: 118