الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألف فيها كتابه هذا، وسنراه أعمق فكرا، وأدق ترتيبا، وأكثر شمولا فى كتابه الآخر:«جذوة الاقتباس، فيمن حل من الأعلام بمدينة فاس» الذى سنتحدث عنه فى ثنايا الحديث عن مؤلفاته وآثاره-بعد أن نعرّف به، ونترجم له.
فمن هو ابن القاضى
؟
هو أبو العباس: أحمد بن محمد بن أبى العافية، المشهور بابن القاضى، المكناسى؛ فهو منسوب إلى موسى بن أبى العافية، ثم إلى مكناس بن وصطيف كما حدث عن نفسه فى «جذوة الاقتباس» وهو أيضا من أهل «مكناس» (بالمغرب)
نشأته:
ولد بها عام 960 هـ، ونشأ فى بيت علم فكان أول تلقيه على أبيه: عمر بن أبى العافية المتوفى بفاس سنة 981 هـ ثم أخذ عن أعلام عصره ما بين المغرب والمشرق.
شيوخه:
فمعن أخذ عنهم فى المغرب: أبو العباس: أحمد بن على المنجور الفاسى (926 - 995 هـ).
كان مستبحرا فى كثير من العلوم، لا سيما علم الأصول والمنطق، والتاريخ، والبيان. وقد ترجم له ابن القاضى فى هذا الجزء ترجمة ضافية (ص 156 - 163) ذكر فيها كثيرا من أخباره وأشعاره، ومناقبه وآثاره، ثم قال:
«ولقد أجاز لى جميع ما يحمله، وجميع تآليفه، وصارت الدنيا تصغر بين عينى كلما ذكرت أكل التراب للسانه، والدود لبنانه. .
ولقد لازمته كثيرا من سنة 975 إلى وفاته، رحمه الله. وما فارقته إلا زمن رحلتى للمشرق، وزمن أسرى فقط، أو مدة أقمتها بمراكش فى حياته. . . إلخ.
وحديث ابن القاضى عن شيخه هذا فى سائر الترجمة ينبئ عن مدى ما كان يكن له من إجلال وتوقير، وما كان يأخذ به نفسه من ملازمته ومتابعته، والاعتذار عن يسير مفارقته.
وهو أمر ينبئ بدوره عن مدى تعلق ابن القاضى بالعلم. وحرصه على تحصيله وفقهه؛ فملازمة الأعلام، ودوى المثالة فى العلم حين تتجرد عن غرض الدنيا لا تكون لشئ إلا للإفادة منهم، والتحمل عنهم، وهى الطريقة المثلى لنشر العلم، وخلود الأثر! .
وقد كانت علاقة ابن القاضى بابن المنجور صورة رائعة لهذا الذى نقول.
…
ومنهم: أبو العباس: أحمد بابا بن أحمد بن عمر بن أقيت التنبكتى الصنهاجى الفقيه المؤرخ المحقق.
له ما يزيد على الأربعين تأليفا منها: «شرح على مختصر خليل» من الزكاة إلى النكاح، و «فوائد النكاح، على مختصر الوشاح» للسيوطى، و «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» «وكفاية المحتاج لمعرفة من ليس فى الديباج» كانت مكتبته تضم ألف مجلد وستمائة مجلد، وكان يقول: أنا أقل عشيرتى كتبا.
توفى سنة 1032.
وقد انتفع ابن القاضى بشيخه هذا أيما انتفاع ولعل الناحية التاريخية كانت أظهر ما انتفع به منه.
…
ومنهم أبو عثمان: سعيد بن أحمد المقرى التلمسانى (930 - 1911 هـ).
كان مفتى تلمسان نحوا من ستين سنة، وخطيبها بجامعها الأعظم خمسا وأربعين سنة. وكان فقيها وراوية.
وعنه أخذ ابن القاضى الفقه والتاريخ.
…
ومنهم: أبو العباس: أحمد بن جيدة العالم الرحال الفقيه الأديب صاحب النظم الجيد، والنثر الرائق.
توفى سنة 1009
…
ومنهم: أبو المحاسن: يوسف بن محمد القصرى الفاسى العالم الفقيه العارف بالله المؤرخ: ولد سنة 937 وتوفى سنة 1013.
ومنهم: أبو عبد الله: محمد بن القاسم القيسى الشهير بالقصار الفقيه المحدث، المحقق شيخ الفتيا بفاس، وخاتمة أعلامها.
له مؤلفات عديدة، وفهرسة جمعت روايته فى الفقه والحديث.
ولد سنة 936 وتوفى سنة 1012.
…
ومنهم: أبو عبد الله: محمد بن الشيخ أبو بكر، الدلائى. الإمام العالم العامل العارف بالله، المستبحر فى علوم القرآن والسنة والكلام، انتهت إليه الرياسة الإمامة والفتيا فى زمنه.
قال ابن مخلوف فى شجرة النور الزكية 1/ 301:
وكان أعلام وقته كالشهاب المقرّى، وأبو العباس الفاسى (ابن القاضى) يقصدون زيارته، والتبرك به، ويراجعونه فى عويص المسائل اه.
ولد سنة 967 وتوفى سنة 1046 هـ.
ومن هذا النص نستطيع أن نلمح مدى ما كان عليه أبو العباس بن القاضى؛ فإنه لا تجوز مراجعة الأعلام وذوى الشأن فى عويص المسائل، ولا الغوص معهم فى محيط العلوم إلا لمن كان ذا تمكن واقتدار.
ناهيك إذا بابن القاضى، وما كان له من مكانه فى العلم! ومثالة بين القوم! ؟
…
وممن أخذ عنهم فى المشرق، إبراهيم بن عبد الرحمن العلقمى المصرى الشافعى الأشعرى، المحدّث الرواية الراحالة.
وقد ترجم له ابن القاضى ص 203 - 204 وقال: «أخذت عنه «البخارى» -رواية-بمصر سنة 986 بداره. . ثم ذكر طرفا من إنشاده لنفسه ولغيره، وأنه توفى سنة 997.
…
ومنهم: أبو عبد الله: محمد بن سلامة البنوفرى.
من أعيان فقهاء مصر كان مشهورا بالدين والورع، وانفرد أخيرا برياسة المذهب وكان-على ما قيل-يختم إقراء «مختصر خليل» فى أربعة أشهر، ويمشى لرباط الإسكندرية أربعة أشهر، ويحج فى أربعة أشهر. توفى فى حدود سنة 998 هـ
…
ومنهم القاضى بدر الدين: محمد بن يحيى بن عمر بن أحمد بن يونس المصرى القرافى كان مشارا إليه بالعلم والصلاح ورواية الحديث. تولى قضاء المالكية بمصر كان-على ما قيل-أمثل قضاته، شرح مختصر خليل فى أسفار، وله حاشية على القاموس سماها «القول المأنوس» وله تعليق على «أوائل ابن الحاجب» و «ذيل على الديباج» فيه تراجم لأكثر من ثلاثمائة شخص، وله شرح على «الموطأ» وله شعر حسن.
ولد سنة 938 وتوفى سنة 108.
…
على هؤلاء الأعلام وعلى غيرهم فى الشرق والغرب تتلمذ ابن القاضى وتغدى بلبان المعرفة فى الفقه، والحديث، والتفسير، والتاريخ، واللغة، والرياضة، والأدب، ثم غدا كما قال الكنانى: «حافظا، ضابطا، محققا، مؤرخا، إخباريا
ثقة، سيّال القريحة بالشعر، حسن العبارة، لطيف الإشارة، مستجمعا لعلوم الأدب، ماهرا فى معرفة علوم الأوائل، مشاركا فى غير ذلك، وانفرد بعلم الحساب والفرائض فى وقته شرقا وغربا (1)
…
ولقد كان ابن القاضى بعد تحمله للعلم وإعمال فكره فيه، وتمثله لمسائله حريصا على أدائه ونشره، ومن هنا كانت عنايته بالتربية والتدريس ومثابرته على التأليف والتصنيف.
ولقد أثمرت مدرسته فتخرج على يديه الكثيرون ممن ترسم هديه، واقتفى أثره، وقاربه أوفاقه فى تحصيل العلم، وخلود الأثر.
فلا غرو أن مثّل ابن القاضى-بالمدرسة الفكرية التى تأثر بها، ثم بتلامذته الذين صنعهم على عينه، ودفعهم للعلم والعمل بتوجيهه- لا غرو أن مثل ابن القاضى بأولئك وهؤلاء حلقة ضخمة فى سلسلة الحركة العلمية أينعت بها حقول المعرفة، فاستنارت البصائر، وتطور المجتمع، وازدهرت الحياة.
وسنستدل على ما نقول بحديث خاطف عن بعض تلاميذه ومكانتهم وإنتاجهم بعد أن تحدثنا عن بعض شيوخه فيما سبق، ثم نتبع ذلك: الحديث عن مؤلفاته.
(1) فى اليواقيت الثمينة، فى أعيان مذهب عالم المدينة:24.