المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: تعريف الإستشراق - دحض دعوى المستشرقين أن القرآن من عند النبي صلى الله عليه وسلم

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

الفصل: ‌المطلب الأول: تعريف الإستشراق

‌المبحث الاول

‌مدخل

المبحث الأول

دعوى المستشرقين أن القرآن من عند النبي صلي الله عليه وسلم وأنه استفاده من اليهود والنصارى.

ص: 143

وأهله، وتشويه الدين الإسلامي حتى يحجبوا قومهم عنه، ويشككون المسلمين في دينهم وعقيدتهم وثوابتهم، حتى يسهل تنصلهم منه، وانفلاتهم منه، حتى يتمكنوا فيما يظنون من تنصيرهم.

وهذا ليس غريباً على الأعداء، فهذا دأبهم ومسلكهم وموقفهم من الحق، فقد حاول اليهود قتله عليه الصلاة والسلام، والبوا عليه القبائل، وسعوا إلى إشاعة التشكيك في صحة القرآن، فقالوا {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:91] ، وقالوا {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران:72] .

هذه بعض محاولات متقدميهم وسابقيهم، فدرج الأبناء على ما درج عليه الآباء، صداً عن دين الله، وتشكيكاً لعباد الله.

وقد ركز أولئك المستشرقون على قضية واحدة دارت حولها كل افتراءاتهم وكلامهم، وهي إنكار نبوة النبي صلي الله عليه وسلم. فوجهوا في خدمة هذا الإنكار كل طاقاتهم وسهومهم، فمرة يصفون النبي عليه الصلاة والسلام بالهوس، ومرة يصفونه بالعبقرية، ومرة يصفونه بالسرقات العلمية من اليهود والنصارى، ومرة يزعمون أنه مصلح عظيم."1"

وهنا واجههم موضوع القرآن الكريم من أين مصدره، فأخذوا يتخبطون في بيان ذلك، فلم يتركوا مقالة يمكن أن تقال في ذلك إلا قالوها، فزعموا أنه أساطير الأولين من الوثنيين وغيرهم، وزعموا أنه خيال نفسي قوي يصيب النبي صلي الله عليه وسلم، وزعموا أنه مقتبس من التوراة والإنجيل، وقالوا إنه مأخوذ عن شعر أمية بن أبي الصلت، إلى غير ذلك من الدعاوى، التي لا أزمّة لها ولا أعنّة، بل يشعر قارئها بأن كلامهم إهانة لصفة العلم، التي إينتحلوها، وأنهم إنما هم مجموعة

"1" انظر بعض كلامهم في: مناهج المستشرقين ص26-32.

ص: 144

من الكذبة الأفاقين، والكفرة الحاقدين الحاسدين، الذين جهرهم وبهرهم نور الإسلام، وهم أعداء حاقدون، فحاروا فيه، وحاصوا حيصة الحمر، وصاروا يخبطون خبط عشواء.

وسنبين في دراسة مختصرة دعواهم أن القرآن من عند النبي صلي الله عليه وسلم، وأنه اعتمد فيه على التوراة والإنجيل.

ونبين بإذن الله تهافت هذه الدعاوى وبطلانها، رجاء أن يجعل الله في ذلك نصرة للحق، ودفعاً للباطل، وأن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرد عنا وعن المسلمين كيد أعدائنا، وأن يجعل ما يدبرونه ويكيدون به هذا الدين سبباً في تدميرهم وهلاكهم، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويثبتنا على الحق إلى يوم نلقاه.

ص: 145

‌المطلب الأول: تعريف الإستشراق

الاستشراق لغة: مأخوذ من جهة الشرق.

اصطلاحاً: هو علم يدرس فيه لغات الشرق وتراث وأديان شعوبها وحضارتهم وتاريخهم، وكل ما يتعلق بهم."1"

وهذا الاسم غلب على تعلم الأوروبيين علوم أهل الشرق. فعليه فالمستشرق في مقصدنا هنا: هو ذاك الأوروبي أو الغربي، الذي اجتهد في تعلم علوم الشرق، وديانة أهلها وحضارتهم.

والاستشراق حركة نبتت في الكنيسة "2"، لهذا تبنى جلّ المستشرقين موقف الكنيسة من الإسلام، وهو العداء له، والكيد له بكل وسيلة ممكنة.

وقد وجه المستشرقون سهامهم إلى كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، فطعنوا في نبينا محمد صلي الله عليه وسلم، وكتاب الله القرآن الكريم، والتشريع الإسلامي، وتاريخ المسلمين، ولغة المسلمين. وهدفهم من وراء ذلك هو الصد عن دين الله، والتشكيك في دينه، فيصدون بني جنسهم عن الإسلام بالافتراء على الإسلام

"1" انظر: الاستشراق والتاريخ الإسلامي ص30.

"2" يعزى إلى الراهب الفرنسي جوبرت، الذي انتخب بابا للكنيسة سنة 999م أنه أول من درس علوم الشرق، وذلك في الأندلس، ثم تتابع المرتحلون إلى الشرق حتى كان مجمع فينا سنة 1312م، الذي قرر إنشاء خمسة كراسي في جامعات غربية لتعليم اللغة العربية، وابتدأ فيه تنظيم وترتيب ما يسمى بالاستشراق. انظر: آراء المستشرقين حول القرآن الكريم "1/25"، الاستشراق والتاريخ الإسلامي ص33.

ص: 143