الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: نتائج وآثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأمثلة لثناء العلماء المنصفين على الشيخ محمد بن عبد الوهاب ووصفهم دعوته على حقيقتها ودفاعهم عنها
تمهيد:
لا يستطيع أي باحث منصف درس حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحقيقة دعوته دراسة موضوعية، وتتبع الجهود الصادقة التي بذلها آل سعود للتمكين لهذه الدعوة ونصرتها وحمايتها أن ينكر أن دعوة الشيخ السلفية التي دعا إليها، كانت بمثابة بعث للجانب الديني من الحياة الفكرية، ثم لم يلبث أن سرى هذا النشاط الفكري إلى حياة المجتمع الإسلامي من نواحي السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها من شئون الحياة.
ثم هذه الدعوة المباركة تأثرت بها كثير من الدعوات الإصلاحية سليمة الاتجاه التي قامت في المجتمع الإسلامي فيما
بعد. وعلى هذا فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية دعوة ناجحة بلا شك حيث تحققت الأهداف النبيلة التي سعت لتحقيقها، وخلفت في المجتمع الإسلامي والعربي وعياً مفقوداً وحركت إحساساً كان خامداً، وفتحت بصائر كانت مغلقة. ومن جهة أخرى فإن هذه الدعوة جعلت المسلمين يقلبون وجوه الرأي وأن يرجعوا إلى ما خلف السلف الصالح من آراء وسنن، ونتيجة لذلك رجع المسلمون في كثير من البلاد إلى الينابيع الأولى للإسلام، والواقع أن نجاح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعود إلى عدة أسباب وعوامل يجدر بنا أن نشير إلى أهمها قبل أن نتحدث عن نتائج وآثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
أولا: أهم أسباب وعوامل نجاح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية:
1-
طبيعة الدعوة: لقد قامت الدعوة على أسس سليمة وسعت إلى تحقيق أهداف سامية كان أساس الأسس الذي قامت عليه هو التوحيد، وكانت الغاية التي سعت إلى تحقيقها تحقيق العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى.
2-
قوة إيمان صاحب الدعوة وصدق نيته: فقد فتح الشيخ محمد بن عبد الوهاب، صاحب الدعوة قلبه لها، فولدت طيبة حتى اكتمل نموها، ودفع بها إلى الحياة تسعى بين الناس وهو من ورائها يدفعها بيقينه وإصلاحه وجمع عليها الأنصار بإيمان، والإيمان هو الصفة البارزة
لصاحب الدعوة، فلقد آمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله بأن المجتمع الإسلامي قد سرى الفساد في كل مقومات حياته، وخاصة فيما يتعلق بالعقيدة، وأن هذا المجتمع أصبح فيه الإسلام غريباً على الإسلام، وأن لا بد من جهاد وصبر وحزم في مقاومة هذا الفساد وإعادة الصحة والسلامة إلى المجتمع الإسلامي عن طريق النصح والإرشاد.
كان الشيخ يعتقد بأن الحال التي عليها المسلمون هي أسوأ حال بلغها المجتمع الإسلامي وأن الفناء مقبل عليهم إن لم يقم المصلحون منهم بدفع هذا البلاء، وإقامة الناس على نهج قويم من دين الله، وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب يؤمن بأن إصلاح هذا الفساد أمر غير مستحيل، إذا قام عليه قوم يدعون للحق ويعطونه كل ما في وسعهم من قوة وجهد. بهذا الإيمان استطاع الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يكسب الأنصار ويجعلهم يشدون أزره في حياته ويقومون مقامه بعد موته.
3-
إن أنصار هذه الدعوة السلفية بذلوا كل ما في وسعهم من أجل نجاحها وإبلاغ صوتها إلى مشارق الأرض ومغاربها ولولا الله ثم هؤلاء الأنصار لما استطاع الشيخ أن يثبت طويلاً، لقد حمل أنصار الدعوة من آل سعود لواء الدعوة في حياة الشيخ وبعد وفاته وابتلوا في أموالهم وأنفسهم فما بخلوا. والتاريخ يشهد أن أنصار هذه الدعوة من آل سعود وأهل نجد قد بذلوا كل ما في وسعهم من أجل حماية الدعوة السلفية والتمكين لها.
4-
طبيعة البيئة التي ظهرت فيها الدعوة السلفية: لقد ظهرت الدعوة السلفية في نجد، وكانت أنسب تربة لهذه الدعوة المباركة، فأهلها بسطاء متقشفون يتمتعون بصفات المروءة والشجاعة والنجدة.. ويوجد فيهم
الرجال الذين يصلحون لتحمل الأعباء الجسام. ومن جهة أخرى فقد كانت هذه المنطقة بعيدة عن السلطة العثمانية ومن نفوذ رجال الدين والمتصوفة، وفقهاء المذاهب المختلفة الذين يحتلون المناصب الرسمية في الدولة، والذين يتكلفون في معارضتهم للحركات الإصلاحية خوفاً على مراكزهم ومناصبهم.
5-
زمان الدعوة: الوقت الذي ظهرت فيه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان أنسب الأوقات لدعوات الإصلاح، إذ وصل الأمر غايته من فساد العقيدة وانحراف الناس عن سواء السبيل، لقد كانت حال المسلمين في أمس الحاجة إلى الإصلاح وبناء المجتمع الإسلامي على قواعد صحيحة بعد أن عبث بها الجهل والضلال.
هذه أهم الأسباب والعوامل لنجاح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية.
وفي الصفحات التالية سوف نتحدث إن شاء الله عن أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد بشكل خاص وفي الجزيرة العربية بشكل عام ثم نتحدث عن انتشارها في العالم الإسلامي.
ثانيا: نتائج وآثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد بشكل خاص وفي الجزيرة العربية بشكل عام.
تحققت الأهداف التي توخاها الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام
محمد بن سعود من الدعوة السلفية المباركة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونصرها ومكن لها آل سعود.
وفي الواقع فإن النتائج الطيبة والآثار المباركة لهذه الدعوة لم تنحصر في تصحيح العقيدة وفي النواحي الدينية، بل تجاوزت ذلك وشملت جميع جوانب الحياة.
لقد هزت هذه الدعوة المباركة المجتمع النجدي وأثرت فيه تأثيراً قوياً، حيث قضت على ما كان شائعاً في نجد من الخرافات، وأحيت معالم الشريعة بعد اندثارها إذ رجع أهل نجد إلى التوحيد الخالص من شوائب الشرك والوثنية.
وفيما يلي نستعرض أهم نتائج وأثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
أولاً: قضت هذه الدعوة المباركة قضاءاً تاماً، على ما كان شائعاً في نجد من الخرافات وما كان شائعاً من تعظيم القبور والنذر لها، والاعتقاد في بعض الأشجار، وأحيت معالم الشريعة بعد اندثارها. ولم يقتصر هذا على نجد بل طهر الله كل البلاد التي صار لهذه الدعوة المباركة فيها نفوذ وسلطة من جميع مظاهر الشرك والبدع والخرافات.
ثانيا: استطاعت الدعوة السلفية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونصرها ومكن لها آل سعود من إقامة مجتمع إسلامي متكامل يؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، ويقيم شعائر الإسلام الظاهرة كالمحافظة على صلاة الجماعة والجمع والأعياد،
وجباية الزكاة وترتيب العمال لقبضها، بعد أن كان الناس يدفعون ضرائب"إخاوة"، ويسمون جباتها مكاساً. كما قامت بتعيين قضاة لفصل الخصومات بين الناس، وتقرير أرزاقهم من بيت المال، وتحكم شرع الله - بعد أن كان بعض الناس وخاصة البدو يتحاكمون إلى العرف- وتطبيق أحكام الإسلام، وإقامة الحدود مما هيأ الأمن والاستقرار في البلاد. كما أحيت نظام الحسبة، وعينت في كل بلد تحت حكم الدولة محتسبين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويحثون على الالتزام بالآداب الإسلامية، ويراقبون الأسواق والأسعار وتطفيف الموازين.
كذلك أنشأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب بيت مال للمسلمين، ووضع قواعد تنظيم جباية أمواله وأوجه الصرف والإنفاق منه1.
ثالثا: ومن الآثار السياسية لهذه الدعوة المباركة تمكنها من القضاء على الإمارات المتنافسة المتناثرة وتوحيدها لمعظم أجزاء الجزيرة العربية، والمعروف أن نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومناصرة آل سعود له ما كانت إلا تعبيراً تاريخياً ومصطلحاً جغرافياً في الكتب.. وأما في الواقع، فما كان شيء يذكر بوحدتها أو بوجودها، وإنما كان هناك إمارات ومشيخات كثيرة كل واحدة منها مستقلة عن الأخرى، وكانت الحرب، بين هذه الدويلات العجيبة، قائمة موصولة،
1 د. عبد الله بن يوسف الشبل، الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب "حياته ودعوته"، الرياض، مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص 612- ص 620.
كأنها جزء من طبيعتها، وكانت البلاد تعيش في رعب دائم، بين عدو يأخذها بالقهر، أو حليف يأخذها بالغدر.. وما كان أبناء البلدة ليتجرأوا على الابتعاد عن أسوار بلدتهم إلا بمغامرة - لأن الطرق مرصودة بقطاع الطرق.
هكذا كانت نجد، تجديداً وتجسيداً لقصة ملوك الطوائف الذين قال فيهم الطبري:"كل منهم كان ملكه قليلا، إنما هي قصور وأبيات، وحولها خندق، وعدوه قريب منه، له من الأرض مثل ذلك ونحوه، يغير أحدهم على صاحبه ثم يرجع كالخطفة"1.
حال نجد هذه تغيرت بعد الدعوة السلفية. لقد وحدت الدعوة السلفية معظم أجزاء الجزيرة العربية ومن بينها نجد تحت حكم دولة إسلامية واحدة هي الدولة السعودية الأولى التي امتدت حدودها من الشام شمالاً إلى اليمن جنوباً ومن البحر الأحمر غرباً إلى الخليج العربي شرقا"2.
حقا لقد كان من ثمرات هذه الدعوة المباركة "قيام دولة إسلامية هي دولة آل سعود الذين آزروا الدعوة وجاهدوا في سبيلها، ولا تزال هذه الدولة- ولله الحمد- تحكم بشريعة الله وتخدم الحرمين، وتشد أزر المسلمين في كل مكان من بقاع العالم بعمارة المساجد والمراكز الإسلامية والتعليمية وتنشر دعوة الإسلام"3.
1 تاريخ البلاد العربية السعودية، مرجع سابق، ج 1، ص 3- ص 4.
2 عبد الله بن يوسف الشبل، الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، مرجع سابق، ص 64.
3 من مقال لفضيلة الشيخ الدكتور صالح فوزان الفوزان، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 16.
لقد حقق أتباع هذه الدعوة السلفية الأمن والاستقرار والطمأنينة لأهل الجزيرة، لتطبيقهم الحدود الشرعية على جميع من في مملكتهم كما منع أتباعها من الأعراب من التعرض للحجاج الوافدين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج، ومنعتهم من أخذ أموال منهم دون وجه حق1.
وبالجملة فإن الدولة السعودية التي قامت في ظل دعوة التوحيد، الدعوة السلفية المباركة "أحسن الدول في تحكيم الشرع ونشر الأمن والعدل والعلم، ومحاربة أهل البدع والضلال، والأخذ على أيدي السفهاء والعابثين بالأخلاق والمنتهكين الحرمات"2.
رابعا: كان أثر الدعوة السلفية واضحا في النهضة العلمية والأدبية. لقد نبهت هذه الدعوة المباركة الأمة من رقدتها، ووجهت الأنظار إلى البحث ومناقشة الآراء وقرع الحجة بالحجة والدليل بالدليل وحملت الناس على النظر في الكتاب العزيز، واستظهار كثير من آياته ومن الحديث النبوي الشريف وهما الغاية القصوى في البلاغة والبيان والعلوم الدينية والعربية لتتشابك وتترابط ولا يمكن الفصل بينها إذ ن علوم اللسان العربي كلها ما قامت إلا لخدمة الكتاب والسنة وفهمهما فهما صحيحاً فكان لا بدّ من قيام حركة علمية شاملة ونهضة فكرية عامة.
1 أحمد القطان، إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الكويت، مكتبة السندس، 1409 هـ، ص 102.
2 أحمد بن حجر، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مصدر سابق، ص 102.
"ولما كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سبباً في إيقاظ الحياة السياسية، فقد كانت الشرارات الأولى التي أشعلت الحركة الفكرية بعد الجمود الفكري والتأخر العلمي اللذين مني بهما العالم الإسلامي فترة طويلة من الزمن، إذ أحدث انتشار مبادئ الدعوة وتطبيقها ردود فعل هائلة في الجزيرة العربية وخارجها، فأنصارها يشرحون حقيقتها، ويوضحون مبادئها، ويكشفون شبهات المعارضين، ويدافعون عن الدعوة بالحجة والدليل.
وخصومها يحاولون تحطيمها، ودحض حجج دعاتها، فاقتضى ذلك عقد مجالس للجدل والمناظرة والمناقشة، وجدّ كلا الفريقين في البحث والتحصيل العلمي مما نتج عنه قيام يقظة فكرية إسلامية، ونشاط علمي كان المسلمون في أشد الحاجة إليهما تطوراً فيما بعد إلى وثبة فكرية عارمة، ظهرت آثارها في مختلف ألوان الثقافة والمعرفة التي أثرت في المكتبة العربية الإسلامية بالعديد من المؤلفات في مختلف فروع العلوم الإسلامية".
يقول الشيخ أحمد القطان:"استطاعت حركة الموحدين نشر العلم والمعرفة بين طبقات الشعب المختلفة، واستطاعت تكوين طبقة ممتازة من علماء الدين ورجال المعرفة فنشرت الحركة في الناس علوم الشريعة المطهرة وآلاتها، من التفسير والحديث، والتوحيد والفقه، والسيرة، والتاريخ، وغير ذلك وأصبحت الدرعية قبلة العلوم والمعارف
يفد إليها الطلاب من سائر النواحي والأرجاء، وانتشر العلم في جميع الطبقات حتى قال المؤرخون:"أصبح الراعي يرعى المواشي في الفيافي ولوح التعليم في عنقه".
ويلخص سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - حفظه الله - ما قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب في سبيل الدعوة السلفية، وما بذل آل سعود من جهود صادقة في سبيل نصرة الدعوة وحمايتها ونشرها موضحاً النتائج الطيبة والآثار المباركة التي حققتها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيقول سماحته:
"والخلاصة أن هذا الإمام الذي هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه إنما قام لإظهار دين الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله، وإنكار ما أدخل الناس فيه، من البدع والخرافات، وقام أيضا لإلزام الناس بالحق، وزجرهم عن الباطل، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر. هذه خلاصة دعوته رحمة الله تعالى عليه، وهو في العقيدة على طريقة السلف الصالح يؤمن بالله وبأسمائه، وصفاته، ويؤمن بملائكته، ورسله وكتبه، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وهو على طريقة أئمة الإسلام في توحيد الله، وإخلاص العبادة له جل وعلا. وفي الإيمان بأسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله سبحانه، لا يعطل صفات الله، ولا يشبه الله بخلقه. وفي الإيمان بالبعث، والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار، وغير ذلك. ويقول في الإيمان ما قاله
السلف أنه قول، وعمل يزيد وينقص يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كل هذا من عقيدته رحمه الله، فهو على طريقتهم وعلى عقيدتهم، قولاً وعملاً. لم يخرج عن طريقتهم تلك البتة، وليس له في ذلك مذهب خاص، ولا طريقة خاصة، بل هو على طريق السلف الصالح من الصحابة وأتباعهم بإحسان. رضي الله عن الجميع.
وإنما أظهر ذلك في نجد، وما حولها ودعا إلى ذلك ثم جاهد عليه من أباه، وقاتلهم، حتى ظهر دين الله وانتصر الحق، وكذلك هو على ما عليه المسلمون من الدعوة إلى الله، وإنكار الباطل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ولكن الشيخ وأنصاره يدعون الناس إلى الحق، ويلزمونهم به، وينهونهم عن الباطل، وينكرونه عليهم، ويزجرونهم عنه حتى يتركوه. وكذلك جدّ في إنكار البدع والخرافات حتى أزالها الله سبحانه بسبب دعوته. فالأسباب الثلاثة المتقدمة آنفاً هي أسباب العداوة، والنّزاع بينه وبين الناس وهي:
أولاً: إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد.
ثانياً: إنكار البدع، والخرافات، كالبناء على القبور واتخاذها مساجد ونحو ذلك كالموالد التي أحدثتها طوائف المتصوفة.
ثالثاً: إنه يأمر الناس بالمعروف، ويلزمهم به بالقوة فمن أبى المعروف الذي أوجبه الله عليه، ألزم به وعزر عليه إذا تركه وينهى الناس عن
المنكرات، ويزجرهم عنها، ويقيم حدودها، ويلزم الناس بالحق، ويزجرهم عن الباطل، وبذلك ظهر الحق وانتشر، وكبت الباطل وانقمع، وصار الناس في سيرة حسنة، ومنهج قويم في أسواقهم، وفي مساجدهم، وفي سائر أحوالهم. لا تعرف البدع بينهم ولا يوجد في بلادهم الشرك، ولا تظهر المنكرات بينهم. بل من شاهد بلادهم وشاهد أحوالهم وما هم عليه ذكر حال السلف الصالح وما كانوا عليه زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وزمن أصحابه، وزمن أتباعه بإحسان في القرون المفضلة رحمة الله عليهم.
فالقوم ساروا سيرتهم، ونهجوا منهجهم، وصبروا على ذلك، وجدّوا فيه، وجاهدوا عليه، فلما حصل بعض التغيير في آخر الزمان بعد وفاة الشيخ محمد بمدة طويلة ووفاة كثير من أبنائه رحمة الله عليهم وكثير من أنصاره حصل بعض التغيير جاء الابتلاء وجاء الامتحان بالدولة التركية، والدولة المصرية، مصداقا قوله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الّرعد من الآية: 11] . نسأل الله عز وجل أن يجعل ما أصابهم تكفيراً وتحميصاً من الذنوب، ورفعة وشهادة لمن قتل منهم رضي الله عنهم ورحمهم.
ولم تزل دعوتهم بحمد الله قائمة منتشرة إلى يومنا هذا فإن الجنود المصرية لما عثت في نجد، وقتلت من قتلت، وخربت ما خربت، لم يمض على ذلك إلا سنوات قليلة ثم قامت الدعوة بعد ذلك وانتشرت، ونهض بالدعوة بعد ذلك بنحو خمس سنين الإمام تركي بن عبد الله بن
محمد بن سعود رحمه الله فنشر الدعوة في نجد وما حولها، وانتشر العلماء في نجد وأخرج من كان هناك من الأتراك، والمصريين، أخرجهم من نجد وقراها، وبلدانها، وانتشرت الدعوة بعد ذلك في نجد عام 1240هـ، وكان تخريب الدرعية والقضاء على دولة آل سعود في عام 1233هـ. فمكث الناس في نجد في فوضى، وقتال، وفتن نحو خمس سنين من أربع وثلاثين إلى عام 1239هـ ثم في عام أربعين بعد المائتين وألف اجتمع شمل المسلمين في نجد على الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود وظهر الحق وكتب العلماء الرسائل، إلى القرى والبلدان وشجعوا الناس ودعوهم إلى دين الله وانطفأت الفتن التي بينهم بعد الحروب الطويلة التي حصلت على أيدي المصريين، وأعوانهم. وهكذا انطفأت الحروب والفتن التي وقعت بينهم على أثر تلك الحروب وخمدت نارها، وظهر دين الله.
واشتغل الناس بعد ذلك بالتعليم، والإرشاد، والدعوة، والتوجيه، حتى عادت المياه إلى مجاريها. وعاد الناس إلى أحوالهم، وما كانوا عليه في عهد الشيخ، وعهد تلاميذه، وأبنائه، وأنصاره، رضي الله عن الجميع ورحمهم، واستمرت الدعوة من عام 1240هـ إلى يومنا هذا بحمد الله، ولم يزل يخلف آل سعود بعضهم بعضاً، وآل الشيخ وعلماء نجد بعضهم بعضا فآل سعود يخلف بعضهم بعضاً في الإمامة والدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله.
وهكذا العلماء يخلف بعضهم بعضاً في الدعوة إلى الله والإرشاد
إليه، والتوجيه إلى الحق.
ثالثاً: انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي:
انتشرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج نجد عندما استولت الدولة السعودية على مكة المكرمة سنة 1219هـ وأصبح حجاج البلاد الإسلامية يفدون إلى مكة المكرمة ويشاهدون علماء هذه الدعوة الحقة، يستمعون خطبهم وإرشاداتهم، كما شاهدوا سيرة الدولة السعودية إذ ذاك، وما هي عليه من الاعتصام بالكتاب والسنة، فتأثر بعض الحجاج بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فأخذ ينشر في دعوته مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ويحارب الخرافات الشائعة في بلاده. والواقع أن انتشار الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي كان له آثار متعددة منها:
1-
قيام يقظة فكرية إسلامية كان العالم الإسلامي والمسلمون في أشد الحاجة إليها وبعثها في عدد من الدول الإسلامية.
2-
كانت الدعوة عاملاً مهما من عوامل نمو الوعي الوطني في كثير من البلاد الإسلامية التي ابتليت بالاستعمار.
3-
كان من أثر الدعوة السلفية في كثير من الدول الإسلامية تجميد وإضعاف كل الأفكار المعادية لهذه الدعوة المباركة.
4-
تأييد شامل لهذه الدعوة الإصلاحية من العلماء المسلمين الغيورين على دينهم وعقيدتهم في البلاد الإسلامية، والمنبع الذي اعتمد عليه كثير من رجال الإصلاح المسلمين.
يقول العقاد: "ولم تذهب صيحة ابن عبد الوهاب عبثا في الجزيرة العربية ولا في أرجاء العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه، فقد تبعه كثير من الحجاج وزوار الحجاز، وسرت تعاليمه إلى الهند والعراق والسودان وغيرها من الأقطار النائية، وأدرك المسلمون أن علة الهزائم التي تعاقبت عليهم إنما هي في ترك الدين لا في الدين نفسه. وأنهم خلقاء أن يستردوا ما فاتهم من القوة والمنعة باجتناب البدع، والعودة إلى دين السلف الصالح في جوهره ولبابه"1.
ويقول العقاد أيضا: "سرعان ما ظهرت دعوة ابن عبد الوهاب بجزيرة العرب حتى تردد صداها في البنغال سنة 1804 م، واتبعتها طائفة الفرائضية بنصوصها الحرفية، فاعتبرت الهند دار حرب إلى أن تدين بحكم الشريعة، ثم تردد صدى الدعوة الوهابية بعد ذلك بزعامة السيد أحمد الباريلي في البنجاب، وأوجب على أتباعه حمل السلاح لمحاربة السيخين وتقدمهم في القتال حتى قتل"2.
وفي البنغال نشطت الدعوة الوهابية في القرن التاسع عشر وبسببها دخل في الإسلام كثير من الناس في البنغال.
يقول أرنولد في كتابه: "الدعوة إلى الإسلام" وفي القرن العشرين نشطت حركة الدعوة إلى الإسلام في البنغال نشاطاً ملحوظاً، وأرسلت طوائف كثيرة ينتمي أهلها إلى تأثير الحركة الوهابية الإصلاحية،
1 عباس محمود العقاد، الإسلام في القرن العشرين، ص 86.
2 عباس محمود العقاد، الإسلام في القرن العشرين، ص 69.
دعاتهم يتنقلون في هذه المقاطعة، يطهرون البلاد من بقايا العقائد الهندوكية القديمة، ويوقظون الحماسة الدينية، وينشرون العقيدة الإسلامية بين الكفار"1.
والواقع أن آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم تقتصر على شبه القارة الهندية، بل تعدتها إلى جاوه وأقصى الجزر الهندية الشرقية التي عرفت الآن بأندونيسيا، ومع أنها واجهت مقاومة شديدة من قبل الاستعمار الهولندي إلا أنها استطاعت أن تنتشر انتشاراً عظيماً.
يقول السير أرنولد "في سنة 1803م رجع ثلاثة من جماعة الحاجي من مكة إلى وطنهم سومطرة، وكانوا أثناء وجودهم في المدينة المقدسة قد تأثروا تأثراً عميقاً بالحركة الوهابية التي قامت لإصلاح الإسلام، فأصبحوا الآن يتوقون إلى أن يدخلوا مبادئ هذا الإصلاح بين مواطنيهم وإلى أن يبثوا فيهم حركة دينية أكثر صفاء وأشد غيرة. ومن ثم أخذوا في الدعوة إلى التشديد في التوحيد. الذي تقوم به الطائفة الوهابية، وحرموا التوسل إلى الأولياء، وشرب الخمر، والميسر، وسائر الأعمال التي تتعارض مع القرآن، وجعلوا عدداً من بين إخوانهم في الدين والأهالي الوثنيين على سواء يدخل في مذهبهم"2.
وعندما كان القرن الثامن عشر مشرفاً على النهاية ظهر داعية إسلامي هو الحاج الشيخ عثمان دانفوديو الذي أتى إلى مكة المكرمة
1 توماس آرنولد، الدعوة إلى الإسلام، ص 239.
2 الدعوة إلى الإسلام، ص 242.
للحج والتقي بكثير من أتباع الدعوة تشبع بها، وعندما رجع إلى وطنه دعا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحارب البدع والخرافات ونشر الإسلام على أوسع نطاق1.
يقول السير أرنولد: "وحول نهاية القرن الثامن عشر ظهر من بين جماعة الفلاتي رجل معروف يدعى الشيخ عثمان دانفوديو، عرف بأنه مصلح ديني وداع محارب، وقد ذهب من السودان إلى مكة لأداء فريضة الحج، فعاد من هناك مليئاً بالحماسة والغيرة من أجل الإصلاح والدعوة للإسلام، تأثر بالوهابيين الذين كانت قوتهم آخذة في النماء في الوقت الذي زار فيه مكة، فأنكر الصلاة على روح الميت، وتعظيم من مات من الأولياء، واستنكر المبالغة في تمجيد محمد نفسه، وهاجم في نفس الوقت رذيلتين كانتا منتشرتين في السودان هما شرب الخمر وفساد الأخلاق"2.
وفي اليمن سار على نهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب الشيخ العلامة محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ بما يشبه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث دعا إلى التوحيد، والاجتهاد، ومحاربة البدع والتقليد الأعمى، وألف في ذلك رسالة سماها"القول المفيد في حكم التقليد". وقد تأثر الشوكاني مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب بابن تيمية. حتى إنه ألف كتاب "نيل الأوطار" لشرح كتاب شيخ الإسلام "منتقى
1 محمد بن عبد الوهاب، لأحمد عبد الغفور العطار، ص 213.
2 محمد بن عبد الوهاب، لأحمد عبد الغفور العطار، ص 213.
الأخبار " ويظهر تأثره بالدعوة السلفية من أنه حينما بلغت الشوكاني وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رثاه بقصيدة من أبياتها:
مصاب لها قلبي فأذكى غلائلي
…
وأصمي بسهم الافتجاع مقاتلي
لقد مات طود العلم قطب رحى العلا
…
ومركز أدوار الفحول الأفاضل
إمام الهدى ماحى الردى قامع العدا
…
ومروى الصدى من فيض علم ونائل
إمام الورى علامة العصر قدوتي
…
وشيخ الشيوخ الجد فرد الفضائل
ومن أشهر علماء اليمن الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني، صاحب سبل السلام شرح بلوغ المرام.
لقد دعا الشيخ الصنعاني أهل اليمن إلى التوحيد وإخلاصه لله تعالى والبعد عن التوسل بقبور الصالحين المنتشرة في اليمن ذلك الحين. أما تأثره بالدعوة السلفية فيمكن أن نعرفه من خلال القصيدة التي بعث بها إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرعية يمدح فيها دعوته ويشيد بأهميتها ويتمنى السير إليه ومقابلته وتبلغ هذه القصيدة أربعة وسبعين"74" بيتاً يقول فيها.
سلامي على نجد ومن حل في نجد
…
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
محمد الهادي لسنة أحمد
…
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
وقد جاءت الأخبار عن بعد بأنه
…
يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وفي العراق نجد أن عائلة"الألوسي" الذين بذلوا حياتهم لتعميق التربية الإسلامية في العراق قد كتبوا عن الشيخ ودعوته ونافحوا
عنها1.
وفي الجزائر: فإن أول من حمل لواء الدعوة السلفية إليها المؤرخ الجزائري"أبو رواس الناصري" الذي قدر له أن يجتمع بتلاميذ الإمام محمد بن عبد الوهاب في موسم الحج، ويذاكرهم في أمور انتهى بعدها إلى الاقتناع باتجاه حركة الشيخ ابن عبد الوهاب، وكان ذلك بحضور وفد الحجيج الذي كان يرأسه ولي عهد المغرب آنذاك2.
وقد أشاد المؤرخ"أبو رواس" بآراء ابن عبد الوهاب عندما دون رحلة للحج بعد عودته إلى الجزائر.
كما تمثل"جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" الوجه السلفي بزعامة عبد الحميد بن باديس"1305- 1359" الذي اطلع على مبادئ الدعوة السلفية عندما أدى فريضة الحج إلى مكة المكرمة. كما اجتمع ببعض علماء الدعوة هناك، وقد أسس ابن باديس جمعيته على أساس من المبادئ السلفية، فدعا إلى إصلاح عقيدة المسلمين في الجزائر من أنواع البدع والخرافات، كما دعا إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد الأعمى والجمود الفكري وذلك بالتعمق في دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية3.
1 دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي، مرجع سابق، ص 83.
2 عبد الحليم عويس، أثر الإمام محمد بن عبد الوهاب في الفكر الإسلامي الإصلاحي بالجزائر، مصر، دار الصحوة، 1405 هـ، ص 13.
3 محمد السلمان، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مرجع سابق، ص 95.
وفي مصر نجد أن الشيخ محمد عبده ومحمد رشيد رضا تبنيا مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله ودافعا عنها في مؤلفاتهما، وممن تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مصر عبد الرحمن الجبرتي مؤرخ مصر، ويعد بحق من أشد المتأثرين بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكان يرى أن الأتراك قد ارتكبوا خطأ كبيراً عندما حاربوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأنصارها، مما دفع محمد علي باشا إلى قتله1.
وفي المغرب العربي تأثر بالدعوة"سيدي محمد بن عبد الله" الذي حارب الصوفية متأثرا بكتب وآراء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكذلك"مولاي سليمان" الذي قام ضد الزوايا ودعا إلى التوحيد.
مما سبق أمثلة على انتشار الدعوة السلفية الإصلاحية المباركة في العالم الإسلامي. ومما تجدر ملاحظته أن هذه الدعوة لا تحل بمكان وتنتشر فيه إلا ويكون من آثارها قيام حركة إصلاحية هدفها نشر الإسلام وتطهير العقيدة مما شابها من البدع والخرافات، وتصحيح أوضاع الحياة الفاسدة، ثم محاولة تأسيس دولة إسلامية وتكوين حكومة صالحة تؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجاً ونظام حياة، وتنفذ الأحكام الشرعية وتقيم الحدود وتوفر الرخاء والأمن والاستقرار
1 للمزيد من المعلومات، انظر: بحوث الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ج 2، مرجع سابق، ص 320 - ص 337.
لشعوبها انطلاقا من ثقتها بوعد الله1.
وخلاصة الكلام أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله أثرت في كثير من البلاد الإسلامية في آسيا وأفريقيا، وأيقظت العقلية العربية الإسلامية، وحركت في شعوب الإسلام الأسباب والدوافع للعمل الجاد وأبانت حقيقة الإسلام كما أنزل الله جلا وعلا على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وفيما يلي نستعرض بعض آراء العلماء المنصفين من مسلمين وغير مسلمين في الدعوة السلفية وصاحبها:
رأي محمد كرد:
كتب علامة الشام محمد كرد علي بحثا بعنوان "أصل الوهابية" اختتمه بقوله: "وما ابن عبد الوهاب إلا داعية هداهم من الضلال وساقهم إلى الدين السمح، وإذا بدت شدة من بعضهم فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلما رأينا شعباً من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم، وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد غلوة.. إلخ"2.
1 للمزيد من المعلومات عن انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، انظر: مقال الدكتور عبد الله بن يوسف الشبل، في العدد الرابع، مجل الدارة، عام 1399، ص 32- ص 34.
2 القديم والحديث لمحمد كرد علي ص 120.
رأي طه حسين:
قال يصف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "قلت إن هذا المذهب جديد قديم معا، والواقع أنه جديد بالنسبة إلى المعاصرين، ولكنه قديم في حقيقة الأمر، لأنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية، هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم خالصاً له، ملغياً كل واسطة بين الله وبين الناس".
رأي حافظ وهبه:
قال حافظ وهبه عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه:"جزيرة العرب": "مصلح مجدد، داع إلى الرجوع إلى الدين الحق، فليس للشيخ محمد تعاليم خاصة، ولا آراء خاصة، وكل ما يطبق في نجد، هو طبق مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وأما في العقائد، فهم يتبعون السلف الصالح، ويخالفون من عداهم".
رأي الزركلي:
قال الزركلي في كتابه الأعلام الجزء السابع عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وكانت دعوته، الشعلة الأولى للنهضة الحديثة في العالم الإسلامي كله، تأثر بها رجال الإصلاح، في الهند، ومصر، والعراق، والشام وغيرها".
رأي محمد رشيد رضا:
قال السيد محمد رشيد رضا عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "قام
يدعو إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه الله في كتابه، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة".
رأي عبد المتعال الصعيدي:
قال عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وأخذ يدعو إلى مثل ما دعا إليه ابن تيمية قبله، من التوحيد بالعبادة لله وحده، وإنكار التوجه إلى أصحاب القباب والقبور وإنكار التوسل بالأولياء والأنبياء إلى الله في قضاء الحاجات".
وقد بدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بلاده بلين ورفق، ثم أخذ يرسل بها إلى أمراء الحجاز وغيره من الأقطار.
رأي الدكتور محمد عيد ماضي في كتابه "حاضر العالم الإسلامي":
قال عنه: "أخذ المصلح الديني، والزعيم الإسلامي محمد بن عبد الوهاب في منتصف القرن الثاني الهجري، يدعو إلى تصحيح العقيدة، والرجوع إلى مبادئ الإسلام الصحيحة واعتناقها من جديد بين النجديين".
رأي محمد ضياء الدين الرئيس أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة:
قال عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته: "المبادئ الأساسية
للدعوة الوهابية هي تنقية معنى التوحيد من شوائب الشرك ظاهره وخفيه، وإخلاص الدين لله، وعدم الالتجاء إلى غير الله، وعدم الغلو في تمجيد الرسول تمجيداً يخرجه عن حدود الطبيعة البشرية وتحديد معنى الرسالة التي كلف بإبلاغها".
رأي العقاد:
تناول الأستاذ عباس العقاد في كتابه "الإسلام في القرن العشرين" دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فقال: "ظاهر من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوهابية أنه لقى في رسالته عنتاً، فاشتد كما يشتد من يدعو غير سميع ومن العنت إطباق الناس على الجهل والتوسل بما لا يضر ولا ينفع، والتماس المصالح بغير أسبابها، وإتيان الممالك من غير أبوابها، وقد غبر على البادية زمان كانوا يتكلمون فيه على التعاويذ والتمائم وأضاليل المشعوذين والمنجمين ويدعون السعي من وجوهه توسلاً بأباطيل السحرة والدجالين حتى الاستشفاء ودفع الوباء فكان حقاً على الدعاة أن يصرفوهم عن هذه الجهالة وكان من أثر هذه الدعوة أنها صرفتهم عن ألوان البدع والخرافات".
رأي الجبرتي:
كما تناول دعوة الإصلاح التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي فقال: "ولغط الناس في خبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجياً، ومنهم من يقول
بخلاف ذلك ثم أورد رسالة من الشيخ أو أحد أولاده بين فيها ما يعتقده".
واختتم الجبرتي كلامه قائلا: "أقول إن كان كذلك، فهذا ما ندين الله به أيضا وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين""1.
رأي أحمد أمين:
يقول: "يظهر أن محمد بن عبد الوهاب عرف ابن تيمية عن طريق دراسته السلفية فأعجب به وعكف على كتبه ورسائله يكتبها، ويدرسها وفي المتحف البريطاني بعض رسائل لابن تيمية مكتوبة بخط ابن عبد الوهاب.
دعا - محمد بن عبد الوهاب - مثله إلى ترك البدع والتوجه بالعبادة والدعاء إلى الله وحده لا إلى المشايخ والأولياء والأضرحة ولا بواسطة توسل ولا شفاعة. وزيارة القبور تكون للعظة والاعتبار لا للتوسل والاستشفاع. فكانت دعوة ابن عبد الوهاب حرباً على كل ما ابتدع بعد الإسلام الأول من عادات وتقاليد فلا اجتماع لقراءة مولد، ولا احتفاء بزيارة قبور ولا خروج للنساء وراء الجنازة ولا إقامة أذكار يغني ويرقص ولا محمل يتبرك به ويتمسح ويحتفل به هذا الاحتفال الضخم. وهو ليس إلا أعواد خشبية لا تضر ولا تنفع كل هذا مخالف للإسلام الصحيح، يجب أن يزال، ويجب أن نعود إلى الإسلام في بساطته
1 عجائب الآثار، ج 3، ص 372.
الأولى وطهارته ووحدانيته. واتصال العبد بربه من غير واسطة ولا شريك فلا إله إلا الله معناها كل ذلك
…
" 1.
رأي ستودارد:
وكما تناول مفكرو العرب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تناولها أيضا بعض المستشرقين الغربيين على حقيقتها، وأبدو إعجابهم بها. يقول لو ثروب ستودارد في كتابه حاضر العالم الإسلامي:"بلغ العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري، أعظم مبلغ من التضعضع والانحطاط، فأربد جوه، وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه.. وبينما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته، ومترنح في ظلمته، إذا بصوت يدوي في قلب الصحراء في شبه الجزيرة العربية، مهد الإسلام، فيوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل، والصراط المستقيم، فكان الصارخ بهذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبد الوهاب الذي أشعل نار الوهابية فاشتعلت واتقدت ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القويم"2.
وقال المستشرق بروكلمان: "فلما آب محمد بن عبد الوهاب إلى بلده الأول سعى إلى أن يعيد إلى العقيدة والحياة الإسلاميتين صفاءها الأصلي"3.
1 زعماء الإصلاح لأحمد أمين ص 17.
2 حاضر العالم الإسلامي، ج1.
3 تاريخ الشعوب الإسلامية. ترجمة الدكتور نبيه أمين ومنير البعلبكي.
وقال ويلفرد كانتول: "سمعت - من أساتذة جامعة مكييل بكندا. كان محمد بن عبد الوهاب يقول قبل كل شيء، يحب أن تعيشوا حسب الشرع الإسلامي، وهذا معنى أن تكونوا مسلمين، لا ذاك الرغاء العاطفي النقي والحرارة التي يقدمها الصوفيون. فأساس الإسلام هو الشرع. وإذا كنتم تريدون أن تكونوا مسلمين فيجب أن تعيشوا حسب أوامر الشرع"1.
وقال مؤلفو كتاب: "وجهة الإسلام"" وظل الإسلام قروناً كأنه لا يتحرك حتى مهد قيام الوهابيين في القرن الثامن عشر السبيل لمصلحين آخرين أرحب صدراً وأوسع رأياً للآراء الجديدة2.
وقال برناردلويس: "وباسم الإسلام الخالي من الشوائب الذي ساد في القرن الأول نادى محمد بن عبد الوهاب بالابتعاد عن جميع ما أضيف للعقيدة والعبادات من زيادات باعتبارها بدعا خرافية غربية عن الإسلام الصحيح"3.
ويقول جولد زيهر في كتابه:"العقيدة والشريعة": "يجب على من ينصب نفسه للحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصاراً للديانة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي والصحابة. فمراد الوهابيين وغايتهم هي إعادة الإسلام كما كان".
1 الإسلام في نظر الغرب لجماعة من المستشرقين نقله إلى العربية إسحاق الحسيني.
2 نقلا عن كتاب آل سعود لأحمد علي، ص210.
3 العرب في التاريخ ترجمة نبيه أمين ومحمد سيف زائد.