المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منزلة الأدب من العلم - دروس الشيخ أسامة سليمان - جـ ١٧

[أسامة سليمان]

فهرس الكتاب

- ‌طلب العلم ومأساة الأمة

- ‌أهمية طلب العلم والخروج لطلبه

- ‌منزلة الأدب من العلم

- ‌سوء فهم النصوص الشرعية من المصائب التي ألمت بالأمة

- ‌الدعوة إلى الله لا تعرف أرضاً ولا زمناً

- ‌تحري السؤال النافع والأدب فيه

- ‌الهمة العالية في طلب العلم والرحلة إليه

- ‌التناوب في طلب العلم وعدم الاعتزاز بجمع حطام الدنيا

- ‌فضل العلماء ورفعتهم في الدنيا والآخرة

- ‌طلب العلم وملازمة العلماء في الصغر والكبر

- ‌الأسئلة

- ‌وجوب الالتزام بشعائر الدين لمن أراد الجهاد في سبيل الله

- ‌حكم التصوير الفوتوغرافي

- ‌مشروعية الزيادة في الدعاء

- ‌حكم أخذ الحق من المحاكم الوضعية إذا رفض الخصم شرع الله

- ‌حكم قص الشعر بالتدريج

- ‌الكتب النافعة والمحذرة من الصوفية

- ‌وجوب حمل هم الدين وتغيير المنكر

- ‌معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربتها)

- ‌حكم صلاة من وضع السجائر أمامه وأخذ يصلي والنصيحة التي توجه إليه

- ‌معتقدات الشيعة الفاسدة وأباطيلهم

- ‌التحذير من منهج الصوفية في تلقي العلم

- ‌حكم البيع والشراء في الموالد التي تشد إليها الرحال

- ‌حكم الطلاق عند الغضب والإكراه

- ‌معنى تجديد الخطاب الديني والتحذير منه

- ‌حكم الدعاء بقولك اللهم إني أدعوك بنبيك

الفصل: ‌منزلة الأدب من العلم

‌منزلة الأدب من العلم

إن الإسلام علمنا كيف نحترم العالم في زمن ضاع فيه الأدب إلا من القليل.

يقول ابن سيرين: علم بلا أدب كالنار بلا حطب.

ولذلك المتأمل في نصوص القرآن الكريم يجد أن قضية الأدب احتلت مساحة كبيرة في القرآن؛ وذلك لأن الأدب مقدم على العلم.

قالوا: فليكن أدبك دقيقاً، وعلمك ملحاً، فأنت حين تصنع الخبز تحتاج إلى الدقيق أكثر من الملح، كذلك نريد للأدب أن يكون دقيقاً، وللعلم أن يكون ملحاً، فإذا كان العلم بغير أدب فإنه لا قيمة له ولا وزن له.

وانظر إلى قول موسى للخضر: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66].

هذه الآية تحمل مجموعة من الآداب: 1 - التواضع وهضم حق النفس: {هَلْ أَتَّبِعُكَ} [الكهف:66]، فموسى عليه السلام تابع والخضر متبوع، لم يقل موسى: أنا أعلم منه وأنا كليم الله، وأنا أحد أولي العزم من الرسل.

فانظر إلى التواضع قال: {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} [الكهف:66].

2 -

يقول موسى للخضر عليه السلام: أنا أريد أن أتعلم على يدك، فأنت عالم وأنا متعلم.

3 -

لا أريد أن تعلمني كل ما علمت، ولكن مما علمت، أي: أعطني شيئاً مما علمك الله.

وهذا معناه: أن طالب العلم لا يمكن أن يصل إلى مرتبة العالم حتى يأخذ عن كل أحد.

كذلك قال الله لعيسى عليه السلام: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:116]، هذا هو السؤال، وكان الجواب المتوقع أن يقول: لم أقل، لكن انظروا إلى هذا الأدب:{قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة:116 - 117] إلى أن قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]، يا له من أدب! كل هذه الإجابة للتأدب مع الله سبحانه.

كذلك فعلها يوسف مع إخوته عندما خرج من السجن، فليس لإخوة يوسف ذنب في قضية السجن، إنما السبب المباشر فيه هو امرأة العزيز، وإخوة يوسف كان لهم ذنب في إلقائه في الجب، فانظر يوم أن التقى مع إخوته بعد طول فراق، وبعد أن تأكد أنهم دبروا له المكيدة قال لهم:{لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف:92]، ثم قال لهم بعد ذلك: إن الله أحسن إلي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو.

فما علاقة الإخوة بالسجن، هذا معناه: أنه يذكر ما لا يؤرق الإخوة.

لأنه لو قال: إذ أخرجني من الجب لذكرهم بفعلهم وهو لا يريد إزعاجهم، فذكر السجن دون أن يذكر الجب.

وحتى نعرف سريعاً بصحيح الإمام البخاري نقول: كتاب البخاري مقسم إلى كتب، والكتب قسمها إلى أبواب: فبدأ بكتاب بدء الوحي، ثم كتاب الإيمان، ثم كتاب العلم، ثم كتاب الوضوء، ثم كتاب الغسل، ثم الحيض، التيمم، الصلاة، مواقيت الصلاة، وهكذا قسم الكتاب إلى كتب، ثم قسم الكتب إلى أبواب.

وفقه البخاري في تبويبه، أي: أن عنوان الباب يدل على فقهه.

إذاً: البخاري يضع حكماً فقهياً في هذا الباب من وجهة نظره، ثم يأتي بالأحاديث التي تترجم لهذا الباب.

مثلاً: حديث الليلة وهو حديث أبي بن كعب ترجم له البخاري في كتاب العلم بباب: الخروج إلى طلب العلم، ثم أعاده مرة أخرى في باب آخر، وهو باب: من سئل أي الناس أعلم؟ أي: أن البخاري قد يعيد الحديث أكثر من مرة.

واللطيف أنه يجعل للمتن عنواناً آخر أي: باباً مختلفاً؛ لأن هذا الحديث يمكن أن تؤخذ منه أحكام كثيرة.

ص: 3