الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(بَاب التوكيد)
أنْشد فِيهِ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة: الرجز
(أقسم بِاللَّه أَبُو حَفْص عمر)
على أَنه رُبمَا دلّ على عطف الْبَيَان بعض متبوعاته مَعَ قلَّة الِاشْتِرَاك كَأبي حَفْص وَهُوَ المتبوه وَقد أوردهُ فِي بَاب عطف الْبَيَان وَشَرحه هُنَاكَ.
وَهُوَ أول رجز قَالَه أَعْرَابِي لعمر بن الْخطاب رضي الله عنه.
وَسَببه مَا رَوَاهُ المحدثون عَن أبي رَافع أَن أَعْرَابِيًا أَتَى عمر فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أَهلِي بعيد وَإِنِّي على نَاقَة دبراء نقباء فَاحْمِلْنِي. فَقَالَ عمر: كذبت وَالله مَا بهَا نقب وَلَا دبر فَانْطَلق الأعربي فَحل نَاقَته ثمَّ اسْتقْبل الْبَطْحَاء وَجعل يَقُول وَهُوَ يمشي خلف نَاقَته:
(أقسم بالله أَبُو حفصٍ عمر
…
مَا إِن بهَا من نقبٍ وَلَا دبر)
اغْفِر لَهُ اللهمّ إِن كَانَ فجر ويروى: مَا مَسهَا من نقب. وَعمر بن الْخطاب رضي الله عنه مقبل من أَعلَى الْوَادي فَجعل إِذا قَالَ: اغْفِر لَهُ اللهمّ إِن كَانَ فجر
قَالَ: اللَّهُمَّ صدق حَتَّى التقيا فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ: ضع عَن راحلتك.
فَوضع فَإِذا هِيَ كَمَا قَالَ فَحَمله على بعير وزوده وكساه.
وَرُوِيَ هَذَا الْأَثر بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة.)
وَهَذَا الْمِقْدَار من الرجز هُوَ الْمَشْهُور وَفِي رِوَايَة الْأَصْمَعِي أَزِيد من هَذَا قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن اليمني فِي طَبَقَات النَّحْوِيين فِي تَرْجَمَة الْأَصْمَعِي أخبرنَا ابْن مطرف قَالَ: أخبرنَا ابْن دُرَيْد قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّحْمَن عَن عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ: وقف أَعْرَابِي بَين يَدي عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أبدع بِي وأدمت بِي رَاحِلَتي ودبر ظهرهَا ونقب خفها فَقَالَ لَهُ عمر: وَالله مَا أَظُنك أنقبت وَلَا أحفيت فَخرج الرجل ثمَّ خرج عمر. قَالَ: وَالرجل يَقُول:
(أقسم بالله أَبُو حفصٍ عمر
…
مَا مسّها من نقبٍ وَلَا دبر)
(حقّاً وَلَا أجهدها طول السّفر
…
والله لَو أَبْصرت نضوى يَا عمر)
(وَمَا بهَا عمرك من سوء الْأَثر
…
عددتني كَابْن سبيلٍ قد حضر)
فرق لَهُ عمر وَأمر لَهُ بِبَعِير وَنَفَقَة. انْتهى.
والدبراء من دبر ظهر الدَّابَّة من بَاب فَرح إِذا جرح من الرحل والقتب. وأدبرت الْبَعِير فدبر وَأدبر الرجل إِذا دبر بعيره فَهُوَ مُدبر. والنقباء من نقب الْبَعِير من بَاب فَرح أَيْضا إِذا رق خفه. وأنقب الرجل إِذا نقب بعيره.
وَقَوله: فَاحْمِلْنِي أَي: أَعْطِنِي حَملَة وَهِي بِالْفَتْح مَا يحمل عَلَيْهِ النَّاس من الدَّوَابّ كالركوبة.
وَقَوله: أقسم بِاللَّه أَبُو حَفْص عمر عمر أَبُو حَفْص: فَاعل أقسم بِمَعْنى حلف وَهُوَ كنية عمر.
وَقَوله: مَا إِن بهَا إِن زَائِدَة. وَقَوله: إِن كَانَ فجر قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الزَّاهِر الْفَاجِر فِي كَلَام الْعَرَب: الْعَادِل المائل عَن الْخَيْر وَإِنَّمَا قيل للكذاب فَاجر لِأَنَّهُ مَال عَن الصدْق. وَأنْشد هَذَا الشّعْر.
وَقَوله: ضع عَن راحلتك أَي: ارْفَعْ عَنْهَا قتبها. وَقَوله فِي رِوَايَة الْأَصْمَعِي: أبدع بِي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: انْقَطع بِي لكلال رَاحِلَتي فَكَأَن رَاحِلَته جَاءَت ببدعة.
وَقَوله: مَا أظنتك أنقبت وَلَا أحفيت كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل يُقَال: أحفى الرجل إِذا حفيت دَابَّته أَي: رق خفها وحافرها من كَثْرَة الْمَشْي. والنضو بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْمُعْجَمَة: المهزول.
وَقَوله: عمرك مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: قسمي وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة وَهِي بِفَتْح الْعين.
وَهَذَا الرجز نسبه ابْن حجر فِي الْإِصَابَة إِلَى عبد الله بن كيسبة بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَفتح الْمُهْملَة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة النَّهْدِيّ. ذكره المرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء قَالَ: وكيسبة)
أمه وَيُقَال اسْمه عَمْرو. وَهُوَ الْقَائِل لعمر بن الْخطاب واستحمله فَلم يحملهُ: أقسم بالله أَبُو حفصٍ عمر الأبيات الثَّلَاثَة. وَكَانَ نظر إِلَى رَاحِلَته لما ذكر أَنَّهَا أعجفت فَقَالَ: وَالله مَا بهَا من عِلّة فَرد عَلَيْهِ فعلان بِالدرةِ وهرب وَهُوَ يَقُول ذَلِك فَلَمَّا سمع
عمر آخر كَلَامه حمله وَأَعْطَاهُ. وَله قصَّة مَعَ أبي مُوسَى فِي فتح تستر. وَقيل بِأَن كنيته أَبُو كيسبة وَإِن عمر سَمعه ينشدها فاستحلفه أَنه مَا عرف بمكانه فَحلف فَحَمله. انْتهى.
وَقد ذكره فِي قسم المخضرمين الَّذين أدركوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَلم يروه.
وَزعم ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل أَن الرجز لرؤبة بن العجاج. وَهَذَا لَا أصل
لَهُ فَإِن رؤبة مَاتَ فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة وَلم يعده أحد من التَّابِعين فضلا عَن المخضرمين. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده: الوافر
(فَلَا والله لَا يلفى لما بِي
…
وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء)
على أَنه ضَرُورَة حَيْثُ أكد اللَّام الأولى بِاللَّامِ الثَّانِيَة بِدُونِ ذكر مجرور الأولى وَالْقِيَاس لما لما بِي.
وَهَذَا الْبَيْت قد تقدم شَرحه مَعَ قصيدته وسببها مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده: وصالياتٍ ككما يؤثفين لما تقدم قبله وَمضى الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.
الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة: الطَّوِيل
(فَأَيْنَ إِلَى أَيْن النّجاء ببغلتي
…
أَتَاك أَتَاك اللاّحقوك احْبِسْ احْبِسْ)
على أَن الْمُسْتَقْبل يجوز تكريره بِلَا فصل. وَالظَّاهِر أَن المُرَاد أَنه من تَكْرِير الْمُفْردَات لَا الْجمل وَهُوَ الظَّاهِر أَيْضا من كَلَام ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة قَالَ: أول الْبَيْت توكيد الِاسْتِفْهَام وَفِي الثَّانِي توكيد الْخَبَر وَفِي آخِره توكيد الْأَمر.
وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: هَذَا الْبَيْت فِيهِ تَكْرِير ثَلَاث جمل أَرَادَ إِلَى أَيْن تذْهب إِلَى أَيْن تذْهب أَتَاك أَتَاك اللاحقوك احْبِسْ احْبِسْ وَهَذَا يُقَوي مَا ذهب إِلَيْهِ الْكسَائي من حذف الْفَاعِل فِي بَاب إِعْمَال الْفِعْلَيْنِ. ألآ ترَاهُ لَو أضمر الْفَاعِل. وَلم يحذفه لقَالَ: أتوك أَتَاك اللاحقوك أَو أَتَاك أتوك. انْتهى.
وَالصَّحِيح أَن الثَّلَاثَة من توكيد الْمُفْردَات.
أما الأول فَأَيْنَ مجرورة بإلى المحذوفة الْمَدْلُول عَلَيْهَا بالمذكورة وَهُوَ خبر مقدم وَإِلَى أَيْن توكيده والنجاء مُبْتَدأ مُؤخر وَهُوَ مصدر نجا ينجو نجاء إِذا أسْرع وَسبق.
وَزعم الْعَيْنِيّ أَن إِلَى أَيْن هُوَ الْخَبَر وَأَن أَيْن ظرف لمَحْذُوف أَي: أَيْن تذْهب. وَهَذَا غَنِي عَن وَأما الثَّانِي فَإِن اللاحقوك وَهُوَ جمع مُذَكّر سَالم مُضَاف للكاف وحذفت
نونه للإضافة فَاعل لأتاك الأول وأتاك الثَّانِي تَأْكِيد لَهُ. وَلما كَانَ الأول مُتَّصِلا بِهِ ضمير الْمَفْعُول اتَّصل بِالثَّانِي ليُوَافق الأول.
وَقد اخْتلف النحويون فِي نَحْو قَامَ قَامَ زيد فَقيل: زيد فَاعل الأول فَقَط وَأما
الثَّانِي فَإِنَّهُ يحْتَاج لفاعل لِأَنَّهُ لم يُؤْت بِهِ للإسناد وَإِنَّمَا أُتِي بِهِ لمُجَرّد التَّأْكِيد. وَقيل فاعلهما وَلَا يلْزم مِنْهُ اجْتِمَاع العاملين على مَعْمُول وَاحِد لِأَن لَفْظهمَا ومعناهما وَاحِد فكأنهما عَامل وَاحِد.
وَقيل فَاعل أَحدهمَا وفاعل الآخر ضمير مَحْذُوف على أَنَّهُمَا تنازعاه. وَقد رده ابْن النَّاظِم وَابْن هِشَام فِي شرح الألفية لِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا من مَوَاضِع حذف الْفَاعِل وَلَو كَانَ من التَّنَازُع لقيل: أتوك أَتَاك أَو أَتَاك أتوك.
وَأما الثَّالِث فَإِن الْأَمر الثَّانِي توكيد لِلْأَمْرِ الأول وتوكيد الضَّمِير للضمير بالتبعية ضَرُورَة إِذْ لَا يُمكن انفكاكه عَن المر. وَيجوز أَن يكون توكيداً مَقْصُودا فَيكون من قبيل توكيد الْجمل.)
وَزعم الْعَيْنِيّ أَن مفعول احْبِسْ تَقْدِيره نَفسك. وَهَذَا لَا يُنَاسب الْمقَام. وَالظَّاهِر أَنه: بغلتي لوُجُود الْقَرِينَة.
وَهَذَا الْبَيْت مَعَ شهرته لم يعلم لَهُ قَائِل وَلَا تَتِمَّة وَالله أعلم.
الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الثلاثمائة: الْكَامِل
(لَا لَا أبوح بحبّ بثنة إنّها
…
أخذت عليّ مواثقاً وعهودا)
لما تقدم قبله. وَهَذَا فِي الْحَرْف وَمَا قبله فِي تَكْرِير الِاسْم وَالْفِعْل. وأبوح: مضارع باح الشَّيْء بوحاً من بَاب قَالَ بِمَعْنى ظهر وَيَتَعَدَّى
بالحرف فَيُقَال: باح بِهِ صَاحبه وبالهمزة أَيْضا فَيُقَال: أَبَاحَهُ.
بثنة بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُثَلَّثَة بعْدهَا نون: اسْم محبوبة جميل بن معمر العذري وَالْمَشْهُور بثينة بِالتَّصْغِيرِ وَهِي مجرورة بالفتحة لِأَنَّهَا لَا تَنْصَرِف.
وَزعم الْعَيْنِيّ أَنَّهَا فِي مَحل الْجَرّ. وَقَوله: إِنَّهَا بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَاف بياني. ومواثق: جمع موثق وَهُوَ الْعَهْد. وَأما المواثيق فَهُوَ جمع مِيثَاق وَرُبمَا قيل مياثيق على لفظ الْوَاحِد.
وَالْبَيْت من قصيدة لجميل العذري وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ.
وَأنْشد بعده
الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز على أَن الْمُسْتَقْبل يجوز تكريره للتَّأْكِيد مَعَ فاصل كَمَا جَازَ بِدُونِهِ. وتراك: اسْم فعل أَمر بِمَعْنى اترك.
وَله أوردهُ سِيبَوَيْهٍ. وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى الضَّمِير نَصبه على المفعولية. وَلما لم يتَقَدَّم مرجعه فسره بالتمييز الْمَجْرُور بِمن المبنية.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي أَمَالِيهِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا غنموا الْغَنِيمَة فلحقها أَرْبَابهَا قَالُوا للسائقين: تراكها من إبل تراكها
أَي: خلوا عَنْهَا. فَيَقُول السائقون:
أما ترى الْمَوْت على أوراكها أَي: مآخيرها أَي: إِنَّا نحميها.
وَبَعْضهمْ يَقُول: مناعها من إبل مناعها فيجاب بقَوْلهمْ: أما ترى الْمَوْت لَدَى أرباعها يعنون أفتاءها. انْتهى.
وَقَالَ يَعْقُوب بن السّكيت: أغير على إبل قوم من الْعَرَب فلحق أَصْحَاب الْإِبِل فَجعلُوا لَا يدنو مِنْهَا أحد إِلَّا قَتَلُوهُ فَقَالَ الَّذين أَغَارُوا على الْإِبِل:
(تراكها من إبل تراكها
…
أما ترى الْمَوْت لَدَى أرباعها)
فَقَالَ أَصْحَاب الْإِبِل:
(مناعها من إبل مناعها
…
أما ترى الْمَوْت لَدَى أرباعها)
وَفِي أمالي ابْن الشجري: وَقَالَ آخر:
(تراكها من إبل تراكها
…
أما ترى الْمَوْت لَدَى أوراكها)
أَرَادَ أَن أوراكها من شدَّة السّير كَأَنَّهَا فِي استرخائها قد شارفت الْمَوْت. وَمثله قَول الآخر:
(مناعها من إبل مناعها
…
أما ترى الْمَوْت لَدَى أرباعها))
الأرباع: جمع الرّبع وَهُوَ ولد النَّاقة الَّتِي تلده فِي الرّبيع. والهبع: الَّذِي تلده فِي أول الصَّيف وَجمعه أهباع كرطب وأرطاب. انْتهى.
وَقَوله: أَرَادَ أَن أوراكها من شدَّة السّير الخ لَا وَجه لَهُ وَكَأَنَّهُ لم يقف على مَا قدمنَا.
وَقَالَ ابْن خلف: هَذَا قَول طفيل بن يزِيد الْحَارِثِيّ حِين أغارت كِنْدَة على نعمه فلحقهم وَهُوَ يَقُول: أما ترى الْمَوْت الخ ويروى: دراكها من إبلٍ دراكها ويروى: قد لحق الْمَوْت على أوراكها وَحمل على فَحل الْإِبِل فعقره فاستدارت النعم حوله وَلَحِقت بِهِ بَنو الْحَارِث ابْن كَعْب فاستنقذوا مَاله وهزمت كِنْدَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَهَذَا اسْم لقَوْله: اتركها أَي: هِيَ محمية من أَن يغار عَلَيْهَا فاتركها وانج بِنَفْسِك.
وَقَوله: أرباعها الأرباع: جمع ربع وَهُوَ ولد النَّاقة. وَأَوْلَاد الْإِبِل تتبعها.
والقتال يشْتَد إِذا لحق الْإِبِل أَصْحَابهَا وَإِنَّمَا يَقع الْقِتَال عِنْد مآخيرها لِأَن الَّذين أَغَارُوا عَلَيْهَا يطردونها ويسوقونها وأصحابها يمنعونهم من ذَلِك. وَهُوَ مثل قَول الآخر: أما ترى الْمَوْت لَدَى أوراكها وَيجوز أَن يُرِيد بالأرباع جمع ربع بِالْفَتْح وَهُوَ الْمنزل يَعْنِي أَنهم اقْتَتَلُوا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الْإِبِل. انْتهى.
وَلم يذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف هَذَا مَعَ أَنه أورد خَمْسَة مِمَّن اسمهم طفيل.
وَأنْشد بعده
الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الرجز
(أقبلن من ثهلان أَو وَادي خيم
…
على قلاصٍ مثل خيطان السّلم)
على أَن الأندلسي جوز أَن يُقَال فِي جمع الْمُذكر الْعَاقِل المكسر الرِّجَال كُلهنَّ مستدلاً بِهَذَا الْبَيْت. وَلم يظْهر لي وَجهه وَكَأن وَجه الِاسْتِدْلَال أَن نون أقبلن ضمير الْعُقَلَاء الذُّكُور أَي: الرِّجَال أَو الركب أَو نَحْوهمَا وَإِنَّمَا أنث لتأويله بِالْجَمَاعَة.
وَالدَّلِيل على أَن مرجع الضَّمِير مَا ذكر قَوْله بعد: الرجز حتّى أنخناها على بَاب الحكم فَدلَّ مَا بعد الْكَلَام على مَا قبله. وَفِيه أَنه لَا يجب أَن يتحدا وَيجوز أَن تكون النُّون ضمير النسْوَة أَو أَن أَصله أَقبلنَا فحذفت الْألف ضَرُورَة فَيكون من بَاب التقارض.
وَهَذِه الْمَسْأَلَة لم أرها إِلَّا هُنَا عَن الأندلسي. وَقد راجعت شُرُوح التسهيل وارتشاف الضَّرْب فَلم أر فِيهَا أَن النُّون تعود على الْجمع المكسر للعاقل بتأويله بِالْجَمَاعَة.
بحوران يعصرن السّليط أَقَاربه
سَوَاء أجعلت النُّون حرفا أم ضميراً. وَيَأْتِي شَرحه بعد هَذَا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد الثلاثمائة.
وَهَذَا أول رجز لجرير بن الخطفى أورد الْمبرد بَعْضًا مِنْهُ فِي الْكَامِل وَفِي الاعتنان. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أخبرنَا أَيُّوب بن كسيب بن عَطاء بن الخطفى قَالَ: قدم جرير فِي إمرة الحكم بن أَيُّوب الثَّقَفِيّ الْبَصْرَة وَكَانَ الحكم ابْن عَم الْحجَّاج وعامله. قَالَ: وَأَنا مَعَه وَكَانَ أَيُّوب بن كسيب لَا يُفَارِقهُ ومدح الحكم فَقَالَ:
(أقبلن من ثهلان أَو وَادي خيم
…
على قلاصٍ مثل خيطان السّلم)
(حتّى أنخناها إِلَى بَاب الحكم
…
خَليفَة الحجّاج غير المتّهم)
فِي ضئضئ الْمجد وبحبوح الْكَرم فأعجب بِهِ الحكم بن أَيُّوب ووجده باقعة. قَالَ: فَكتب إِلَى الْحجَّاج: إِنَّه قدم عَليّ أَعْرَابِي شَيْطَان من أشعر النَّاس وأفصحهم وَوَصفه لَهُ. قَالَ: فَكتب الْحجَّاج أَن يسرحه إِلَيْهِ حِين يقْرَأ كِتَابه. قَالَ: فَلَمَّا قدم الْكتاب أمرنَا الحكم فشخصنا حَتَّى قدمنَا على الْحجَّاج وامتدحه جرير)
بكلمته الَّتِي يَقُول فِيهَا:
الطَّوِيل قَالَ: وَأما مسحل بن كسيب أَخُو أَيُّوب فَحَدثني أَن أول كلمة امتدحه بهَا كَلمته الَّتِي يَقُول فِيهَا: الْكَامِل
(من سدّ مطّلع النّفاق عَلَيْكُم
…
أم من يصول كصولة الحجّاج)
(أم من يغار على النّساء عشيّةً
…
إِذْ لَا يثقن بغيرة الْأزْوَاج)
قَالَ: فَأمر لَهُ الْحجَّاج بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم وَكسَاء حلَّة صفراء وأنزلنا فِي دَار ضيافته. انْتهى.
وَزَاد فِي الْكَامِل أَن جَرِيرًا لما دخل على الْحجَّاج قَالَ لَهُ: بَلغنِي أَنَّك ذُو بديهة فَقل لي فِي هَذِه لجارية قَائِمَة على رَأسه فَقَالَ جرير: مَا لي أَن أَقُول فِيهَا حَتَّى أتأملها وَمَالِي أَن أتأمل جَارِيَة الْأَمِير فَقَالَ: بلَى فتأملها واسألها. فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمك يَا جَارِيَة فَأَمْسَكت فَقَالَ لَهَا الْحجَّاج: خبريه يَا لخناء. فَقَالَت: أُمَامَة. فَقَالَ جرير: الْكَامِل
(ودّع أُمَامَة حِين حَان رحيل
…
إنّ الْوَدَاع لمن تحبّ قَلِيل)
(مثل الْكَثِيب تمايلت أعطافه
…
فالرّيح تجبر مَتنه وتميل)
(هذي الْقُلُوب صوادياً تيّمتها
…
وَأرى الشّفاء وَمَا إِلَيْهِ سَبِيل)
فَقَالَ الْحجَّاج: قد جعل الله لَك السَّبِيل إِلَيْهَا خُذْهَا هِيَ لَك. فَضرب بِيَدِهِ إِلَى يَدهَا فتمنعت عَلَيْهِ فَقَالَ:
الْكَامِل فاستضحك الحجّاج وَأمر بتجهيزها مَعَه إِلَى الْيَمَامَة. وخبرت أَنَّهَا كَانَت من أهل الرّيّ وَكَانَ إخوتها أحراراً فَاتَّبعُوهُ فَأَعْطوهُ بهَا حَتَّى بلغُوا عشْرين ألفا فَلم يفعل.
وَفِي ذَلِك يَقُول: الطَّوِيل
(إِذا عرضوا عشْرين ألفا تعرّضت
…
لأمّ حكيمٍ حاجةٌ هِيَ مَا هيا)
(لقد زِدْت أهل الرّيّ عِنْدِي مودّةً
…
وحبّبت أضعافاً إليّ المواليا)
فأولدها حكيماً وبلالاً وحرزة بني جرير. انْتهى.
وثهلان: بِفَتْح الْمُثَلَّثَة: جبل بِالْيمن وَقَالَ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ: هُوَ جبل بِالْعَالِيَةِ. وأصل الثهل الانبساط على الأَرْض. ولضخم هَذَا الْجَبَل تضرب بِهِ الْعَرَب الْمثل فِي الثّقل فَتَقول: أثقل من ثهلان. وخيم بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة: جبل.
قَالَ صَاحب الأغاني: ثهلان جبل كَانَ لباهلة ثمَّ غلبت عَلَيْهِ نمير. وخيم: جبل يناوحه من)
طرفه الْأَقْصَى فِيمَا بَين رُكْنه الْأَقْصَى وَبَين مطلع الشَّمْس بِهِ مَاء ونخل. انْتهى.
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَالَّذِي فِي ديوانه وَرَوَاهُ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي المعجم: أقبلن من جَنْبي فتاخ وإضم
وَقَالَ: فتاخ بِكَسْر الْفَاء بعْدهَا مثناة فوقية وَآخره خاء مُعْجمَة: مَوضِع. وَقَالَ الهجري: فتاخ بأطراف الدهناء مِمَّا يَلِي الْيَمَامَة. وإضم بِكَسْر الْهمزَة: وَاد دون الْمَدِينَة وَقيل جبل. والقلاص: جمع قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. وخيطان جمع خوط بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْغُصْن.
وروى الزَّمَخْشَرِيّ فِي مستقصى الْأَمْثَال: مثل أَغْصَان السّلم. أَرَادَ أَن القلاص هزلت من شدَّة السّفر حَتَّى صَارَت كأغصان السّلم فِي الدقة والضمر.
وَزَاد أَبُو عبيد الْبكْرِيّ بعد هَذَا فِي شرح أمالي القالي:
(قد طويت بطونها على الْأدم
…
إِذا قطعن علما بدا علم)
(فهنّ بحثا كمضلاّت الخدم
…
حتّى تناهين إِلَى بَاب الحكم)
الْعلم: الْجَبَل. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مستقصى الْأَمْثَال. قَوْله: إِذا قطعن علما بدا علم مثل يضْرب لمن يفرغ من أَمر فَيعرض لَهُ آخر.
وَقَوله: فهن بحثا أَي: يبحثن بحثا بمناسمهن الأَرْض كَمَا يبْحَث المضلات خلاخيلهن فِي التُّرَاب.
والخدم: جمع خدمَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة هُوَ الخلخال. والضئضئ بِكَسْر الضادين المعجمتين والهمزة الأولى بَينهمَا سَاكِنة: الأَصْل وَالْجِنْس. والبحبوح بِضَم الباءين والحاء الْمُهْملَة الأولى بَينهمَا سَاكِنة: الْوسط.
وَقد أورد صَاحب الأغاني حِكَايَة جرير مَعَ الْحجَّاج على غير هَذَا النمط وَأطَال وَزَاد الأبيات.
وترجمة جرير قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع فِي أول الْكتاب.
وَأنْشد بعده
الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الرجز
(يَا لَيْتَني كنت صبيّاً مُرْضعًا
…
تحملنِي الذّلفاء حولا أكتعا)
على أَن الْكُوفِيّين اسْتشْهدُوا بِهِ على جَوَاز توكيد النكرَة المؤقتة الْمَعْلُومَة الْمِقْدَار وَهُوَ حول بِمَعْنى الْعَام.
قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: حَال حولا من بَاب قَالَ إِذا مضى. وَمِنْه قيل للعام حول وَإِن لم يمض لِأَنَّهُ سَيكون حولا تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ.
وَفِيه شَاهد آخر وَهُوَ التَّأْكِيد ب أَكْتَع غير مَسْبُوق بأجمع. وَبعده بَيت آخر وَهُوَ:
(إِذا بَكَيْت قبّلتني أَرْبعا
…
إِذن ظللت الدّهر أبْكِي أجمعا)
وَفِيه أَيْضا شَاهِدَانِ: أَحدهمَا: التَّأْكِيد بأجمع غير مَسْبُوق بِكُل. وَثَانِيهمَا: الْفَصْل بَين الْمُؤَكّد قَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد: نظر أَعْرَابِي إِلَى امْرَأَة حسناء وَمَعَهَا صبي يبكي فَكلما بَكَى قبلته فَأَنْشَأَ يَقُول هَذَا الرجز.
وَقَوله: يَا لَيْتَني الخ يَا حرف تَنْبِيه ومرضع اسْم مفعول من أَرْضَعَتْه إرضاعاً. وَجُمْلَة: تحملنِي الذلفاء صفة ثَانِيَة. وَيجوز أَن تكون حَالا من ضمير مرضع وَيجوز أَن تكون خَبرا ثَانِيًا لَكُنْت.
والذلفاء بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَبعد اللَّام الساكنة فَاء: وصف مؤنث أذلف من الذلف وَهُوَ صغر الْأنف واستواء الأرنبة. وَيحْتَمل أَنه اسْم امْرَأَة مَنْقُول من هَذَا.
وأكتع قَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال إِنَّه مَأْخُوذ من قَوْلهم: أَتَى عَلَيْهِ حول كتيع أَي: تَامّ.
وَقَوله: أَرْبعا أَي: تقبيلاً أَرْبعا. وظللت بِكَسْر اللَّام وظل بِمَعْنى اسْتمرّ من أَخَوَات كَانَ التَّاء اسْمهَا وَجُمْلَة أبكى فِي مَوضِع نصب خَبَرهَا والدهر ظرف لأبكي. وَجُمْلَة إِذن ظللت الخ جَوَاب لشرط مَحْذُوف أَي: إِن حصل مَا تمنيته استمررت فِي الْبكاء حَتَّى تستمر الذلفاء تحملنِي وتقبلني كلما بَكَيْت.
وَزعم الْعَيْنِيّ أَن التَّقْدِير: إِن لم يكن الْأَمر كَذَا إِذن ظللت الخ. وَلَا يخفى أَن هَذَا عكس مُرَاد الشَّاعِر.
وَأنْشد بعده: الرجز لما تقدم قبله:)
قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: هَذَا شَاذ وَإِن لم يكن مصنوعاً فوجهه عِنْدِي أَن أجمع هَذِه لَيست الَّتِي تسْتَعْمل للتَّأْكِيد أَعنِي الَّتِي مؤنثها جَمْعَاء وَلَكِن الَّتِي فِي قَوْلك: أخذت المَاء بأجمعه وأمعه بِفَتْح الْمِيم وَضمّهَا أَي: بكليته فدخلو الْعَامِل عَلَيْهَا ومباشرته إِيَّاهَا يدل على أَنَّهَا لَيست التابعة للتوكيد فَذَلِك قَوْله: يَوْمًا أجمعا أَي: يَوْمًا بأجمعه ثمَّ حذف حرف الْجَرّ ثمَّ أبدل الْهَاء ألفا فَصَارَ أجمعا. انْتهى.
وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الرِّوَايَة الصَّحِيحَة: قد صرّت البكرة يَوْمًا أجمع على أَن يَوْمًا من غير تَنْوِين وَأَصله يومي فالألف منقلبة عَن يَاء الْمُتَكَلّم فأجمع توكيد للمعرفة.
أَقُول: إِن كَانَ يومي ظرفا فَلم لم ينصب أجمع وَإِن كَانَ غير ذَلِك فَمَا هُوَ مَعَ أَن مَا قبله عِنْده: إنّا إِذا خطّافنا تقعقعا وَهَذَا من الرجز الَّذِي لَا يجوز اخْتِلَاف قوافيه. وَهَذَا التَّوْجِيه تعسفه ظَاهر ككلام ابْن جني.
وَقد اسْتدلَّ الْكُوفِيُّونَ بِأَبْيَات أخر مِنْهَا قَوْله: الْبَسِيط
وَمِنْهَا قَوْله: الوافر ثلاثٌ كلّهنّ قتلت عمدا وَمِنْهَا قَوْله: الرجز
(إِذا الْقعُود كرّ فِيهَا حفدا
…
يَوْمًا جَدِيدا كلّه مطّردا)
وَمِنْهَا قَوْله: المتقارب
(زحرت بِهِ لَيْلَة كلّها
…
فَجئْت بِهِ مودناً خنفقيقاً)
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: أجَاب البصريون عَن هَذِه الأبيات بِأَن الرِّوَايَة فِي الأول يَا لَيْت عدَّة حَولي بِالْإِضَافَة إِلَى الْيَاء. وَعَن الثَّانِي بِأَن كُلهنَّ بدل من ثَلَاث أَو جملَة كُلهنَّ قتلت خبر عَن الثَّلَاث. وَعَن الثَّالِث بِأَن كُله بِالرَّفْع لتوكيد الضَّمِير فِي جَدِيد. وَأما قد صرت البكرة يَوْمًا أجمعا فمجهول. لَا يعرف قَائِله.
هَذَا كَلَامه وَهُوَ مَبْنِيّ على الطعْن فِي روايتهم وَهَذَا لَا يجوز لأَنهم ثِقَات.
ثمَّ قَالَ: وَأما قَول الْكُوفِيّين بِأَن الْيَوْم مُؤَقّت فَيجوز أَن تقعد بعضه
وَاللَّيْلَة مُؤَقَّتَة فَيجوز أَن)
تقوم بَعْضهَا فَإِذا أكدت صَحَّ معنى التَّأْكِيد. قُلْنَا: هَذَا لَا يَسْتَقِيم
فَإِن الْيَوْم وَإِن كَانَ مؤقتاً إِلَّا أَنه لم يخرج عَن كَونه نكرَة شائعة وتأكيدها بالمعرفة لَا يجوز لِأَن تَأْكِيد مَا لَا يعرف لَا فَائِدَة أَقُول: ادعاؤه عدم الاسْتقَامَة مَمْنُوع وَالْفرق ظَاهر فَإِن التَّأْكِيد بِاعْتِبَار أَجزَاء الْيَوْم وَاللَّيْلَة ليشْمل جَمِيعهَا والشيوع بِاعْتِبَار جنس الْيَوْم وَاللَّيْلَة فَأَيْنَ هَذَا من ذَاك.
وَقد أَشَارَ الشَّارِح الْمُحَقق إِلَى مَا ذكرنَا وَالله أعلم.
وَقد تقدم شرح هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.
وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل
(أولاك بَنو خيرٍ وشرٍّ كليهمَا
…
جَمِيعًا ومعروفٍ ألمّ ومنكر)
على أَن حمل كليهمَا فِيهِ على الْبَدَل عِنْد أهل المصرين أولى لِأَن خيرا وشراً ليسَا بمؤقتين.
قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: الْوَجْه فِي قَوْله: بَنو خير وَشر كليهمَا أَن لَا يكون كليهمَا تَأْكِيدًا لَكِن يكون بَدَلا من خير وَشر حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: بَنو كل خير وَشر فقد يُضَاف إِلَى الْمُفْرد الْمَعْطُوف عَلَيْهِ مثله بِالْوَاو فِي ضَرُورَة الشّعْر كَمَا قَالَ: الطَّوِيل
(كلا السّيف والسّاق الَّتِي ضربت بِهِ
…
على دهشٍ أَلْقَاهُ بِاثْنَيْنِ صَاحبه)
وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك من حَيْثُ كَانَ مَا عطف بِالْوَاو بِمَنْزِلَة مَا جمع فِي لَفْظَة وَاحِدَة. أَلا تراك تَقول: زيد وَعَمْرو أَخَوَاك فَإِن أخْبرت عَنْهُمَا جَمِيعًا قلت: اللَّذَان هما
أَخَوَاك زيد وَعَمْرو فتأتي بضميرهما جُزْءا وَاحِدًا وَكَانَ أَحدهمَا على صَاحبه مَعْطُوفًا. وَكَذَلِكَ: زيد وَعَمْرو مَرَرْت بهما. انْتهى.
وَهَذَا الْبَيْت آخر أبياتٍ أَرْبَعَة لمسافع بن حُذَيْفَة الْعَبْسِي مَذْكُورَة فِي بَاب المراثي من الحماسة وَهِي:
(أبعد بني عمروٍ أسرّ بمقبلٍ
…
من الْعَيْش أَو آسى على إِثْر مُدبر)
(وَلَيْسَ وَرَاء الشَّيْء شيءٌ يردّه
…
عَلَيْك إِذا ولّى سوى الصّبر فاصبر)
(سلامٌ بني عَمْرو على حَيْثُ هامكم
…
جمال النّديّ والقنا والسّنوّر)
أولاك بَنو خير
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
. . الْبَيْت)
قَوْله: أبعد بني عَمْرو الخ الْهمزَة للاستفهام الإنكاري وَأسر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من السرُور ومقبل بِمَعْنى آتٍ ومدبر بِمَعْنى ذَاهِب وآسى: مضارع أسي من بَاب تَعب بِمَعْنى حزن.
وَقَوله: سوى الصَّبْر اسْتثِْنَاء مُنْقَطع لِأَن الصَّبْر لَيْسَ من الشَّيْء الرَّاد الْفَائِت فِي شَيْء. يَقُول: أأسر بعيش مقبل أَو زمن مساعد بعد أَن فجعت بهؤلاء أَو أَحْزَن فِي إِثْر فَائت أَو أجزع لتولي مُدبر وَلَيْسَ وَرَاء الشَّيْء الْفَائِت شَيْء يردهُ عَلَيْك فَالْأولى أَن تتمسك بِالصبرِ وتعتصم وَقَوله: سَلام بني عَمْرو الخ سَلام مُبْتَدأ وَجَاز الِابْتِدَاء بِهِ لتَضَمّنه الدُّعَاء. وَخَبره قَوْله: على حَيْثُ هامكم.
قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة هامكم مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر من جملَة مجرورة الْموضع بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهَا أَي:
حَيْثُ هامكم متصورة أَي: مَوْجُودَة. وَمثله قَوْلهم: جئْتُك إِذْ ذَاك أَي: إِذْ ذَاك كَذَاك فَحذف الْخَبَر من الْجُمْلَة المجرورة الْموضع بِإِضَافَة إِذْ إِلَيْهَا. انْتهى.
وَذكر الْهَام على عَادَة الْعَرَب فِي زعمهم أَن عِظَام الْمَوْتَى تصير هاماً تطير. وَبني
عَمْرو: منادىً بِحرف النداء الْمَحْذُوف. وجمال الندي مَنْصُوب على الْمَدْح. وَقَالَ ابْن جني: نصب جمال الندي لِأَنَّهُ بدل من بني عَمْرو. والندي بتَشْديد الْيَاء: الْمجْلس لُغَة فِي النادي.
وَقَالَ ابْن جني: لَام الندي وَاو لِأَنَّهُ فعيل من الندوة وَهِي مَوضِع جُلُوس النادي والندي.
انْتهى.
والقنا: جمع قناة وَهِي الرمْح. والسنور بِفَتْح السِّين وَالنُّون وَالْوَاو الْمُشَدّدَة: لبوس من قد كالدرع. يَعْنِي أَنهم جمال الْمجَالِس يَوْم الْجمع وزين السِّلَاح غَدَاة الروع.
وَقَوله: أولاك الخ هُوَ مُبْتَدأ لُغَة فِي أُولَئِكَ وَبَنُو خبر الْمُبْتَدَأ. أَرَادَ أَنهم ملازمون لفعل الْخَيْر وَالشَّر مَعَ الأصدقاء والأعداء كَمَا يُقَال: فلَان أَخُو الْحَرْب. وجميعا: حَال مُؤَكدَة لصَاحِبهَا.
وَقَوله: مَعْرُوف هُوَ بِالْجَرِّ مَعْطُوف على خير وَكَذَلِكَ مُنكر. وَالْمَعْرُوف: الْجَمِيل الظَّاهِر وضده الْمُنكر فهما أخص من الْخَيْر وَالشَّر فَإِن الْخَيْر قد يكون ظَاهره شرا كالدواء المر. وَالشَّر قد يكون ظَاهره خيرا كهوى النَّفس. وألم بِمَعْنى نزل وَعرض وَالْجُمْلَة صفة مَعْرُوف وَمثله مُقَدّر بعد مُنكر.
ومسافعل بِضَم الْمِيم وَكسر الْفَاء ابْن حُذَيْفَة بِالتَّصْغِيرِ الْعَبْسِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ شَاعِر فَارس من شعراء الْجَاهِلِيَّة.)