المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: الرد على ادعاء المنصرين أن المعجزات التي أيد الله بها عيسى والتي ذكرت في القرآن ولاسيما إحياء الموتى دليل على ألوهية المسيح - افتراءات المنصرين على القرآن الكريم أنه يؤيد زعم ألوهية المسيح عليه السلام

[علي بن عتيق الحربي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: عرض ادعاءات المنصرين على القرآن أنه يؤيد اعتقادهم بألوهية المسيح عليه السلام

- ‌الادعاء الأول:- أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن تدل على ألوهية المسيح عليه السلام

- ‌الادعاء الثاني:- أن المسيح – عليه السلام روح من الله -بجعل (مِنْ) للتبعيض - وكلمته التي تجسدت وصارت إنساناً

- ‌الادعاء الثالث:- أن المعجزات التي أيد الله بها عيسى – عليه السلام وذكرت في القرآن تدل على ألوهية عيسى ولا سيما إحياء الموتى

- ‌المبحث الثاني: رد إجمالي على ما سبق من ادعاءات المنصرين على القرآن:

- ‌أولاً:- وحدانية الله من خلال القرآن وكتب العهدين

- ‌ثانياً: نفي الألوهية عن عيسى – عليه السلام من خلال القرآن والأناجيل:

- ‌ثالثاً: بشرية عيسى عليه السلام وعبوديته من خلال القرآن والأناجيل:

- ‌رابعاً: نبوة عيسى –عليه السلام -ورسالته من خلال القرآن والأناجيل:

- ‌المبحث الثالث: رد تفصيلي على ما سبق من ادعاءات المنصرين على القرآن

- ‌المطلب الأول: الرد على ادعاء المنصرين أن ضمائر الجمع التي تكلم الله بها عن نفسه في القرآن تدل على ألوهية المسيح

- ‌المطلب الثاني: الرد على ادعاء المنصرين أن المسيح روح من الله -بجعل من للتبعيض- وكلمته التي تجسدت وصارت إنساناً

- ‌المطلب الثالث: الرد على ادعاء المنصرين أن المعجزات التي أيد الله بها عيسى والتي ذُكرت في القرآن ولاسيما إحياء الموتى دليل على ألوهية المسيح

- ‌الخاتمة:

- ‌أولاً: الخلاصة:

- ‌ثانيا: النتائج والتوصيات

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثالث: الرد على ادعاء المنصرين أن المعجزات التي أيد الله بها عيسى والتي ذكرت في القرآن ولاسيما إحياء الموتى دليل على ألوهية المسيح

‌المطلب الثالث: الرد على ادعاء المنصرين أن المعجزات التي أيد الله بها عيسى والتي ذُكرت في القرآن ولاسيما إحياء الموتى دليل على ألوهية المسيح

.

المطلب الثالث: الرد على ادعاء المنصرين: أن المعجزات التي أيد الله بها عيسى عليه السلام والتي ذكرت في القرآن ولاسيما إحياء الموتى تدل على ألوهية المسيح عليه السلام:

والمعجزات التي ذكرت في القرآن هي:

1-

كلام عيسى عليه السلام في المهد بإذن الله (1) .

2-

خلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله (2) .

3-

إبراء الأكمه والأبرص بإذن الله (3) .

4-

إحياء الموتى بإذن الله (4) .

5-

إنباؤه لبني إسرائيل بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم بإعلام الله له بذلك (5) .

6-

المائدة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على عيسى وحوارييه (6) .

ولإيضاح الرد على المنصرين قسم هذا المبحث إلى الموضوعين التاليين:

الموضوع الأول: معجزات كمعجزات عيسى وذلك من خلال القرآن.

(1) آل عمران آية (46) .

(2)

آل عمران آية (49) .

(3)

آل عمران آية (49) .

(4)

آل عمران آية (49) .

(5)

آل عمران آية (49) .

(6)

المائدة آية (112-115) .

ص: 71

والموضوع الثاني: معجزات كمعجزات عيسى من خلال التوراة والأناجيل.

أما الموضوع الأول فهو:

معجزات كمعجزات عيسى من خلال القرآن:

فقد مر آنفاً بيان المعجزات التي أيد الله بها عيسى عليه السلام والتي ذكرت في القرآن الكريم. ومعلوم أن بعض هذه المعجزات لم يرد فيها شيء البتة في الأناجيل الحالية ولا يعلم النصارى عنها شيئا - فيما اطلع عليه الباحث - من خلال الأناجيل إلا ما اطلعوا عليه من خلال القرآن الكريم، وذلك مثل: كلام عيسى في المهد وكهلاً. ومثل: خلقه من الطين كهيئة الطير فيكون طيراً بإذن الله، ومثل: إنبائه لهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم (1) . وإن كان قد ورد أنه أنبأهم ببعض الأمور المستقبلية كتهدم الهيكل مثلاً (2) .

وهذا يدل على جهل النصارى بكثير من أحوال عيسى عليه السلام سواء معجزاته - كما مر - أو حياته قبل الثلاثين من عمره أو غير ذلك حيث "لا نجد ذكراً لعيسى عليه السلام [في الأناجيل] إلا حينما كان طفلاً لا يتجاوز عمره ثمانية أيام - أي حينما ختن - ثم لا تدلك الأناجيل على شيء من حياته عليه السلام حتى يبلغ اثنتي عشرة سنة فتذكر أنه (لما كانت له اثنتا عشرة سنة صعد إلى أورشليم كعادة العيد) ثم لا تتكلم الأناجيل عن شيء من أحوال عيسى عليه السلام حتى يبلغ الثلاثين من عمره فتذكر أنه بعث آنذاك"(3) كما ذكرت

(1) انظر: علي الحربي: "نصرانية عيسى ? ونصرانية بولس"، ص (23-24) .

(2)

انظر ص (17) .

(3)

علي الحربي "نصرانية عيسى عليه السلام ونصرانية بولس" ص 33.

ص: 72

الأناجيل أنه ذهب إلى مصر وهو صبي هو وأمه مع يوسف النجار (1) - والله أعلم بذلك - إضافة إلى ما زعمت الأناجيل أنه نَسَبٌ للمسيح عليه السلام ذلك النسب المضطرب اضطراباً كبيراً كما هو معروف (2) . لعل هذا - فيما اطلع عليه الباحث - هو أغلب ما يعرفه النصارى من تاريخ عيسى عليه السلام إلى مبعثه انطلاقاً من الأناجيل الحالية ولذا فإن القرآن الكريم {يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (النمل:76) .

لهذا كله سوف يُقتصر في الرد عليهم من خلال القرآن على أهم المعجزات التي بنى بعض النصارى والمنصرين عليها دعوى ألوهية المسيح عليه السلام ولاسيما إحياء الموتى والإخبار بالغيب.

وقبل الدخول في هذا الموضوع لابد من بيان ما يأتي:

1) أن هذه المعجزات بإذن الله كما قال جل وعلا على نحو عام: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (الرعد: 38) .

وكما قال تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} (الجن:26-27) .

وكما قال تعالى على نحو خاص في عيسى عليه السلام: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي} (المائدة: 110) وقوله تعالى {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ

(1) متى (2: 13-15) .

(2)

انظر متى (1: 1-17) ولوقا (3: 23-38) .

ص: 73

الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} (آل عمران: 49) .

فكما هو صريح في هذه الآيات فإن المعجزات المذكورة كلها بإذن الله تعالى وهي آية لبني إسرائيل ليؤمنوا برسالة عيسى عليه السلام وليتقوا الله ويطيعوه فيما أرسله الله به.

2) لو انفرد عيسى عليه السلام على سبيل الفرض - بهذه المعجزات لما كان ذلك دليلاً على ألوهيته لأنه أوتيها بإذن الله تعالى كما مر آنفاً. فكيف وقد شاركه غيره من الرسل والأنبياء في أنواع المعجزات التي أنعم الله بها عليه، إضافة إلى من ليس بنبي ولا رسول، وإن من أول ما شورك به: إحياء الموتى بل سوف يقوم بإحياء ميت بإذن الله فتنة للناس وابتلاء لهم - إنسان كافر كفراً بواحاً ألا وهو: المسيح الدجال (1) . وهذه الأمور كلها تقطع بأن المعجزات التي جاء بها المسيح عليه السلام ليست دليلاً على الألوهية البتة.

وسوف ندرس موضوع إحياء الموتى أولاً ثم الإخبار بالغيب.

أولاً: إحياء الموتى:

ذكر القرآن الكريم معجزات عدة لإحياء الموتى إنعاماً من الله على بعض رسله وإجابة لدعواتهم وتأييداً لهم وتحدياً لأعدائهم من ذلك:

(1) انظر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتفق عليه الذي يقتل فيه الدجال شاباً ثم يحييه بإذن الله البخاري كتاب (85) باب (28) حديث (85) . ج (9) ص (109) حديث رقم (57) ومسلم بن الحجاج القشيري: "صحيح مسلم" تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي طبعة دار إحياء التراث العربي كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ذكر الدجال ج (4) ص (2256) حديث رقم (2938) وحديث النواس بن سمعان عند مسلم ج4 ص2250-2255 حديث رقم 2937]

ص: 74

1) أَخْذ إبراهيم عليه السلام للطيور الأربعة بأمر الله له بعد دعائه الله أن يريه كيف يحيى الموتى وتمزيقه لهن وتفريقه لأجزائهن على كل جبل منهن جزءا ثم دعوته لهن أن يأتينه، فأتينه سعياً، يقول تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة: 260) .

فهل حدوث هذه المعجزة على يد إبراهيم عليه السلام الذي هو أب لعيسى - من خلال القرآن ومن خلال الأناجيل - مسوغ لاتخاذ إبراهيم إلهاً؟

2) إلقاء موسى لعصاه الجماد التي لا روح فيها، ثم تحولها إلى ثعبان عظيم عند فرعون والملأ من قومه قال تعالى {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} (الأعراف: 104-107) . وقوله تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} (الأعراف: 117) .

فهذه معجزة عظيمة أنعم الله بها على موسى صلى الله عليه وسلم إذ أحيا الله هذه القطعة الصغيرة من الخشب الجماد التي لا حياة فيها وجعلها حية عظيمة تسعى وتبتلع بفيها ما وضعه السحرة من عصي وحبال. إلخ.

3) إحياء الميت الذي قُتل في بني إسرائيل في عهد موسى عليه السلام بإذن الله بعد أمر الله لهم أن يضربوا الميت ببعض البقرة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى

ص: 75

في القرآن (1) . يقول تعالى {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (البقرة: 72-73) .

فهؤلاء الذين ضربوا الميت ببعض لحم البقرة فقام حياً بإذن الله ليسوا من الرسل - على ما يظهر - وعلى الرغم من هذا حدثت على أيديهم هذه المعجزة بإذن الله فهل كان هذا مدعاة لتأليه أحد منهم؟ أو تأليه موسى عليه السلام؟

إن النصارى زعموا أن علة تأليه عيسى عليه السلام هي إحياؤه للموتى (2) ولو فرض أنها علة لتأليه أحد ما من البشر، لكان العقل موجباً أن يؤله كل من اشترك في هذه العلة فقام بمثل هذه المعجزات أو الأمور الخارقة للعادة. وقد شارك عيسى غيره في معجزة الإحياء كما مر آنفاً، مما يبطل ادعاء النصارى في تأليه عيسى عليه السلام لإحيائه الموتى على نحو عام ويبطل نسبة هذا التأليه إلى القرآن على نحو خاص لأن القرآن أوضح أن كل ذلك بإذن الله وأن هناك من أنعم الله عليه بمثل معجزات عيسى عليه السلام في إحياء الموتى، ولم يجعل ذلك منهم آلهة.

ثانياً: الإخبار بالغيب

أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن العظيم عن بعض من أنعم عليهم: بإطلاعهم - من لدنه - على بعض الغيوب من ذلك:

أ) ما أنزل على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه من الغيوب سواء في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة وهو

(1) سورة البقرة الآيات (67-71) .

(2)

انظر ص (7) .

ص: 76

شيء كثير لا يتسع المقام لذكره، مثل الأخبار عن الأقوام السابقين له صلوت الله وسلامه عليه وعن رسلهم وما جرى لهم مع أقوامهم ومثل الإخبار عن قصة سليمان والهدهد وملكة سبأ إلى غير ذلك من أمور غيبية ماضية بل وأمور غيبية مستقبلية (1) .

ولما كانت الدعوى (دعوى الألوهية وما يرتبط بها) مدعاة من النصارى والمنصرين على القرآن ولأن بعض أهل الكتاب كما يقول ابن تيمية يقول "لا نصدق إلا بما في القرآن"(2) . أي من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم (3) فإنه يحسن ذكر بعض ما أنزله الله سبحانه وتعالى على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن من الأخبار الغيبية ولاسيما بعض ما يرتبط بعيسى صلى الله عليه وسلم وأمه مما انفرد به القرآن الكريم ومن ذلك:

1) أن مريم حملت بعيسى عليه السلام {فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} (مريم: 22-25) .

2) أن عيسى عليه السلام تكلم في المهد و {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ

(1) انظر رحمت الله الهندي "اظهار الحق" ج2 ص: (81) فما بعد، وعبد العزيز السلمان "من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم" الطبعة الثانية والعشرون 1420هـ/1999م ومحمود مهدي الاستانبولي "إعجاز القرآن العلمي" الطبعة الثانية، مكتبة السوادي للتوزيع، جدة.

(2)

ابن تيمية الجواب الصحيح ج6، ص (68) .

(3)

لاشك أن هذا من باب الجدل فقط وعلى زعم محاولة إلزام المسلم من خلال مسلماته، فيما يعتقدون أنه حجة لهم مثل: معجزات عيسى عليه السلام أو غيرها.

ص: 77

مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} (مريم: 30-33) .

3) أن عيسى عليه السلام خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فصار طيراً بإذن الله (1) .

4) أن عيسى عليه السلام كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم (2) .

كل هذه الأخبار الغيبية لا يعلمها حتى النصارى أنفسهم وفق أناجيلهم الحالية، كما مر (3) . فإنما أنزلها الله على يد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن.

ب) ماجاء في القرآن من إخبار نبي من أنبياء بني إسرائيل لهم عن آية ملك طالوت عليهم. قال تعالى {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (البقرة: 248) فهذا نبي من بني إسرائيل يخبرهم عن أمور غيبية مستقبلية لم تحدث بعد آنذاك فما جعل ذلك منه إلهاً.

ج) ما أعطاه الله سبحانه وتعالى للخضر من العلم الغيبي الذي لم يُعطَه رسول من أولي العزم من الرسل وهو موسى صلوات الله وسلامه عليهم، فإن الخضر خرق سفينة المساكين الذين يعملون في البحر حفاظاً عليها لأن الله أعلمه أن وراءهم ملكاً يأخذ كل سفينة غصباً، وقتل الغلام خشية أن يرهق أبويه طغياناً وكفراً، وأقام الجدار الذي كان يريد أن ينقض، إذ كان لغلامين

(1) انظر ص (45) .

(2)

انظر سورة آل عمران (49) .

(3)

انظر ص (45) .

ص: 78

يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما فأراد الله سبحانه وتعالى أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة منه (1) .

كل ذلك من الإنباء بالغيب الذي منحه الله تعالى للخضر مما لم أطلع على أن عيسى عليه السلام أعطي مثله لا في القرآن ولا في الأناجيل.

هذا فيما يتعلق بمعجزات مشابهة لمعجزات عيسى من خلال القرآن.

فماذا عن المعجزات المشابهة من خلال التوراة والأناجيل؟ هذا هو الموضوع التالي.

الموضوع الثاني:

معجزات كمعجزات عيسى عليه السلام من خلال التوراة والأناجيل:

إن المعجزات التي أنعم الله بها على عبده ورسوله عيسى عليه السلام تأييداً له وتصديقاً لرسالته ونبوته ليست بدعاً من المعجزات. فقد جاء في التوراة والأناجيل معجزات كمعجزات المسيح عليه السلام ولاسيما إحياء الموتى.

وقبل الخوض في ذكر ذلك لابد من الإشارة إلى أن معجزات المسيح عليه السلام التي وردت في الأناجيل إنما هي - بنص الأناجيل - بإذن الله تعالى يدل على ذلك من الأناجيل ما يلي:

1) - قوله "فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعاً ورفع يسوع عينه إلى فوق وقال أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي وأنا أعلم أنك في كل حين تسمع لي ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتني ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم: لِعَازَر هلم خارجاً فخرج الميت"(2) فانظر كيف

(1) انظر سورة الكهف الآيات 60-82.

(2)

يوحنا (11: 41-43) .

ص: 79

رفع عيسى بصره إلى السماء ودعا الله ومجده، وأوضح النص أن هذه المعجزة إنما هي من أجل أن يُصدقوا به رسولاً من عند الله، وقد استجاب الله دعاءه فخرج الميت حياً بإذن الله.

2) - قوله "فأجاب يسوع وقال لهم: الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب"(1) . وينسب إلى عيسى عليه السلام أنه قال: "والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك"(2) . فكل ما أوتيه المسيح عليه السلام من إحياء للموتى، ومن إنباء بالغيب إلى غير ذلك من معجزات إنما هو بنص أقوال المسيح عليه السلام من عند الله وبإذن الله سبحانه وتعالى وهذا مثبت أنه ليس له من الأمر شيء ومبطل لدعوى ألوهية المسيح من خلال الأناجيل كما بطلت هذه الدعوى قبل من خلال القرآن.

3) - جاء في نص آخر: "فقالت مرثا ليسوع: يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي لكن الآن أعلم أن كل ما تطلبه من الله يعطيك إياه"(3) . فهذه المرأة تعلم أن الأمر ليس بيده وإنما إذا دعا الله أعطاه الله سؤله فإحياء الموتى الذي حدث على يد المسيح إنما هو بإذن الله سبحانه وتعالى.

4) - وفي نص آخر: "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجل [!] قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون"(4) . فالأمر بدهي عند المؤمنين

(1) يوحنا (5: 19) .

(2)

يوحنا (17: 7) .

(3)

يوحنا (11: 21-22) .

(4)

أعمال الرسل (2: 22)، وانظر: أعمال الرسل (10: 38) .

ص: 80

بعيسى آنذاك من بني إسرائيل: أن المعجزات التي جاء بها إنما أوجدها وصنعها الله وليس عيسى عليه السلام وإنما حصلت على يد عيسى فهي من (قبل الله) أو من عند الله وبإذن الله وأوجدها الله سبحانه وتعالى وما عيسى إلا (رجل) أو عبد من عبيد الله ورسول من رسله ثبت صدقه بما أنزله الله على يديه من المعجزات (القوات والعجائب) .

ولذا على الرغم من إحياء عيسى للموتى بإذن الله، لم يجعل ذلك منه عند الجموع التي قام بالمعجزات في وسطها إلا أنه نبي فقط فلم يتجاوزوا به طور البشرية. جاء في الأناجيل "فقال [أي عيسى] أيها الشاب لك أقول قم فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه فأخذ الجمع خوف ومجدوا الله قائلين قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه"(1) .

وفي النص الذي قبل هذا قالوا عن عيسى إنه (رجل تبرهن لكم من قبل الله)، ولم يقولوا: إله، أو ابن إله. وهذا مما يوضح حقيقة عيسى وأنه عند بني إسرائيل الذين أرسل إليهم وآمنوا به إنما هو رسول نبي وعبد من عباد الله لأن المعجزات التي جاء بها إنما كانت بإذن الله سبحانه وتعالى ومن عنده وليست من عند المسيح ابتداءً.

وقد جاء في الأناجيل أن عيسى قال للحواريين "اشفوا مرضى طهروا برصاً أقيموا موتى أخرجوا شياطين مجانا"(2) . وهذا دليل على أن إحياء الموتى ليس علة ولا مبرراً لتأليه أحد من البشر مما يسقط دعوى النصارى في ألوهية عيسى استناداً إلى إحيائه للموتى فعلى فرض صحة هذا النص وافتراض تحققه

(1) لوقا (7: 14-16) .

(2)

متى (10: 8)

ص: 81

من قبل الحواريين يوضح بجلاء أن إحياءهم للموتى لم ولن يجعل منهم آلهة وليس هذا مسوغاً لتأليه أحد من البشر فإن زعم النصارى أن ذلك بسلطة أو بإذن من الله سبحانه وتعالى فإن هذا الكلام هو عين الرد عليهم في حالة إحياء عيسى للموتى إذا أحيا عيسى الموتى بإذن الله كما أوضحت ذلك آيات القرآن ونصوص الأناجيل الآنفة الذكر.

هذا فيما يتعلق بكون معجزات عيسى عليه السلام بإذن الله سبحانه وتعالى كما تدل عليه الأناجيل فما المعجزات التي تشبه معجزات عيسى عليه السلام؟

إن من المعجزات التي كمعجزات عيسى من خلال التوراة والأناجيل ما يلي:

أولاً- إحياء الموتى:

جاء في سفر الملوك الأول:"قال [إيليا] يا رب إليه لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه فسمع الرب لصوت إيليا فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش. وقال إيليا [لأم الولد] انظري ابنك حي فقالت المرأة لإيليا هذا الوقت علمت أنك رجل الله وأن كلام الرب في فمك حق"(1) . فأقصى ما قالته المرأة لإيليا بعد أن أحيا الله على يديه ابنها "إنك رجل الله" أي نبي الله. ولم تغل فيه فتقول له: إنك إله.

كما جاء في التوراة قوله "ودخل أَليِشَع البيت وإذا بالصبي ميت ومضطجع على سريره فدخل وأغلق الباب على نفسيهما كليهما وصلى إلى الرب. فعطس الصبي سبع مرات ثم فتح الصبي عينيه. فدعاها [أي أم

(1)(17: 21-24) .

ص: 82

الصبي] ولما دخلت إليه قال احملي ابنك" (1) . فما اتخذ اليسع إلهاً لذلك الإحياء الذي هو بإذن الله وهو كمعجزات عيسى عليه السلام.

كما جاء فيها قوله "ومات أَليِشَع فدفنوه وكان غزاة موآب تدخل على الأرض عند دخول السنة وفيما كانوا يدفنون رجلاً إذا بهم قد رأوا الغزاة فطرحوا الرجل في قبر أَليشع فلما نزل الرجل ومس عظام أليشع عاش وقام على رجليه"(2) فاليشع فيما تروي التوراة حتى وهو ميت تحيي عظامه بإذن الله ميتاً.

وجاء عن حزقيال أنه أحيا جيشاً عظيماً جداً جداً بإذن الله كانت عظام أفراده رميماً (3) .

فهؤلاء أحيوا بإذن الله أمواتاً وبعضهم أحيا جيشاً عظيماً من الأموات فلِمَ لم يكونوا آلهة مثل عيسى - تدرجا مع زعم النصارى؟ علماً أن العلة التي ادعاها النصارى والمنصرون لتأليه عيسى هي: إحياء الموتى، وهؤلاء اشتركوا مع عيسى عليه السلام في العلة نفسها وقاموا بالأفعال أو المعجزات نفسها. مما يوجب على النصارى - عقلاً الاشتراك مع عيسى في النتيجة نفسها وهي الألوهية فعدم تأليه النصارى لمن شارك عيسى عليه السلام في الفعل والعلة (المقدمة الصغرى والكبرى) مكابرة ومعاندة يرفضها العقل فهي من باب التفريق بين المتماثلات والمتطابقات لأن تطابق المقدمات مفضٍ لتطابق النتائج.

(1) الملوك الثاني (4: 32-36) .

(2)

الملوك الثاني (13: 20-21) .

(3)

حزقيال (37: 1-10) .

ص: 83

ومنطقياً كل من شارك عيسى عليه السلام بإحياء الموتى فهو إله كعيسى بجامع إحياء الموتى وتأليه هؤلاء البشر نتيجة كاذبة يكذبها النصارى قبل غيرهم ولما كانت النتائج كاذبة والمقدمات (الصغرى) مسلمة - ولاسيما المقبول منها عند المسلمين والنصارى - ثبت عقلاً أن العلة - أو المقدمة الكبرى في قياس الشمول - هي سبب بطلان النتائج وكذبها. وهذا ما تدل عليه آيات القرآن ونصوص التوراة والأناجيل من أن حصول معجزة إحياء الموتى على يد أحد من البشر وإن كان نبياً أو صالحاً ليس دليلاً على ألوهيته. مما يسقط دعوى النصارى في تأليه عيسى لأنه أحيا موتى إذ تبين أن هذا ليس علة للألوهية حيث قام بهذا الإحياء مَنْ ليس بإله مِن الرسل والأنبياء بإذن الله بل ومن ليس من الأنبياء أو الرسل.

ثم كيف وقد نص القرآن قبل هذا وورد في الأناجيل فيما يختص بعيسى أن معجزاته كانت بإذن الله سبحانه وتعالى (1) خالق عيسى وإلهه وإله الخلق أجمعين. كما مر (2) من الآيات والنصوص الدالة على بشرية عيسى وعبوديته الشيء الكثير. إن هذا كما أنه نافٍ لألوهية عيسى مبين لكذب دعواهم على القرآن أنه قد يلمح إلى ألوهية المسيح فضلاً عن أن يؤيدها.

ثانياً: الإخبار بالغيب:

من أمثلة ذلك ماجاء في العهد الجديد وهو قول بولس "والآن أنذركم أن تسيروا لأنه لا تكون خسارة نفس واحدة منكم إلا السفينة لأنه وقف بي

(1) انظر ص (46)

(2)

انظر ص (19و20)

ص: 84

هذه الليلة ملاك الإله الذي أنا له والذي أنا أعبده قائلاً لا تخف يا بولس ينبغي لك أن تقف أمام قيصر وهو ذا قد وهبك الله جميع المسافرين معك" (1) .

وفي العهد القديم أخبر صموائيل شاول أخباراً مستقبلية متعددة مما كان سيمر بها شاول إلى أن ينتهي الأمر بنبوة شاول (2) .

والإخبار بالنبوات المستقبلية من الأنبياء السابقين كثيرة في العهدين القديم والجديد ولاسيما في العهد القديم، وهي من الإخبار بالغيب الذي أذن الله به لمن يشاء من عباده وإن من أول ذلك البشارة بالرسول صلى الله عليه وسلم المبثوثة في كثير من أسفار العهدين وسواء قصد بهذه البشارات محمد صلى الله عليه وسلم كما هو الحق أو عيسى عليه السلام كما يزعمه النصارى فهي إنباء بالغيب من أنبياء ورسل بشر لم يجعلهم ذلك آلهة أو أبناء ألهة باتفاق المسلمين والنصارى فضلاً عن أن كل ذلك بإذن الله سبحانه وتعالى.

(1) أعمال الرسل (27: 22-24) .

(2)

انظر: صموئيل الأول (10: 1-10) .

ص: 85