المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ) - دروس الحرم المدني للعثيمين - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[1]

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌تفسير قوله تعالى: (والسماء والطارق)

- ‌تفسير قوله تعالى: (النجم الثاقب)

- ‌إثبات الرؤية لله سبحانه وتعالى يوم القيامة

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق)

- ‌تفسير قوله تعالى: (خلق من ماء دافق)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إنه على رجعه لقادر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يوم تبلى السرائر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فما له من قوة ولا ناصر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إنهم يكيدون كيداً)

- ‌الأسئلة

- ‌تفسير قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون)

- ‌حكم الاستغفار للمشرك أو للكافر

- ‌أسباب صلاح الباطن

- ‌حكم التوسل بحق الرسول وبمحبته

- ‌مشروعية رفع اليدين في صلاة الجنازة

- ‌الدليل على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان

- ‌حكم زيادة (إنك لا تخلف الميعاد) في الدعاء بعد الأذان

- ‌حكم اقتناء الجواري وشرائهن في هذا الزمان

- ‌حكم سفر المرأة مع مجموعة نساء

- ‌حكم التسليم على المدخن وحكم هجره

- ‌حكم التسبيح بالسبحة

- ‌حكم التصوير الفوتوغرافي

- ‌حكم استخدام الدف في حفلات الزواج وحكم حضور الحفلات إذا كان فيها غناء

- ‌نصيحة لأصحاب الدشوش

- ‌حكم تصنيف الناس: هذا من جماعة كذا وهذا من جماعة كذا

- ‌حكم الحلف بكتاب الله

- ‌حكم تغيير عشرة ريالات ورقية بتسعة ريالات معدنية

- ‌حكم استماع الأناشيد الإسلامية

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ)

‌تفسير قوله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ)

نرجع إلى السورة: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:4] : (إن) بمعنى: ما، و (لما) بمعنى: إلا، فيكون تفصيل الآية: ما كل نفس إلا عليها حافظ؛ لأن (إنْ) إذا جاءت بعدها (إلا) فهي للنفي، كقوله تعالى:{إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأنعام:7]{إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ} [الروم:58] وما أشبه ذلك في الآيات الكثيرة، فإذا أتى بعد (إن)(إلا) فهي نافية، و (لما) بمعنى (إلا) يعني: ما كل نفس إلا عليها حافظ يحفظها ويحفظ عنها: أما يحفظها فدليله قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] هذه من القرآن.

من السنة: (من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) هذا الحفظ للنفس، وحفظ النفس للمحاسبة، يعني: أن الله جعل على كل نفس واحدٍ منا ملائكة يحفظون أعماله كما قال تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار:9-10] هؤلاء الحافظون غير قوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] فكل إنسان عليه حافظ، يحفظه من أمر الله، ويحفظ عليه أعماله، ويكون الحساب على الأعمال يوم القيامة، ولهذا سماه الله يوم الحساب، هذا الذي يكتب على الإنسان يحاسب عليه يوم القيامة، وكيف يحاسب؟ قال الله تعالى:{وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} [الإسراء:13] مفتوحاً: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] قال بعض السلف: والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك، يقول: والله إن هذا إنصاف، لا يوجد أحد يدعي عليك ويقول: هات البينة، ولا قولك مردود، هذا كتاب موجود:{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] وما الذي يكتب في هذا؟ استمع إلى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:16-17] واحد عن اليمين وواحد عن الشمال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] رقيب يعني: مراقب، عتيد يعني: حاضر لا يغيب.

كلمة (من قول) يقول العلماء: إنها نصٌ في العموم؛ لأن النكرة في سياق النفي للعموم، لكن قد يقترن بها ما يجعلها نصاً بالعموم لا تحتمل شيئاً آخر، فما هو الذي جعلها نصاً في العموم؟ (ما يلفظ من قول) من: حرف جر زائد إعراباً، وليس زائداً معنى؛ لأن معناه توكيد النفي، وإذا دخل على كلمة كان مؤكداً لمدلول السياق:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] أي قول؟ كل الأقوال، ما دام قلنا:(ما يلفظ من قول) للنفي، المؤكد بـ (من) فمعناها: كل قول من خير أو شر أو لغو؛ لأن كلام الإنسان ثلاثة أقسام: خير، وشر، ولغو:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيقل خيراً) الذي هو واحد من الأصناف الثلاثة، إذاً لا يقول: اللغو ولا يقول الشر، واستمع إلى أوصاف عباد الرحمن:{وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] سالمين منه بعيدين عنه، وما أكثر اللغو في كلامنا! بل ما أكثر الزور! والزور هنا ليس شهادة الزور، بل كل قولٍ محرم هو زور، وما أكثره:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] .

دخل رجل على الإمام أحمد بن حنبل وهو مريض، وكان رحمه الله يئن من المرض، وتعرفون الأنين، فقال: يا أبا عبد الله! إن فلاناً وذكر اسمه من التابعين يقول: إن الملك يكتب حتى أنين المريض، فأمسك رحمه الله عن الأنين، يتصبر ويتحمل المرض ولا يئن خوفاً من أن يكتب.

ص: 6