المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعقيب على أواخر سورة البقرة - دروس الحرم المدني للعثيمين - جـ ٥

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[5]

- ‌تعقيب على أواخر سورة البقرة

- ‌تفسير قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)

- ‌الإخلاص في الدعوة إلى الله

- ‌اشتراط العلم في الدعوة إلى الله

- ‌استعمال الحكمة والموعظة الحسنة مع المدعو

- ‌الأسئلة

- ‌حكم جمع وقصر الصلاة عند الوصول إلى بلد المسافر

- ‌حكم استعمال حبوب منع الحمل

- ‌حكم لبس البنطال للمرأة أمام زوجها ومحارمها

- ‌حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم للنساء

- ‌حكم زكاة المال العائد من الشقق المؤجرة

- ‌حكم الصرف والتسليم مؤجلاً

- ‌حكم من بدل الشرع وتحاكم إلى القوانين الوضعية

- ‌حكم من رمى الجمرة ولم تسقط الحصى في الحوض أو شك في سقوطها

- ‌حكم مخالفة الشرط المتفق عليه

- ‌حكم وقوع الطلاق المعلق بشرط

- ‌متى يكون الفرح إسلامياً

- ‌حكم الدعاء بقولك: (أطال الله عمرك)

- ‌حكم الصلاة مستقبلاً حجرة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المقصود بالذراع في قوله صلى الله عليه وسلم في بيان طول أهل الجنة: (وطول آدم ستين ذراعاً)

الفصل: ‌تعقيب على أواخر سورة البقرة

‌تعقيب على أواخر سورة البقرة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: ففي اللقاء الماضي قرأ إمامنا في صلاة المغرب آخر سورة البقرة وآخر سورة النحل، وذكرنا أن موضوع الآيات التي قرأها مهمٌ جداً، وتكلمنا على آخر سورة البقرة بما تيسر، وذكرنا ما من الله به على عباده فيما يتعلق بالأوامر وفيما يتعلق بالنواهي، الذي ذكره الله تعالى بما يتعلق بالأوامر هو قوله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] .

والذي يتعلق بالنواهي هو قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] .

وذكرنا أنه يؤخذ من الجملة الأولى قاعدة مهمة فيما يتعلق بالواجبات وهي: أن الواجبات تسقط عن العاجز، فإن كان لها بدل أتي بالبدل، وإن لم يكن لها بدل سقطت.

من الواجبات التي تسقط بالعجز ولها بدل كفارة الظهار.

فكفارة الظهار يجب فيها عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

ويصح أن نمثل بالطهارة: يجب الماء فإن لم يجد فالتراب -التيمم- فإن لم يجد صلى ولو بلا وضوءٍ ولا تيمم؛ لأن الواجبات تسقط بالعجز، وهذه قاعدة ليست من رأي فلانٍ وفلان، ولا من فكر فلانٍ وفلان، ولكنها من رب العالمين الذي قال في كتابه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فهذه عبادته يسقط الله عز وجل عن عباده ما لا يستطيعون.

أما في النواهي فالقاعدة فيها: أن الجاهل والناسي يسقط عنه الإثم وما يترتب على الفعل من فدية أو كفارة فإنه يسقط عنه، ولهذا أيضاً أمثلة كثيرة: لو تكلم الإنسان في صلاته جاهلاً بتحريم الكلام فما حكم صلاته؟ صلاته صحيحة، والدليل: أن رجلاً دخل في الصلاة فسمع آخر حين عطس فقال: الحمد لله، فقال له: يرحمك الله.

إلى أن قال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الذي تكلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال، ولم يأمره بالإعادة.

بقي علينا شيءٌ لم تدل عليه الآية، وربما يؤخذ من الآية كما سنبين وهو الإكراه: إذا أكره الإنسان على فعل محرم فهل يترتب على هذا الفعل إثم أو فدية أو كفارة؟

‌الجواب

لا يترتب، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] فإذا كان الرجل لا يؤاخذ في الإكراه على الكفر وهو أعظم المعاصي، فعدم مؤاخذته في الإكراه على ما دونه من باب أولى، على أنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) وبناء على هذه القاعدة الثالثة وهي: سقوط الإثم والفدية والكفارة بالإكراه، بناءً على ذلك لو أن الرجل أكره زوجته وهي صائمة فجامعها فهل يفسد صومها؟ لا يفسد.

وهل عليها كفارة؟ ليس عليها كفارة؛ لأنها مكرهة، وهكذا أيضاً لو أكرهها على ذلك وهي في حجٍ أو عمرة فإنه ليس عليها فدية، وليس عليها إثم للقاعدة التي ذكرناها والتي أخذناها من كلام الرب عز وجل، ربما يؤخذ هذا، أي: سقوط الإثم والكفارة والفدية من قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ؛ لأن المكره لا يستطيع أن يتخلص، ولهذا لو أكرهه من يتمكن من دفع إكراهه فإنه يترتب عليه الحكم.

ما تقولون في رجل أجبرته زوجته على أن يطلقها، وقالت: إما أن تطلق وإما أن تقتل نفسها، وهي قادرة على أن تنفذ هذا، السكين بيدها، فطلق، هل يقع الطلاق أو لا؟ لا يقع الطلاق لأنه مكره، كيف كان مكرهاً؟ لأنها تريد أن تقتل نفسها وهي قادرة على أن تنفذ، وهذا من أشد ما يكون من الإكراه، لذلك نقول: لا يقع الطلاق، وهكذا جميع الأحكام لا تترتب على المكره، وذكرنا الدليل لهذا.

ص: 2