الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(الْبَدَل)
أنْشد فِيهِ الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط
(يَا ميّ إِن تفقدي قوما ولدتهم
…
أَو تخلسيهم فإنّ الدّهر خلاّس)
(عمروٌ وَعبد منافٍ وَالَّذِي عهِدت
…
بِبَطن عرعر: آبي الظّلم عبّاس)
على أَن قَوْله: عَمْرو وَعبد منَاف وَالَّذِي بدل مَقْطُوع من قوماص.
قَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد فِيهِ رفع عَمْرو وَمَا بعده بِالِابْتِدَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: مِنْهُم أَو من الْقَوْم الَّذين فقدوا أَو يكون خبر مُبْتَدأ كَأَنَّهُ قَالَ: بَعضهم. وَلَو نصبت على الْبَدَل من الْقَوْم لجَاز. وعباس بدل من آبي وآبي بدل من الَّذِي وَلَو أبدلت فسد الْكَلَام لأَنا إِذا نصبنا وَجب أَن ينصب الَّذِي هُوَ بدل مِنْهُ فَكُنَّا نقُول: عباساً.
وَقَوله: تخلسيهم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: يؤخذون مِنْك بَغْتَة فَإِن الدَّهْر من شَأْنه أَن يُؤْخَذ فِيهِ الشَّيْء بَغْتَة. وعرعر: مَكَان. ويروى: بِبَطن مَكَّة. وَأَرَادَ بِعَمْرو عَمْرو بن عبد منَاف بن قصي وَهُوَ هَاشم بن عبد منَاف وَسمي هاشماً
لهشمه الثَّرِيد لِقَوْمِهِ فِي مجاعةٍ أَصَابَتْهُم.
وَالْعَبَّاس هُوَ ابْن عبد الْمطلب وَإِنَّمَا قَالَ ولدتهم لما بَين هُذَيْل وقريش من
الْقَرَابَة فِي النّسَب وَالدَّار لأَنهم كلهم من ولد مدركة بن الياس بن مُضر.
وَقَوله: وَالَّذِي عهِدت الضَّمِير يرجع إِلَى مي وَعدل عَن خطابها وَأخْبر عَنْهَا بِاللَّفْظِ الَّذِي يكون للْغَائِب أَرَادَ الَّذِي عهِدت فَلم يستقم لَهُ. ومي: مرخم مية.
وَهَذَانِ البيتان مطلعا قصيدة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ عدتهَا خَمْسَة عشر بَيْتا أوردهَا أَبُو سعيد السكرِي فِي أشعار الهذليين وبعدهما:
(يَا ميّ إنّ سِبَاع الأَرْض هالكةٌ
…
والغفر والأدم والآرام والنّاس)
الغفر بِضَم الْغَيْن وَسُكُون الْفَاء: ولد الوعل وَنقل شَارِح شَوَاهِد الْمفصل عَن صَاحب المقتبس أَنه القفز بِالْقَافِ وَالْفَاء وَالزَّاي الْمُعْجَمَة وَهُوَ جمع أقفز وَهُوَ من الْخَيل المحجل من يَدَيْهِ لَا رجلَيْهِ. وَهَذَا تَحْرِيف قطعا.
وَنقل أَيْضا عَن صَاحب الإقليد أَنه العفر بِعَين مُهْملَة وَهُوَ جمع أعفر وَهُوَ الْأَبْيَض. وَلَيْسَ)
بشديد. وظبية عفراء يَعْلُو بياضها حمرَة وَهِي قصار الْأَعْنَاق.
والأدم بِالضَّمِّ من الظباء: بيض تعلوهن خطوط فِيهِنَّ غبرة تسكن الْجبَال يُقَال: ظَبْيَة أدماء وظبي آدم. والآرام: الظباء الْبيض الْخَالِصَة الْبيَاض الْوَاحِد رئم بِالْهَمْز وَهِي تسكن الرمل.
(تالله لَا يعجز الأيّام مبتركٌ
…
فِي حومة الْمَوْت رزّامٌ وفرّاس)
لَا يعجز: لَا يغلب. والمبترك: الْأسد من ابتركه إِذا صرعه وَجعله تَحت بكره وَهُوَ الصَّدْر.
وَأغْرب الْكرْمَانِي فِي شرح شَوَاهِد الموشح وَرَوَاهُ المنتزك بالنُّون وَالزَّاي الْمُعْجَمَة أَي: الَّذِي لَهُ نيزك أَي: رمح قصير
كَأَنَّهُ فَارسي مُعرب. وحومة الْمَوْت: الْموضع الَّذِي يَدُور فِيهِ الْمَوْت لَا يبرح مِنْهُ
والرزام بِتَقْدِيم الْمُهْملَة: الصراع يُقَال: رزم بِهِ إِذا صرعه. والفراس: الَّذِي يدق الْأَعْنَاق وَمِنْه فريسة الْأسد لِأَنَّهُ يدق عُنُقهَا.
(يحمي الصّريمة أحدان الرّجال لَهُ
…
صيدٌ ومستمعٌ باللّيل هجّاس)
قَالَ السكرِي: الصريمة هَا هُنَا: مَوضِع. وأحدان الرِّجَال: مَا انْفَرد من الرِّجَال. وَقَالَ غَيره: الصريمة: رَملَة فِيهَا شجر حماها من أَن يدخلهَا أحد خوفًا مِنْهُ. وأحدان الرِّجَال: الَّذين يَقُول أحدهم: أَنا الَّذِي لَا نَظِير لي فِي الشجَاعَة والبأس. يَقُول: هَذَا الْأسد يصيد هَؤُلَاءِ الَّذين يدلون بالشجاعة.
وَهَذَانِ البيتان أَيْضا اسْتشْهد بهما سِيبَوَيْهٍ على جري الصِّفَات على مَا قبلهَا مَعَ مَا فِيهَا من معنى التَّعْظِيم وَلَو نصب لجَاز. هجاس: يهجس. وروى بدله: هماس من الهمس. قَالَ النّحاس: هماس: دقاق للرقاب مكسر لَهَا.
قَالَ ابْن خلف: وأحدان الرِّجَال يرْوى بِالرَّفْع وَالنّصب فَمن رفع قَالَ: أحدان مُبْتَدأ وصيد خَبره وَمن نصب جعله مفعول يحمي كَأَنَّهُ قَالَ: يحمي الصريمة من أحدان الرِّجَال ف صيد على هَذَا مُبْتَدأ وَله خَبره. ومستمع وروى بدله: مجترئ: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَهُوَ مستمع أَو هُوَ مَعْطُوف على رزام وَهُوَ الْوَجْه الَّذِي رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ وَالشَّاهِد على أَنه عطف هماس. قَالَ النّحاس: وَيجوز نصب مجترئ على أَعنِي.
(يَا ميّ لَا يعجز الأيّام ذُو حيدٍ
…
بمشمخرٍّ بِهِ الظّيّان والآس)
روى صَدره صَاحب الْمفصل: على أَن اللَّام فِي لله هُنَا للقسم والتعجب مَعًا. وَتَبعهُ صَاحب الْمُغنِي. وَرَوَاهُ صَاحب الْجمل)
تالله يبْقى بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة. قَالَ ابْن السَّيِّد: ويروى بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَكِلَاهُمَا قسم فِيهِ معنى التَّعَجُّب.
وَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَرِوَايَة سِيبَوَيْهٍ لله بِاللَّامِ. وَقَوله: يبْقى جَوَاب الْقسم بِتَقْدِير لَا النافية وَيَعْنِي بقوله ذُو حيد الوعل.
قَالَ الْمبرد: الحيد بِفتْحَتَيْنِ: الروغان والفرار. وَالْمَشْهُور حيد بِكَسْر الْمُهْملَة وَفتح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة جمع حيدة كحيض جمع حَيْضَة. وَهَذِه رِوَايَة ثَعْلَب والسكري.
قَالَ اللَّخْمِيّ: قَوْله ذُو حيد يرْوى بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا فَمن رَوَاهُ بِالْفَتْح فَهُوَ اعوجاج يكون فِي قرن الوعل وَقيل: إِنَّه مصدر من حاد يحيد حيداً وَأَصله السّكُون فَلَمَّا اضْطر حرك الْيَاء وَمَعْنَاهُ الروغان. وَقيل: هُوَ جمع حيدة وَهِي الْعقْدَة الَّتِي تكون فِي قرنه. وَقيل: الحيد الْقُوَّة.
وَمن روى حيدا بِالْكَسْرِ فَهِيَ نتوءات والواحدة حيدة. ويروى: ذُو جيد بِالْجِيم وَهُوَ جنَاح مائل من الْجَبَل وَقيل: يَعْنِي بِهِ الظبي. والوعل: التيس الْجبلي وَيُقَال للْأُنْثَى: أروية بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء وَرُبمَا قَالُوا وَعلة. انْتهى.
وَزعم الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة أَن حيدا بِكَسْر الْحَاء جمع حيدة بِفَتْحِهَا كبدر جمع بدرة وَهِي الْحَرْف الناتئ فِي عرض الْجَبَل لَا فِي أَعْلَاهُ. هَذَا كَلَامه وَهَذَا غير مُنَاسِب للمقام.
والمشمخر: الْجَبَل الطَّوِيل وَقيل: العالي. وَالْبَاء بِمَعْنى فِي. والظيان بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: ياسمين الْبر وَقيل الرُّمَّان الْجبلي. والآس قَالَ ابْن السَّيِّد: هُوَ الريحان وَقيل الآس: أثر النَّحْل إِذا مرت فَسقط مِنْهَا بعض نقط من الْعَسَل حَكَاهُ الشَّيْبَانِيّ.
وَقَالَ صَاحب كتاب الْعين: هُوَ شَيْء من الْعَسَل. وأوضحه ابْن المستوفي فِي شرح شَوَاهِد
الْمفصل فَقَالَ: هُوَ نقط من الْعَسَل تقع من النَّحْل على الْحِجَارَة
فيستدلون بِتِلْكَ النقط على مَوَاضِع النَّحْل.
وَقَالَ اللَّخْمِيّ: الآس هُنَا بَقِيَّة الْعَسَل فِي مَوضِع النَّحْل كَمَا سمي بَقِيَّة التَّمْر فِي الجلة قوساً وَبَاقِي السّمن فِي النحي كَعْبًا وَقَالُوا للقطعة من الأقط ثَوْر. والآس فِي غير هَذَا: المشموم. قَالَ ابْن دُرَيْد: وَهُوَ دخيل فِي كَلَام الْعَرَب إِلَّا أَنهم قد تكلمُوا بِهِ.
وَقَوله: على الْأَيَّام حَال على حذف مُضَاف أَي: على تعاقب الْأَيَّام أَو على مرورها أَي: لَا يبْقى ذُو حيد وَالْأَيَّام متعاقبة عَلَيْهِ. وَقَوله: بمشمخر صفة لذِي حيد. وَكَذَلِكَ قَوْله بِهِ صفة)
لمشمخر. والظيان فَاعل بِهِ. وَوَقع فِي رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ تركيب مصراعين من بَيْتَيْنِ هَكَذَا:
(يَا ميّ لَا يعجز الأيّام ذُو حيدٍ
…
فِي حومة الْمَوْت رزّام وفرّاس)
قَالَ السيرافي: وَقع فِي الْبَيْت الأول من هذَيْن غلط من كتاب سِيبَوَيْهٍ لِأَن قَوْله: ذُو حيد: وعل ورزام وفراس: أَسد وَالصَّوَاب الَّذِي حَملته الروَاة:
(يَا ميّ لَا يعجز الأيّام ذُو حيدٍ
…
بمشمخرٍّ بِهِ الظّيّان والآس)
وَالْقَصِيدَة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ كَمَا ذكرنَا وَقد أثبتها لَهُ السكرِي فِي أشعار الهذليين وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ.
وَوَقع هَذَا الشّعْر فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ معزواً لمَالِك بن خَالِد الخناعي بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف النُّون: بطن من هُذَيْل وَهُوَ خناعة بن سعد بن هُذَيْل بن مدركة ابْن إلْيَاس بن مُضر.
وَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَبَعْضهمْ روى هَذَا الشّعْر لأمية بن أبي عَائِذ الْهُذلِيّ.
وأنشده الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل لعبد منَاف الْهُذلِيّ.
وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَرُوِيَ للفضل بن عَبَّاس بن عتبَة بن أبي لَهب.
وَقَالَ ابْن المستوفي فِي شرح شَوَاهِد الْمفصل: وَرَوَاهُ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش لأبي زبيد الطَّائِي. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده: أقسم بالله أَبُو حَفْص عمر وَأنْشد بعده
الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الوافر
(فَلَا وَأَبِيك خيرٍ مِنْك أنّي
…
ليؤذيني التّحمحم والصّهيل)
على أَن خير بِالْجَرِّ بدل من أَبِيك بِتَقْدِير الْمَوْصُوف أَي: رجل خير مِنْك وَهَذَا الْبَدَل بدل كل من كل. وَمَعَ اعْتِبَار الْمَوْصُوف يكون الْإِبْدَال جَارِيا على الْقَاعِدَة وَهِي أَنه إِذا كَانَ الْبَدَل نكرَة من معرفَة يجب وصفهَا كَقَوْلِه: بالناصية. نَاصِيَة كَاذِبَة. وَهَذَا على رِوَايَة الْجَرّ.
وَفِيه رِوَايَة أُخْرَى وَهِي رفع خير قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح نَوَادِر أبي زيد. وَمن روى خير مِنْك بِالرَّفْع فَكَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ خير مِنْك.
وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سَبْعَة لشمير بن الْحَارِث الضَّبِّيّ رَوَاهَا أَبُو زيد
فِي نوادره. وَهِي فِي رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي خَمْسَة بِحَذْف الثَّالِث وَالسَّابِع.
وَهَذِه رِوَايَة أبي زيد:
(دَعَوْت الله حتّى خفت أَن لَا
…
يكون الله يسمع مَا أَقُول)
(ليحملني على فرسٍ فإنّي
…
ضَعِيف الْمَشْي للأدنى حمول)
(ينعّم بَال عَيْني أَن أرَاهُ
…
أَمَام الْبَيْت محجره أسيل)
(فَإِن فزعوا فزعت وَإِن يعودوا
…
فراضٍ مَشْيه عتدٌ رجيل)
(فَلَا وَأَبِيك خيرٌ مِنْك إنّي
…
ليؤذيني التّحمحم والصّهيل)
(وَلست بنأنأٍ لمّا الْتَقَيْنَا
…
تهيّبني الْكَرِيمَة والأفيل)
قَالَ أَبُو حَاتِم: يسمع أَي: يُجيب وَمِنْه: سمع الله لمن حَمده. وَقَوله: ليحملني عِلّة لَدَعَوْت.
وَقَوله: ضَعِيف الْمَشْي رَوَاهُ أَبُو حَاتِم ضَعِيف الْمَتْن وحمول: خير ثَان لإن.
وَقَوله: أحب الْخَيل إِن لامت عَلَيْهِ هُوَ مثل قَوْلك: أقوم إِن قَامَ زيد. ولامت من اللوم فَاعله ضمير امْرَأَته وَنَحْوهَا.
قَالَ أَبُو عَليّ: أَي: لامت على حَبسه وَفِي لامت ضمير فاعلة أضمرت لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ. انْتهى وَفِيه شَاهد وَهُوَ رُجُوع الضَّمِير الْمُذكر على الْخَيل. وَقَوله: إناث الْخَيل هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: الَّذِي أحب أَو مَا أحب إناث الْخَيل. وَقَوله: الذّكر الطَّوِيل أَي: طَوِيل الظّهْر.
وَقَوله: ينعم الخ من التنعم وَهُوَ الترفه يُقَال: نعمه تنعيماً أَي: رفهه وفاعله قَوْله أَن أرَاهُ)
وَالْهَاء ضمير الذّكر الطَّوِيل. وروى ابْن الْأَعرَابِي فِي
نوادره ينعم بَال نَفسِي. وَعَلِيهِ فالبال بِمَعْنى الخاطر وَالْقلب.
وَجُمْلَة: محجره أسيل: حَال مِنْهُ. والمحجر كمجلس بِتَقْدِيم الْحَاء على الْجِيم: مَا حول الْعين أَرَادَ أَسْفَل الْعين وَهُوَ الخد لِأَنَّهُ يُقَال أسيل الخد إِذا
كَانَ لين الخد طويله. وكل مسترسل أسيل أَيْضا.
وَقَوله: فَإِن فزعوا فزعت الْفَزع الإغاثة والنصر. ويعودوا فِي رِوَايَة أبي زيد بِالْعينِ وَفِي رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي بِالْقَافِ.
وَقَوله: فراض مَشْيه رُوِيَ بِرَفْع مَشْيه على أَنه مُبْتَدأ أول وراض خَبره أَي: ذُو رضَا كَقَوْلِه: عيشة راضية وليل نَائِم.
وَرُوِيَ بِنصب مَشْيه براض فراض خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: فَأَنا رَاض مَشْيه. كَذَا قَالَ الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد.
وَفرس عتد بِفتْحَتَيْنِ وبفتح فَكسر: الْمعد للجري. قَالَ ابْن السّكيت: هُوَ الشَّديد التَّام الْخلق.
والرجيل بِالْجِيم هُوَ من الْخَيل الَّذِي لَا يحفى وَقيل الَّذِي لَا يعرق. وروى ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره:
(فَإِن فزعوا فزعت وَإِن يقودوا
…
فراضٍ مَشْيه حسنٌ جميل)
وعَلى هَذَا تَقْدِيره: فَأَنا رَاض ومشيه: مُبْتَدأ وَحسن: خَبره.
وَقَوله: فَلَا وَأَبِيك خير مِنْك الْكَاف فِي أَبِيك ومنك مَكْسُورَة خطاب للْمَرْأَة الَّتِي لامته على حب الْخَيل على طَرِيق الِالْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب وَلَا نفي لما زعمته وَالْوَاو للقسم.
وَجُمْلَة: إِنِّي ليؤذيني الخ جَوَاب الْقسم. وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ أَبُو الْفضل: قَوْله: وَيُؤْذِينِي أَي: يغمني وَلَيْسَ هُوَ لي فِي ملك.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم والفارسي: أَي ليؤذيني فقد التحمحم. وَفِي هَذَا
حذف مُضَاف وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره: وَتَبعهُ ابْن دُرَيْد ليؤذينني بنونين قَالَ: يؤذينني أَي: يُعجبنِي من أَذِنت لَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي فِيمَا كتبه على نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي وَسَماهُ ضَالَّة الأديب: وَصَوَابه ليؤذيني التحمحم من الْإِيذَاء أَي: فقدان التحمحم فَحذف.
والتحمحم: صَوت الْفرس إِذا طلب الْعلف. يُقَال: حمحم الْفرس وتحمحم. وصهيل الْفرس:)
صَوته مُطلقًا فَهُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص.
وَقَوله: وَلست بنأنأ الخ النأنأ بنونين وهمزتين على وزن جَعْفَر هُوَ الضَّعِيف من الرِّجَال. يُقَال: نأنأ فِي رَأْيه نأنأة إِذا ضعف فِيهِ.
وَقَوله: تهيبني أَصله بتاءين مضارع تهيبه أَي: هابه وَفِيه قلب أَي: لَا أهاب الْكَرِيمَة من الْإِبِل أَن أعقرها للضيف وَلَا يتعاظمني ذَلِك. والأفيل قَالَ أَبُو زيد: هُوَ الأفتاء من الْإِبِل. وَقَالَ وَفِي الْعباب: الأفيل: ابْن الْمَخَاض وَابْن الليون وَالْأُنْثَى أفيلة فَإِذا ارْتَفع عَن ذَلِك فَلَيْسَ بأفيل.
وروى بدل الْكَرِيمَة الكريهة وَهِي الْحَرْب. قَالَ الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد: الَّذِي أخْتَار رِوَايَة تهيبني الْكَرِيمَة يَقُول: لَا يهيبني كَبِير مَالِي وَلَا صغيره إِذا ورد ضيف عَليّ. والأفيل: الصَّغِير هَكَذَا حفظي وَلَيْسَ لَهُ وَقت مَحْدُود.
وَمن روى الكريهة يَقُول: أَنا أقَاتل وأعقر للأضياف الأفيل. وَلَا أَدْرِي لم خص الْفِيل دون غَيره. انْتهى.
وشمير بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم وَآخره رَاء مُهْملَة وَهَكَذَا ضَبطه أَبُو زيد. وَقَالَ الْأَخْفَش فِيمَا كتبه عَلَيْهِ: الَّذِي فِي حفظي سمير بِالسِّين الْمُهْملَة. وَكَذَا ضَبطه الصَّاغَانِي فِي الْعباب بِالْمُهْمَلَةِ وَقَالَ: وَهُوَ شَاعِر جاهلي. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده: العائذات الطير وَهُوَ قِطْعَة من بَيت للنابغة الذبياني وَهُوَ: الْبَسِيط
(وَالْمُؤمن العائذات الطّير يمسحها
…
ركبان مكّة بَين الغيل والسّند)
وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلاثمائة.
أَنا ابْن التّارك البكريّ بشرٍ وَتَمَامه: عَلَيْهِ الطّير ترقبه وقوعا وَتقدم شَرحه هَذَا أَيْضا فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.
وَأنْشد بعده
الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الْبَسِيط
(إنّا وجدنَا بني جلاّن كلّهم
…
كساعد الضّب لَا طولٍ وَلَا قصر)
على أَنه يجوز ترك وصف النكرَة المبدلة من الْمعرفَة إِذا اسْتُفِيدَ من الْبَدَل مَا لَيْسَ فِي الْمُبدل مِنْهُ كَمَا هُنَا فَإِن قَوْله: طول الْمَنْفِيّ بدل من ساعد الضَّب وَمعنى الطول وَمَا عطف عَلَيْهِ مَوْجُود فِي ساعد الضَّب.
وَفِيه شَاهد آخر وَهُوَ إِبْدَال النكرَة من الْمعرفَة والنكرة بِغَيْر لفظ الْمعرفَة. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول الماسي: الْكَامِل
(نهل الزّمان وعلّ غير مصرّد
…
من آل عتّابٍ وَآل الْأسود)
غير أَنه أعَاد الْعَامِل مَعَه وَهُوَ الْجَار. وَبِهَذَا استدللنا على أَن الْبَدَل من جملَة غير الْجُمْلَة الَّتِي مِنْهَا الْمُبدل. وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن وَالشعر. وَأكْثر مَا يُعَاد الْعَامِل مَعَ الْبَدَل إِذا كَانَ الْعَامِل جاراً من حَيْثُ صَار الْجَار مَعَ مَا جَرّه بِمَنْزِلَة الْجُزْء الْوَاحِد. نعم وأبد النكرَة من الْمعرفَة والنكرة بِغَيْر لفظ الْمعرفَة.
وَهَذَا شَيْء يأباه البغداديون وَيَقُولُونَ: لَا تبدل النكرَة من الْمعرفَة حَتَّى يَكُونَا من لفظ وَاحِد نَحْو قَوْله تَعَالَى: بالناصية. نَاصِيَة كَاذِبَة خاطئة. ورد ذَلِك أَبُو الْحسن بِمَا أنْشدهُ من قَول الشَّاعِر: إنّا وجدنَا بني جلاّن كلّهم
…
...
…
...
…
... . الْبَيْت وَمثله مَا أنْشدهُ أَبُو زيد: فَلَا وَأَبِيك خيرٌ مِنْك إنّي
…
...
…
...
…
... الْبَيْت انْتهى.
وَإِنَّمَا أَوله الشَّارِح الْمُحَقق بقوله: أَي لَا ذِي طول وَلَا ذِي قصر ليَصِح جعله بدل كل من كل إِذْ لَوْلَا التَّأْوِيل لكانا متغايرين. وَإِنَّمَا لم يجعف لَا طول بِأحد التأويلات الثَّلَاثَة صفة كَقَوْلِه أَبِيك لتخالف الْمَوْصُوف وَالصّفة فيهمَا تعريفاً وتنكيراً فَلَو كَانَ مُعَرفا لَكَانَ صفة كَمَا فِي قَول أبي
(فَلَا وَأَبِيك الْخَيْر لَا تجدينه
…
جميل الْغنى وَلَا صبوراً على الْعَدَم)
. يَقُول: إِن تزوجت زوجا لَا تجدينه متعففاً وَلَا يصبر على الْعَدَم بِالضَّمِّ أَي: الْفقر.)
وجلان بِكَسْر الْجِيم وَتَشْديد اللَّام علم لَا ينْصَرف. قَالَ الْأَصْمَعِي فِي شرح هَذَا الْبَيْت من شعر ذِي الرمة: الْبَسِيط
(وبالشّمائل من جلاّن مقتنصٌ
…
رذل الثّياب خفيّ الشّخص منزرب)
الشَّمَائِل: جمع شمال. وجلان: قَبيلَة من عنزة وهم رُمَاة. ورذل الثِّيَاب: خلقهَا. وخفي الشَّخْص بِمَعْنى ضئيل الشَّخْص خلقَة. والمنزرب: الدَّاخِل فِي الزرب وَهُوَ قترة الصَّائِد. يُقَال: انزرب إِذا دخل. انْتهى.
وعنزة حَيَّان أَحدهمَا عنزة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار. وَثَانِيهمَا: عنزة بن عَمْرو بن عَوْف بن عدي بن عَمْرو بن مَازِن بن الأزد. وَلَا أعرف عنزة الْمَنْسُوب إِلَيْهَا جلان أَي العنزتين.
وَقَوله: كلهم تَأْكِيد لبني جلان لَا لجلان. وَقَوله: كساعد الضَّب. الساعد: ذِرَاع الْيَد.
والضب ساعد جَمِيع أَفْرَاده على مِقْدَار معِين خلقَة لَا يزِيد ساعد فَرد من أَفْرَاده طولا على ساعد فَرد آخر وَكَذَلِكَ لَا ينقص عَن ساعد فَرد آخر بِخِلَاف سَائِر الْحَيَوَانَات فَإِن بَين ساعد أفرادها تَفَاوتا فِي الطول وَالْقصر بِحَسب الجثة.
وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون من الْأَمْثَال فِي الْأَشْيَاء
المتساوية كَقَوْلِهِم: هم كأسنان الْمشْط لكني لم أره فِي كتب الْأَمْثَال. أَرَادَ أَن جلان متساوون فِي فَضِيلَة رشق السِّهَام لَا يرْتَفع أحدهم على الآخر فِيهَا وَلَا ينحط عَنهُ.
وَهَذَا الْبَيْت لم أَقف على قَائِله. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده: فَلَا وَأَبِيك خيرٍ مِنْك الْبَيْت السَّابِق ذكره آنِفا لما تقدم فِي الْبَيْت قبله. لَكِن قدم الشَّارِح الْمُحَقق أَنه بِتَقْدِير رجل خير مِنْك فالبدل إِنَّمَا هُوَ النكرَة الموصوفة غَايَته أَنه حذف الْمَوْصُوف وَبقيت صفته.
وَيُمكن أَن يُقَال: مَا تقدم لأجل جمود الْبَدَل لَا لأجل وصف النكرَة المبدلة فَإِن اشْتِرَاط الْوَصْف مَذْهَب الْكُوفِيّين.
قَالَ السمين عِنْد قَول صَاحب الْكَشَّاف فِي قَوْله تَعَالَى: نَاصِيَة كَاذِبَة: جَازَ إِبْدَال النكرَة من الْمعرفَة لِأَنَّهَا وصفت فاستقلت بفائدة. قلت: هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين لَا يجيزون إِبْدَال نكرَة من غَيرهَا إِلَّا بِشَرْط وصفهَا أَو كَونهَا بِلَفْظ الأول. وَمذهب الْبَصرِيين: لَا يشْتَرط شَيْء.)
وأنشدوا: انْتهى وَقَالَ ابْن عقيل فِي شرح التسهيل: وَلم يشْتَرط البصريون فِي إِبْدَال الْمعرفَة من النكرَة والنكرة من الْمعرفَة اتِّحَاد لفظ وَلَا وجود وصف. وَنقل ابْن مَالك عَن الْكُوفِيّين أَنهم لَا يبدلون النكرَة من الْمعرفَة إِلَّا إِن كَانَت من لفظ الأول وَنسب هَذَا
بعض النَّحْوِيين لنحاة بَغْدَاد. وَنقل عَن الْكُوفِيّين
أَيْضا أَنهم لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك وَعَكسه إِلَّا بِالشّرطِ الْمَذْكُور. وَكَلَام الْكُوفِيّين على خلاف هَذَا.
قَالَ الْكسَائي وَالْفراء فِي قتال فِيهِ إِنَّه على نِيَّة عَن وَصرح ب عَن فِي قِرَاءَة عبد الله. وَأَجَازَ الْفراء فِي هرون أخي كَونه مترجماً لوزيراً. قَالَ: فَيكون نصا للتكرير.
وَنقل أَيْضا عَن الْكُوفِيّين والبغداديين اشْتِرَاط وصف النكرَة المبدلة من الْمعرفَة وتابعهم السُّهيْلي وَابْن أبي الرّبيع.
وَنقل عَن بعض الْكُوفِيّين فِي إِبْدَال النكرَة المبدلة من النكرَة اشْتِرَاط وصف المبدلة.
وَيدل للبصريين حدائق وأعنابا وَقَوله: الطَّوِيل
(فَأَلْقَت قناعاً دونه الشّمس واتّقت
…
بِأَحْسَن موصولين كفٍّ ومعصم)
وَقَوله: فَلَا وَأَبِيك خيرٍ مِنْك
…
...
…
...
…
...
…
. الْبَيْت وَأنْشد بعده: الطَّوِيل لِحَافِي لِحَاف الضّيف وَالْبرد برده
هَذَا صدر بَيت وعجزه: وَلم يلهني عَنهُ غزالٌ مقنّع على أَن اللَّام قد تنوب عَن الضَّمِير كَمَا هُنَا فَإِن الأَصْل وبردي برده. وَتقدم شرح هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.
وَأنْشد بعده
الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الرجز
(أوعدني بالسّجن والأداهم
…
رجْلي ورجلي شثنة المناسم)
على أَن قَوْله: رجْلي بدل بعض من يَاء الْمُتَكَلّم فِي أوعدني.
هَذَا هُوَ الظَّاهِر. وَعَلِيهِ اقْتصر الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: للَّذين اتَّقَوْا عِنْدَ ربِّهمْ جَنَّاتٌ.
واستشكلت الْبَدَلِيَّة بِأَن الرجل لَا توعد بالسجن. وَأجِيب بِأَنَّهَا لما كَانَت سَببا للدخول ناسب وَفِيه وُجُوه ثَلَاثَة: أَحدهَا: مَا قَالَه ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب وَهُوَ أَنه يجوز أَن يكون رجْلي مَفْعُولا ثَانِيًا حذف مِنْهُ حرف الْجَرّ اختصاراً كَأَنَّهُ أَرَادَ: لرجلي.
وَثَانِيها: مَا قَالَه أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته وَمن خطه نقلت وَهُوَ أَن يكون رجْلي منادىً على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء بالموعد.
ثَالِثهَا: مَا نَقله ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق عَن بَعضهم وَهُوَ أَن تكون الأداهم معطوفةً على السجْن ورجلي معطوفة على ضمير الْمُتَكَلّم أَي: أوعدني بالسجن وأوعد رجْلي بالأداهم كَمَا تَقول: ضَرَبَنِي
بالعصا وَالسَّوْط ظَهْري تُرِيدُ ضَرَبَنِي بالعصا وَضرب ظَهْري بِالسَّوْطِ وَيكون على هَذَا من بَاب عطف معمولين على معمولي عاملين مُخْتَلفين.
ورجلي الثَّانِيَة مُبْتَدأ شثنة خَبَرهَا وأتى بهَا ظَاهِرَة غير مضمرة تَعْظِيمًا لأمرها وإشادةً بذكرها أَو لِأَنَّهَا وَقعت فِي جمله ثَانِيَة. وَالْوَاو للْحَال وَرُوِيَ فرجلي بِالْفَاءِ على السَّبَبِيَّة.
والشثنة: الغليظة الخشنة يُقَال: فِي صفة الْأسد: شثن البراثن.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَيجوز أَن يكون بِتَقْدِيم النُّون على الْمُثَلَّثَة من شنست مشافر الْبَعِير أَي: غلظت من أكل الشوك. والمناسم: جمع منسم كمجلس وَهُوَ طرف خف الْبَعِير استعاره للْإنْسَان.
وَقَالَ ابْن السيرافي: المنسم: أَسْفَل خف الْبَعِير وَلَا يسْتَعْمل لغيره إِلَّا فِي ضَرُورَة شعر. وأرد بالمناسم هُنَا بَاطِن رجلَيْهِ. يَقُول: رجْلي غَلِيظَة لَا تألم لجعلها فِي الْقَيْد. هَذَا كَلَامه وَهَذِه الْإِرَادَة غير ظَاهِرَة. والأداهم: جمع أدهم وَهُوَ الْقَيْد. والسجن بِالْكَسْرِ: اسْم للمحبس والمصدر بِالْفَتْح. يُقَال: سجنته سجناً من بَاب قتل. وأوعده بِكَذَا بِمَعْنى هدده بِهِ.)
قَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح إصْلَاح الْمنطق: قَالَ الْفراء: يُقَال وعدته خيرا ووعدته شرا بِإِسْقَاط الْألف فَإِذا أسقطوا الْخَيْر وَالشَّر قَالُوا فِي الْخَيْر وعدته وَفِي الشَّرّ أوعدته. فالوعد وَالْعدة فِي الْخَيْر والإيعاد والوعيد فِي الشَّرّ. فَإِذا قَالُوا أوعدته بِكَذَا أثبتوا الْألف مَعَ الْبَاء.
وَأنْشد: أوعدني بالسّجن والأداهم
…
...
…
...
…
. الْبَيْت انْتهى
وَقَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: يُقَال: وعدته خيرا وشراً وَإِذا لم يذكر الْخَيْر وَلَا الشَّرّ قيل فِي معنى الْخَيْر وعدته وَفِي الشَّرّ وعدته وَفِي بعض اللُّغَات أوعدته بِالشَّرِّ. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
وَفِيه مُخَالفَة للفراء فِيمَا إِذا لم يذكر الْمَوْعُود بِهِ فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد الْمَكْرُوه زيدت الْألف.
وثعلب سَاوَى بَين مَا إِذا أُرِيد الْخَبَر أَو الْمَكْرُوه فِي أَنه يُقَال بِلَا ألف. قَالَ فِي الفصيح: وعدت قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرح الفصيح: وعدته خيرا وشراً. فَإِن أطلقت وَلم تقيد قلت فِي الْخَيْر وعدت وَعدا وعدة وموعداً وموعدة. والميعاد: الْوَقْت والموضع. وَفِي الشَّرّ أوعدته إيعاداً ووعيداً. هَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَقَوله: فَإِذا لم تذكر الشَّرّ قلت أوعدته بِكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: قلت لثعلب: قَوْلك بِكَذَا ينقص مَا أصلته لِأَن وعد بِإِطْلَاقِهِ ضَمَان فِي الْخَيْر وأوعد ضَمَان فِي الشَّرّ وَلَا حَاجَة إِلَى بِكَذَا.
قَالَ أَبُو عَليّ: وَيُمكن أَن يُقَال فِي جَوَابه بِكَذَا إِشَارَة إِلَى نوع مِمَّا يتوعد بِهِ وَإِذا كَانَ الْقَصْد إِلَى التنويع احْتِيجَ إِلَيْهِ أَلا ترى قَوْله: أوعدني بالسّجن والأداهم وَقَول الآخر: أتوعدني بقومك يَا ابْن سعدى وَالْمُنكر أَن يُقَال: أوعدني بِالشَّرِّ. فاعلمه. انْتهى.
وَهَذَا الشّعْر بيتان من الرجز المسدس. قَالَ ابْن السَّيِّد: لَا أعلم قَائِله. وَقَالَ ياقوت فِي حَاشِيَة الصِّحَاح وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ: قَائِله العديل بن الفرخ وَهُوَ شَاعِر إسلامي فِي الدولة المروانية وَهُوَ بِضَم
قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: العديل بن الفرخ لقبه الْعباب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد)
الْمُوَحدَة الأولى. والعباب: اسْم كَلْبه. وَهُوَ من رَهْط أبي النَّجْم الْعجلِيّ وَكَانَ هجا الْحجَّاج وهرب مِنْهُ إِلَى قَيْصر ملك الرّوم فَبعث إِلَيْهِ: لترسلن بِهِ أَو لأجهزن إِلَيْك خيلاً يكون أَولهَا عنْدك وَآخِرهَا عِنْدِي فَبعث بِهِ إِلَيْهِ فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ قَالَ: أَنْت الْقَائِل: الطَّوِيل
(وَدون يَد الحجّاج من أَن تنالني
…
بساطٌ بأيدي النّاعجات عريض)
(مهامه أشباهٌ كأنّ سرابها
…
ملاءٌ بأيدي الغانيات رحيض)
فَقَالَ: أَنا الْقَائِل: الطَّوِيل
(فَلَو كنت فِي سلمى أجا وشعابها
…
لَكَانَ لحجّاج عليّ دَلِيل)
(خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ وسيفه
…
لكلّ إمامٍ مصطفىً وخليل)
(بنى قبّة الْإِسْلَام حتّى كأنّما
…
هدى النّاس من بعد الضّلال رَسُول)
فَعَفَا عَنهُ وَأطْلقهُ.
وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر على أَن قَوْله حلمي بدل اشْتِمَال من الْيَاء فِي: ألفيتني.
قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: إِنَّمَا يجوز الْبَدَل من ضمير الْمُتَكَلّم
وَضمير الْمُخَاطب إِذا كَانَ بدل الْبَعْض أَو بدل الاشتمال نَحْو قَوْلك: عجبت مِنْك عقلك وضربتك رَأسك. وَمن أَبْيَات الْكتاب: ذَرِينِي إنّ أَمرك لن يطاعا
…
...
…
... . . الْبَيْت ف حلمي: بدل من ني. وَلَو قلت: قُمْت زيد أَو مَرَرْت بِي جَعْفَر أَو كلمتك أَبُو عبد الله على الْبَدَل لم يجز من حَيْثُ كَانَ ضمير الْمُتَكَلّم والمخاطب غَايَة فِي الِاخْتِصَاص فَبَطل الْبَدَل لِأَن فِيهِ ضربا من الْبَيَان وَقد اسْتغنى الْمُضمر بتعرفه. انْتهى.
وَكَذَلِكَ الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: مثلُ الَّذين كَفَروا بربِّهم أعمالُهمْ كَرمادٍ. الْحلم: مَنْصُوب بالإلفاء على التكرير يَعْنِي الْبَدَل وَلَو رَفعه كَانَ صَوَابا. وَأوردهُ أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: ويومَ الْقِيَامَة تَريَ الذينَ كَذَبُوا على اللَّهِ وجوهُهم مسودَّة.
وَتَبعهُ الزّجاج فِيهَا وَنسبه إِلَى عدي بن زيد قَالَ فِي الْآيَة: ترفع وُجُوههم ومسودة لِأَن الْفِعْل قد)
وضع على الَّذين ثمَّ جَاءَ بعد الَّذين اسْم لَهُ فعل فَرَفَعته بِفِعْلِهِ وَكَانَ فِيهِ معنى نصب. وَكَذَلِكَ فافعل بِكُل اسْم أوقعت عَلَيْهِ الظَّن والرأي وَمَا أشبههما فارفع مَا يَأْتِي بعده من الْأَسْمَاء إِذا كَانَ أفاعيلها بعْدهَا كَقَوْلِك: رَأَيْت عبد الله أمره مُسْتَقِيم. فَإِن قدمت الاسْتقَامَة نصبتها وَرفعت الِاسْم فَقلت: رَأَيْت عبد الله مُسْتَقِيمًا أمره. وَلَو نصبت الثَّلَاثَة فِي
الْمَسْأَلَة الأولى على التكرير كَانَ جَائِزا فَتَقول: رَأَيْت عبد الله أمره مُسْتَقِيمًا. وَقَالَ عدي بن زيد: ذَرِينِي إنّ أَمرك لن يطاعا
…
...
…
... . الْبَيْت فنصب الْحلم والمضاع على التكرير.
وَمثله: مَا للجمال مشيها وئيدا فخفض الْجمال وَالْمَشْي على التكرير. فَلَو قَرَأَ قَارِئ: وُجُوههم مسودةً على هَذَا لَكَانَ صَوَابا.
انْتهى.
وَقَوله: ذَرِينِي خطاب لامْرَأَته أَي: اتركيني ودعيني. وَجُمْلَة: إِن حكمك الخ مستأنفة للتَّعْلِيل.
وروى سِيبَوَيْهٍ: إِن أَمرك وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَجُمْلَة: مَا ألفيتني الخ معطوفة على الْجُمْلَة المستأنفة.
وروى الْعَيْنِيّ: وَلَا ألفيتني. وألفى بِمَعْنى وجد من أَخَوَات ظن تنصب مفعولين وَالتَّاء الْمَكْسُورَة فاعلها وَالنُّون نون الْوِقَايَة وَالْيَاء مفعول وحلمي بدل من الْيَاء. وتساهل النّحاس فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وَتَبعهُ ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي فَقَالَا: حلمي بدل من النُّون وَالْيَاء.
وَمن الْعَجَائِب قَول الْعَيْنِيّ: حلمي بدل من النُّون وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يتبع النّحاس فَيسْقط من قلمه أَو من قلم النَّاسِخ عطف الْيَاء على النُّون. والحلم بِالْكَسْرِ: الْعقل.
يَقُول لَهَا: ذَرِينِي من عذلك فَإِنِّي لَا أطيع أَمرك وَلَا وجدتني سَفِيها مضيع الْحلم وعقلي يَأْمُرنِي بِإِتْلَاف مَالِي فِي اكْتِسَاب الْحَمد. ومضاعا مفعول ثَانِي لألفى وَهُوَ اسْم مفعول من الإضاعة وَلَا يَصح أَن يكون كَمَا زعم بَعضهم.
وَنقل الْعَيْنِيّ عَن تذكرة أبي حَيَّان بِأَنَّهُ يجوز حلمي مضاع بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَالْجُمْلَة مفعول ثَان. وَفِيه أَن هَذَا الْبَيْت من قصيدة قوافيها مَنْصُوبَة.
قَالَ ابْن السَّيِّد: لَا يجوز رفعهما لِأَن القوافي كلهَا مَنْصُوبَة.
وَالْبَيْت نسبه سِيبَوَيْهٍ لرجل من خثعم أَو بجيلة. وَتَبعهُ ابْن السراج فِي أُصُوله. وَعَزاهُ الْفراء)
والزجاج إِلَى عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ وَهُوَ الصَّحِيح.
وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحب الحماسة البصرية وَأورد من القصيدة بعده هَذِه الأبيات:
(أَلا تِلْكَ الثّعالب قد تعاوت
…
عليّ وحالفت عرجاً ضباعا)
(فَإِن لم تندموا فثكلت عمرا
…
وَهَاجَرت المروّق والسّماعا)
(وَلَا ملكت يداي عنان طرفٍ
…
وَلَا أَبْصرت من شمسٍ شعاعا)
قَوْله: تعاوت تفاعلت من العواء وَهُوَ صياح الْكَلْب وَالذِّئْب والثعلب. وَأَرَادَ بالثعالب الَّذين لاموه على جوده حسداً ولؤماً. والثعلب سبع جبان مستضعف ذُو مكر وخديعة وَلكنه لفرط الْمَكْر وَالْحِيلَة والخبث والخديعة يجْرِي مَعَ كبار السبَاع.
قَالَ الجاحظ: وَمن أَشد سلَاح الثَّعْلَب الروغان وَفِي الْمثل: أروغ من ثَعْلَب. والروغان بِالتَّحْرِيكِ: مصدر راغ الثَّعْلَب
يروغ روغاً وروغاناً أَي: ذهب يمنة ويسرة فِي سرعةٍ خديعة فَهُوَ لَا يسْتَقرّ فِي جِهَة. وحالفت بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: عَاهَدت يُقَال: تحَالفا أَي: تعاهدا وتعاقدا على أَن يكون أَمرهمَا وَاحِدًا فِي النُّصْرَة والحماية. وَبَينهمَا حلف بِالْكَسْرِ أَي: عهد. والحليف: الْمعَاهد.
وضباعاً: مفعول حالفت. وعرجا كَانَ فِي الأَصْل صفة لضباعاً فَلَمَّا تقدم صَار حَالا مِنْهُ.
أَي: عَاهَدت تِلْكَ الثعالب من هُوَ أَسْوَأ حَالا مِنْهَا. والضباع بِالْكَسْرِ: جمع ضبع وَهِي يضْرب بهَا الْمثل فِي حمقها فَيُقَال: أَحمَق من ضبع.
قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الضبع بِضَم الْبَاء فِي لُغَة قيس وبسكونها فِي لُغَة تَمِيم وَهِي أُنْثَى وَقيل: يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَرُبمَا قيل فِي الْأُنْثَى ضبعة كَمَا قيل سبع وَسَبْعَة بِالسُّكُونِ مَعَ الْهَاء للتَّخْفِيف. وَالذكر ضبعان وَالْجمع ضباعين مثل سرحان وسراحين. وَيجمع الضبع بِضَم الْبَاء وَالْعَرج: جمع عرجاء كصفر جمع صفراء. والضبع تُوصَف بالعرج وَلَيْسَ بعرجاء وَإِنَّمَا يخيل ذَلِك للنَّاظِر. وَسبب ذَلِك التخيل لدونة فِي مفاصلها وَزِيَادَة رُطُوبَة فِي الْجَانِب الْأَيْمن على الْأَيْسَر مِنْهَا. كَذَا فِي حَيَاة الْحَيَوَان للدميري.
وَمن الغرائب قَول الْعَيْنِيّ هُنَا: قَوْله: تعاوت من عواء الْكَلْب. وَقَوله: ضباعاً جمع ضبع وَهُوَ الْحَيَوَان الْمَعْرُوف وَهَذَا الْجمع للذّكر وَالْأُنْثَى مثل سِبَاع وَسبع.
وَقَوله: عرجاً بِفَتْح الْعين وَكسر الرَّاء صفة للضباع قدمت عَلَيْهِ للضَّرُورَة. وتوصف الضباع)
بالعرج كَمَا تُوصَف بالخمع.
وَالْعَرج أَيْضا يُقَال: للقطيع من الْإِبِل نَحْو الثَّمَانِينَ أَو الْمِائَة وَالْخمسين. فعلى هَذَا يكون قَوْله ضباعاً بِالْكَسْرِ:
جمع ضابع إِذا كَانَت شَدِيدَة الجري. هَذَا كَلَامه بِحُرُوفِهِ. وَأي فَائِدَة فِي تسطيره وَلَا يُزَاد الطَّالِب مِنْهُ إِلَّا جَهَالَة.
وَقَوله: فَإِن لم تندموا الخ هَذَا الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وَأَرَادَ بالندم الرُّجُوع عَن لؤمه فَإِن النَّدَم لَازمه. وَجُمْلَة ثكلت دعائية. وَعَمْرو: ابْنه. وَهَاجَرت بِمَعْنى قاطعت من الهجر بِالْفَتْح أَي: التّرْك. والمروق أَرَادَ: بِهِ الْخمر. يُقَال: خمر مروق. وَالسَّمَاع أَرَادَ بِهِ آلَة الطَّرب وَاللَّهْو.
والطرف بِالْكَسْرِ: الْكَرِيم من الْخَيل. والخطة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْحَالة والخصلة وَهُوَ مفعول مقدم لكلفت. وذراعاً: تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل. ورحب الذِّرَاع واسعها. وبسطها: طولهَا.
وضيق الذِّرَاع والذرع قصرهَا.
وَوَجهه أَن الْقصير الذِّرَاع لَا ينَال مَا يَنَالهُ الطَّوِيل الذِّرَاع وَلَا يُطيق طاقته فَضرب الَّذِي سَقَطت قوته دون بُلُوغ الْأَمر والاقتدار عَلَيْهِ. وَبِالْعَكْسِ طول الذِّرَاع وبسطها.
وَقد تقدّمت تَرْجَمَة عدي بن زيد مفصلة فِي الشَّاهِد السِّتين. وَهُوَ شَاعِر جاهلي.
والعبادي بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة نِسْبَة إِلَى عباد وهم قبائل شَتَّى من الْعَرَب اجْتَمعُوا على النَّصْرَانِيَّة بِالْحيرَةِ. وَزعم الْجَوْهَرِي أَنه بِالْفَتْح. وَالصَّوَاب مَا ذكرنَا.
وَأنْشد بعده
الشَّاهِد السبعون بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:
الْكَامِل
(وكأنّه لهق السّراة كأنّه
…
مَا حاجبيه معيّنٌ بسواد)
على أَنه قد يعْتَبر الأول فِي اللَّفْظ دون الثَّانِي أَي: يعْتَبر الْمُبدل مِنْهُ فِي اللَّفْظ دون الْبَدَل فَإِن قَوْله حاجبيه بدل من ضمير كَأَنَّهُ.
وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر قَوْله حاجبيه بدل من الضَّمِير وَمَا لَا تكون إِلَّا زَائِدَة وَقد روعي الضَّمِير الْمُبدل مِنْهُ فِي اللَّفْظ بِجعْل معِين مُفردا ول روعي الَّذِي هُوَ حاجبيه لقيل معينان بالتثنية.
وَقد يُقَال: إِن الحاجبين لما لزم أَحدهمَا الآخر صَار الْإِخْبَار عَنْهُمَا كالإخبار عَن الشَّيْء الْوَاحِد وَكَذَا حَال مَا هُوَ مثنى فِي الْبدن يجوز إِفْرَاد خَبره وَصفته على الْمَعْنى وتثنيته على اللَّفْظ كَقَوْلِه: الهزج
(لمن زحلوقةٌ زلّ
…
لَهَا العينان تنهلّ)
فَأخْبر عَن الْعَينَيْنِ بِمَا يكون خَبرا عَن الْوَاحِد. وَعَلِيهِ قَول المتنبي: الطَّوِيل
(حشاي على جمرٍ ذكيّ من الْهوى
…
وعيناي فِي روضٍ من الْحسن ترتع)
وَقَالَ آخر: الْكَامِل وكأنّ بالعينين حبّ قرنفلٍ أَو سنبلاً كحلت بِهِ فانهلت وَكَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول: كحلتا فأفرد لِأَنَّهُمَا لَا يفترقان. وَيجوز عكس هَذَا فيخبر عَن الْوَاحِد مِنْهُمَا بالتثنية كَقَوْلِه: المتقارب
(وعينٌ لَهَا حدرةٌ بدرةٌ
…
وشقّت مآقيهما من آخر)
وَمِنْه قَول الآخر على وَجه: الوافر
(تسائل بِابْن أَحْمَر من رَآهُ
…
أعارت عينه أم لم تعارا)
فَمَا استفهم عَن الْوَاحِدَة عطف بالاثنتين فِي قَوْله: أم لم تعارا. وَقيل: معِين مصدر كممزق وَإِذا أخبر بِالْمَصْدَرِ كَانَ موحداً.
هَذَا وسيبويه إِنَّمَا أورد الْبَيْت للبدل وَلم يذكر مَا اعْتَبرهُ الشَّارِح الْمُحَقق. وَهَذِه عِبَارَته: وَإِن شِئْت قلت: ضرب عبد الله ظَهره ومطر قَوْمك سهلهم على قَوْلك: رَأَيْت الْقَوْم أَكْثَرهم)
وَرَأَيْت عمرا شخصه كَمَا قَالَ: وكأنّه لهق السّراة
…
...
…
... . . الْبَيْت انْتهى.
وَيجوز أَن يكون هَذَا من قبيل بدل الْبَعْض. وَمَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ كَلَام أبي عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر قَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ: قد جَاءَ الْحمل على الْمُبدل مِنْهُ. قَالَ: وكأنّه لهق السّراة
…
...
…
... . . الْبَيْت فَجعل الْخَبَر فِيهِ عَن الْمُبدل مِنْهُ دون الْبَدَل.
وَقَوله: وَكَأَنَّهُ لهق الخ رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ فَكَأَنَّهُ بِالْفَاءِ. قَالَ الأعلم: وصف الشَّاعِر ثوراً وحشياً سبه بِهِ بعيره فِي حِدته ونشاطه فَيَقُول: كَأَنَّهُ ثَوْر لهق السراة أَي: أَبيض أَعلَى الظّهْر أسفع الْخَدين كَأَنَّمَا عين بسواد. وَكَذَلِكَ بقر الْوَحْش بيض كلهَا إِلَّا سفعة فِي خدودها ومغابنها وأكارعها.
انْتهى.
وَقَالَ ابْن خلف: اللهق: الْبيَاض. والسراة: أَعلَى الشَّيْء. وثور الْوَحْش يُوصف بِأَنَّهُ لهق السراة. وَقيل: إِنَّه يصف جملا وسيره وسرعته وَشبهه بثور وَحش
فِي سرعته. وَالْجُمْلَة الَّتِي هِيَ: كَأَنَّهُ مَا حاجبيه الخ وصف للثور. وترتيب الْكَلَام: كَأَن هَذَا الْجمل ثَوْر لهق السراة كَأَن هَذَا الثور حاجبيه معِين بسواد يَعْنِي أَن مَا حول حاجبيه وَعَيْنَيْهِ أسود. والعينة: مَا حول الْعَينَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: مسود الْعينَة. انْتهى.
وَفِي الْعباب: قَالَ اللَّيْث: اللهق بِالتَّحْرِيكِ: الْأَبْيَض لَيْسَ بِذِي بريق كاليقق إِنَّمَا هُوَ نعت فِي الثَّوْب والشيب. وَالْبَعِير الأعيس لهق وَالْأُنْثَى لهقة وَالْجمع لهقات ولهاق. ولهق الشَّيْء لهقاً مثل سحق سحقاً ولهق لهقاً مثل أرق أرقاً إِذا كَانَ شَدِيد الْبيَاض. انْتهى.
يُرِيد أَنه جَاءَ من بَابي فتح فتحا وَفَرح فَرحا. والسراة بِفَتْح السِّين قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وسراة كل شَيْء: ظَهره ووسطه. والمعين: بزنة اسْم الْمَفْعُول وَلم يزدْ صَاحب الصحاج على قَوْله الْمعِين ثَوْر.
وَفِي الْقَامُوس: والمعين كمعظم: ثَوْر بَين عَيْنَيْهِ سَواد وَهُوَ مُشْتَقّ من الْعينَة بِالْكَسْرِ وَهِي مصدر عين عينا من بَاب فَرح وعينة إِذا عظم سَواد عينه فِي سَعَة. والعينة أَيْضا من النعجة: مَا حول عينيها.)
وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف لَهَا قَائِل.
وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة الْكَامِل
(إنّ السّيوف غدوّها ورواحها
…
تركت هوَازن مثل قرن الأعضب)
لما تقدم قبله فَإِن قَوْله غدوها بدل من السيوف.
قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: هُوَ بدل اشْتِمَال وَقد روعي الْمُبدل مِنْهُ فِي اللَّفْظ بإرجاع الضَّمِير إِلَيْهِ من الْخَبَر وَلم يراع الْبَدَل وَلَو روعي لقيل: تركا بالتثنية.
وَهَذَا أَيْضا كَلَام أبي عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر فَإِنَّهُ أورد هَذَا الْبَيْت مَعَ الْبَيْت الَّذِي قبله لما ذكر.
وَفِيه أَن يحْتَمل أَن نصب غدوها على الظّرْف كخفوق النَّجْم وَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن السيوف وَقت غدوها ورواحها.
وهوازن: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس ابْن عيلان بن مُضر.
والأعضب بإهمال الْعين. قَالَ صَاحب الْعباب: العضباء: الشَّاة الْمَكْسُورَة الْقرن الدَّاخِل وَهُوَ المشاش.
وَيُقَال: هِيَ الَّتِي انْكَسَرَ أحد قرنيها وَقد عضبت بِالْكَسْرِ وكبش أعضب بَين الْبَعْض. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
وَهُوَ من قصيدة للأخطل عدتهَا سِتَّة عشر بَيْتا. مدح بهَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْعَبَّاس رضي الله عنه فَأعْطَاهُ ألف دِينَار وَكَانَ يُقَال لَهُ الْمَذْهَب لجماله. رُوِيَ أَنه خرج على فرس لَهُ وَعَلِيهِ مطرف خَز فَأَشْرَفت امْرَأَة فَنَظَرت إِلَيْهِ فَقَالَت: مَا أحسن هَذَا فتقطر بِهِ فرسه فَمَاتَ.
وَهَذَا مطلع القصيدة:
(بَان الشّباب وربّما علّلته
…
بالغانيات وبالشّراب الأصهب)
(وَلَقَد شربت الْخمر فِي حانوتها
…
ولعبت بالقينات عفّ الملعب)
وَقَالَ فِي مدحه:
(لذّ تقبّله النّعيم كأنّما
…
مسحت ترائبه بماءٍ مَذْهَب))
(ينظرن من خلل السّتور إِذا بدا
…
نظر الهجان إِلَى الفنيق المصعب)
(خضل الكياس إِذا تنشّى لم تكن
…
خلفا مواعده كبرق الخلّب)
(وَإِذا تعوورت الزّجاجة لم يكن
…
عِنْد الشّراب بفاحش متقطّب)
اللذ بِالْفَتْح: المتلذذ. وتقبله النَّعيم إِذا استبان عَلَيْهِ. والربرب: جمَاعَة النِّسَاء. والهجان من الْإِبِل: كرامها وبيضها. والفنيق: الْفَحْل الْمَتْرُوك لَا يركب وَلَا يحمل عَلَيْهِ. والخضل: الندي والكياس. والتعاور: التداول.
وَبعد هَذَا اقتضب الْكَلَام فَقَالَ: إنّ السّيوف غدوّها ورواحها
…
...
…
... . . الْبَيْت وَبعده:
(وتركن عمّك من غنيّ ممسكاً
…
بِإِزَاءِ منخرق كجحر الثّعلب)
(وتركن فلّ بني سليمٍ تَابعا
…
لبني ضبينة كاتّباع التّولب)
(ألقوا البرين بني سليمٍ إنّها
…
شانت وإنّ حزازها لم يذهب)
…
(وَلَقَد علمت بأنّها إِذْ علّقت
…
سمة الذّليل بكلّ أنفٍ مغضب)
(وَالْخَيْل تعدو بالكماة كأنّها
…
أَسد الغياطل من فوارس تغلب)
وَقَوله: وتركن عمك من غَنِي الخ غَنِي: قَبيلَة. قَالَ شَارِح ديوانه
السكرِي: هَذَا مثل يَقُول: لَا شَيْء بِأَيْدِيهِم كَأَنَّهُمْ تمسكوا بحوض صَغِير قد ذهب مَاءَهُ. وإزاء الْحَوْض: مَوضِع مصب الدَّلْو فِي مقدمه فَيُوضَع هُنَاكَ جُحر يصب عَلَيْهِ المَاء أَو عباءة لِئَلَّا يثور الطين فَيفْسد المَاء ويكدر.
وَقَوله: وتركن فل بني سليم الفل بِالْفَتْح: المنهزمون. وسليم بِالتَّصْغِيرِ. وضبينة بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَكسر الْمُوَحدَة وَقبل الْهَاء نون هِيَ أم سعد مَنَاة بن غامد بن الأزد غلبت على نسب وَلَدهَا.
قَالَه السكرِي.
وَقَوله: ألقوا البرين الخ ألقوا: أَمر من الْإِلْقَاء. والبرين: جمع برة بِضَم الْمُوَحدَة وَهِي مَا يخزم بِهِ الْأنف. وَبني سليم: منادى. وَذَلِكَ أَن امْرَأَة من سليم خزمت أنفها لما قتل عُمَيْر بن الْحباب وَحلفت أَن لَا تنزعها حَتَّى تدْرك بثأره.
والغياطل: جمع غيطل وَهُوَ الشّجر الْكثير الملتف. وتغلب: قَبيلَة الأخطل. افتخر بفوارس)
قومه.
وترجمته تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين.
وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز
(إنّ عليّ الله أَن تبَايعا
…
تُؤْخَذ كرها أَو تَجِيء طَائِعا)
على أَن الْفِعْل قد يُبدل من الْفِعْل إِذا كَانَ الثَّانِي رَاجِح الْبَيَان على الأول كَمَا فِي الْبَيْت.
فتؤخذ بدل من تبَايع وتجيء: مَعْطُوف على تُؤْخَذ. وَهَذَا الْبَدَل أبين من الْمُبدل مِنْهُ وَالْبدل فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ مَجْمُوع الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ إِذْ لَا تكون الْمُبَايعَة إِلَّا على أحد الْوَجْهَيْنِ من إِكْرَاه أَو طَاعَة. وَهُوَ كَقَوْلِهِم: الرُّمَّان حُلْو حامض وَإِن كَانَ يُقَال بِاعْتِبَار اللَّفْظ إِن تَجِيء مَعْطُوف على تُؤْخَذ كَمَا يُقَال فِي مثل ذَلِك من الْخَبَر وَالْحَال.
وَالْآيَة قبل الْبَيْت من بدل الْكل قَالَ الْخَلِيل: لِأَن مضاعفة الْعَذَاب هِيَ لَقِي الأثام. وَالظَّاهِر أَن بدل الْفِعْل من الْفِعْل عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق إِنَّمَا يكون فِي بدل الْكل وَهُوَ مَذْهَب السيرافي قَالَ: لَا يُبدل الْفِعْل إِلَّا من شَيْء هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّض وَلَا يكون فِيهِ اشْتِمَال فتؤخذ كرها أَو تَجِيء طَائِعا هُوَ معنى الْمُبَايعَة لِأَنَّهَا تقع على أَحدهمَا.
وَقد يظْهر من كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يرْتَفع بَين الجزمين.
وَقد جوز الْمُتَأَخّرُونَ الأبدال الْأَرْبَعَة فِي الْفِعْل مِنْهُم الشاطبي فِي شرح
الألفية قَالَ: يتَصَوَّر فِي بدل الْفِعْل من الْفِعْل مَا تصور فِي بدل الِاسْم من الِاسْم فقد يكون فِيهِ بدل الْكل من الْكل مَتى تأتنا تلمم بِنَا فِي دِيَارنَا وَقد يكون فِيهِ بدل الْبَعْض كَقَوْلِك: إِن تصل تسْجد لله يَرْحَمك. وَبدل الاشتمال أَيْضا وَمِنْه قَوْله:
إنّ على الله أَن تبَايعا
…
...
…
... . الْبَيْت لِأَن الْأَخْذ كرها والمجيء طَوْعًا من صِفَات الْمُبَايعَة. وَظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ يَقْتَضِي أَنه أنْشدهُ شَاهدا على بدل الاشتمال لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ مَعَ قَول الآخر: الطَّوِيل فَمَا كَانَ قيسٌ هلكه هلك واحدٍ وَقَول الآخر:)
وَمَا ألفيتني حلمي مضاعا وَذَلِكَ فِي بَاب من أَبْوَاب بدل الْبَعْض والاشتمال. وَإِذا ثَبت بدل الْبَعْض ثَبت بدل الاشتمال: لِأَنَّهُ مشبه بِهِ إِذْ عدوا وصف الشَّيْء كالجزء مِنْهُ. وَقد يكون فِيهِ بدل الإضراب والغلط نَحْو إِن تطعم زيدا تكسه أكرمك. وَقد سَأَلَ سِيبَوَيْهٍ الْخَلِيل عَن قَوْلك: إِن تأتنا تسألنا نعطك بجزم تسألنا.
فَقَالَ: هَذَا يجوز على أَن يكون مثل الأول لِأَن الأول الْفِعْل الآخر تَفْسِير لَهُ
وَهُوَ هُوَ. يَعْنِي مَا قَالَ: وَلكنه يجوز على الْغَلَط وَالنِّسْيَان ثمَّ يتدارك. وَقَالَ بعد: فَلَو قلت إِن تأتني آتِك أقل ذَلِك. كَانَ غير جَائِز لِأَن القَوْل لَيْسَ بالإتيان إِلَّا أَن تجيزه على مَا جَازَ عَلَيْهِ تسألنا. فَهَذَا نَص لجَوَاز بدل الْغَلَط وَالنِّسْيَان. وَجَوَاز بدل الإضراب أولى. انْتهى كَلَام الشاطبي.
فَإِن قلت: بدل الاشتمال وَالْبَعْض لَا بُد لَهما من ضمير فَكيف الْحَال على قَول الشاطبي قلت: لَا يُمكن الضَّمِير هُنَا لظُهُور أَن ذَاك خَاص بالأسماء لتعذر عود الضَّمِير على الْأَفْعَال.
كَذَا فِي شرح التَّوْضِيح للشَّيْخ خَالِد.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِذا كَانَ الثَّانِي رَاجِح الْبَيَان مثله فِي التسهيل قَالَ: ويبدل فعل من فعل مُوَافق فِي الْمَعْنى مَعَ زِيَادَة بَيَان. انْتهى.
ولي يعْتَبر غَيرهمَا هَذَا الْقَيْد. وَلم يتَعَرَّض لَهُ أصلا أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف. قيل: وَالْحق عدم اعْتِبَاره. وَأما اعْتِبَار الْمُوَافقَة فِي الْمَعْنى فقد اعتبروه مِنْهُمَا بن معطي قَالَ: وأبدلوا الْفِعْل من الْفِعْل إِذا كَانَ بِمَعْنَاهُ.
قَالَ ابْن الخباز: إِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا ترادف اللفظان كَقَوْلِك من يَأْتِ يمش إِلَيّ ُأكَلِّمهُ
…
انْتهى.
وَهَذَا عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق من بَاب التوكيد كَمَا صرح بِهِ هُنَا. وَقَوله: إِنَّمَا يكون فِي ترادف اللَّفْظَيْنِ مَمْنُوع.
وَهنا فَائِدَة حَسَنَة ذكرهَا ابْن هِشَام فِي حَوَاشِي الألفية وَهِي أَنه يَنْبَغِي أَن يشْتَرط لإبدال الْفِعْل من الْفِعْل مَا اشْترط لعطف الْفِعْل وَهُوَ الِاتِّحَاد فِي
الزَّمَان فَقَط دون الِاتِّحَاد فِي النَّوْع حَتَّى يجوز: إِن جئتني تمش إِلَيّ أكرمك. انْتهى.
وَاعْلَم أَن إِبْدَال الْفِعْل من الْفِعْل هُوَ إِبْدَال مُفْرد من مُفْرد بِدَلِيل ظُهُور النصب كَمَا فِي الشَّاهِد وَظُهُور الْجَزْم كَمَا فِي الْآيَة.)
وَزعم ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَتَبعهُ ابْن خلف والعيني والحفيد فِي حَاشِيَة الْمُخْتَصر أَن هَذَا من إِبْدَال جملَة من جملَة. وَهُوَ سَهْو.
قَالَ الشَّيْخ خَالِد فِي شرح التَّوْضِيح: وَالْفرق بَين بدل الْفِعْل وَحده الْجُمْلَة أَن الْفِعْل يتبع مَا قبله فِي إعرابه لفظا أَو تَقْديرا وَالْجُمْلَة تتبع مَا قبلهَا محلا إِن كَانَ لَهُ مَحل. وَإِلَّا فإطلاق التّبعِيَّة عَلَيْهَا مجَاز إِذْ التَّابِع كل ثَان أعرب بإعراب سابقه الْحَاصِل والمتجدد. انْتهى.
وَقَضِيَّة هَذَا: أَنه لَا يتَصَوَّر فِي الْفِعْل الْمَرْفُوع أَن يكون بَدَلا من فعل مَرْفُوع
وَذَلِكَ لِأَن سَبَب الْإِعْرَاب متوفر فِيهِ مَعَ قطع النّظر عَن التّبعِيَّة وَهُوَ تجرده عَن الناصب والجازم فرفعه لتجرده لَا لكَونه تَابعا لغيره فَكيف يكون بَدَلا مَعَ انْتِفَاء التّبعِيَّة لانْتِفَاء الْإِعْرَاب بإعراب سابقه. وَهَكَذَا يُقَال فِي الْعَطف: لَا يتَصَوَّر عطف الْفِعْل الْمَرْفُوع على مثله.
وَمِمَّا يشكل فِي الْبَدَل قَول الْبَيْضَاوِيّ وَغَيره: إِن يتزكى فِي سُورَة اللَّيْل بدل من قَوْله: يُؤْتِي مَاله لِأَن يُؤْتِي مَرْفُوع لتجرده فَلم يعرب بإعراب سابقه.
وَأجَاب بَعضهم بِأَن المُرَاد أَن الْبَدَل جملَة يتزكى من جملَة يُؤْتِي مَاله. وَهَذَا لَا يدْفع الْإِشْكَال عَن كَلَام الْبَيْضَاوِيّ لَا عَن ظَاهر كَلَامهم أَن الْفِعْل يُبدل من الْفِعْل وعمومه شَامِل للْفِعْل الْمَرْفُوع.
وَجزم السَّيِّد عِيسَى الصفوي بِأَنَّهُ لَا يكون مضارع مَرْفُوع تَابعا لمضارع
مَرْفُوع وَأجَاب عَمَّا أورد على الْبَيْضَاوِيّ بِأَن المُرَاد كل ثَان أعرب بإعراب سابقه وَلم يكن معرباً لمقتض للإعراب غير التّبعِيَّة.
قيل: قد يُقَال لَا مَانع من كَون الْمُضَارع عِنْد التّبعِيَّة مَرْفُوعا بالتبعية وَإِن كَانَ فِيهِ مُقْتَض آخر للرفع وَهُوَ التجرد بِنَاء على جَوَاز تعدد السَّبَب. وَفِيه نظر فَإِنَّهُم قَالُوا: الْعَامِل بِمَنْزِلَة الْمُؤثر الْحَقِيقِيّ وَلَا يجْتَمع مؤثران على أثر.
وَسكت الشَّارِح الْمُحَقق عَن إِبْدَال الْجُمْلَة من الْجُمْلَة وَعَن إِبْدَال الْجُمْلَة من الْمُفْرد وَعَكسه.
أما الأول فقد قَالَ الشَّيْخ خَالِد: تبدل الْجُمْلَة من الْجُمْلَة بدل بعض واشتمال وَغلط وَلَا تبدل بدل كل نَحْو: قعدت جَلَست فِي دَار زيد فَإِنَّهُ توكيد.
أما بدل الْبَعْض فنحو قَوْله تَعَالَى: أمدكم بِمَا تعلمُونَ. أمدكم بأنعام وبنين فجملة أمدكم الثَّانِيَة أخص من الأولى بِاعْتِبَار متعلقيهما فَتكون دَاخِلَة فِي الأولى.)
وَأما بدل الاشتمال فكقوله: الطَّوِيل
أَقُول لَهُ ارحل لَا تقيمنّ عندنَا فَقَوله: تقيمن عندنَا بدل اشْتِمَال من ارحل لما بَينهمَا من الملابسة اللزومية وَلَيْسَ توكيداً لَهُ لاخْتِلَاف لفظيهما وَلَا بدل بعض لعدم دُخُوله فِي الأول وَلَا بدل كل لعدم الِاعْتِدَاد بِهِ وَلَا غلط لوُقُوعه فِي الفصيح.
وَأما بدل الْغَلَط فنحو: قُم اقعد.
وَأما إِبْدَال الْجُمْلَة من الْمُفْرد فقد أورد لَهُ ابْن هِشَام فِي شرح الألفية قَول الفرزدق: الطَّوِيل
(إِلَى الله أَشْكُو بِالْمَدِينَةِ حَاجَة
…
وبالشّام أُخْرَى كَيفَ يَلْتَقِيَانِ)
قَالَ أبدل كَيفَ يلتقاين وَهُوَ جملَة مستأنفة نبه بهَا على سَبَب الشكوى وَهُوَ استبعاد مَا بَين الحاجتين.
وَأما عكس هَذَا وَهُوَ إِبْدَال مُفْرد من جملَة فقد قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الْبَحْر فِي قَوْله تَعَالَى: وَلم يجعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً قَالَ: قيمًا بدل من جملَة لم يَجْعَل لَهُ عوجا لِأَنَّهَا فِي معنى الْمُفْرد أَي: جعله وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي بحث كَيفَ: إِن جملَة كَيفَ خلقت بدل من الْإِبِل بدل اشْتِمَال وَالْمعْنَى إِلَى الْإِبِل كَيْفيَّة خلقهَا. وَمثله: ألم تَرَ إِلَى ربِّك كَيفَ مدَّ الظِّلَّ وكل جملَة فِيهَا كَيفَ فَهِيَ بدل من اسْم مُفْرد. وَقَالَ السُّيُوطِيّ
فِي الهمع: إِن بدل الْجُمْلَة من الْمُفْرد بدل اشْتِمَال.
وَبَقِي إِبْدَال الْفِعْل من اسْم يُشبههُ وَبِالْعَكْسِ وإبدال الْحَرْف من مثله.
أما الأول فقد قَالَ ابْن هِشَام فِي حَوَاشِي الألفية: يَنْبَغِي أَن يجوز إِبْدَال الِاسْم من الْفِعْل وَبِالْعَكْسِ كَمَا جَازَ الْعَطف نَحْو: زيد متق يخَاف الله أَو يخَاف الله متق. انْتهى.
وَالظَّاهِر أَن يخَاف الله اسئناف بياني أَو الْبَدَل هُوَ الْجُمْلَة لَا الْفِعْل وَحده فِي الأول ومتق خبر بعد خبر فِي الثَّانِي وَالتَّقوى غير الْخَوْف فَإِن الْوِقَايَة فرط الصيانة.
وَأما الثَّانِي فقد ذكره سِيبَوَيْهٍ وَجعل مِنْهُ: أَيَعِدُكُمْ أنَّكمْ إِذا مِتُّمْ وكُنتم تُراباً وعظاما أنَّكُمْ مُخْرَجون فجلع أَن الثَّانِيَة بَدَلا من الأولى لَا توكيداً كَمَا قَالَ غَيره.
وَقَوله: إِن عَليّ الله الخ قَالَ ابْن خروف فِي شرح الْكتاب: الله مَنْصُوب على الْقسم وَيجوز أَن يكون اسْم إِن وَالْخَبَر الْجَار وَالْمَجْرُور وَأَن مفعول من أَجله.
وَأنْشد يحيى: الطَّوِيل)
(وإنّ عليّ الله لَا تحملونني
…
على خطّةٍ إلاّ انْطَلَقت أَسِيرهَا)
فلز حذفت إِن لَقلت: عَليّ عهد الله لأضربنك. قَالَ الْفراء: وَيجوز عَليّ الله أَن أضربك.
انْتهى.
وَقَالَ ابْن خلف: هَذَا الشَّاعِر حلف على مخاطبه بِاللَّه أَنه لَا بُد لَهُ من أَن يُبَايع فَلَمَّا حذف حرف الْقسم نصب الِاسْم وَأَن تبَايع: اسْم إِن وَعلي خبر إِن وَالْقسم معترض بَين الِاسْم وَالْخَبَر.
وَنقل الْعَيْنِيّ عَن بعض شرَّاح الْكتاب أَن عَليّ مُتَعَلق باستقرار مَحْذُوف فِي مَوضِع خبر إِن كَأَنَّهُ قَالَ: وَجب عَليّ الْيَمين بِاللَّه لِأَن هَذَا الْكَلَام قسم وَأَن تبَايعا يتَعَلَّق
بعلي أَعنِي بِمَا فِيهِ من معنى الِاسْتِقْرَار. انْتهى.
وَهَذَا التَّعَلُّق غير ظَاهر.
والمبايعة: بِمَعْنى الْبيعَة وَالطَّاعَة للسُّلْطَان. وأصل الْبيعَة الصَّفْقَة على
إِيجَاب البيع. وأيمان الْبيعَة هِيَ الَّتِي رتبها الْحجَّاج مُشْتَمِلَة على أُمُور مُغَلّظَة من طَلَاق وَعتق وَصَوْم وَنَحْو ذَلِك. وَتُؤْخَذ بدل من تبَايع كَمَا تقدم.
قَالَ السيرافي: النصب فِي هَذِه الأبيات على الْبَدَل جيد وَلَو رفع على الِابْتِدَاء لَكَانَ أَكثر وَأعرف فَيَقُول: هلكه هلك وَاحِد وَمَا ألفيتني حلمي مضاع وَتَكون الْجُمْلَة فِي مَوضِع الْحَال وَتُؤْخَذ كرها أَو تَجِيء طَائِعا على معنى أَنْت تُؤْخَذ كرها فَيكون أَنْت تُؤْخَذ فِي مَوضِع الْحَال.
انْتهى.
وَهَذَا كَقَوْلِه: الطَّوِيل
(مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره
…
تَجِد خير نارٍ عِنْدهَا خير موقد)
رفع تعشو بَين المجزومين أَعنِي الشَّرْط وَالْجَزَاء لِأَنَّهُ قصد بِهِ الْحَال أَي: مَتى تأته عاشياً أَي: نَاظرا إِلَى ضوء ناره. وَكَذَلِكَ كل مَا وَقع بَين مجزومين. وَعَلِيهِ قِرَاءَة: يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب بِالرَّفْع لم يَجعله جَوَابا وَإِنَّمَا جعله وَصفا أَي: وَارِثا من يَعْقُوب. فتدبره فَإِنَّهُ كثير. كَذَا فِي أَبْيَات الْمعَانِي لِابْنِ السَّيِّد.
وَقَوله: كرها مفعول مُطلق أَي: تُؤْخَذ أخذا كرها. وَيجوز أَن يكون حَالا بتأويله باسم الْفَاعِل.
وَهُوَ الْمُنَاسب لقَوْله: طَائِعا فَإِنَّهُ حَال.
)
وَهَذَا الْبَيْت قَلما خلا عَنهُ كتاب نحوي وَمَعَ شهرته لَا يعلم قَائِله وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف قَائِلهَا. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة
(وَكنت كذي رجلَيْنِ رجلٌ صحيحةٌ
…
ورجلٌ رمى فِيهَا الزّمان فشلّت)
على أَنه يرْوى رجل بِالْجَرِّ على أَنه بدل مَعَ أُخْرَى مفصل من رجلَيْنِ. ويروى بِالرَّفْع على أَنه بدل مَقْطُوع.
أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مجْرى النَّعْت على المنعوت وَالْبدل على الْمُبدل مِنْهُ قَالَ: وَمثل مَا يَجِيء فِي هَذَا الْبَاب على الِابْتِدَاء وعَلى الصّفة وَالْبدل قَوْله جلّ وَعز: قَد كَانَ لَكُمْ آيةٌ فِي فِئَتَينَ التَقتا فئةٌ تقاتلُ فِي سَبيل اللَّه وَأُخْرَى كَافِرةٌ. وَمن النَّاس من يجر والجر على وَجْهَيْن: على الصّفة وعَلى الْبَدَل.
وَمِنْه قَول كثير عزة: وَكنت كذي رجلَيْنِ رجل صَحِيحَة
…
...
…
... . الْبَيْت وَقَوله: وَمثل مَا يَجِيء فِي هَذَا الْبَاب الخ يُرِيد أَنه يرفع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: إِحْدَاهمَا فِئَة تقَاتل الخ. وَالْجُمْلَة صفة لفئتين.
وَقَوله: وَمن النَّاس من يجر الخ يُرِيد أَن فِئَة بدل من فئتين. وَالصّفة جَائِزَة كَمَا تَقول: سررت برجلَيْن قَائِم وقاعد. وَإِنَّمَا جعل فِئَة صفة لفئتين لِأَن فِئَة مَوْصُوفَة فَكَانَ اعْتِمَاد الصّفة فِي فئتين على صفة فِئَة كَمَا تَقول: مَرَرْت برجلَيْن
رجل صَادِق وَرجل كَاذِب.
وَقَول كثير: وَرجل على رِوَايَة الرّفْع إِمَّا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره
هما رجل صَحِيحَة وَرجل أُخْرَى أَو تَقْدِيره إِحْدَاهمَا رجل صَحِيحَة وَالْأُخْرَى رجل. فَالْكَلَام على الأول جملَة وَاحِدَة وعَلى الثَّانِي جملتان. وَإِمَّا مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر وَالتَّقْدِير: مِنْهُمَا رجل صَحِيحَة ومنهما رجل فَالْكَلَام جملتان.
وَقَالَ الْعَيْنِيّ: وَيجوز نصب رجل فِي الْمَوْضِعَيْنِ على إِضْمَار أَعنِي. وعَلى رِوَايَة جر رجل يكون على الْإِبْدَال من رجلَيْنِ بدل نكرَة من نكرَة. وَجه أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي والمرادي فِي شرح الألفية. وَإِنَّمَا أبدل لأجل الصّفة وَهُوَ وصف الرجل الأولى بصحيحة وَالثَّانيَِة بجملة رمى.)
وَلما كَانَ الْمُبدل مِنْهُ مثنى وَجب الْإِتْيَان باسمين. وَيعرف نَحْو هَذَا الْإِبْدَال بِبَدَل الْمفصل من الْمُجْمل لِأَنَّهُ أجمل أَولا ثمَّ فصل ثَانِيًا. وَجُمْلَة رمى الخ صفة لرجل الثَّانِيَة. ومفعول رمى مَحْذُوف تَقْدِيره: رمى فِيهَا الزَّمَان دَاء فشلت.
وشلت: أَصله سللت تشل شللاً من بَاب فَرح. والشلل: آفَة تصيب الْيَد أَو الرجل فتيبس مِنْهَا وَقيل تسترخي. يُقَال: سلت يَده وأشلها الله.
وَقبل هَذَا الْبَيْت:
(وكنّا سلكنا فِي صعودٍ من الْهوى
…
فلمّا توافينا ثبتّ وزلّت)
(أُرِيد الثّواء عِنْدهَا وأظنّها
…
إِذا مَا أطلنا عِنْدهَا الْمكْث ملّت)
(فليت قلوصي عِنْد عزّة قيّدت
…
بِجعْل ضعيفٍ عزّ مِنْهَا فضلّت)
(وغودر فِي الحيّ المقيمين رَحلهَا
…
وَكَانَ لَهَا باغٍ سواي فبلّت)
الصعُود بِالْفَتْح: خلاف الهبوط. والثواء بِالْفَتْح: الْإِقَامَة. وَعز مِنْهُ
بِمَعْنى غَلبه وَقَوي عَلَيْهِ.
وَفِي الْعباب: قَالَ الْفراء: يُقَال بلت مطيته على وَجههَا إِذا هَمت ضَالَّة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَهُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
وَاخْتلف أَصْحَاب الْمعَانِي فِي معنى الْبَيْت الشَّاهِد فَقَالَ الأعلم: تمنى أَن تشل إِحْدَى رجلَيْهِ وَهُوَ عِنْدهَا وَتضِل نَاقَته فَلَا يرحل عَنْهَا فَيكون قَوْله: وَكنت كذي رجلَيْنِ الخ مَعْطُوفًا على قَوْله: قيدت ليدْخل فِي التَّمَنِّي.
وَقَالَ ابْن سَيّده: لما خانته عزة الْعَهْد فزلت عَن عَهده وَثَبت هُوَ على عهدها صَار كذي رجلَيْنِ رجل صَحِيحَة وَهُوَ ثباته على عهدها وَأُخْرَى مَرِيضَة وَهُوَ زللها عَن عَهده.
وَقَالَ عبد الدَّائِم: معنى الْبَيْت أَنه بَين خوف ورجاء وَقرب وثناء كَمَا قَالَ المتنبي: الطَّوِيل
(وَأحلى الْهوى مَا شكّ فِي الْوَصْل ربّه
…
وَفِي الهجر فَهُوَ الدّهر يَرْجُو ويتّقي)
وَقَالَ غَيرهم: تمنى أَن تضيع قلوصه فَيبقى فِي حَيّ عزة فَيكون بِبَقَائِهِ فِي حيها كذي رجل حكى هَذِه الْأَقْوَال اللَّخْمِيّ وَقَالَ: وَهَذَا القَوْل الْأَخير هُوَ الْمُخْتَار الْمعول عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ مَا قبل الْبَيْت وَهُوَ اخْتِيَار الْأُسْتَاذ أبي عبد الله بن أبي الْعَافِيَة. وَقد أَخذ كثير هَذَا الْبَيْت من النَّجَاشِيّ وَهُوَ قَوْله:
الطَّوِيل
(وَكنت كذي رجلَيْنِ رجل صحيحةٍ
…
ورجلٍ رمت فِيهَا يَد الْحدثَان))
(فأمّا الَّتِي صحّت فأزد شنوءةٍ
…
وأمّا الَّتِي شلّت فأزد عمان)
وَقد أوردهُ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة فِي السرقات الشعرية وَسَماهُ الاهتدام. قَالَ: فَأخذ كثير الْقسم الأول واهتدم بَاقِي الْبَيْت فجَاء بِالْمَعْنَى فِي غير اللَّفْظ.
وَهَذِه القصيدة كلهَا نسيب بعزة وَهِي من منتخبات قصائده وَالْتزم فِيهَا مَا لَا يلْزم الشَّاعِر وَذَلِكَ اللَّام قبل حرف الروي اقتداراً فِي الْكَلَام وَقُوَّة فِي الصِّنَاعَة وَمَا خرم ذَلِك إِلَّا فِي بَيت وَاحِد هُوَ:
(فَمَا أنصفت أمّا النّساء فبغّضت
…
إليّ وأمّا بالنّوال فضنّت)
وَهِي قصيدة. وَهَذَا مطْلعهَا مَعَ جملَة أَبْيَات مِنْهَا وَقعت شَوَاهِد للنحويين:
(خليليّ هَذَا ربع عزّة فاعقلا
…
قلوصيكما ثمّ ابكيا حَيْثُ حلّت)
(وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزّة مَا البكا
…
وَلَا موجعات الْقلب حتّى تولّت)
(وإنّي وتهيامي بعزّة بعد مَا
…
تخلّيت فِيمَا بَيْننَا وتخلّت)
(لكالمبتغي ظلّ الغمامة كلّما
…
تبوّا مِنْهَا للمقيل اضمحلّت)
(يكلّفها الغيران شتمي وَمَا بهَا
…
هواني وَلَكِن للحليل استذلّت)
(هَنِيئًا مريئاً غير داءٍ مخامرٍ
…
لعزّة من أعراضنا مَا استحلّت)
(أسيئي بِنَا أَو أحسني لَا ملومةً
…
لدينا وَلَا مقليّة إِن تقلّت)
وَقَوله: وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزة الخ اسْتشْهد بِهِ ابْن هِشَام فِي
شرح الألفية على نصب موجعات عطفا على مَحل مفعول أَدْرِي الْمُعَلق بِمَا الاستفهامية لِأَن الْمُعَلق أبطل عمله لفظا لَا محلا.
وَقَالَ فِي مُغنِي اللبيب: فَائِدَة الحكم على مَحل الْجُمْلَة فِي التَّعْلِيق بِالنّصب ظُهُور ذَلِك فِي التَّابِع فَتَقول: عرفت من زيد وَغير ذَلِك من أُمُوره.
وَاسْتدلَّ ابْن عُصْفُور بِنصب موجعات من هَذَا الْبَيْت. وَلَك أَن تَدعِي أَن الْبكاء مفعول وَأَن مَا زَائِدَة أَو أَن الْوَاو للْحَال وموجعات اسْم لَا أَي وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزة وَالْحَالة أَنه لَا موجعات للقلب مَوْجُودَة مَا البكا. انْتهى.
وَقَوله: وَإِنِّي وتهيامي بعزة الخ التهيام بِالْفَتْح: مُبَالغَة الهيام بِالضَّمِّ وَهُوَ كالجنون من الْعِشْق.
قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: سَأَلت أَبَا عَليّ عَن قَول كثير: وَإِنِّي وتهيامي بعزة الْبَيْت وَجعل)
الْجُمْلَة اعتراضاً بَين اسْم إِن وخبرها لِأَن فِيهَا ضربا من التسديد للْكَلَام. وَيحْتَمل أَن تكون الْوَاو للقسم فالباء على هَذَا مُتَعَلقَة بتهيامي. وَعرضت هَذَا على أبي عَليّ فَقبله. انْتهى.
وَقد نقل ابْن هِشَام مَا حكيته عَنْهُمَا فِي الْجُمْلَة المعترضة من الْمُغنِي.
وَقَوله: هَنِيئًا مريئاً غير دَاء الخ أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتمُ تَعْملُون على أَن الْبَاء زَائِدَة وَمَا: فَاعل هَنِيئًا وَهُوَ صفة اسْتعْملت اسْتِعْمَال الْمصدر الْقَائِم مقَام الْفِعْل كَأَنَّهُ قَالَ: هنأكم الْأكل وَالشرب.
وهنيئاً لعزة مَا استحلت من أعراضنا. الهنيء والمريء صفتان من هنؤ الطَّعَام ومرؤ كشرف إِذا كَانَ سائغاً لَا تنغيص فِيهِ. والمخامر: المخالط.
وَقَوله: أسيئي بِنَا أَو أحسني الخ هَذَا الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب.
وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: أَنْفقُوا طَوْعاً أَو كَرْهاً لن يُتقبَّل مِنْكُم على تَسَاوِي الإنفاقين فِي عدم الْقبُول كَمَا سَاوَى كثير بَين الْإِحْسَان والإساءة فِي عدم اللوم.
والنكتة فِي مثل ذَلِك إِظْهَار نفي تفَاوت الْحَال بتفاوت فعل الْمُخَاطب كَأَنَّهُ يأمرها بذلك لتحقيق أَنه على الْعَهْد. ومقلية بِمَعْنى مبغضة من القلي وَهُوَ البغض. وَقَوله: إِن تقلت الْتِفَات وروى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ عَن هَيْثَم بن عدي قَالَ: سَأَلَ عبد الْملك بن مَرْوَان كثيرا عَن أعجب خبر لَهُ مَعَ عزة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حججْت سنة وَحج زوج عزة مَعهَا وَلم يعلم أَحَدنَا بِصَاحِبِهِ فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْض الطَّرِيق أمرهَا زَوجهَا بابتياع سمن تصلح بِهِ طَعَاما لرفقته فَجعلت تَدور الْخيام خيمة خيمة حَتَّى دخلت إِلَيّ وَهِي لَا تعلم أَنَّهَا خَيْمَتي وَكنت أبري سَهْما فَلَمَّا رَأَيْتهَا جعلت أبري لحمي وَأنْظر حَتَّى بريت ذراعي وَأَنا لَا أعلم بِهِ وَالدَّم يجْرِي فَلَمَّا علمت ذَلِك دخلت إِلَيّ فَأَمْسَكت يَدي وَجعلت تمسح الدَّم بثوبها وَكَانَ عِنْدِي نحي سمن فَحَلَفت لتأخذنه.
فَأَخَذته وَجَاءَت زَوجهَا فَلَمَّا رأى الدَّم سَأَلَهَا عَن خَبره فكاتمته حَتَّى حلف عَلَيْهَا لتصدقنه. فصدقته فضربها وَحلف عَلَيْهَا لتشتمني فِي وَجْهي فوقفت عَليّ وَهُوَ مَعهَا وَقَالَت لي وَهِي تبْكي: يَا ابْن الزَّانِيَة ثمَّ انصرفا وَذَلِكَ حَيْثُ أَقُول:
يكلّفها الغيران شتمي وَمَا بهَا
الأبيات الثَّلَاثَة.)
وروى صَاحب الأغاني أَيْضا قَالَ: وقفت على جمَاعَة تكلمُوا فِي وَفِي جميل: أَيّنَا أصدق عشقاً وهم لَا يعرفونني ففضول جميلاً فَقلت لَهُم: قد ظلمتم كثيرا كَيفَ يكون جميل أصدق
(رمى الله فِي جفني بثينة بالقذى
…
وَفِي الغرّ من أنيابها بالقوادح)
وَكثير حِين أَتَاهُ مَا يكره من عزة قَالَ: هَنِيئًا مريئاً غير دَاء مخامر
…
...
…
... . الْبَيْت وَهَذِه القصيدة جَيِّدَة فَلَا بَأْس بإيرادها على رِوَايَة أبي عَليّ القالي فِي أَمَالِيهِ قَالَ: قَرَأت هَذِه القصيدة على أبي بكر بن دُرَيْد فِي شعر كثير وَهِي من منتخبات كثير وأولها:
(خليليّ هَذَا ربع عزّة فاعقلا
…
قلوصيكما ثمّ ابكيا حَيْثُ حلّت)
(ومسّا تُرَابا كَانَ قد مسّ جلدهَا
…
وبيتاً وظلاّ حَيْثُ باتت وظلّت)
(وَلَا تيأسا أَن يمحو الله عنكما
…
ذنوباً إِذا صلّيتما حَيْثُ صلّت)
(وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزّة مَا البكا
…
وَلَا موجعات الْقلب حتّى تولّت)
(وَقد حَلَفت جهداً بِمَا نحرت لَهُ
…
قريشٌ غَدَاة المأزمين وصلّت)
…
(أناديك مَا حجّ الحجيج وكبّرت
…
بفيفا غزالٍ رفقةٌ وأهلّت)
(وَكَانَت لقطع الْعَهْد بيني وَبَينهَا
…
كُنَّا ذرةٍ نذرا فأوفت وحلّت)
ويروى: وفت فأحلت
(فَقلت لَهَا يَا عزّ كلّ مصيبةٍ
…
إِذا وطّنت يَوْمًا لَهَا النّفس ذلّت)
(كأنّي أنادي صَخْرَة حِين أَعرَضت
…
من الصّمّ لَو تمشي بهَا العصم زلّت)
(صفوحاً فَمَا تلقاك إلاّ بخيلةً
…
فَمن ملّ مِنْهَا ذَلِك الْوَصْل ملّت)
(أَبَاحَتْ حمى لم يرعه النّاس قبلهَا
…
وحلّت تلاعاً لم تكن قبل حلّت)
(فليت قلوصي عِنْد عزّة قيّدت
…
بقيدٍ ضعيقٍ فرّ مِنْهَا فضلّت)
(وغودر فِي الحيّ المقيمين رَحلهَا
…
وَكَانَ لَهَا باغٍ سواي فبلّت)
(وَكنت كذي رجلَيْنِ فِي رجلٍ صحيحةٍ
…
ورجلٍ رمى فِيهَا الزّمان فشلّت)
(وَكنت كذات الظّلع لمّا تحاملت
…
على ظلعها بعد العثار استقلّت)
(أُرِيد الثّواء عِنْدهَا وأظنّها
…
إِذا مَا أطلنا عِنْدهَا الْمكْث ملّت)
(فَمَا أنصفت أمّا النّساء فبغّضت
…
إِلَيْنَا وأمّا بالنّوال فضنّت)
(يكلّفها الغيران شتمي وَمَا بهَا
…
هواني وَلَكِن للمليك استذلّت)
(هَنِيئًا مريئاً غير داءٍ مخامرٍ
…
لعزّة من أعراضنا مَا استحلّت)
قَالَ أَبُو عَليّ: قي لكثير: أَنْت أشعر أم جميل فَقَالَ: بل أَنا. فَقيل لَهُ: أَتَقول هَذَا وَأَنت راويته قَالَ جميل الَّذِي يَقُول: وَأَنا أَقُول: هَنِيئًا مريئاً غير داءٍ مخامر
…
...
…
... . الْبَيْت
(ووالله مَا قاربت إلاّ تَبَاعَدت
…
بصرمٍ وَلَا أكثرت إلاّ أقلّت)
(فَإِن تكن العتبى فأهلاً ومرحباً
…
وحقّت لَهَا العتبى لدينا وقلّت)
(وَإِن تكن الْأُخْرَى فإنّ وَرَاءَنَا
…
منادح لَو سَارَتْ بهَا العيس كلّت)
(خليليّ إنّ الحاجبيّة طلّحت
…
قلوصيكما وناقتي قد أكلّت)
(فَلَا يبعدن وصلٌ لعزّة أَصبَحت
…
بعاقبةٍ أَسبَابه قد تولّت)
(أسيئي بِنَا أَو أحسني لَا ملومةً
…
لدينا وَلَا مقليّةً إِن تقلّت)
(وَلَكِن أنيلي واذكري من مودّةٍ
…
لنا خلّةً كَانَت لديك فضلّت)
…
(وإنّي وَإِن صدّت لمثنٍ وصادقٌ
…
عَلَيْهَا بِمَا كَانَت إِلَيْنَا أزلّت)
(فَمَا أَنا بالدّاعي لعزّة بالجوى
…
وَلَا شامتٌ إِن نعل عزّة زلّت)
(فَلَا يحْسب الواشون أنّ صبابتي
…
بعزّة كَانَت غمرةً فتجلّت)
(فَأَصْبَحت قد أبللت من دنفٍ بهَا
…
كَمَا أدنفت هيماء ثمّ استبلّت)
(ووالله ثمّ الله مَا حلّ قبلهَا
…
وَلَا بعْدهَا من خلّةٍ حَيْثُ حلّت)
(فأضحت بِأَعْلَى شاهقٍ من فُؤَاده
…
فَلَا الْقلب يسلاها وَلَا الْعين ملّت)
(فيا عجبا للقلب كَيفَ اعترافه
…
وللنّفس لمّا وطّنت كَيفَ ذلّت)
(وإنّي وتهيامي بعزّة بعد مَا
…
تخلّيت ممّا بَيْننَا وتخلّت)
(لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلّما
…
تبوّأ مِنْهَا للمقيل اضمحلّت)
(كأنّي وإيّاها سَحَابَة ممحلٍ
…
رجاها فلمّا جاوزته استهلّت)
قَالَ أَبُو عَليّ: المأزمان: عَرَفَة والمزدلفة. وأناديك: أحادثك مَأْخُوذ من الندي والنادي جَمِيعًا)
وَهُوَ الْمجْلس. وميعة كل شَيْء: أَوله. والصفوح: المعرضة. وبلت: ذهبت.
قَالَ أَبُو عَليّ: مَا أعرف بلت ذهبت إِلَّا فِي تَفْسِير هَذَا الْبَيْت. وَلَا العتبى: الإعتاب يُقَال: عَاتَبَنِي فلَان فأعتبته إِذا نزعت عَمَّا عاتبك عَلَيْهِ والعتبى الِاسْم والإعتاب الْمصدر.
وَقَوله: طلحت الطلح: المعيي الَّذِي قد سقط من الإعياء. وطلت: هدرت. وأزلت: اصطنعت. وَيُقَال: بل من مَرضه وأبل واستبل إِذا برأَ. واعترافه: اصطباره يُقَال: نزلت بِهِ مُصِيبَة فَوجدَ عروفاً أَي: صبوراً. والعارف: الصابر. هَذَا مَا أوردهُ أَبُو عَليّ القالي.
وروى السُّيُوطِيّ: فِي شرح شَوَاهِد مُغنِي اللبيب عَن أبي الْحسن بن طَبَاطَبَا فِي كتاب عيار الشّعْر أَن الْعلمَاء قَالُوا: لَو أَن كثيرا جعل قَوْله: فِي وصف حَرْب لَكَانَ أشعر النَّاس. وَلَو جعل قَوْله أسيئي بِنَا أَو أحسني الْبَيْت فِي وصف الدُّنْيَا كَانَ أشعر النَّاس.
وَكثير بِضَم الْكَاف وَفتح الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء الْمُشَدّدَة التَّحْتِيَّة. وَهُوَ كثير ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي جُمُعَة بن الْأسود بن عَامر.
وَقَالَ اللَّخْمِيّ: هُوَ كثير بن أبي جُمُعَة. وَهُوَ خزاعي وَأَبُو خُزَاعَة الصَّلْت بن النَّضر بن كنَانَة.
وَفِي ذَلِك يَقُول كثير: الطَّوِيل
(أَلَيْسَ أبي بالنّضر أم لَيْسَ وَالِدي
…
لكلّ نجيبٍ من خُزَاعَة أزهرا)
فحقق كثير أَنه من قُرَيْش. وَقيل إِنَّه أزدي من قحطان. وَهُوَ شَاعِر حجازي من شعراء الدولة الأموية ويكنى أَبَا صَخْر واشتهر بِكَثِير عزة بِالْإِضَافَة إِلَى عزة وَهِي محبوبته وغالب شعره تشبيب بهَا.
وَعزة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي. والعزة فِي اللُّغَة: بنت الظبية وَبهَا سميت. وَهِي كَمَا قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: عزة بنت حميل بِضَم الْمُهْملَة ابْن حَفْص بِفَتْحِهَا من بني حَاجِب بن غفار بِكَسْر الْمُعْجَمَة وخفة الْفَاء وكنيتها أم عَمْرو الضمرية نِسْبَة إِلَى قَبيلَة ضَمرَة. وَكَثِيرًا مَا يُطلق عَلَيْهَا الحاجبية نِسْبَة إِلَى جدها الْأَعْلَى كَقَوْلِه فِي هَذِه القصيدة:
الطَّوِيل وَمن الغرائب تَفْسِير الْعَيْنِيّ للحاجبية هُنَا بالرمل الطَّوِيل. وَهُوَ غَفلَة عَن نَسَبهَا.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: بعثت عَائِشَة بنت طَلْحَة بن عبيد الله إِلَى كثير فَقَالَت لَهُ: يَا ابْن أبي جُمُعَة مَا الَّذِي يَدْعُوك إِلَى مَا تَقول من الشّعْر فِي عزة وَلَيْسَت على مَا تصف من)
الْجمال لَو شِئْت صرفت ذَلِك إِلَى من هُوَ أولى بِهِ مِنْهَا أَنا أَو مثلي فَأَنا أشرف وأوصل من عزة وَإِنَّمَا أَرَادَت تجربته بذلك فَقَالَ: الطَّوِيل
(إِذا وصفلتنا خلةٌ كي تزيلها
…
أَبينَا وَقُلْنَا: الحاجبيّة أوّل)
(لَهَا مهلٌ لَا يُسْتَطَاع دراكه
…
وسابقةٌ ملحبّ لَا تتحوّل)
(سنوليك عرفا إِن أردْت وصالنا
…
وَنحن لتِلْك الحاجبيّة أوصل)
فَقَالَت عَائِشَة: وَالله لقد سميتني لَك خلة وَمَا أَنا لَك وَعرضت عَليّ وصالك وَمَا أُرِيد هلا قلت كَمَا قَالَ جميل: الْكَامِل
(يَا ربّ عارضةٍ علينا وَصلهَا
…
بالجدّ تخلطه بقول الهازل)
(فأجبتها بالرّفق بعد تستّرٍ
…
حبّي بثينة عَن وصالك شاغلي)
(لَو كَانَ فِي قلبِي كَقدْر قلامةٍ
…
وصلتك كتبي أَو أتتك رسائلي)
وروى القالي فِي أَمَالِيهِ عَن الْعُتْبِي قَالَ: دخلت عزة على عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ لَهَا: أَنْت
(وَقد زعمت أنّي تغيّرت بعْدهَا
…
وَمن ذَا الَّذِي يَا عزّ لَا يتغيّر)
قَالَت: لَا أروي هَذَا وَلَكِنِّي أروي قَوْله: الطَّوِيل
(كأنّي أنادي صَخْرَة حِين أَعرَضت
…
من الصّمّ لَو تمشي بهَا العصم زلّت)
(صفوحاً فَمَا تلقاك إلاّ بخيلةً
…
فَمن ملّ مِنْهَا ذَلِك الْوَصْل ملّت)
وروى ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء إِن عَائِشَة بنت طَلْحَة قَالَت لعزة: أَرَأَيْت قَول كثير: الطَّوِيل
(قضى كلّ ذِي دينٍ فوفّى غَرِيمه
…
وعزّة ممطولٌ معّنى غريمها)
مَا كَانَ ذَلِك الدَّين قَالَت: وعدته قبْلَة فتحرجت مِنْهَا. فَقَالَت: اقضيها وَعلي إثمها.
قَالَ صَاحب الأغاني: كَانَ ابْن إِسْحَاق يَقُول: كثير أشعر أهل الْإِسْلَام وَكَانَت لَهُ منزلَة عِنْد قُرَيْش وَقدر وَكَانَ عبد الْملك معجباً بِشعرِهِ.
وَقَالَ الجُمَحِي: كَانَ لكثير فِي النسيب نصيب وافر وَجَمِيل مقدم عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَاب النسيب جَمِيعًا فِي النسيب وَكَانَ لَهُ من فنون الشّعْر مَا لَيْسَ لجميل وَكَانَ راوية جميل. وَإِنَّمَا صغر اسْمه لشدَّة قصره وحقارته.
وَقَالَ الوقاصي: رَأَيْت كثيرا يطوف بِالْبَيْتِ فَمن حَدثَك أَنه يزِيد على ثَلَاثَة أشبار فَلَا تصدقه وَكَانَ إِذا دخل على عبد الْملك أَو أَخِيه عبد الْعَزِيز يَقُول: طأطئ رَأسك لَا يُصِيبهُ السّقف)
(قصير قميصٍ فاحشٌ عِنْد بَيته
…
يعضّ القراد باسته وَهُوَ قَائِم)
وروى صَاحب الأغاني عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ: مَا رَأَيْت أَحمَق من كثير دخلت عَلَيْهِ يَوْمًا فِي نفر من قُرَيْش وَهُوَ مَرِيض وَكُنَّا كثيرا مَا نهزأ بِهِ وَكَانَ يتشيع تشيعاً قبيحاً فَقلت لَهُ: كَيفَ تجدك يَا أَبَا صَخْر قَالَ: أجدني ذَاهِبًا. قلت: كلا. قَالَ: فَهَل سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ فِي شَيْئا قلت: نعم يتحدثون بأنك الدَّجَّال. قَالَ: أما لَئِن قلت ذَاك فَإِنِّي لأجد فِي عَيْني هَذِه ضعفا مُنْذُ أَيَّام.
فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن عَليّ: تزْعم أَنَّك من شِيعَتِنَا وتمدح آل مَرْوَان قَالَ: إِنَّمَا أسخر مِنْهُم وأجعلهم حيات وعقارب وآخذ أَمْوَالهم.
وَكَانَت وَفَاته فِي خلَافَة يزِيد بن عبد الْملك بِالْمَدِينَةِ المنورة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَالَ جوَيْرِية بن أَسمَاء: مَاتَ كثير وَعِكْرِمَة مولى بن عَبَّاس فِي يَوْم وَاحِد فَقَالَ النَّاس: الْيَوْم مَاتَ أفقه النَّاس وأشعر النَّاس وَلم يتَخَلَّف رجل وَلَا امْرَأَة عَن
جنازتيهما وَذَلِكَ فِي سنة خمس أَو سبع وَمِائَة وغلبت النِّسَاء على جَنَازَة كثير يبكينه. وَيُقَال: أَنه لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ: الوافر
(بَرِئت إِلَى الْإِلَه من ابْن أروى
…
وَمن دين الْخَوَارِج أجمعينا)
(وَمن عمرٍ بَرِئت وَمن عتيقٍ
…
غَدَاة دعِي أَمِير المؤمنينا)
قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: هَذَا الشّعْر من حماقته ورفضه. وَابْن أروى هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه.
وَقد أطنب الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني فِي تَرْجَمته.