المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم ال‌ ‌مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، - دحض دعوى المستشرقين أن القرآن من عند النبي صلى الله عليه وسلم

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم ال‌ ‌مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه،

بسم الله الرحمن الرحيم

ال‌

‌مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة والنسمة المجتباة، سيدنا محمد وعلى وآله وصحبه وسلم، وبعد:

فإن الله أرسل رسله بالبينات والهدى، وأظهر الله حججهم، وأبان عن محجتهم، واتضحت لكل ذي بصيرة مسالكهم وطرائقهم، وذلك ليحيا من يحيا عن بينة، ويهلك من يهلك عن بينة، فيكون له الهلاك والخسران.

وقد جعل الله تعالى للحق أعلاماً وأنصاراً وجزاءً، ويمثل الطائفة الحقة الرسل وأتباعهم في كل زمان ومكان.

والرسل وأتباعهم يظهرون الحجة والحق، ويدعون إليهما، وأعداء الرسل يدفعون الحجج، ويحاولون إبطالها وخلال ذلك يهتدي من يهتدي، ويهلك من يهلك، ولا يهلك على الله إلا هالك.

وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم هذه السنة، فقال:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31.

وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ، وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُون} الأنعام: [112-113] .

ص: 139

وقد روي عن السدي أنه قال: "لم يبعث نبي قط، إلا كان المجرمون له أعداء، ولم يبعث نبي قط إلا كان بعض المجرمين أشد عليه من بعض"."1"

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كان عدو النبي صلي الله عليه وسلم أبو جهل، وعدو موسى قارون، وكان قارون ابن عم موسى"."2"

وأبان الله تبارك وتعالى لنا في الآية الأخرى عن حقيقة هؤلاء الأعداء، وعن كيفية تداول الأقوال بينهم، وعن المصغين إليهم، فوصفهم بأنهم شياطين، والشيطان كما يقول ابن كثير هو:" كل من خرج عن نظيره بالشر، ولا يعادي الرسل إلا الشياطين من هؤلاء وهؤلاء – يقصد من الإنس والجن – فهؤلاء الأعداء للأنبياء يوحي بعضهم إلى بعض القول المزخرف المزين المزوق، الذي يغتر سامعه من الجهلة بأمره"."3"

وقد سلك في هذا الباطل، وهو رد النبوة وتكذيب الأنبياء، والطعن فيهم بكل وسيلة ممكنة أهل الضلالة والفجور مع أنبيائهم السابقين. فنوح عليه الصلاة والسلام رد قومه عليه قوله وكذبوه، وقالوا عنه {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ، إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون:24-25] .

وقال تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ، وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر:4-5] .

"1" عزاه في الدر المنثور "6/254" إلى ابن أبي حاتم.

"2" المرجع السابق.

"3" تفسير ابن كثير "2/168"،وانظر: تفسير القرطبي "7/67".

ص: 140

فالتكذيب للرسل سمة من سمات أهل الكفر والباطل، وموقفهم واحد، وهو الكفر والتكذيب، ووسيلتهم لذلك هو وصف النبي بالسحر أو الجنون أو الكذب، ونحو ذلك. وفي هذا يقول الله تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] .

وهم يظهرون هذا الموقف من الأنبياء بدافع من الهوى، كما قال تعالى:{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} [المائدة:70] .

ولا يؤثر في موقفهم ذلك وضوح الدليل الذي يجريه الله على يد النبي، أو عدد الأنبياء، بل هو موقف واحد متكرر في جميع الحالات. قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام:111] .

بل إن الله تعالى أرسل إلى قرية واحدة ثلاثة من الرسل، ومع ذلك كذبوا وردوا آيات الله. قال تعالى:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} [يس:13-15] .

ونبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه لم يكن بدعاً من الرسل، فقد أصابه ماأصاب من قبله من أعداء الله من التكذيب، والطعن فيه وفي رسالته وفي شخصه. قال تعالى:{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} آل عمران:184] .

وقد تمالأ أعداء الإسلام قديماً وحديثاً، بدءاً بأبي جهل وأبي بن خلف

ص: 141

وأبي لهب والوليد بن المغيرة، وأمثالهم من مشركي مكة، وسيستمر ذلك إلى الدجال الأكبر وما بعده من أهل الضلالة.

فما دام هناك أعداءً فلا بد أن يطعنوا في القرآن وفيمن جاء به، ويزخرفوا ذلك بالقول الحسن المزوق، حتى يروج على الجهلة.

وقد ذكر الله تعالى كما سنبين دعاوى أعداء الرسل وطعنهم، وما افتروه على كلامه ورسله، وتولى تبارك وتعالى الرد عليهم، وإن كان الردوالبيان، وإقامة الحجة لا يغني عمن هو صال النار، ولا ينفع فيمن تحكم فيه هواه، وانقاد لوساوس نفسه، ودواعي شهواته وشيطانه، وإنما في ذلك جهادهم بالكلمة وإظهار لدين الله، حتى لا يلبسوا على غر وجاهل لا يتبين مواقع الضلالة والباطل في كلامهم.

ص: 142