المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الرد على ادعاء المنصرين أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن تدل على ألوهية المسيح - افتراءات المنصرين على القرآن الكريم أنه يؤيد زعم ألوهية المسيح عليه السلام

[علي بن عتيق الحربي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: عرض ادعاءات المنصرين على القرآن أنه يؤيد اعتقادهم بألوهية المسيح عليه السلام

- ‌الادعاء الأول:- أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن تدل على ألوهية المسيح عليه السلام

- ‌الادعاء الثاني:- أن المسيح – عليه السلام روح من الله -بجعل (مِنْ) للتبعيض - وكلمته التي تجسدت وصارت إنساناً

- ‌الادعاء الثالث:- أن المعجزات التي أيد الله بها عيسى – عليه السلام وذكرت في القرآن تدل على ألوهية عيسى ولا سيما إحياء الموتى

- ‌المبحث الثاني: رد إجمالي على ما سبق من ادعاءات المنصرين على القرآن:

- ‌أولاً:- وحدانية الله من خلال القرآن وكتب العهدين

- ‌ثانياً: نفي الألوهية عن عيسى – عليه السلام من خلال القرآن والأناجيل:

- ‌ثالثاً: بشرية عيسى عليه السلام وعبوديته من خلال القرآن والأناجيل:

- ‌رابعاً: نبوة عيسى –عليه السلام -ورسالته من خلال القرآن والأناجيل:

- ‌المبحث الثالث: رد تفصيلي على ما سبق من ادعاءات المنصرين على القرآن

- ‌المطلب الأول: الرد على ادعاء المنصرين أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن تدل على ألوهية المسيح

- ‌المطلب الثاني: الرد على ادعاء المنصرين أن المسيح روح من الله -بجعل من للتبعيض- وكلمته التي تجسدت وصارت إنساناً

- ‌المطلب الثالث: الرد على ادعاء المنصرين أن المعجزات التي أيد الله بها عيسى والتي ذُكرت في القرآن ولاسيما إحياء الموتى دليل على ألوهية المسيح

- ‌الخاتمة:

- ‌أولاً: الخلاصة:

- ‌ثانيا: النتائج والتوصيات

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: الرد على ادعاء المنصرين أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن تدل على ألوهية المسيح

‌المبحث الثالث: رد تفصيلي على ما سبق من ادعاءات المنصرين على القرآن

‌المطلب الأول: الرد على ادعاء المنصرين أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن تدل على ألوهية المسيح

.

المبحث الثالث: رد تفصيلي على ما سبق من ادعاءات المنصرين على القرآن

سبق ذِكْرُ ادعاءات ثلاثة (1) يعرضها النصارى والمنصرون على أنها أدلة لهم يستندون إليها في زعمهم أن القرآن يؤيد ألوهية المسيح عليه السلام. وفي هذا المبحث سوف تُدرس هذه الادعاءات ويُرد عليها على نحو مفصل كما يأتي:

المطلب الأول: الرد على ادعاء المنصرين أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن تدل على ألوهية المسيح.

المطلب الثاني: الرد على ادعاء المنصرين أن المسيح روح من الله -بجعل من للتبعيض- وكلمته التي تجسدت وصارت إنساناً.

المطلب الثالث: الرد على ادعاء المنصرين أن المعجزات التي أيد الله بها عيسى والتي ذُكرت في القرآن ولاسيما إحياء الموتى دليل على ألوهية المسيح.

وهذا أوان دراسة هذه الادعاءات والرد عليها تفصيلاً.

(1) انظر ص (4-8)

ص: 43

المطلب الأول: الرد على ادعاء المنصرين أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن تدل على ألوهية المسيح:

يزعم النصارى والمنصرون أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن مثل: إنا، ونحن، ونا الفاعلين، وضمائر المتكلمين المستترة وجوباً. إلخ - تدل على ثلاثة آلهة أحدهم المسيح عليه السلام الذي يسعون لإثبات ألوهيته من خلال آيات القرآن. وادعاؤهم هذا قال به نصارى نجران -كما مر- (1) ويقول به غيرهم من المنصرين إلى اليوم.

وضمائر الجمع الآنفة الذكر إما أن تكون دالة من حيث اللغة على الظاهر وهو الجمع، أو دالة على غيره وهو المفرد أو المثنى:

ففي الحالة الأولى وهي: دلالة ضمائر الجمع على ظاهرها (الجمع) فإن هناك أموراً عدة منها:

1-

ماحد الجمع حينئذ؟ إن حد الجمع لغةً: ثلاثة فما زاد، أو اثنان فما زاد (2) .

فإن كان أقل الجمع اثنين فإنه لا حجة للنصارى والمنصرين البتة في ظاهر ضمائر الجمع حينئذ ويكون ذلك هادماً لادعائهم من أركانه.

وإذا كان أقل الجمع ثلاثة فإنه ظاهر الضمائر حينئذ يدل على الثلاثة فما زاد أي: ثلاثة أو أربعة، أو خمسة، أو ألف، أو ألف ألف..إلخ. فما المسوغ الذي

(1) انظر ص (5) .

(2)

انظر عباس حسن: "النحو الوافي" الطبعة الخامسة، دار المعارف بمصر، ج (1) ص (119و137) .

ص: 44

حصر الجمع في الثلاثة فقط؟ إنه لا يوجد مسوغ واحد في القرآن قد يوحي ولو من بعيد بأن ضمائر الجمع المذكورة آنفاً يمكن أن تدل حصراً على الثلاثة ولا يمكن أن يوجد ذلك في القرآن لأن مما يبطل احتمال وجود هذا ويجتثه من جذوره: الآيات المحكمات الواضحات الكثيرة الدالة على وحدانية الله ونفي الشريك معه سبحانه وتعالى بعامة ونفي ألوهية المسيح وبنوته بخاصة، فليس لدى النصارى أي مسوغ من خلال القرآن لدعواهم هذه وإنما هي معتقداتهم النصرانية أرادوا إنزالها على آي القرآن الكريم تعسفاً ومغالطة.

وخلو دعواهم من الدليل أو المسوغ الذي يحصر الضمائر في ثلاثة يفتح الباب عليهم، فلو ادعى مدع أنها كما تدل على التثليث تدل على التربيع أو التخميس أو التسديس. إلخ وهو ظاهر الجمع لما استطاعوا دفع ذلك على نحو مقبول، مما يبطل دعواهم ومزاعمهم في حصر دلالة الجمع على الثلاثة فقط. وحينئذ تتساوى الدلالات والاحتمالات مع عدم وجود مرجح أو قرينة تؤيد هذا دون ذاك، فتكون ضمائر الجمع الآنفة الذكر حينئذ قابلة لما سبق ذكره من التثليث أو التسبيع. إلخ. فيبطل وجه استشهادهم بضمائر الجمع على ألوهية المسيح فيما لو قلنا على سبيل الفرض إنها على ظاهرها.

2 -

لنفترض - جدلاً - أن ضمائر الجمع تدل على الثلاثة حصراً فما طبيعة هذا الجمع حينئذ؟ وما كنهه؟ وما معنى ذلك؟

لو قال قائل نحن فعلنا كذا وكذا. أليست الدلالة اللغوية حينئذ - بعد افتراضنا حصر الجمع في الثلاثة - هي أن هؤلاء الجماعة (الثلاثة) الذين يدل عليهم الضمير (نحن) هم: ثلاثة ذوات: المتكلم ومعه أثنان آخران غيره: أليسوا هم: فلاناً بكل ماله من هيئة وخلقه، وصفات وشخصية. إلخ وفلاناً بكل

ص: 45

ماله من طول، وعرض، وصفات وملامح تختلف عن الأول. إلخ، وفلاناً الثالث المختلف في ذاته وملامحه. إلخ عن الاثنين السابقين، مما يجعل الضمير يدل على ثلاثة ذوات منفصل بعضها عن بعض، لذا يقول عبد الرحمن الجزيري:"لنفرض أن ذلك الضمير للجماعة بخصوصها فإنما يدل على جماعةٍ متعددةٍ متباينةٍ كما إذا قال شخص: قمنا أو قعدنا وكان معه غيره فإنه لا يفهم منه لغة إلا أن المتكلم معه زيد وعمرو وهما غيره، فمن أين يأتي هذا الاتحاد والتركيب المزجي"(1) ؟

كما يقول ابن تيمية: "وقوله: {إِنَّا نَحْنُ} لفظ يقع في جميع اللغات على من كان له شركاء وأمثال وعلى الواحد"(2) . ولذلك إن كان الضمير – فرضاً - دالاً على الثلاثة فإنه يعني - كما مر - ثلاثة ذوات مختلفة إحداهن عن الأخريين. وهذا أمر يرفضه النصارى أنفسهم إذ يتناقض مع ما يعتقدونه من أن إلههم ذات واحدة وليس ثلاثة ذوات، وتفصيل اعتقادهم - كما هو معروف - ثلاثة أقانيم في ذات واحدة في مصادمة للعقل والمنطق لا يقبلها سليم عقل البتة، بينما ضمائر الجمع تدل على ثلاثة ذوات متغايرة، وذلك بعد افتراضنا الحصر على الثلاثة.

وعليه ليس للنصارى مُتمسَّك في ضمائر الجمع إن دلت على ظاهرها لأنها سوف تدل على اثنين فأكثر دون وجود مسوغٍ يحصر الدلالة في الثلاثة وهذا كما مر آنفاً مسقط لدعواهم.

(1) الجزيري: "أدلة اليقين" ص (220-221)

(2)

ابن تيمية "الجواب الصحيح "ج3/ص 448) .

ص: 46

فإن حصرت فرضا في ثلاثة دلت على ثلاثة ذوات متباينة ومتغايرة، وهو كسابقه مسقط لدعواهم في محاولة إثبات التثليث من خلال الضمائر الآنفة الذكر ومن ثم محاولة إثبات ألوهية عيسى عليه السلام من خلال القرآن الكريم.

فكيف إذا كانت هناك مسوغات بل آيات محكمة وحجج وبراهين قاطعة من القرآن والتوراة والأناجيل تجعل ضمائر الجمع - آنفة الذكر - تدل بداهة على خروجها عن ظاهرها إلى ما يخالف الظاهر فتدل حينئذ على وحدانية الله سبحانه وتعالى وأنه لا شريك له وأنه واحدٌ أحدٌ صمدٌ لم يلد ولم يولد، وأن عيسى عبد الله ورسوله، بشرٌ مخلوق من تراب مثله كمثل آدم عليهما السلام وليس إلهاً ولا ابن إله وأنه سوف يموت. إلخ

إن ذلك وحدة كافٍ في إيضاح وجهة دلالة ضمائر الجمع الآنفة الذكر وأنها تدل على الوحدانية ليس إلا. فكيف إذا انضاف إلى ذلك أن من الأساليب العربية الفصيحة الشائعة في اللغة استخدام ضمائر الجمع للدلالة على غير الجمع ولاسيما المفرد؟ وهذا ما يدعو إلى دراسة الحالة الثانية تفصيلاً. وهي:-

خروج ضمائر الجمع عن الظاهر (الجمع) إلى غيره ولاسيما المفرد:

وهنا موضوعان:

الأول: ما يقوله بعض علماء اللغة عن هذا الأسلوب والشواهد اللغوية المستخرجة من القرآن الكريم، والشعر الجاهلي.

الأخر: النصوص اللغوية التوراتية والإنجيلية في الموضوع نفسه.

ص: 47

أما عن الموضوع الأول فهناك نقاط عدة منها:

1-

– أن هذا أسلوب سائغ لغة يقول ابن قتيبة "ومنه [أي من خروج ضمير الجمع عن ظاهره إلى ما يخالف الظاهر] أن يخاطب الواحد بلفظ الجمع كقوله سبحانه {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} (المؤمنون: 99) . وأكثر من يخاطب بهذا الملوك لأن مذاهبهم أن يقولوا: نحن فعلنا يقوله منهم يعني نفسه فخوطبوا بمثل ألفاظهم"(1) .

كما يقول ابن فارس رحمه الله: - "ومن سنن العرب مخاطبة الواحد بلفظ الجمع فيقال للرجل العظيم: انظروا في أمري وكان بعض أصحابنا يقول: إنما يقال هذا لأن الرجل العظيم يقول: نحن فعلنا: فعلى هذه الابتداء خوطبوا في الجواب"(2) . فهل هناك من هو أعظم من مالك الملك وأولى منه بمثل هذا الأسلوب؟

يقول ابن تيمية رحمه الله إن ضمير الجمع يقع "على من كان له شركاء وأمثال وعلى الواحد المطاع العظيم الذي له أعوان يطيعونه وإن لم يكونوا شركاء ولا نظراء، والله تعالى خلق كل ما سواه فيمتنع أن يكون له شريك أو مثيل والملائكة وسائر العالمين جنوده تعالى. فإذا كان الواحد من الملوك يقول: إنا ونحن ولا يريدون أنهم ثلاثة ملوك فمالك الملك رب العالمين، ورب كل شيء ومليكه هو أحق بأن يقول: إنا ونحن مع أنه ليس له شريك، ولا مثيل بل له جنود السموات والأرض"(3) .

(1) عبد الله بن مسلم ابن قتيبة "تأويل مشكل القرآن" شرح السيد أحمد صقر الطبعة الثالثة (1401هـ/1981م) ص293.

(2)

أحمد بن فارس: "الصاحبي" تحقيق السيد أحمد صقر مطبعة عيسى الباجي الحلبي وشركاه ص: (353) .

(3)

ابن تيمية "الجواب الصحيح" ج3 ص (448) .

ص: 48

2 -

اللغة العربية مليئة بالشواهد على خروج ضمائر الجمع عن ظاهرها للدلالة على المفرد ومن ذلك ما في الشعر الجاهلي:

يقول امرؤ القيس - حين رأى قبر امرأة في سفح جبل عسيب الذي مات عنده:-

أجارتنا إن الخطوب تنوب

وإني مقيم ما أقام عسيب

أجارتنا إنا غريبان ههنا

وكل غريب للغريب نسيب

فإن تصلينا فالقرابة بيننا

وإن تصرمينا فالغريب غريب

أجارتنا ما فات ليس يؤوب

وما هو أتٍ في الزمان قريب" (1)

ويقول عمرو بن كلثوم متغزلاً:

قفي قبل التفرق يا ظعينا

نخبرك اليقين وتخبرينا

قفي نسألك هل أحدثت صرما

لوشك البين أم خنت الأمينا (2)

ويقول زهير بن أبي سلمى مخاطباً هرم بن سنان والحارث بن عوف:

سألنا فأعطيتم وعُدْنا فعدتمُ

ومن اكثر التَّسْآل يوماً سيحرمِ (3)

ويقول الحارث بن حلِّزة متغزلاً:-

آذَنتنا ببَيْنِها أسماء

رب ثاوٍ يمل منه الثواء (4)

(1)"ديوان امرئ القيس" دار بيروت للطباعة والنشر (1392هـ/ 1972م) ص (79) .

(2)

الحسين بن أحمد الزوزني: "شرح المعلقات العشر" طبعة (1983م) دار مكتبة الحياة، بيروت ص (202) .

(3)

المرجع السابق ص (155) .

(4)

المرجع السابق ص (263) .

ص: 49

ويقول الجميح: منقذ بن الطماح في زوجته:

أمست أمامة صمتاً ما تكلمنا

مجنونة أم أحست أهل خَرُّوبي

فإن تقري بنا عيناً وتختفضي

فينا وتنتظري كري وتغريبي (1)

فضمائر المتكلمين في: أجارتنا، وتصلينا، وتصرمينا، ونخبرك، وتخبرينا، ونسألك وسألنا وعدنا وآذنتنا، كلها ضمائر جمع للمتكلمين قصد بها الواحد كما هو واضح من السياق.

3-

من الشواهد اللغوية في القرآن التي استخدمت فيها ضمائر الجمع للدلالة على غير الجمع مع أن الضمائر فيها تعود إلى غير الله سبحانه وتعالى ما يأتي:

قوله تعالى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الأنبياء: 78) . وقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت: 11) .فالضمير في قوله (لحكمهم) ضمير جمع يدل على المثنى وليس على الثلاثة فأكثر ولا على الواحد وكذلك ياء الجماعة في (طائعين) ومثل ذلك قوله (أتينا) هذه بعض أمثلة استخدام ضمائر الجمع للدلالة على المثنى.

أما استخدام ضمائر الجمع في القرآن للدلالة على المفرد فشواهدها:

قوله تعالى عن الخضر {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ

(1) المفضل بن محمد الضبي: "المفضليات" تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون، الطبعة السابعة، دار المعارف مصر، ص (34-35) .

ص: 50

رُحْماً} (الكهف: 80-81) .. وقال تعالى {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} (الكهف: 86-88) . وقال تعالى {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (النمل: 16) .

فالضمائر في: (فخشينا) و (فأردنا) و (نعذبه) و (سنقول) و (أمرنا) و (علمنا) و (أوتينا) ضمائر جمع تدل على واحد وليس على اثنين أو ثلاثة أو أكثر.

4-

من العجيب ان عبد المسيح الكندي نفسه استخدم ضمير الجمع للدلالة على المفرد على نفسه هو في عرض شبهته نفسها حيث قال: "وشبيه بما ذكرنا"(1) . وهذا في رسالته كثير فهل هو ثالث ثلاثة؟ وهكذا القسيس فندر حيث قال:"وإنما أوردنا ذلك إشعاراً باننا لا نخطئ"(2) إن هذا دليل على أن هذا الأسلوب شائع مستخدم بكثرة ولاسيما في الكتب وعند الكتاب ويجري في سليقة العرب وسنن العربية قديماً وحديثاً وليس فيه أدنى غرابة أو شبهة لكن النصارى قوم مُلبسون.

(1) انظر ص: (5) .

(2)

انظر ص: (6) .

ص: 51

أما الموضوع الآخر:

فهو نصوص لغوية من خلال التوراة والأناجيل تدل على المفرد أو المثنى وهي في صورة الجمع:

أولاً: شواهد توراتية وهي إما أن تدل: على المفرد أو على المثنى:

أ) شواهد تدل على المفرد منها:

(1)

جاء في سفر التكوين "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا"(1) .

(2)

وجاء فيه: "وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحدٍ منا"(2) .

(3)

وجاء فيه "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم"(3) .

فهذه ضمائر جمع تدل على المفرد وعلى الرغم من أن النصارى قد يحرفونها كما حاولوا ذلك في القرآن إلا أن مما يوضح دلالتها على المفرد النصوص التوراتية التي تدل على الوحدانية - كما مر سابقاً - (4) كما يؤيد ذلك أن اليهود الذين نزلت التوراة بلغتهم على مختلف عصورهم وتعدد أنبيائهم ما فهموا من ضمائر الجمع هذه إلا دلالتها على المفرد إذ إن ذلك هو معتقد الدين اليهودي كما هو معروف.

(1) التكوين (1: 26) .

(2)

التكوين (22: 3) .

(3)

التكوين (11: 7) .

(4)

انظر ص (12) .

ص: 52

(4)

جاء في نشيد الإنشاد "ارجعي ارجعي يا شولميت ارجعي ارجعي فننظر إليك"(1) .

وسياق هذا النص تشبيب من حبيب بمحبوبته ودلالة هذا النص على الواحد واضحة جداً إذ يقوله محب – بزعمهم - في محبوبته، وسياق هذا السفر كله غزلي.

ب) شواهد تدل على المثنى:

جاء في العهد القديم قوله " تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل ولنبث في القرى لنبكرن إلى الكروم لننظر هل أزهر الكرم"(2) .

وقوله "اجذبني وراءك فنجري"(3) فهذه ضمائر جمع أريد بها المثنى كما هو واضح من السياق.

ثانياً: شواهد إنجيلية:

من الشواهد الإنجيلية لاستخدام ضمائر المتكلمين التي تدل على الفرد: قول بولس: "كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو فماذا نقول ألعل عند الله ظلماً حاشا"(4) . ويقول أيضاً: "إذاً نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس. أفنبطل الناموس بالإيمان حاشا بل نثبت الناموس"(5) . ويقول أيضاً: "فماذا نقول إن أبانا إبراهيم قد وجد حسب

(1) نشيد الإنشاد: (6: 13) .

(2)

نشيد الإنشاد (7: 11) .

(3)

نشيد الإنشاد (1: 4) .

(4)

رومية (9: 13-14) .

(5)

رومية (3: 28-31) .

ص: 53

الجسد" (1) . ويقول: "فماذ نقول إن الأمم الذين لم يسعوا في أثر البر أدركوا البر الذي بالإيمان" (2) . بل قال بولس: "لذلك أردنا أن نأتي إليكم أنا بولس مرة ومرتين وإنما عاقنا الشيطان" (3) .

فقوله: (فماذا نقول) و (نحسب) و (أفنبطل) و (نثبت) و (أردنا) و (نأتي) و (عاقنا) تشتمل على ضمائر جمع مستترة وجوباً أو ضمائر ظاهرة أسندت إلى أفعال وهي تدل على مفرد هو بولس وحده وليس ثلاثة هو ثالثهم.

وهكذا نرى أن من الأساليب المعهودة في اللغة العربية التي نزل بها القرآن وترجمت إليها التوراة والإنجيل استخدام ضمائر الجمع للدلالة على المثنى أو على المفرد فقط وقد استخدمت لتعود إلى غير الله مما يبين فساد دعوى النصارى والمنصرين في أن ضمائر الجمع المسندة لله سبحانه وتعالى في القرآن تدل على ألوهية عيسى عليه السلام بزعم دلالتها على التثليث، وإنما هو أسلوب من أساليب التعظيم أولى به الخالق سبحانه وتعالى من كل مخلوق، واستخدامه جرى على لسان العرب كثيراً حتى النصارى -كما مر- وهو إلى اليوم معهود غير مستغرب سواء في مخاطبات الملوك أو غيرهم.

(1) المصدر نفسه (4: 1) .

(2)

المصدر نفسه (9: 30) .

(3)

(ا) تسالونيكي (2: 18) .

ص: 54