المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

3 - ‌ ‌(بَاب الْعَطف) أنْشد فِي أَوله: المتقارب (إِلَى الْملك القرم وَابْن - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ٥

[عبد القادر البغدادي]

الفصل: 3 - ‌ ‌(بَاب الْعَطف) أنْشد فِي أَوله: المتقارب (إِلَى الْملك القرم وَابْن

3 -

(بَاب الْعَطف)

أنْشد فِي أَوله: المتقارب

(إِلَى الْملك القرم وَابْن الْهمام

وَلَيْث الكتيبة فِي المزدحم)

على أَن الصِّفَات يعْطف بَعْضهَا على بعض كَمَا هُنَا. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسبْعين فِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر.

وَأنْشد بعده السَّرِيع

(يَا لهف زيّابة لِلْحَارِثِ ال

صّابح فالغانم فالآيب)

على أَن الصّفة يعْطف بَعْضهَا على بعض كَمَا هُنَا فَإِن الغانم مَعْطُوف على الصابح والآيب مَعْطُوف على الغانم. وَأَشَارَ بالبيتين إِلَى أَن عطف الصِّفَات يجوز بِالْوَاو إِن قصد الْجمع وبالفاء إِن قصد التعقيب.

قَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح الحماسة: لما كَانَت هَذِه الصِّفَات متراخية حسن إِدْخَال فَاء الْعَطف لِأَن الصابح قبل الغانم والغانم أَمَام الآيب.

ويقبح أَن تدخل الْفَاء إِذا كَانَت الصِّفَات مجتمعة فِي الْمَوْصُوف فَلَا يحسن أَن يُقَال عجبت من فلَان الْأَزْرَق الْعين فالأشم الْأنف فالشديد الساعد إِلَّا على وَجه يبعد لِأَن زرقة الْعين وشمم الْأنف وَشدَّة الساعد قد اجْتَمعْنَ فِي الْمَوْصُوف. انْتهى.

وَالصَّوَاب أَن يُقَال متعاقبة بدل متراخية فَإِن التَّعَاقُب هُنَا كالتعاقب

ص: 107

فِي قَوْلك: تزوج زيد فولد لَهُ وَكَذَلِكَ كل شَيْء بِحَسب حُصُوله وَإِن كَانَ فِيهِ تراخ.

وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: أَرَادَ: الَّذِي يصبح الْعَدو بالغارة فيغنم فيؤوب سالما فعطف الْمَوْصُول على الْمَوْصُول وهما جَمِيعًا لموصوف وَاحِد. وَالشَّيْء لَا يعْطف على نَفسه من حَيْثُ كَانَ الْعَطف نَظِير التَّثْنِيَة فِي الْمَعْنى فَكَمَا لَا يكون الْوَاحِد اثْنَيْنِ وليجوزن أَن يكون مَا فَوق ذَلِك إِلَى مَا لَا غَايَة لَهُ كَثْرَة.

وَعلة جَوَاز ذَلِك قُوَّة اتِّصَال الْمَوْصُول بصلته حَتَّى إِنَّه إِذا أُرِيد عطف بعض صلته على بعض جِيءَ بِهِ هُوَ مَعْطُوف فِي اللَّفْظ على نَفسه. وَمثله قَول الله تبارك وتعالى: الَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين. وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين إِلَى آخر الْآيَة. وَهَذَا كُله صفة مَوْصُوف وَاحِد وَهُوَ الْقَدِيم)

عز اسْمه.

وَقد تقصيت هَذَا فِي كتاب المعرب وَهُوَ تَفْسِير قوافي أبي الْحسن. فَأَما قَول الله تَعَالَى: والعادياتِ ضَبْحاً. فالمورِياتِ قَدْحاً. فالمُغِيرَاتِ صُبْحاً فقد يُمكن أَن يكون مِمَّا نَحن فِيهِ وَقد يُمكن أَن تكون العاديات غير الموريات والمغيرات غَيرهمَا فَيكون عطف مَوْصُوف على مَوْصُوف آخر حَقِيقَة لَا مجَازًا كَقَوْلِك:

مَرَرْت بالضاحك فالباكي إِذا مَرَرْت بِاثْنَيْنِ أَحدهمَا ضَاحِك وَالْآخر باك. انْتهى.

وَأورد الزَّمَخْشَرِيّ هَذَا الْبَيْت وَالَّذِي قبله عِنْد قَوْله تَعَالَى: والذينَ

ص: 108

يُؤمنُونَ بمَا أنزلَ إِلَيْك من سُورَة الْبَقَرَة وَفِي توسّط العاطف بَينه وَبَين قَوْله تَعَالَى قبله: الذينَ يُؤمنون بالغَيب فَإِنَّهُمَا وَاحِد كَمَا توَسط بَين الصِّفَات فِي الْبَيْتَيْنِ. وَعطف الصِّفَات على الصِّفَات كثير بِنَاء على تغاير المفهومات وَإِن كَانَت متحدة بِالذَّاتِ. وَقد يكون الْعَطف بِالْوَاو كَمَا فِي الْآيَة وَالْبَيْت الأول وَقد يكون بِالْفَاءِ كَمَا تقدم بَيَانه.

قَالَ صَاحب الْكَشَّاف فِي أول الصافات وَنَقله ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: للفاء مَعَ الصِّفَات ثَلَاثَة أَحْوَال: أَحدهَا أَن تدل على ترَتّب مَعَانِيهَا فِي الْوُجُود كَقَوْلِه: يَا لهف زيابة الْبَيْت أَي: الَّذِي صبح فغنم فآب.

وَالثَّانِي: أَن تدل على ترتبها فِي التَّفَاوُت من بعض الْوُجُوه نَحْو قَوْلك: خُذ الْأَكْمَل فَالْأَفْضَل واعمل الْأَحْسَن فالأجمل.

وَالثَّالِث: أَن تدل على ترَتّب موصوفاتها فِي ذَلِك نَحْو: رحم الله المحلقين فالمقصرين. انْتهى.

قَالَ الْفَاضِل اليمني: وَالْقِسْمَة الصَّحِيحَة تَقْتَضِي أَرْبَعَة لِأَنَّهُ كَمَا جَازَ فِي الصِّفَات الدّلَالَة على تَرْتِيب مَعَانِيهَا فِي الْوُجُود كَذَلِك يجوز فِي الموصوفات كَمَا تَقول: حل الْمُتَمَتّع فالقارن فالمفرد.

وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة لِابْنِ زيابة مَذْكُورَة فِي الحماسة وَبعده:

(والله لَو لاقيته خَالِيا

لآب سيفانا مَعَ الْغَالِب)

(أَنا ابْن زيّابة إِن تدعني

آتِك والظّنّ على الْكَاذِب)

ص: 109

قَالَ الْجَوْهَرِي: يَا لهف فلَان: كلمة يتحسر بهَا على مَا فَاتَ. ولهف: منادى مُضَاف أَي: يَا لهف احضر.)

وزيابة بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة: اسْم أم الشَّاعِر.

وَمثل هَذَا الْبَيْت فِي تلهيف الْأُم والتحسر على الْفَائِت قَول النَّابِغَة الذبياني: الْكَامِل

(يَا لهف أمّي بعد أسرة جعول

أَن لَا ألاقيهم ورهط عرار)

وَزعم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن زيابة أَبُو الشَّاعِر وَلم أره لغيره. وَقَالَ: أَرَادَ يَا لهف أبي على الْحَارِث أَن لَا أكون لَقيته فَقتلته. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرِيد يَا لهف نَفسِي.

وَفِيه أَنه يَصح أَن يكون اللهف من أمه وَأَبِيهِ فَلَا حَاجَة إِلَى إِقَامَة غَيره مقَام نَفسه.

وَاللَّام فِي لِلْحَارِثِ للتَّعْلِيل أَي: يَا لهف أُمِّي من أجل الْحَارِث بن همام الشَّيْبَانِيّ. وَجعلهَا ابْن هِشَام بِمَعْنى على.

قَالَ أَمِين الدَّين الطبرسي فِي شرح الحماسة: يجوز أَن يكون أورد هَذَا الْكَلَام على الْحَقِيقَة فلهف لما رأى من نجاحه فِي غَزَوَاته وسلامته فِي مآبه. وَيجوز أَن يكون أوردهُ على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء فوصفه بِهَذِهِ الصِّفَات وَالْأَمر بِخِلَافِهِ.

وَالْأَشْهر أَن يُوصف الرجل بِمَا هُوَ متصف بضده تهكماً بِهِ وسخرية. وَهَذَا من أَشد سباب الْعَرَب يَقُول الرجل لغيره: يَا عَاقل أَو يَا حَلِيم إِذا استجهله. وَنَحْوه

قَوْله تَعَالَى: ذقْ إنَّكَ أنتَ العزيزُ الْكَرِيم. انْتهى.

ص: 110

وَحمل أَبُو عبيد النمري فِي شرح الحماسة هَذَا الْكَلَام على ظَاهره فَقَالَ: يَقُول: يصبح أعداءه بالغارة فيغنم ويؤوب فوصفه بِالْفَتْكِ وَالظفر وَحسن الْعَاقِبَة. وَهَذَا بَين وَاضح.

ورد عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي الْأسود فَقَالَ: هَذَا مَوضِع الْمثل: أَخْطَأت استك الحفرة كَيفَ يذكرهُ بِالْفَتْكِ وَالظفر وَهُوَ أعدى عَدو لَهُ وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه لهف أمه وَهِي زيابة أَن لَا يلْحقهُ فِي بعض غاراته فيقتله أَو يأسره. انْتهى.

وَمِنْه تعلم أَن قَول ابْن هِشَام: يَا لهف أبي عَليّ الْحَارِث إِذْ صبح قومِي بالغارة غير جيد من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: تَفْسِير زيابة بِالْأَبِ وَالثَّانِي: تَقْيِيد صبح بقوله قومِي.

وَقد ذهب إِلَيْهِ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي فَقَالَ: تأسف أَن صبحهمْ فغنم وآب سالما. والصابح: الَّذِي يصبح الْقَوْم بالغارة.

والْحَارث هَذَا هُوَ الْحَارِث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان. وَإِنَّمَا قَالَ ابْن زيابة فِيهِ هَذَا الشّعْر جَوَابا عَن شعر لَهُ فِيهِ. وَهَذَا شعر الْحَارِث بن همام: السَّرِيع)

(أيا ابْن زيّابة إِن تلقني

لَا تلقني فِي النّعم العازب)

العازب: الْبعيد. يُرِيد: إِنَّك لَا تراني راعي إبل. وَالْمعْنَى: إِنَّمَا صَاحب فرس ورمح أغير على الْأَعْدَاء وأحارب من يَبْتَغِي حَرْبِيّ. ويشتد: من

الشد وَهُوَ الْعَدو. والأجرد: الْفرس الْقصير الشّعْر: وَالْبركَة بِكَسْر الْمُوَحدَة: الصَّدْر أَي: مُتَقَدم مشرفه. كالراكب أَي: إشرافه إشراف الرَّاكِب لَا المركوب. وأيا: حرف نِدَاء وَابْن زيابة: منادى.

ص: 111

وَقَوله: وَالله لَو لاقيته خَالِيا الخ يَقُول: لَو لاقيته لقتلته أَو قتلني وَرجع السيفان مَعَ الْغَالِب. وَفِي هَذَا الْكَلَام وصف لنَفسِهِ بالشجاعة وَقلة مبالاته بِالْمَوْتِ وإنصاف للمحارب.

وَقَوله: إِن تدعني الخ هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنَّك إِن دعوتني علمت حَقِيقَة مَا أَقُول فادعني واخلص من الظَّن لِأَنَّك لَا تظن بِي الْعَجز عَن لقائك. وَالظَّن من شَأْن الْكَاذِب مثل مَا يُقَال: الْقيام بِهَذَا الْأَمر على فلَان أَي: هُوَ الَّذِي يَقع بِهِ.

وَالْآخر: أَن يكون معنى قَوْله وَالظَّن على الْكَاذِب أَي: يكون عوناً عَلَيْهِ مَعَ الْأَعْدَاء كَمَا تَقول: رَأْيك عَلَيْك أَي: إِنَّك تسيئه فَيكون كالمتظاهر عَلَيْك. هَذَا كَلَام الْخَطِيب التبريزي.

وَقَالَ الطبرسي: قَوْله وَالظَّن على الْكَاذِب جرى مجْرى الْأَمْثَال وَمَعْنَاهُ قَول لبيد: الرمل

(واكذب النّفس إِذا حدّثتها

إنّ صدق النّفس يزري بالأمل)

وَالْمعْنَى كل منا يحدث صَاحبه بكذبها ثمَّ الظَّن على من لَا يتَحَقَّق أَصله. وَيجوز أَن يُرِيد: أَنا الْمَشْهُور الْمَعْرُوف إِن تدعني لمبارزتك أَجَبْتُك فَإِن كنت تظن غير هَذَا فظنك عَلَيْك لِأَنَّك تكذب نَفسك فِيمَا تتوهمه من قعودي عَنْك ونكولي عَن الْإِقْدَام عَلَيْك.

وَيجوز أَن يُرِيد: إِن ظَنَنْت أَن تكون الْغَالِب فظنك عَلَيْك لِأَنَّك تكذب نَفسك.

وَابْن زيابة شَاعِر من شعراء الْجَاهِلِيَّة وَاخْتلف فِي اسْمه فَقَالَ أَبُو رياش

فِي شرح الحماسة: هُوَ عَمْرو بن لأي أحد بني تيم اللات بن ثَعْلَبَة وَهُوَ فَارس مجلز.

ص: 112

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي والمرزباني: اسْمه سَلمَة بن ذهل.

وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي اسْمه عَمْرو بن الْحَارِث بن همام أحد بني تيم اللات بن ثَعْلَبَة.

وزيابة اسْم مرتجل للْعلم قَالَ ابْن جني فِي الْمُبْهِج: هُوَ فعالة أَو فيعالة أَو فوعالة من لفظ)

الأزيب وَهُوَ النشاط. انْتهى.

قَالَ صَاحب الصِّحَاح عَن ابْن السّكيت: الأزيب على أفعل: النشاط وَيُؤَنث يُقَال: مر فلَان وَله أزيب مُنكرَة إِذا مر مرا سَرِيعا من النشاط. والأزيب: الدعني. والأزيب: الْعَدَاوَة.

والأزيب: النكباء الَّتِي تجْرِي بَين الصِّبَا والجنوب. وَقَالَ أَبُو زيد: أَخَذَنِي من فلَان الأزيب وَهُوَ وَأَخْطَأ مُحَمَّد بن دَاوُد الْجراح فِي ضَبطه ابْن زيابة بباءين موحدتين خفيفتين قَالَ: وَهِي فَأْرَة صماء يشبه بهَا الْجَاهِل.

قَالَ ابْن حلزة: مجزوء الْكَامِل

(وهم زبابٌ حائر

لَا تسمع الآذان رعدا)

وشعره يرد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيم على مَا قَالَ. نَقله عَنهُ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ.

واللأي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْهمزَة بِمَعْنى البطء. وتيم بِمَعْنى عبد. وَاللات صنم. ومجلز بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتح اللَّام وَآخره زَاي مُعْجمَة: اسْم فرسه وَهُوَ من الجلز وَهُوَ الفتل الشَّديد.

ص: 113

وَلابْن زيابة شعر جيد أورد مِنْهُ الْمبرد فِي الْكَامِل هَذِه الأبيات وَأَبُو تَمام فِي الحماسة: السَّرِيع

(مَا لددٍ مَا لددٍ مَاله

يبكي وَقد أَنْعَمت مَا باله)

(مَالِي أرَاهُ مطرقاً سامياً

ذَا سنةٍ يوعد أَخْوَاله)

(وَذَاكَ مِنْهُ خلقٌ عادةٌ

أَن يفعل الْأَمر الَّذِي قَالَه)

(إنّ ابْن بَيْضَاء وَترك النّدى

كَالْعَبْدِ إِذْ قيّد أجماله)

(آلَيْت لَا أدفن قَتْلَاكُمْ

فدخّنوا الْمَرْء وسرباله)

(والرّمح لَا أملأ كفّي بِهِ

واللّبد لَا أتبع تزواله)

قَالَ المبردك قَوْله مَا لدد يَعْنِي رجلا. ودد فِي الأَصْل هُوَ اللَّهْو قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: لست من دَد وَلَا دَد مني وَقد يكون فِي غير هَذَا الْموضع مأخوذاً من الْعَادة. وَقَوله: أَنْعَمت مَا باله. مَا زَائِدَة والبال هُنَا: الْحَال.

وَقَوله: مطرقاً سامياً السَّامِي: الرافع رَأسه يُقَال: سما يسمو إِذا ارْتَفع. والمطرق: السَّاكِت المفكر المنكس رَأسه فَإِنَّمَا أَرَادَ سامياً بِنَفسِهِ.

وَقَوله: ذَا سنّ يَقُول: كَأَنَّهُ لطول إطراقه فِي نعسة. انْتهى.)

قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل حكى الزجاجي أَن المطرق من هُوَ بذيء فِي أَفعاله وَيطْلب معالي الْأُمُور. وَقَالَ غَيره: المطرق الخامل الذّكر أَي: هُوَ خامل فِي الْحَقِيقَة وَهُوَ يتكبر فِي نَفسه.

وَقَوله: ذَا سنة يُرِيد أَن وعيده لَا حَقِيقَة لَهُ فَكَأَنَّهُ يرَاهُ فِي النّوم. انْتهى كَلَام ابْن السَّيِّد.

ص: 114

وروى أَبُو تَمام المصراع الأول:

(نبئت عمرا غارزاً رَأسه

ذَا سنة

...

. . الخ)

قَالَ الْخَطِيب التبريزي: نبئ وأنبأ مُتَعَدٍّ إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل أَولهَا نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ تَاء الْمُتَكَلّم وَرَأسه مَنْصُوب بغارزاً بِمَعْنى مدخلًا رَأسه وَمِنْه الغرز بالإبرة. وغرز الرَّأْس: كِنَايَة عَن الْجَهْل والذهاب عَمَّا عَلَيْهِ وَله من التحفظ. وَالسّنة بِالْكَسْرِ: النعاس.

يَقُول: كَأَنَّهُ وَسنَان قد تغير عقله فَهُوَ يوعد من لَا يحب أَن يوعده وَجُمْلَة يوعد: حَال.

وروى: فِي سنة بِفَتْح السِّين أَي: فِي جَدب وقحط. وَقَوله: وَذَاكَ مِنْهُ خلق عَادَة روى بدله أَبُو تَمام: وَتلك مِنْهُ غير مَأْمُونَة.

قَالَ الْخَطِيب: أَي: تِلْكَ الْخصْلَة لَا يُؤمن وُقُوعهَا من عَمْرو وَهُوَ فعله لما يَقُوله. وَهَذَا تهكم.

وَأَن يفعل مَوْضِعه رفع على الْبَدَل من قَوْله: وَتلك مِنْهُ.

وَقَوله: كَالْعَبْدِ إِذْ قيد أجماله قَالَ الْمبرد: يُرِيد غير أَنه مكترث لِاكْتِسَابِ الْمجد وَالْفضل وَذَلِكَ أَن العَبْد الرَّاعِي إِذا قيد أجماله لف رَأسه ونام نَاحيَة.

وَهَذَا شبية بقوله: الْبَسِيط واقعد فإنّك أَنْت الطّاعم الكاسي

ص: 115

وَهَذَا الْبَيْت سَاقِط فِي رِوَايَة أبي تَمام. قَالَ الْخَطِيب: قَالَ النمري: وفيهَا: إنّك يَا عَمْرو وَترك العدى قَالَ ابْن السّكيت: يَقُول: أَنْت كَالْعَبْدِ اقْتصر على مَوضِع يرْعَى فِيهِ وَلَا يعزب بإبله. وَعِنْدِي أَنه يَقُول: وبخلك وحبسك مَالك كَالْعَبْدِ قيد أجماله فَلَا يبرحه مِنْهَا بعير. وَكَذَلِكَ أَنْت قيدت مَالك فَلَا يبرحك مِنْهُ شَيْء. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: هَذَا مَوضِع الْمثل: الوافر

(فَلَا يدْرِي نضيرٌ من دحاها

وَمن هُوَ سَاكن الْعَرْش الرّفيع)

أخبرنَا أَبُو الندى قَالَ: هَذَا الْبَيْت من المختل الْقَدِيم وَالصَّوَاب:)

(إنّي وحوّاء وَترك النّدى

كَالْعَبْدِ إِذْ قيّد أجماله)

قَالَ: حَوَّاء فرسه. وَمَعْنَاهُ إِنِّي مَتى أترك الْغَزْو على ظهر حَوَّاء واغتنام

الْأَمْوَال وتفريقها على الزائرين والسائلين لم يبْق لي هم لِأَن أَكثر همي فِي ذَلِك وَكنت مثل العَبْد إِذا شبعت إبِله فأراحها وقيدها فِي مراحها لم يبْق لَهُ هم حِينَئِذٍ. يَقُول: همي فِي الْغَزْو واغتنام الْأَمْوَال وبذلها. انْتهى.

ص: 116

وَقَوله: فدخنوا الْمَرْء وسرباله. قَالَ الْمبرد: يروي أَنه طعن فَارِسًا مِنْهُم فأحدث فَقَالَ: نظفوه فَإِنِّي لَا أدفن الْقَتِيل مِنْكُم إِلَّا طَاهِرا.

وَقَوله: والدرع لَا أبغي بهَا نثرة قَالَ الْمبرد: النثرة: الدرْع السابغة. يَقُول: دِرْعِي هَذِه تكفيني.

وَقَوله: كل امْرِئ مستودع مَاله قَالَ الْمبرد: أَي: مسترهن بأجله وَهُوَ كَقَوْل الْأَعْشَى: الْكَامِل

(كنت المقدّم غير لابس جنّةٍ

بالسّيف تضرب معلما أبطالها)

انْتهى.

وَقَالَ الإِمَام أَبُو الْوَلِيد فِيمَا كتبه على الْكَامِل: لَيْسَ هَذَا بِالْمَعْنَى لِأَن الاستيداع غير الاسترهان وَالْمَال غير الْأَجَل وَإِنَّمَا الْمَعْنى مَال الْإِنْسَان وَدِيعَة مرتجعة وعارية مُؤَدَّاة كَمَا قَالَ لبيد: الطَّوِيل

(وَمَا المَال والأهلون إلاّ وَدِيعَة

وَلَا بدّ يَوْمًا أَن ترد الودائع)

ويروى: والدّرع لَا أبغي بهَا ثروةً

وَهَذَا الرِّوَايَة تدل على معنى بَيت لبيد وَلَا يجوز مَعهَا تَأْوِيل الْمبرد. انْتهى.

وَهَذِه رِوَايَة شرَّاح الحماسة. قَالَ الْخَطِيب: أَي: دِرْعِي مَالِي الَّذِي أدخره. وَهَذَا كَقَوْل الآخر:

ص: 117

الطَّوِيل

(وَمَالِي مَال غير درعٍ حصينةٍ

وأبيض من مَاء الْحَدِيد صقيل)

وَيحْتَمل أَنه لَا يَبِيعهَا فَيَأْخُذ الْعِوَض عَنْهَا فيثرى بِهِ.

وَقَوله: كل امْرِئ الخ يُرِيد احتفاظه بالدرع وَأَن كل إِنْسَان يحفظ مَاله فَهُوَ عِنْده كَالْوَدِيعَةِ الَّتِي قد لزم حفظهَا. وَيحْتَمل أَن يُرِيد تَعْزِيَة نَفسه إِذْ لَا مَال لَهُ فَيَقُول: كل امْرِئ مستودع مَاله أَي: أَنه سيسترد مِنْهُ كَمَا تسترد الْوَدِيعَة. وَيجوز أَن تكون مَا بِمَعْنى الَّذِي فَيكون الْمَعْنى كل امْرِئ وَلَا يمْتَنع أَن يكون أَشَارَ بِمَا إِلَى مَا يقتنى من أَعْرَاض الدُّنْيَا. ويروى: مستودع بِكَسْر الدَّال)

وَالْمعْنَى أَن مَا يجمعه الْمَرْء ويكسبه إِذا جَاءَ محتوم الْقَضَاء يتْركهُ لغيره لَا محَالة فَلم أَرغب فِيهِ وأزهد فِي اكْتِسَاب المحامد.

ويروى: والدرع لَا أبغي بهَا نثرة وَهِي الواسعة. وَالْمعْنَى إِنِّي أكتفي من الدرْع بِبدنِهِ. انْتهى كَلَام الْخَطِيب.

وَقَوله: وَالرمْح لَا أملأ كفّي بِهِ قَالَ الْمبرد: يتَأَوَّل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الرمْح لَا يمْلَأ كفي وَحده أَنا أقَاتل بِالرُّمْحِ وبالسيف وبالقوس وَغير ذَلِك. وَالْقَوْل الآخر: إِنِّي لَا أملأ بِهِ كفي إِنَّمَا أختلس بِهِ اختلاساً كَمَا قَالَ: الْكَامِل

(ومدجّج سبقت يداي لَهُ

تَحت الْغُبَار بطعنةٍ خلس)

وَقَوله: واللّبد لَا أتبع تزواله

ص: 118

يَقُول: إِن انحل الحزام فَمَال اللبد لم أمل مَعَه أَي: إِنِّي فَارس ثَابت على ظُهُور الْخَيل. انْتهى.

وأوضح مِنْهُ قَوْله الطبرسي: يجوز أَن يكون الْمَعْنى أَي: لَا أقتصر من تعَاطِي أَنْوَاع السِّلَاح على الرمْح فَقَط وَلَكِنِّي أجمع فِي الِاسْتِعْمَال بَينهَا وَهَذَا كَمَا يُقَال: مَلأ كَفه من كَذَا فَلَيْسَ فِيهِ مَوضِع لغيره. وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى إِنِّي أسْتَعْمل رُمْحِي بأطراف أَصَابِع الْيَد لحذقي واقتداري وَلَا آخذه بِجَمِيعِ كفي.

وَقَوله: واللبد لَا أتبع الخ يُرِيد: ألزم دَابَّتي فَإِن مَال اللبد لم أمل مَعَه. يصف نَفسه بالفروسية ويعرض بِأَن أضداد هَذِه الْأَوْصَاف مجتمعة فِي خَصمه.

وَأنْشد بعده

الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الوافر

(وَلست بنازل إلاّ ألّمت

برحلي أَو خيالتها الكذوب)

على أَن قَوْله: خيالتها مَعْطُوف على الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي ألمت وَجَاز مَعَ عدم تَأْكِيد الْمُسْتَتر بمنفصل لوُجُود الْفَصْل قبل حرف الْعَطف وَهُوَ قَوْله: برحلي.

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: عطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل بِغَيْر تَأْكِيد وَلَو أكد فَقَالَ: ألمت هِيَ لَكَانَ أحسن غير أَن الْكَلَام طَال بقوله برحلي فناب طوله عَن التَّأْكِيد كَمَا أَن قَوْله الله سُبْحَانَهُ: مَا أشْرَكْنا وَلَا آباؤُنا لما طَال الْكَلَام فِيهِ بِلَا وَإِن كَانَت بعد

ص: 119

الْوَاو حسن الْكَلَام بِطُولِهَا. انْتهى.

وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة مَذْكُورَة فِي الحماسة.

وَبعده:

(فقد جعلت قلُوص بني سهيلٍ

من الأكوار مرتعها قريب)

(كأنّ لَهَا برحل الْقَوْم بوّا

وَمَا إِن طبّها إلاّ اللّغوب)

قَوْله: وَلست بنازل مفعول نَازل مَحْذُوف أَي: منزلا أَو مَكَانا. والإلمام: زِيَارَة لَا لبث مَعهَا أَو هُوَ من ألم الرجل بالقوم إلماماً بِمَعْنى أَتَاهُم فَنزل بهم. وفاعل ألمت ضمير الحبيبة. والرحل: كل شَيْء يعد للرحيل من وعَاء للمتاع. والخيالة: الطيف يُقَال: خيال وخيالة كَمَا يُقَال: مَكَان ومكانة.

والكذوب: صفة خيالة وَإِنَّمَا لم يؤنثه لِأَن فعولًا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث. وَجعلهَا كذوباً لِأَنَّهَا تخيل إِلَيْهِ فِي النّوم مَا لَا يحِق.

وَقَالَ المرزوقي: وَجعلهَا كذوباً لما لم يُحَقّق قَوْلهَا وفعلها. يَقُول: لَا أنزل محلا إِلَّا رَأَيْت هَذِه الْمَرْأَة ملحمة برحلي اي: متصورة لي بِهَذِهِ الصُّورَة تشوقاً مني وَهَذَا فِي حَال الْيَقَظَة أَو رَأَيْت خيالها الْكَاذِب الَّذِي لَا حَقِيقَة لَهُ وَهَذَا فِي حَال النّوم.

(أآخر شيءٍ أَنْت فِي كلّ هجعةٍ

وَأول شيءٍ أَنْت عِنْد هبوبي)

لِأَن هَذَا فِي حَال دون حَال وَذَاكَ الدَّهْر كُله.

ص: 120

وَقد جعلت قلُوص الخ جعلت هُنَا بِمَعْنى طفقت وَأَقْبَلت وَأَخْطَأ الْعَيْنِيّ فِي قَوْله إِن جعلت هُنَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وقلوص اسْمهَا وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. وَجُمْلَة مرتعها قريب فِي مَحل نصب خَبَرهَا)

وَمن الأكوار مُتَعَلق بقريب. واستعيرت الاسمية مَوضِع الفعلية لِأَن المُرَاد: وَقد جعلت هَذِه القلوص يقرب مرتعها من الأكوار. وَقد أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي آخر أَفعَال المقاربة وَيَأْتِي بَيَانه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَقَالَ المرزوقي: ومرتها قريب فِي مَوضِع الْحَال. يَقُول: أَقبلت قلُوص هذَيْن الرجلَيْن قريبَة المرتع من رحالهم قَصِيرَة المسرح فِي رَوَاحهمْ لِأَنَّهُ لما لحقها من الكلال والإعياء لم تقدر على التباعد فِي المرعى. انْتهى.

وَقد شَرحه قَول الآخر وأبلغ فَقَالَ: الرجز

(من الكلال لَا يذقن عوداً

لَا عقلا تبغي وَلَا قيودا)

والأكوار: جمع كور بِالضَّمِّ وَهُوَ الرحل بأداته. أَي: إِذا سرحت لم تبعد فِي المرعى لشدَّة كلالها.

وَزعم الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَتَبعهُ غَيره أَنه يَصح أَن يكون أكوار هُنَا جمع كور بِالْفَتْح وَهِي الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة من الْإِبِل. وَهَذَا وَإِن كَانَ صَحِيحا فِي نَفسه إِلَّا أَنه لَا يُنَاسب الْمقَام.

فَتَأمل.

وَقَوله: كَأَن لَهَا برحل الخ. قَالَ المرزوقي: يَقُول: كَأَن لهَذِهِ النَّاقة ولدا برحل الْقَوْم تتعطف عَلَيْهِ وَلَا تتباعد عَنهُ وَمَا داؤها إِلَّا الإعياء. والطب

ص: 121

بِالْكَسْرِ أَصله الْعلم وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الَّذِي يعلم وَيعرف. والبو أَصله جلد فصيل يحشى تبناً لتدر الْأُم عَلَيْهِ. انْتهى.

وَقَالَ شَارِح آخر: قَوْله: وَمَا إِن طبها قَالَ أَبُو الندى: أَي مَا شَأْنهَا وداؤها. وَقَالَ غَيره: الطِّبّ هَا هُنَا السقم وَمِنْه آخر الطِّبّ الكي: وَأكْثر مَا يسْتَعْمل ذَلِك فِي السحر وَمِنْه رجل مطبوب.

واللغوب: الإعياء وَقد لغب لغوباً كدخل دُخُولا ولغب لغباً كفرح فَرحا. انْتهى.

وَهَذِه الأبيات أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب الحماسة مَعَ أَنه لَا تعلق لَهَا بهَا بِوَجْه فَإِن الْبَيْت الأول من بَاب النسيب والبيتان الأخيران من بَاب الْوَصْف وَهُوَ نعت النَّاقة بِشدَّة التَّعَب وَهَذَا بمعزل عَن الحماسة. وَلم أر من تنبه لهَذَا من شراحه وَلم أر أَيْضا مِنْهُم من نَسَبهَا إِلَى قَائِلهَا.

وَرَأَيْت الصغاني نَسَبهَا فِي مَادَّة الخيال من الْعباب إِلَى رجل من بني بحتر

ابْن عتود بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُهْملَة وَضم الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة. وعتود بِفَتْح الْمُهْملَة بعْدهَا مثناة فوقية مَضْمُومَة وَآخره دَال.

الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة)

على أَن أَصله الحافظون عَورَة الْعَشِيرَة فحذفت النُّون طلبا للاختصار لِأَن الصِّلَة قد طَالَتْ.

وعورة مَنْصُوب بِهِ. وَرُوِيَ أَيْضا بجرها بِالْإِضَافَة.

وَهَذَا صدؤ من بَيت وَهُوَ:

(الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة لَا

يَأْتِيهم من وَرَائِنَا وكف)

ص: 122

والوكف: الْعَيْب وَالْإِثْم. أَي: نَحن نَحْفَظ عَورَة عشيرتنا فَلَا يَأْتِيهم من وَرَائِنَا شَيْء يعابون بِهِ من تَضْييع ثغرهم وَقلة رعايته.

وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط

(فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فَاذْهَبْ فَمَا بك والأيّام من عجب)

على أَن حرف الْجَرّ قد يتْرك ضورة عِنْد الْبَصرِيين أَي: مَا بك وبالأيام عجب.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ قبل أَن ينشد هَذَا الْبَيْت: وَمِمَّا يقبح أَن يُشْرك الْمظهر عَلامَة الْمُضمر الْمَجْرُور وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بك وَزيد وَهَذَا أَبوك وَعَمْرو فكرهوا أَن يُشْرك الْمظهر مضمراً دَاخِلا فِيمَا قبله لِأَن هَذِه الْعَلامَة الدَّاخِلَة فِيمَا قبلهَا جمعت أَنَّهَا لَا يتَكَلَّم بهَا إِلَّا مُعْتَمدَة على مَا قبلهَا وَأَنَّهَا بدل من اللَّفْظ بِالتَّنْوِينِ فَصَارَت عِنْدهم بِمَنْزِلَة التَّنْوِين فَلَمَّا ضعفت عِنْدهم كَرهُوا أَن يتبعوها الِاسْم وَلم يجز أَن يتبعوها إِيَّاه. إِلَى أَن قَالَ: وَقد يجوز فِي الشّعْر. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وبيتاً آخر.

انْتهى.

وأوضح مِنْهُ قَول ابْن السراج فِي الْأُصُول: وَأما المخفوض فَلَا يجوز أَن يعْطف عَلَيْهِ الظَّاهِر لَا يجوز أَن تَقول: مَرَرْت بك وَزيد لِأَن الْمَجْرُور لَيْسَ

ص: 123

لَهُ اسْم مُنْفَصِل فيتقدم ويتأخر كَمَا للمنصوب وكل اسْم مَعْطُوف عَلَيْهِ فَهُوَ يجوز أَن يُؤَخر وَيقدم الآخر عَلَيْهِ فَلَمَّا خَالف الْمَجْرُور سَائِر الْأَسْمَاء لم يجز أَن يعْطف عَلَيْهِ. وَقد حكى أَنه جَاءَ فِي الشّعْر: فَاذْهَبْ فَمَا بك وَالْأَيَّام من عجب انْتهى وَوَافَقَ الْكُوفِيّين يُونُس والأخفش وقطرب والشلويين وَابْن مَالك.)

وَهَذِه الْمَسْأَلَة أوردهَا ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف بأدلة الْفَرِيقَيْنِ قَالَ: الحتج الْكُوفِيُّونَ على جَوَازهَا بمجيئها فِي التَّنْزِيل قَالَ تَعَالَى: واتّقوا الله الَّذين تَساءَلُون بهِ والأرحامِ بالخفض وَهِي قِرَاءَة حَمْزَة وَغَيره. وَقَالَ تَعَالَى: ويَسْتَفْتونَك فِي النِّسَاء قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فيهنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فَمَا عطف على ضمير فِيهِنَّ.

وَقَالَ تَعَالَى: لكِن الرّاسخُون فِي العِلْمِ منهُمْ والمُؤمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أنزلَ إليكَ وَمَا أنزلَ مِنْ قبلك والمقِيمين الصّلاة فالمقيمين عطف على الْكَاف فِي إِلَيْك أَو على الْكَاف فِي قبلك. وَقَالَ تَعَالَى:

ص: 124

وجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعَايشَ ومَنْ لَسْتم لهُ برازقين فَمن عطف على ضمير لكم.

وَقَالَ الشَّاعِر: الْبَسِيط فَاذْهَبْ فَمَا بك والأيّام من عجب وَقَالَ الآخر: الوافر

(أكرّ على الكتيبة لَا أُبَالِي

أفيها كَانَ حتفي أم سواهَا)

أَي: أم فِي سواهَا.

وَقَالَ آخر: الطَّوِيل

(نعلّق فِي مثل السّواري سُيُوفنَا

وَمَا بَينهَا والكعب غوطٌ نقانف)

أَي: بَين السيوف وَبَين كَعْب الرجل.

وَقَالَ آخر: الْكَامِل أَي: عَنْهُم وَعَن أبي نعيم.

ثمَّ قَالَ: وَالْجَوَاب عَن الأول من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْأَرْحَام مجرور بواو الْقسم لَا بالْعَطْف وَجَوَاب الْقسم إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا.

وَثَانِيهمَا: أَنَّهَا مجرورة بباء مقدرَة حذفت لدلَالَة الأولى.

وَأما الْجَواب عَن الثَّانِي فَمن وَجْهَيْن أَيْضا: أَحدهمَا: أَن مَا مَعْطُوف على الله أَي: الله يفتيكم فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم يفتيكم فِيهِنَّ وَهُوَ الْقُرْآن.

ص: 125

وَثَانِيهمَا مَعْطُوف على النِّسَاء من قَوْله: يستفتونك فِي النِّسَاء.

وَأما الْجَواب عَن الثَّالِث فَمن وَجْهَيْن أَيْضا: أَحدهمَا: أَن المقيمين مَنْصُوب على الْمَدْح وَذَلِكَ أَن الْعَرَب تنصب على الْمَدْح عِنْد ترك)

الْعَطف وَقد تستنأنف فَترفع.

وَثَانِيهمَا: أَنه مَعْطُوف على مَا من قَوْله: بِمَا أنزل إِلَيْك أَي: يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك وبالمقيمين. على أَنه قد رُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت عَن هَذَا الْموضع فَقَالَت: هَذَا من خطأ الْكَاتِب.

وَرُوِيَ عَن بعض ولد عُثْمَان أَنه سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: إِن الْكَاتِب لما كتب: وَمَا أنزل من قبلك قَالَ: مَا أكتب فَقيل لَهُ: اكْتُبْ والمقيمين الصَّلَاة يَعْنِي أَن المملي أعمل قَوْله اكْتُبْ فِي المقيمين على وَأما الْجَواب عَن الرَّابِع فَإِن الْمَسْجِد الْحَرَام مجرور بالْعَطْف على سَبِيل الله لَا بالْعَطْف على بِهِ لِأَن إِضَافَة الصد عَنهُ أَكثر اسْتِعْمَالا من إِضَافَة الْكفْر بِهِ. أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ: صددته عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَلَا يكادون يَقُولُونَ: كفرت بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام.

وَأما الْجَواب عَن الْخَامِس فَإِن من عطف على معايش أَي: جعلنَا لكم فِيهَا المعايش وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء.

وَأما قَول الشَّاعِر: فَاذْهَبْ فَمَا بك وَالْأَيَّام

فَلَا حجَّة فِيهِ أَيْضا لِأَنَّهُ مجرور على الْقسم لَا بالْعَطْف على الْكَاف.

وَأما قَول الآخر: أفيها كَانَ حتفي أم سواهَا

ص: 126

فَإِن سواهَا مَنْصُوب على الظّرْف لَا أَنَّهَا مجرورة بالْعَطْف.

وَأما قَوْله: وَمَا بَينهَا والكعب فالكعب مجرور بِإِضَافَة بَين إِلَيْهِ محذوفاً لَا بالْعَطْف حذف بَين الثَّانِيَة لدلَالَة الأولى عَلَيْهِ.

هَذَا مَا أوردهُ ابْن الْأَنْبَارِي وَلَا يخفى مَا فِي غالبه من التعسف.

وَقد أنكر النُّحَاة قِرَاءَة حَمْزَة بجر الْأَرْحَام وَهِي قِرَاءَة مُجَاهِد وَالنَّخَعِيّ وَقَتَادَة وَأبي رزين ويجبيى بن وثاب وَالْأَعْمَش وَأبي صَالح أَيْضا.

قَالَ الْفراء فِي مَعَاني الْقُرْآن: حَدثنِي شريك بن عبد الله عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه خفض الْأَرْحَام فَقَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِم بِاللَّه وَالرحم وَفِيه قبح لِأَن الْعَرَب لَا ترد مخفوضاً على مخفوض وَقد كني عَنهُ وَإِنَّمَا يجوز هَذَا فِي الشّعْر لضيقه.)

وَقد بَالغ الزّجاج فِي تَفْسِيره فِي إِنْكَار هَذِه الْقِرَاءَة فَقَالَ: الْقِرَاءَة الجيدة نصب الْأَرْحَام وَالْمعْنَى وَاتَّقوا الْأَرْحَام أَن تقطعوها فَأَما الْخَفْض فِي الْأَرْحَام فخطأ فِي الْعَرَبيَّة لَا يجوز إِلَّا فِي اضطرار شعر. وَخطأ أَيْضا فِي أَمر الدَّين عَظِيم

ص: 127

لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ فَكيف يكون تساءلون بِاللَّه

وبالرحم على ذَا وَرَأَيْت إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق يُنكر هَذَا وَيذْهب إِلَى أَن الْحلف بِغَيْر الله أَمر عَظِيم فَإِن ذَلِك خَاص بِاللَّه عز وجل.

فَأَما الْعَرَبيَّة فإجماع النَّحْوِيين أَنه يقبح أَن ينسق باسم ظَاهر على اسْم مُضْمر فِي حَال الْخَفْض إِلَّا بِإِظْهَار الْخَافِض. فَقَالَ بَعضهم: لِأَن المخفوض حرف مُتَّصِل غير مُنْفَصِل فَكَأَنَّهُ كالتنوين فِي الِاسْم فقبح أَن يعْطف باسم يقوم بِنَفسِهِ على اسْم لَا يقوم بِنَفسِهِ.

وَقد فسر الْمَازِني هَذَا تَفْسِيرا مقنعا فَقَالَ: الثَّانِي فِي الْعَطف شريك الأول فَإِن كَانَ الأول يصلح أَن يكون شَرِيكا للثَّانِي وَإِلَّا لم يصلح أَن يكون الثَّانِي شَرِيكا لَهُ. قَالَ: فَكَمَا لَا تَقول: مَرَرْت بزيد وَبِك كَذَلِك لَا تَقول: مَرَرْت بك وَزيد وَقد جَاءَ فِي الشّعْر.

أنْشد سِيبَوَيْهٍ: فَاذْهَبْ فَمَا بك وَالْأَيَّام من عجب انْتهى وَتعقبه أَبُو شامة فِي شرح الشاطبية بَعْدَمَا نقل عبارَة الزّجاج بقوله: قلت: هَاتَانِ العلتان منقوضتان بالضمير الْمَنْصُوب وَقد جَازَ الْعَطف عَلَيْهِ فالمجرور كَذَلِك. انْتهى.

أَقُول: قد فرق الشَّارِح الْمُحَقق بَينهمَا بِأَن اتِّصَال الْمُضمر الْمَجْرُور بجاره أَشد من اتِّصَال الْفَاعِل الْمُتَّصِل والمضمر الْمَنْصُوب الْمُتَّصِل لَيْسَ كالجزء معنى كَمَا بَينه فَالْقِيَاس مَمْنُوع.

ثمَّ قَالَ أَبُو شامة: وَأما إِنْكَار هَذِه الْقِرَاءَة من جِهَة الْمَعْنى لأجل أَنَّهَا سُؤال بالرحم فَهُوَ حلف وَقد نهي عَن الْحلف بِغَيْر الله تَعَالَى فَجَوَابه أَن هَذَا حِكَايَة مَا كَانُوا عَلَيْهِ فحضهم على صلَة الرَّحِم ونهاهم عَن قطعهَا ونبههم

ص: 128

على أَنَّهَا بلغ من حرمتهَا عِنْدهم أَنهم يتساءلون بهَا. وَحسن حذف الْبَاء هُنَا أَن موضعهَا مَعْلُوم فَإِنَّهُ قد كثر على ألسنتهم قَوْلهم: سَأَلتك بِاللَّه وبالرحم

أَقُول: أول كَلَامه يدْفع آخِره فَإِن أَوله اقْتضى أَن الْوَاو للقسم السؤالي. وَقد رد الشَّارِح هَذَا بِأَن قسم السُّؤَال لَا يكون إِلَّا مَعَ الْبَاء وَأَن آخِره اقْتضى أَنَّهَا للْعَطْف والجر بِالْبَاء الْمقدرَة. وَفِيه انتزاع فَتَأمل.)

ثمَّ قَالَ أَبُو شامة فِي تَعْلِيل قِرَاءَة حَمْزَة أَنَّهَا على الْقسم وَجَوَابه إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيباً: أقسم سُبْحَانَهُ بذلك كَمَا أقسم بِمَا شَاءَ من مخلوقاته من نَحْو: والتينِ والزيتونِ. وَهَذَا الْوَجْه وَإِن كَانَ لَا مطْعن عَلَيْهِ من جِهَة الْعَرَبيَّة فَهُوَ بعيدن لِأَن قِرَاءَة النصب وَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود وبالأرحام بِالْبَاء مصرحتان بالوصاة بالأرحام.

وَأما رد بعض أَئِمَّة الْعَرَبيَّة ذَلِك فقد قَالَ الْقشيرِي فِي تَفْسِيره: لَعَلَّهُم أَرَادوا أَنه صَحِيح فصيح وَإِن كَانَ غَيره أفْصح فَإنَّا لَا ندعي أَن كل الْقرَاءَات على أفْصح الدَّرَجَات فِي الفصاحة. وَإِن أَرَادوا غير هَذَا فَلَا يُقَلّد فِيهِ أَئِمَّة اللُّغَة والنحو فَإِن الْقرَاءَات الَّتِي قَرَأَ بهَا الْأَئِمَّة ثبتَتْ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ. وَهَذَا كَلَام حسن صَحِيح. انْتهى.

وَالْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف لَهَا قَائِل.

وَقَوله: فاليوم قربت الخ قَالَ الأعلم: معنى قربت وَأخذت وَاحِد يُقَال: قربت تفعل كَذَا اي: جعلت تَفْعَلهُ. وَالْمعْنَى: هجوك لنا من عجائب الدَّهْر فقد كثرت فَلَا يتعجب مِنْهَا. انْتهى.

فاليوم أنشأت تهجونا الخ

ص: 129

فجملة تهجونا خبر قرب وَالتَّاء اسْمهَا.

وَزعم الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ غَيره أَن قربت هُنَا بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى قربت بِالتَّخْفِيفِ أَي: دَنَوْت وَجُمْلَة تهجونا حَال وَيُقَال: قربت هُنَا من أَفعَال المقاربة فَحِينَئِذٍ تكون الْجُمْلَة خَبرا. هَذَا كَلَامه.

قَالَ شَارِح شَوَاهِد الموشح: يرْوى: قربت مَعْرُوفا ومجهولاً. فعلى الأولى مَعْنَاهُ: الْيَوْم قربت هجاءنا أَي: أدنيته وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ الْإِسْرَاع أَي: أسرعت فِي الهجاء. وَجُمْلَة تهجونا حَالية أَي: قربت هاجياً.

وعَلى الثَّانِي يُرِيد أَنَّك كنت مَهْجُورًا مُبْعدًا فاليوم قربت تهجونا وَلَيْسَ هَذَا جَزَاء الْإِحْسَان والتقريب وَقَوله: فَاذْهَبْ أَمر تهديد وتحذير. انْتهى.

وَهَذَا نَاشِئ عَن عدم الِاطِّلَاع وَلَا يَنْبَغِي تسويد الْوَرق بِمثلِهِ.

وَقَوله: فَاذْهَبْ قَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ جَوَاب شَرط مَحْذُوف وَالتَّقْدِير فَإِن فعلت ذَلِك فَاذْهَبْ فَإِن ذَلِك لَيْسَ بعجب من مثلك وَمن مثل هَذِه الْأَيَّام. انْتهى.

وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول الشَّاعِر: المتقارب

(فَإِن كنت سيّدنا سدتنا

وَإِن كنت للخال فَاذْهَبْ فَخَل))

أَرَادَ ب اذْهَبْ توكيداً كَمَا تَقول: أَخذ يتحدث وَجعل يَقُول وَأَنت تُرِيدُ حَدِيثه. وَكَذَلِكَ قَامَ يَشْتمنِي قَالَ حسان: على مَا قَامَ يَشْتمنِي لئيم

ص: 130

أَي: علام يَشْتمنِي. وَعَلِيهِ بَيت الْكتاب: فاليوم قرّبت تهجونا

...

...

...

الْبَيْت أَي: فَمَا بك عجب. واذهب توكيد للْكَلَام وتمكين لَهُ.

وَمثله قَوْله: الرجز

(من دون أَن تلتقي الأركاب

وَيقْعد الأير لَهُ لعاب)

وَلَيْسَ هُنَاكَ قيام وَلَا قعُود وَلَا ذهَاب وَلَكِن هَذِه استراحات من الْعَرَب وتطريحات مِنْهَا فِي القَوْل. انْتهى.

وَأنْشد بعده: الْوَاهِب الْمِائَة الهجان وعبدها على أَن عطف قَوْله وعبدها بِالْجَرِّ على الْمِائَة ضَعِيف. وَوجه الضعْف أَن اسْم الْفَاعِل المقرون بألأ الْمُضَاف يلْزم أَن يكون الْمُضَاف إِلَيْهِ مُعَرفا بهَا أَيْضا لمشابهته لِلْحسنِ الْوَجْه فَإِذا عطف على الْمُضَاف إِلَيْهِ شَيْء لزم أَيْضا أَن يكون مُعَرفا بهَا لِأَن الْمَعْطُوف فِي حكم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ.

وَإِنَّمَا جَازَ هُنَا عطف عَبدهَا مَعَ خلوه من أل على الْمِائَة لكَونه مُضَافا إِلَى ضمير الْمُعَرّف بأل وَالتَّقْدِير وَعبد الْمِائَة ولكونه تَابعا وَالتَّابِع يجوز فِيهِ مَا لَا يجوز فِي متبوعه.

وَقد تقدم شرح هَذَا مُسْتَوفى مَعَ القصيدة الَّتِي هَذَا المصراع مِنْهَا فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.

وَأنْشد بعده

الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل

(أتعرف أم لَا رسم دارٍ معطّلا

من الْعَام يَغْشَاهُ وَمن عَام أوّلا)

(قطارٌ وتاراتٍ خريقٌ كأنّها

مضلّة بوّ فِي رعيلٍ تعجّلا)

ص: 131

على أَن الشَّاعِر قد فصل بالظرف وَهُوَ تارات بَين العاطف وَهُوَ الْوَاو وَبَين الْمَعْطُوف وَهُوَ خريق وَالْأَصْل: قطار وخريق تارات.

وَهَذَانِ البيتان من أَبْيَات خَمْسَة للقحيف العقيي مَذْكُورَة فِي أَوَاخِر نَوَادِر أبي زيد وَلم أرها إِلَّا فِيهَا.

وَقَوله: أتعرف أم لَا الخ رسم: مفعول تعرف. وَمَعْنَاهُ الْأَثر. ومعطلا: صفة رسم أَي: خَالِيا من الأنيس والسكان. وَمن الْعَام مُتَعَلق بمعطلا وَمن عَام أَولا مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَالْعَام: الْحول.

قَالَ ابْن الجواليقي: وَلَا تفرق عوام النَّاس بَين الْعَام وَالسّنة ويجعلونهما بِمَعْنى فَيَقُولُونَ لمن سَافر فِي وَقت من السّنة أَي وَقت كَانَ إِلَى مثله عَام وَهُوَ غلط وَالصَّوَاب مَا أخْبرت بِهِ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: السّنة من أَي يَوْم عددته إِلَى مثله وَالْعَام لَا يكون إِلَّا شتاء وصيفاً. وَفِي التَّهْذِيب أَيْضا: الْعَام حول يَأْتِي على شتوة وصيفة.

وعَلى هَذَا فالعام أخص من السّنة وَلَيْسَ كل سنة عَاما. وَإِذا عددت من يَوْم إِلَى مثله فَهُوَ سنة وَقد يكون فِيهِ نصف الصَّيف وَنصف الشتَاء. وَالْعَام لَا يكون إِلَّا صيفاً وشتاء متواليين.

وَاللَّام فِيهِ للْعهد الحضوري أَي: هَذَا الْعَام وعام أول هُوَ الْحول السَّابِق.

وَأول لَهُ استعمالان: أَحدهمَا: بِمَعْنى سَابق ومتقدم وَيصرف على هَذَا. وَثَانِيهمَا: بِمَعْنى أسبق وَلَا ينْصَرف على هَذَا. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: وَتقول عَام أول إِن جعلته

صفة لم تصرفه لوزن الْفِعْل وَالصّفة وَإِن لم تَجْعَلهُ صفة صرفته. انْتهى.

وَألف آخِره للإطلاق وَمن التفضيلية محذوفة أَي: من عَام أول من هَذَا الْعَام.

ص: 132

وَقَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد: قَوْله وَمن عَام أَولا يُرِيد من عَام زمَان أول أَو دهر أول فَأَقَامَ الصّفة مقَام الْمَوْصُوف.

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى: تَرمِيهمْ بحجارةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. قَالَ: أَرَادَ وَالله أعلم: من شَدِيد.)

وَلم يزدْ على هَذَا وَتَقْدِيره عِنْد أهل الْعَرَبيَّة: من رام شَدِيد. انْتهى.

وَلَا يخفى تعسفه.

ويغشاه من غشيه من بَاب تَعب بِمَعْنى أاه وَالِاسْم الغشيان. وَالَّذِي رَوَاهُ أَبُو زيد يمحاه بدل يَغْشَاهُ. قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: تَقول الْعَرَب: محا يمحو ويمحا وَقد جَاءَ يمحي وَهُوَ شَاذ قَلِيل.

يَقُول بَعضهم: محيت كَمَا يَقُول الْآخرُونَ محوت. وَمن قَالَ يمحا فَإِنَّمَا يفتح لِأَن الْحَاء من حُرُوف الْحلق. انْتهى.

وقطار فَاعل يَغْشَاهُ أَو يمحاه وَجُمْلَة الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل نصب على الْحَال من رسم وَلَا يجوز أَن يكون حَالا من دَار لتذكير الضَّمِير فِي يغشى وقطار بِكَسْر الْقَاف: جمع قطر بِمَعْنى الْمَطَر. وَهَذَا عيب فِي الشّعْر عِنْد الْخَلِيل ويسميه المضمن وَهُوَ أَن يكون تَمام الْمَعْنى فِي الْبَيْت الثَّانِي.

وتارات مَنْصُوب على الظّرْف ليغشى وَهُوَ جمع تَارَة بِمَعْنى مرّة. وخريق

مَعْطُوف على قطار قَالَ صَاحب الْعباب: الخريق الرّيح الْبَارِدَة الشَّدِيدَة الهبوب. وَضمير كَأَنَّهَا للخريق. ومضلة: اسْم فَاعل من أضللته بِالْألف بِمَعْنى فقدته وأضعته. قَالَ الْأَزْهَرِي: وأضللت الشَّيْء بِالْألف إِذا ضَاعَ مِنْك فَلم تعرف مَوْضِعه كالدابة والناقة وَمَا أشبههما.

فَإِن أَخْطَأت مَوضِع الشَّيْء الثَّابِت كَالدَّارِ قلت: ضللته وضللته. ومضلة صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: نَاقَة مضلة. والبو: جلد الحوار أَي: ولد النَّاقة يحشى إِذا مَاتَ فتعطف عَلَيْهِ النَّاقة فتدر. والرعيل بالراء وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ: الْجَمَاعَة من الْخَيل.

وتعجل: فعل مَاض بِمَعْنى أسْرع وفاعله ضمير الرعيل وَجُمْلَة كَأَنَّهَا مضلة الخ حَال من خريق. شبه الرّيح الْعَاصِفَة فِي رسم الدَّار بِنَاقَة أضاعت ولدا فِي جمع خيل أسْرع وَمضى فَهِيَ والهة تُرِيدُ اللحاق إِلَيْهِ فتسرع بأشد مَا يُمكنهَا.

والقحيف بِضَم الْقَاف وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة

ص: 133

وَآخره فَاء. والعقيلي بِضَم الْعين وَفتح الْقَاف هُوَ شَاعِر جاهلي. وَتقدم ذكره فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين بعد الثلاثمائة.

وَأنْشد بعده

الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الْبَسِيط

على أَن أَو هُنَا بِمَعْنى الْوَاو وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى جعل أَو بِمَعْنى الْوَاو لِأَن سَوَاء وسيين يطلبان شَيْئَيْنِ فَلَو جعلت أَو لأحد الشَّيْئَيْنِ لَكَانَ الْمَعْنى سيان أَحدهمَا. وَهَذَا كَلَام مُسْتَحِيل.

ص: 134

قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: وَالَّذِي حسن ذَلِك للشاعر أَنه يرى جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين فيستقيم لَهُ أَن يجالسهما جَمِيعًا. وكل الْخبز أَو التَّمْر فَيجوز لَهُ أَن يجمعهما فِي الْأكل. فَلَمَّا جرت مجْرى الْوَاو فِي هَذِه الْمَوَاضِع استجاز أَن يستعملها بعد سي. وَلم نعلم ذَلِك جَاءَ فِي سَوَاء وَقِيَاسه قِيَاس سيان. انْتهى.

وَبَين ابْن جني سره فِي بَاب تدريج اللُّغَة من الخصائص قَالَ: وَذَلِكَ أَي تدريج اللُّغَة أَن يشبه شَيْء شَيْئا من مَوضِع فيمضي حكمه على حكم الأول ثمَّ يرقى مِنْهُ إِلَى غَيره. فَمن ذَلِك قَوْلهم: جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين. فَلَو جالسهما جَمِيعًا لَكَانَ مصيباً مُطيعًا لَا مُخَالفا وَإِن كَانَت أَو إِنَّمَا هِيَ فِي أصل وَضعهَا لأحد الشَّيْئَيْنِ.

وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي هَذَا الْموضع لَا لشَيْء رَجَعَ إِلَى نفس أَو بل لقَرِينَة انضمت من جِهَة الْمَعْنى إِلَى أَو. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قد عرف أَنه إِنَّمَا رغب فِي مجالسة الْحسن لما لمجالسته فِي ذَلِك من الْحَظ.

وَهَذِه الْحَال مَوْجُودَة فِي مجالسة ابْن سِيرِين أَيْضا فَكَأَنَّهُ قَالَ: جَالس هَذَا الضَّرْب من النَّاس.

وعَلى ذَلِك جرى النَّهْي فِي هَذَا الطرز من القَوْل فِي قَوْله تَعَالَى: وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَو كَفُوراً فَكَأَنَّهُ وَالله أعلم قَالَ: لَا تُطِع هَذَا الضَّرْب من النَّاس ثمَّ إِنَّه لما رأى أَو فِي هَذَا الْموضع قد جرت مجْرى الْوَاو تدرج من ذَلِك إِلَى غَيره فأجراها مجْرى الْوَاو فِي مَوضِع عَار من هَذِه الْقَرِينَة الَّتِي سوغته اسْتِعْمَال أَو فِي معنى الْوَاو.

أَلا ترَاهُ كَيفَ قَالَ:

فَكَانَ سيّان أَن لَا يسرحوا نعما

...

...

. . الْبَيْت وَسَوَاء سيان لَا يسْتَعْمل إِلَّا بِالْوَاو. انْتهى.

ص: 135

وَقد أَخذ هَذَا من كَلَام أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية قَالَ: إِنَّمَا جَازَ أَو مَعَ سيان اتساعاً وَذَلِكَ أَنهم لما رَأَوْا أَن أَو يجمع بهَا مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا كَمَا جمع بِالْوَاو وَإِن كَانَ الْمَعْنى مُخْتَلفا شبهوه بهَا فَعَطَفُوا بهَا فِي هَذَا الْموضع كَمَا يعْطف بِالْوَاو. وَكَذَلِكَ الْعلم بِأَن هَذَا الْموضع يَقْتَضِي اثْنَيْنِ)

فَصَاعِدا وَلَا يقْتَصر فِيهِ على أحد الاسمين. انْتهى.

وسيان: مثنى سي بِالْكَسْرِ بِمَعْنى مثل وَأَصله سوي لِأَنَّهُ من السوَاء والسوية فَقلب وأدغم عملا بالقاعدة.

قَالَ ابْن يسعون: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول سيين لِأَن الْمعرفَة أولى بِأَن تكون اسْم كَانَ وَكَأَنَّهُ كره اجْتِمَاع ثَلَاث ياءات فَعدل إِلَى الْألف أَو قدر فِي كَانَ ضمير الشَّأْن وَرَفعه على الْخَبَر لِأَن الْمُبْتَدَأ وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: إِمَّا أَن يكون أضمر فِي كَانَ الحَدِيث أَو الْأَمر فَيكون سيان خبر الاسمين اللَّذين هما: أَن لَا يسرحوا نعما أَو يسرحوه أَو يكون جعل سيان الْمُبْتَدَأ وَإِن كَانَ نكرَة وَأدْخل كَانَ على قَوْله سيان. وَالْوَجْه الأول أشبه. انْتهى.

قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: وَلقَائِل أَن يَقُول: الْإِخْبَار عَن الْمعرفَة بالنكرة مغتفر فِي الضَّرُورَة. على أَن ابْن مَالك قَالَ بِجَوَازِهِ مُطلقًا.

وسرحت الْإِبِل سرحاً من بَاب نفع وسروحاً أَيْضا: رعت بِنَفسِهَا وسرحتها يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى. وَهُوَ هُنَا مُتَعَدٍّ. وَالنعَم: المَال الرَّاعِي وَهُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَأكْثر مَا يَقع على الْإِبِل.

قَالَ أَبُو عبيد: النعم: الْجمال فَقَط وتؤنث وتذكر وَجمعه نعْمَان كحمل وحملان وأنعام

ص: 136

أَيْضا.

وَقيل: النعم: الْإِبِل خَاصَّة. والأنعام: ذَوَات الْخُف والظلف وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم.

وَقيل: تطلق الْأَنْعَام على هَذِه الثَّلَاثَة فَإِذا انْفَرَدت الْإِبِل فَهِيَ نعم وَإِن انْفَرَدت الْبَقر وَالْغنم لم تسم نعما. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَضمير بهَا قَالَ ابْن يسعون: للسّنة المجدبة الَّتِي دلّت الْحَال عَلَيْهَا.

وَيحْتَمل أَن يُرِيد الْبقْعَة الَّتِي وصفهَا بالجدب. وَالْبَاء بِمَعْنى فِي. واغبرت اسودت فِي عين من يَرَاهَا أَو كثر فِيهَا الْغُبَار لعدم الأمطار. وَرُوِيَ بدله: وابيضت. والسوح: جمع ساحة وَهِي قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وصف سنة ذَات جَدب فرعي النعم وَترك رعيها سَوَاء. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: زعم أَبُو عَمْرو أَن الْأَصْمَعِي أنشدهم هَذَا الْبَيْت لرجل من هُذَيْل.

وَجَمِيع النَّحْوِيين رووا هَذَا الْبَيْت كَذَا وَقد رَأَيْته مُلَفقًا من بَيْتَيْنِ فِي قصيدة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ وهما:

(وَقَالَ راعيهم سيّان سيركم

وَأَن تُقِيمُوا بِهِ واغبرّت السّوح)

(وَكَانَ مثلين أَن لَا يسرحوا نعما

حَيْثُ استرادت مَوَاشِيهمْ وتسريح))

وعَلى هَذَا لَا شَاهد فِيهِ.

وَالْقَصِيدَة مرثية رثى بهَا أَبُو ذُؤَيْب صديقا لَهُ قتل فِي وقْعَة. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا من المطلع:

(نَام الخليّ وبتّ اللّيل مشتجراً

كأنّ عَيْني فِيهَا الصّاب مَذْبُوح)

(لمّا ذكرت أَخا العمقى تأوّبني

همّي وأفرد ظَهْري الْأَغْلَب الشّيح)

(المانح الْأدم كالمرو الصّلاب إِذا

مَا حارد الخور واجتثّ المجاليح)

(وزفّت الشّول من برد العشيّ كَمَا

زفّ النّعام إِلَى حفّانه الرّوح)

ص: 137

وَقَالَ ماشيهم سيّان سيركم

...

...

...

. . الْبَيْتَيْنِ

(واعصوصبت بكرا من حرجفٍ وَلها

وسط الدّيار رذيّاتٌ مرازيح)

(لَا يكرمون كريمات الْمَخَاض وَأَن

ساهم عقائلها جوعٌ وترزيح)

قَوْله: نَام الخلي الخ قَالَ السكرِي فِي شرح أشعار هُذَيْل: الخلي: الَّذِي لَا هم لَهُ. والمشتجر: الَّذِي قد وضع حنكه على يَده أَو فَمه عِنْد الْهم. والصاب: نبت إِذا شقّ يخرج من ورقه كاللبن يحرق الْعين. ومذبوح: مشقوق. وذبحه: شقَّه.

وَقَوله: لما ذكرت أَخا العمقى الخ العمقى بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَكسرهَا وبالقصر: أَرض قتل بهَا هَذَا الرجل المرثي. وتأوبني: أَتَانِي لَيْلًا.

وأفرد ظَهْري أَي: كَانَ يمْنَع ظَهْري من الْعَدو.

والأغلب: الْأسد الغليظ الرَّقَبَة يُقَال: رجل شيح ومشيح إِذا كَانَ جلدا. يَقُول: خلاني للأعداء.

وَقَوله: المانح الْأدم الخ مَا أوردناه من الأبيات أوردهُ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات وَقَالَ: وَمِمَّا وصف بن الْمحل قَول أبي ذُؤَيْب ومدح رجلا ببذل مَاله فِيهِ.

قَالَ السكرِي: المانح هُوَ أَن يدْفع الْأدم كالعارية يشرب لَبنهَا سنة. كالمرو فِي صلابتها. والمرو: الْحِجَارَة الْبيض. والخور: الغزار الرقَاق وَلَيْسَ بسمان. وحارد: ذهب أَلْبَانهَا وَهِي من المحاردة. والمجاليح: اللواتي يدررن فِي القر والجهد والواحدة مجالح.

ص: 138

وَقَالَ الدينَوَرِي: المحاردة: انْقِطَاع اللَّبن. والمجاليح: الصَّبْر من النوق على الجدب الْبَاقِيَة الألبان وَقَوله: وزفت الشول الخ الزفيف: مشي سريع فِي تقَارب الخطو. والشول: الَّتِي شالت أَلْبَانهَا وَخفت بطونها من أَوْلَادهَا وأتى على نتاجها سَبْعَة أشهر أَو ثَمَانِيَة. والحفان بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء: صغَار النعام. وَالروح: نعت النعام وَهُوَ جمع أروح وروحاء وصف من الرّوح)

وَقَوله: وَقَالَ راعيهم سيان الخ وروى السكرِي: وَقَالَ ماشيهم أَيْضا. وَقَالَ يُرِيد اغبرت ساحات مَا حَولهمْ من الجدب وماشيهم يُرِيد ماشي الْحَيّ والممشي: صَاحبهَا.

قَالَ الْبَاهِلِيّ: زَعَمُوا أَن ماشيهم فِي معنى ممشيهم أَي: صَاحب الْمَاشِيَة يُقَال: أمشى الرجل.

أَي: سَوَاء سيركم إِن سِرْتُمْ وَإِن أقمتم فَأنْتم فِي جَدب. وروى الدينَوَرِي: وَقَالَ رائدهم سيان سيركم الخ.

وَقَوله: وَكَانَ مثلين الخ هَذَا على الْقيَاس بِنصب مثلين قَالَ السكرِي: أَرَادَ: أَن لَا يسرحوا وتسريحهم سَوَاء. وَمعنى أَن لَا يسرحوا: أَن لَا يرعوا. واسترادت مَوَاشِيهمْ أَي: ترود وتطلب المرعى أَي: فَهُوَ جَدب رعوا أم لم يرعوا.

ص: 139

وَقَوله: واعصوصبت بكرا الخ. قَالَ الدينَوَرِي: اعصوصبت: اجْتمعت من الْبرد يَتَّقِي بَعْضهَا والحرجف بِتَقْدِيم الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة على الْجِيم: الرّيح الْبَارِدَة الْيَابِسَة. والرذية: الهزيلة الساقطة وَكَذَلِكَ المرازيح وَهِي الَّتِي رزحت فَلَا حراك لَهَا. وَلم يقل السكرِي فِي هَذَا الْبَيْت شَيْئا.

وَقَوله: أما ألات الذرى الخ. قَالَ السكرِي: ألات الذرى: ذَوَات الأسنمة. ف عاصبة أَي: قد عصبت واستدارت لَا تَبْرَح. والأقاديح: جمع قداح أَي: تجول القداح بَين مناقيها وَهُوَ أَن يضْرب عَلَيْهَا بِالْقداحِ. يَقُول: يخْتَار منقياتها أَي: سمانها للعقر.

وَقَوله: لَا يكرمون كريمات الخ. قَالَ السكرِي: يَقُول: ينحرون كريمات الْمَخَاض وَهِي الْحَوَامِل فَهِيَ أنفس عِنْدهم إِذا نحروها. وعقائلها: كرائمها أَي: أنساهم الْجُوع والترزيح وَهِي الرزاح الَّتِي قد قَامَت من الهزال وَسَقَطت.

وترجمة أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ.

وَهُوَ شَاعِر إسلامي.

وَأنْشد بعده

الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الرجز

(بَات يعشّيها بعضب باتر

يقْصد فِي أسوقها وجائر)

وَأوردهُ الْفراء والزجاج فِي تفسيرهما عِنْد قَوْله تَعَالَى: ويُكلِّمُ الناسَ فِي المَهْدِ على أَن جملَة يكلم معطوفة على وجيهاً. قَالَ الزّجاج وَجَائِز أَن يعْطف بِلَفْظ يفعل على فَاعل لمضارعة يفعل فَاعِلا أَي: قَاصد فِي أسؤقها وجائر.

ص: 140

وَأوردهُ الْفراء فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: لاهِيَةً قُلُوبُهُم.

وَكَذَلِكَ اسْتشْهد بِهِ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر وَابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَلم ينْسبهُ أحد مِنْهُم إِلَى قَائِله وَلم أر لَهُ تَتِمَّة.

وَهُوَ بيتان من الرجز المسدس.

وَقَوله: بَات يعشيها الخ بَات من أَخَوَات كَانَ اسْمهَا مستتر فِيهَا وَجُمْلَة يعشيها فِي مَوضِع نصب على أَنَّهَا الْخَبَر أَي: يطْعمهَا الْعشَاء بِالْفَتْح

وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يُؤْكَل وَقت الْعشَاء بِالْكَسْرِ.

وَرَأَيْت فِي أمالي ابْن الشجري فِي نُسْخَة صَحِيحَة قد صححها أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ وَغَيره وَعَلَيْهَا خطوط الْعلمَاء وإجازاتهم: بَات يغشيها بالغين الْمُعْجَمَة من الغشاء كالغطاء بِكَسْر أَولهمَا وزنا وَمعنى أَي: يشملها ويعمها. وَضمير الْمُؤَنَّث لِلْإِبِلِ وَهُوَ فِي وصف كريم بَادر يعقر إبِله لضيوفه.

وَزعم الْعَيْنِيّ أَن الضَّمِير للْمَرْأَة الَّتِي عاقبها زَوجهَا بِالسَّيْفِ. وَلَا يخفى أَن هَذَا غير مُنَاسِب

ص: 141

وَرَوَاهُ الْفراء فِي تَفْسِيره بت أعشيها بالتكلم.

والعضب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: السَّيْف وَهُوَ فِي الأَصْل صفة بِمَعْنى قَاطع عضبه بِمَعْنى قطعه وَالْيَاء مُتَعَلقَة ب يعشيها وَهَذَا من بَاب: عتابه السَّيْف وتحيته الضَّرْب. وباتر: صفة أولى لعضب وَجُمْلَة يقْصد صفة ثَانِيَة لَهُ وجائر صفة ثَالِثَة وَهُوَ بِمَعْنى قَاطع من بتره بتراً من بَاب قتل إِذا قطعه على غير تَمام.

ويقصد: مضارع قصد فِي الْأَمر من بَاب ضرب أَي: توَسط وَلم يُجَاوز الْحَد. وَفِي مُتَعَلّقه بيقصد. وأسؤق: جمع قلَّة لساق وَهِي مَا بَين الرّكْبَة والقدم. وجائر من جَار فِي حكمه إِذا ظلم.)

فَإِن قلت: عقره الْإِبِل إِمَّا قصد وَإِمَّا جور فَكيف وصف بهما قلت: هُوَ على التَّوْزِيع أَي: يقْصد فِي أسؤق إبل تسْتَحقّ الْعقر كالنيب ويجور فِي أسؤق إبل لَا تسْتَحقّ الْعقر كالحوامل وَذَوَات الفصال.

وجائر فِي الْحَقِيقَة مَعْطُوف على جملَة يقْصد الْوَاقِعَة صفة ثَانِيَة لعضب كَقَوْل راجز آخر: الرجز أمّ صبيٍّ قد حبا ودارج

وفاعله ضمير العضب.

وَزعم الْعَيْنِيّ أَن الضَّمِير عَائِد على مَا عَاد عَلَيْهِ ضمير بَات وَأَن الْجُمْلَة حَال. وَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَمَا زعم لنصب جَائِر لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَيْهِ وَلَا جَائِز

ص: 142

أَن يكون مَنْصُوبًا أَو مَرْفُوعا لِأَن الشّعْر من الرجز الَّذِي يجب توَافق قوافيه. وَيدل لما قُلْنَا رِوَايَة الْفراء:

(بتّ أعشّيها بعضبٍ باتر

يقْصد فِي أسوقها وجائر)

والقافيتان مضبوطتان بضبط الْقَلَم بِالْجَرِّ فِي نسخ صَحِيحَة مقروءة وَعَلَيْهَا خطوط الْعلمَاء مِنْهَا تَفْسِير الْفراء والزجاج وَمِنْهَا إِيضَاح الشّعْر بِخَط ابْن جني وَمِنْهَا أمالي ابْن الشجري كَمَا ذكرنَا.

وَلَو رفع باتر على أَنه نعت مَقْطُوع من النكرَة غير المخصصة لرفع جَائِر. وَفِيه مَا لَا يخفى.

وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن يكون جملَة يقْصد خَبرا ثَانِيًا لبات أَو بَدَلا من يعشيها لما ذكرنَا.

وَلم يذكر الشَّارِح الْمُحَقق شَرط عطف الِاسْم على الْفِعْل مضارعاً أَو مَاضِيا وَعَكسه. وَقد بَينه ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ فِي فصل عقده لَهُ فَلَا بَأْس بإيراده قَالَ: عطف اسْم الْفَاعِل على مَا يفعل وَعطف يفعل على اسْم الْفَاعِل جَائِز لما بَينهمَا من المضارعة الَّتِي اسْتحق بهَا يفعل الْإِعْرَاب وَاسْتحق بهَا اسْم الْفَاعِل الإعمال وَذَلِكَ جَرَيَان اسْم الْفَاعِل على يفعل.

وَنقل يفعل من الشياع إِلَى الْخُصُوص بالحرف الْمُخَصّص كنقل الِاسْم من التنكير إِلَى التَّعْرِيف بالحرف الْمُعَرّف فَلذَلِك جَازَ عطف كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه وَذَلِكَ إِذا جَازَ وُقُوعه فِي مَوْضِعه كَقَوْلِك: زيد يتحدث وضاحك وَزيد ضَاحِك ويتحدث لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقع خَبرا للمبتدأ. وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِرَجُل ضَاحِك يتحدث وبرجل يتحدث وضاحك لِأَن يفعل مِمَّا يُوصف بِهِ النكرات. فَمن عطف الِاسْم على الْفِعْل قَول الراجز:

(بَات يغشّيها بعضبٍ باتر

يقْصد فِي أسؤقها وجائر)

فَإِن قلت: سيتحدث زيد وضاحك لم يجز لِأَن ضَاحِكا لَا يَقع موقع يتحدث

ص: 143

من حَيْثُ لَا)

يَلِي الِاسْم السِّين. وَكَذَلِكَ: مَرَرْت بجالس ويتحدث لَا يجوز لِأَن حرف الْجَرّ لَا يَلِيهِ الْفِعْل.

فَإِن عطفت اسْم الْفَاعِل على فعل لم يجز لِأَنَّهُ لَا مضارعة بَينهمَا.

فَإِن قربت فعل إِلَى الْحَال بقد جَازَ عطف اسْم الْفَاعِل عَلَيْهِ كَقَوْل الراجز: أمّ صبيٍّ قد حبا ودارج فَإِن كَانَ اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى فعل جَازَ عطف الْمَاضِي عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: إنَّ المصدِّقين والمصَّدِّقات وأقرَضُوا اللَّه لِأَن التَّقْدِير إِن الَّذين تصدقوا واللاتي تصدقن.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل على أَنه تجوز الْمُخَالفَة فِي الْإِعْرَاب إِذا عرف المُرَاد كَمَا هُنَا فَإِن قَوْله مجلف مَعْطُوف على قَوْله مسحتاً وهما متخالفان نصبا ورفعاً.

قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك التاريخي فِي تَارِيخ النُّحَاة فِي تَرْجَمَة عبد الله ابْن أبي إِسْحَاق النَّحْوِيّ الْحَضْرَمِيّ: قَالَ ابْن سَلام: وَحدثنَا يُونُس قَالَ: قَالَ ابْن

أبي إِسْحَاق فِي بَيت الفرزدق إِلَّا مسحتاً أَو مجلف قَالَ: للرفع وَجه وَكَانَ أَبُو عَمْرو وَيُونُس لَا يعرفان للرفع وَجها. قلت ليونس: لَعَلَّ الفرزدق

ص: 144

قَالَهَا على النصب وَلم يأبه للقافية. قَالَ: لَا كَانَ ينشدها على الرّفْع وأنشدنيها رؤبة على الرّفْع. انْتهى.

وَهَذَا الْبَيْت صَعب الْإِعْرَاب. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هَذَا بَيت لَا تزَال الركب تصطك فِي تَسْوِيَة إعرابه.

وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: رفع الفرزدق آخر الْبَيْت ضَرُورَة وأتعب أهل الْإِعْرَاب فِي طلب الْحِيلَة فَقَالُوا وَأَكْثرُوا وَلم يَأْتُوا فِيهِ بِشَيْء يُرْضِي.

وَمن ذَا يخفى عَلَيْهِ من أهل النّظر أَن كل مَا أَتَوا بِهِ من الْعِلَل احتيال وتمويه وَقد سَأَلَ بَعضهم الفرزدق عَن رَفعه هَذَا الْبَيْت فشتمه وَقَالَ: عَليّ أَن أَقُول وَعَلَيْكُم أَن تحتجوا. انْتهى.

وَقَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره: حَدثنِي أَبُو جَعْفَر الرُّؤَاسِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ: مر الفرزدق عزفت بأعشاشٍ وَمَا كدت تعزف

حَتَّى انْتهى إِلَى هَذَا الْبَيْت فَقَالَ عبد الله: علام رفعت مجلف فَقَالَ لَهُ الفرزدق: على مَا)

يسوءك.

وَفِي تذكرة أبي حَيَّان من النِّهَايَة قَالَ عبد الله بن أبي إِسْحَاق للفرزدق: بِمَ رفعت أَو مجلف فَقَالَ: بِمَا يسوءك وينوءك علينا أَن نقُول وَعَلَيْكُم أَن تتأولوا. ثمَّ قَالَ الفرزدق: الطَّوِيل

(فَلَو كَانَ عبد الله مولى هجوته

ولكنّ عبد الله مولى مواليا)

فَقَالَ لَهُ عبد الله: أردْت أَن تهجوني فلحنت أَيْضا. والفرزدق مشغوف فِي شعره بالإعراب الْمُشكل المحوج إِلَى التقديرات الْعسرَة بالتقديم وَالتَّأْخِير

ص: 145

المخل بالمعاني. وَسمعت شَيخنَا يَقُول: إِنِّي لأعجب من إِبْرَاهِيم بن هِشَام المَخْزُومِي حِين فهم قَول الفرزدق: الطَّوِيل

(وَمَا مثله فِي النّاس إلاّ مملّكاً

أَبُو أمّه حيٌّ أَبوهُ يُقَارِبه)

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن الخشاب فِي كِتَابه الْمَوْضُوع لجوابه الْمسَائِل السِّت الْإسْكَنْدَريَّة: إِن أَبَا حَاتِم السجسْتانِي قَالَ: لَيْسَ الفرزدق أَهلا لِأَن يستشهد بِشعرِهِ على كتاب الله لما فِيهِ من التعجرف.

وَقَالَ ابْن الخشاب أَيْضا: لم يجر فِي سنَن الفرزدق من تعجرفه فِي شعره بالتقديم وَالتَّأْخِير المخل بمعانيه وَالتَّقْدِير الْمُشكل إِلَّا المتنبي وَلذَلِك مَال إِلَيْهِ أَبُو عَليّ وَابْن جني لِأَنَّهُ مِمَّا يُوَافق صناعتهما.

وَلَا ينفع المتنبي شَهَادَة أبي عَليّ لَهُ بالشعر لِأَن أَبَا عَليّ مُعرب لَا نقاد وَإِنَّمَا تَنْفَعهُ شَهَادَة مثل العسكريين وَأبي الْقَاسِم الْآمِدِيّ فَإِنَّهُم أَئِمَّة يقْتَدى بهم فِي نقد الْإِعْرَاب. انْتهى مَا أوردهُ أَبُو حَيَّان.

وَقد تكلّف لَهُ الْعلمَاء عدَّة توجيهات ذكر الشَّارِح الْمُحَقق مِنْهَا ثَلَاثَة أوجه وَالثَّلَاثَة مَبْنِيَّة على رِوَايَة لم يدع بِفَتْح الدَّال وعَلى رِوَايَة نصب مسحت.

أما الأول فَهُوَ للخليل بن أَحْمد وَقَالَ: هُوَ على الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ: لم يبْق من المَال إِلَّا مسحت لِأَن معنى لم يبْق وَلم يدع وَاحِد وَاحْتَاجَ إِلَى الرّفْع فَحَمله على شَيْء فِي مَعْنَاهُ.

قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: نصب مسحت بيدع بِمَعْنى التّرْك وَحمل مجلف بعده على الْمَعْنى لِأَن معنى لم يدع من المَال إِلَّا مسحتاً تَقْدِيره: وَلم يبْق من المَال إِلَّا مسحت فَحمل مجلف بعده على ذَلِك.

وَمثل ذَلِك فِي الْحمل على الْمَعْنى من أَبْيَات الْكتاب قَوْله:

ص: 146

الْكَامِل)

(بادت وغيّر آيهنّ مَعَ البلى

إلاّ رواكد جمرهنّ هباء)

لِأَن معنى بادت إِلَّا رواكد مَعْنَاهُ بهَا رواكد فَحمل مشججاً على ذَلِك فَكَذَلِك قَوْله لم يدع من المَال إِلَّا مسحتاً مَعْنَاهُ بَقِي مسحت. قَالَ أَبُو عَمْرو: هَذَا قَول الْخَلِيل وَلَيْسَ الْبَيْت فِي الْكتاب فَلَا أَدْرِي أسمعهُ عَنهُ أم قاسه. انْتهى.

ومحصله أَن مجلفاً مَرْفُوع بِفعل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ: لم يدع. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن جني فِي الْمُحْتَسب فِي سُورَة: وَالضُّحَى قَالَ: إِنَّه لما قَالَ لم يدع من المَال إِلَّا مسحتاً دلّ على أَنه قد بَقِي فأضمر مَا يدل عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَبَقِي مجلف.

وَأما الثَّانِي فَهُوَ لثعلب قَالَ فِي أَمَالِيهِ نصب مسحت بِوُقُوع يدع عَلَيْهِ وَقد وليه الْفِعْل وَلم يل مجلفاً فاستؤنف بِهِ فَرفع وَالتَّقْدِير: هُوَ مجلف. انْتهى.

وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق إِن أَو فِي هَذَا الْوَجْه للإضراب بِمَعْنى بل لَا يُنَاسب الْمَعْنى وَإِنَّمَا يُنَاسب لَو كَانَ مسحتاً بعد أَو فَهِيَ هُنَا لعطف جملَة على مُفْرد وَمَعْنَاهَا أحد الشَّيْئَيْنِ.

وَأما الثَّالِث فَهُوَ لأبي عَليّ الْفَارِسِي فِي التَّذْكِرَة قَالَ: مجلف مَعْطُوف على عض وَهُوَ مصدر جَاءَ على صِيغَة الْمَفْعُول قَالَ تَعَالَى: ومزَّقْنَاهُمْ كلَّ مُمزَّقٍ كَأَنَّهُ قَالَ: وعض زمَان أَو تجليف.

ص: 147

وَبَقِي غير مَا ذكره الشَّارِح تَوْجِيه الْفراء قَالَ: إِن مجلفاً مَرْفُوع الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ: أَو مجلف كَذَلِك. نسبه إِلَيْهِ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَكَذَلِكَ نسبه إِلَيْهِ عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة وَنَصه: قَالَ الْفراء: وَمن روى مسحتاً أَرَادَ لم يدع فِيهِ عض الزَّمَان إِلَّا مسحتاً أَو مجلف بَقِي فرفعه على هَذَا الْإِضْمَار.

قَالَ الْكسَائي: هَذَا كَمَا تَقول: ضربت زيدا وَعَمْرو كَأَنَّهُ يرفعهُ بِفعل مُضْمر أَي: وَعَمْرو مَضْرُوب أَو وَعَمْرو كَذَلِك. انْتهى.

وَقد ذهب إِلَى هَذَا ابْن الْأَنْبَارِي أَيْضا فِي مسَائِل الْخلاف قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْمعَانِي: فَيكون هَذَا من عطف جملَة اسمية على جملَة فعلية كَمَا تَقول: رَأَيْت زيدا وَعَمْرو مر بِي أَيْضا.

وَبَقِي أَيْضا تَوْجِيه الْكسَائي وَهُوَ أَن مجلفاً مَعْطُوف على الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي مسحت. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: حكى هِشَام هَذَا التَّوْجِيه عَن الْكسَائي.

هَذَا مَا اطَّلَعت عَلَيْهِ من تَوْجِيه هَذِه الرِّوَايَة وَهِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة. وَقد أوردهَا صَاحب)

الْكَشَّاف فِي سروة طه.

وَفِيه رِوَايَات أخر: إِحْدَاهَا: إِلَّا مسحت أَو مجلف برفعهما. قَالَ عَليّ بن حَمْزَة فِي كتاب

التَّنْبِيهَات: رَوَاهُ أَبُو جَعْفَر بن حبيب فِي كتاب النقائض بِرَفْع الاسمين. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَالْفراء: حُرُوف الِاسْتِثْنَاء تَجِيء بِمَعْنى قَلِيل من

ص: 148

كثير فَجعل إِلَّا معلقَة بِأَن يكون فأضمرها ونواها وَرفع مسحت على هَذَا الْمَعْنى أَرَادَ إِلَّا أَن يكون مسحت أَو مجلف فرفعه بيكون المضمرة وَإِلَّا تدل على تعلقهَا بِأَن يكون كَقَوْلِك: مَا أَتَانِي أحد إِلَّا زيد وَإِلَّا أَن يكون زيد.

وَمثله لشبيب بن البرصاء: الطَّوِيل

(وَلَا خير فِي العيدان إلاّ صلابها

وَلَا ناهضات الطّير إلاّ صقورها)

أَرَادَ: وَلَا خير فِي العيدان إِلَّا أَن يكون صلابها وَإِلَّا أَن يكون صقورها. انْتهى.

وَهَذَا التَّوْجِيه مَرْدُود فَإِن الْمَوْصُول لَا يحذف مَعَ بعض الصِّلَة وَيبقى بَعْضهَا.

وَالصَّوَاب تَوْجِيه صَاحب الْكَشَّاف فَإِنَّهُ اسْتشْهد بِهِ على قِرَاءَة أبي وَالْأَعْمَش فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيل بِالرَّفْع مَعَ كَونه اسْتثِْنَاء من كَلَام مُوجب حملا لَهُ على الْمَعْنى فَإِن قَوْله: فَشَرِبُوا مِنْهُ فِي معنى فَلم يطيعوه إِلَّا قَلِيل فرفعه كرفع الشَّاعِر مسحتاً ومجلفاً مَعَ كَونه اسْتثِْنَاء مفرغاً فِي موقع الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى وَاقع موقع الْفَاعِل لِأَن لم يدع فِي معنى لم يبْق.

وَالْأَحْسَن مَا ذهب إِلَيْهِ الطوسي نَقله عَنهُ صَاحب التَّنْبِيهَات قَالَ: أَرَادَ لم يدع من الدعة.

وَنقل ابْن الْأَنْبَارِي أَيْضا فِي شرح المفضليات عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: لم يدع من الدعة والسكون يُقَال: رجل وادع إِذا كَانَ سَاكِنا فَيكون على هَذَا مسحت فَاعل ليَدع.

ص: 149

(وعضّ زمَان يَا ابْن مَرْوَان مَا بِهِ

من المَال إلاّ مسحتٌ أَو مجلّف)

بِرَفْع الاسمين أَيْضا حَكَاهُ عَنهُ عَليّ بن حَمْزَة صَاحب التَّنْبِيهَات.

وَقَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره: قيل لي إِن بعض الروَاة يَقُول: مَا بِهِ من المَال إِلَّا

مسحت أَو مجلف فَقلت: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء. انْتهى.

وَعِنْدِي أَن هَذِه أحسن الرِّوَايَات وأصحها.

وثالث الرِّوَايَات الْأُخَر: لم يدع من المَال إِلَّا مسحت بِكَسْر دَال يدع وَرفع الاسمين أَيْضا وَقد نَسَبهَا صَاحب التَّنْبِيهَات إِلَى أبي عُبَيْدَة وَابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات إِلَى عِيسَى بن عمر)

عِنْد قَول سُوَيْد بن أبي كَاهِل الْيَشْكُرِي من قصيدة: الرمل

(أرّق الْعين خيالٌ لم يدع

من سليمى ففؤادي منتزع)

قَالَ: يدع بِمَعْنى يقر وَيمْكث. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن جني فِي بَاب الاطراد والشذوذ من الخصائص قَالَ فِيهِ: وَمن ذَلِك امتناعك من وذر وودع لأَنهم لم يقولوهما. فَأَما قَول أبي الْأسود: الرمل

(لَيْت شعري من خليلي مَا الَّذِي

غاله فِي الحبّ حتّى ودعه)

فشاذ وَكَذَلِكَ قِرَاءَة بَعضهم: مَا ودعم رَبك وَمَا قلى. فَأَما قَوْلهم ودع الشَّيْء يدع إِذا سكن فاتدع فمسموع مُتبع وَعَلِيهِ بَيت الفرزدق فَمَعْنَى لم يدع بِكَسْر الدَّال أَي: لم يتدع وَلم يثبت.

وَالْجُمْلَة بعد زمَان فِي مَوضِع جر لكَونهَا صفة لَهُ والعائد مِنْهَا إِلَيْهِ مَحْذُوف للْعلم بموضعه وَتَقْدِيره: لم يدع فِيهِ أَو لأَجله من المَال إِلَّا مسحت أَو مجلف فيرتفع بِهِ مسحت ومجلف

ص: 150

عطف عَلَيْهِ. وَهَذَا أَمر ظَاهر لَيْسَ فِيهِ من الِاعْتِذَار والاعتلال مَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى. ويحكى عَن مُعَاوِيَة رضي الله عنه أَنه قَالَ: خير الْمجَالِس مَا سَافر إِلَيْهِ الْبَصَر واتدع فِيهِ الْبدن. انْتهى.

وَقَالَ فِي سُورَة الضُّحَى من الْمُحْتَسب: قَرَأَ: مَا وَدعك خَفِيفَة النَّبِي

صلى الله عليه وسلم َ وَعُرْوَة بن الزبير. وَهَذِه قَليلَة الِاسْتِعْمَال. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: استغنوا عَن وذر وودع بقَوْلهمْ ترك. على أَنَّهَا قد جَاءَت فِي شعر أبي الْأسود.

وَأما لم يدع فِي بَيت الفرزدق بِكَسْر الدَّال فَهُوَ من الاتداع كَقَوْلِك: قد استراح وودع فَهُوَ وادع من تَعبه. والمسحت على هَذِه الرِّوَايَة مَرْفُوع بِفِعْلِهِ ومجلف مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَهَذَا مَا لَا نظر فِيهِ لوضوحه.

ورابع الرِّوَايَات الْأُخَر لم يدع بِضَم الْيَاء وَفتح الدَّال مَعَ رفع الاسمين أَيْضا ذكرهَا ابْن جني فِي الْمُحْتَسب ونقلها عَنهُ ابْن السَّيِّد وَاللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَلم ينسبها أحدهم إِلَى راو.

قَالَ ابْن جني: وَأما رِوَايَة يدع بِضَم الْيَاء وَفتح الدَّال فقياسه يودع كَقَوْلِه تَعَالَى: لم يَلِدْ وَلم يُولَدْ وَمثله يوضع وَالْحَدِيد يُوقع أَي: يطْرق من قَوْلهم وَقعت الحديدة أَي: طرقتها. قَالُوا: إِلَّا أَن هَذَا الْحَرْف كَأَنَّهُ لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله جَاءَ شاذاً فحذفت واوه تَخْفِيفًا فَقيل لم يدع أَي: لم يتْرك.

والمسحت والمجلف جَمِيعًا مرفوعان أَيْضا كَمَا يجب. انْتهى.

وَهَذَا مَا وقفت عَلَيْهِ من رِوَايَات هَذَا الْبَيْت. وَالله أعلم.

وَقَوله: وعض زمَان هُوَ مَرْفُوع بالْعَطْف على هموم المنى فِي بَيت قبله وَهُوَ:)

ص: 151

(إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ رمت بِنَا

هموم المنى والهوجل المتعسّف)

أَرَادَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. وَابْن مَرْوَان: عبد الْملك بن مَرْوَان. شكا إِلَيْهِ مَا فعل بِهِ الزَّمَان من تَفْرِيق أَمْوَاله وتغيير أَحْوَاله. والهوجل: الفلاة الَّتِي لَا أَعْلَام فِيهَا يهتدى بهَا. والمتعسف: الَّتِي يسَار فِيهَا بِلَا دَلِيل. وعض الزَّمَان: شدته.

قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: العض كُله بالضاد إِلَّا عظ الزَّمَان وَالْحَرب.

وَقَالَ ابْن سراج العظ الْمجَازِي بالظاء والحقيقي بالضاد. وَهَذَا كَقَوْل الْخَلِيل. وَقيل إِن العض كُله بالضاد مجازياً كَانَ أَو حَقِيقِيًّا. انْتهى.

والمجلف بِالْجِيم الَّذِي ذهب معظمه وَبَقِي مِنْهُ شَيْء يسير. والمسحت المستأصل الَّذِي لم يبْق مِنْهُ بَقِيَّة. قَالَ الْفراء فِي سُورَة طه فِي قَوْله تَعَالَى: فيُسحِتَكم: سحت أَكثر وَهُوَ الاستئصال.

وَقَالَ مثله الزّجاج فِي سُورَة الْمَائِدَة وَأنْشد الْبَيْت أَيْضا.

وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: مَال مسحوت ومسحت أَي: مَذْهَب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت أَيْضا وَمِنْه أَخذ الشَّارِح.

وَمثل هَذَا الْبَيْت مَا أوردهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن اليمني تلميذ ابْن ولاد فِي طَبَقَات النَّحْوِيين فِي تَرْجَمَة أبي الْفضل الرياشي بِسَنَدِهِ عَن أبي الْفضل قَالَ: وَقع رجل بِأمة لرجل فَولدت فَحلف سَيِّدهَا أَن لَا يعتقهُ فَقَالَ الَّذِي وَقع فِي الْجَارِيَة:

ص: 152

الطَّوِيل

(تحلّل جَزَاك الله خيرا أما ترى

تخاذل إخْوَانِي وقلّة ماليا)

(وعضّ زمَان لم تدع جفواته

من المَال إلاّ جلّةً وعناصيا)

(تألّ على مَا فِي يَديك كأنّما

رَأَيْت ابْن ذِي الجدّين عنْدك عانيا)

انْتهى.

التَّحْلِيل فِي الْيَمين: أَن يحلف ثمَّ يَسْتَثْنِي اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا. والجلة بِكَسْر الْجِيم من الْإِبِل: المسان وَهُوَ جمع جليل كصبي وصبية.

والعناصي بِفَتْح الْمُهْملَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: مَا بَقِي من مَاله إِلَّا عناص وَذَلِكَ إِذا ذهب معظمه وَبَقِي نبذ مِنْهُ. وتأل فعل أَمر يُقَال: تألى على كَذَا أَي: أقسم عَلَيْهِ. والعاني: الْأَسير.

والبيتان من قصيدة طَوِيلَة للفرزدق تزيد على مائَة بَيت لَيْسَ فِيهَا مديح غير هذَيْن الْبَيْتَيْنِ)

وَمَا قبلهمَا من أول القصيدة نسيب وَمَا بعدهمَا عدَّة أَبْيَات فِي كلال الْإِبِل. وَشَرحهَا الشريف المرتضى قدس سره فِي أَمَالِيهِ غرر الْفَوَائِد ودرر القلائد.

وَمَا بعْدهَا إِلَى آخر القصيدة افتخار بآبائه على جرير.

وفيهَا شَاهد يَأْتِي شَرحه مَعَ أَبْيَات مِنْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْفِعْل. وَمضى بَيت مِنْهَا فِي بَاب النَّعْت.

وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة الفرزدق فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ.

ص: 153