المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقدمة في تعريف الصحابي - الأجوبة العراقية على الأسئلة اللاهورية

[الألوسي، شهاب الدين]

الفصل: ‌المقدمة في تعريف الصحابي

معتمدا على فيض أكرم مسئول، مرتبا لها على مقدمة وخاتمة وثلاثة فصول.

‌المقدمة في تعريف الصحابي

فأقول أما المقدمة ففي تعريف الصحابي: اعلم أن الصحابي في اللغة كما قال شيخ الإسلام القاضي زكريا من صحب غيره ما يطلق عليه اسم الصحبة وإن قلت وهو نسبة إلى الصحابة وهي إحدى المصادر التي جاء فيها فتح التاء وكسرها وعد منها غير قليل أبو محمد بن قتيبة وتكون جمع صاحب وقيدها ابن الأثير بالفتح ثم قال: ولم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا، والذي يقتضيه كلام بعض أجلة اللغويين أن الصحابة مصدرا كان أو جمعا يجوز في فائه الفتح والكسرة ولعله المعول عليه والنسبة على تقدير المصدرية من نسبة الشخص إلى من هو منهم وذلك على ما قيل بعد تنزيل الصحابة منزلة أسماء القبائل كتميم وقيس أو الأحياء كقريش وثقيف وإلا فالقياس صاحبي فليفهم. واختلفوا في تعريفه اصطلاحا فذهب الأكثرون ومنهم المحدثون والإمام أحمد وبعض الأصوليين وبعض أصحاب الإمام الشافعي عليه الرحمة إلى أنه من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على الإيمان. وبعضهم قال من رأى النبي بدل من اجتمع بالنبي. ويدخل على الأول مثل ابن أم مكتوم رضي الله عنه ولا يدخل على الثاني إلا بتمحل، لكن يخرج عنه من رآه من بعينه حيث لا يعد ذلك اجتماعا عرفا. وقد عد أئمة الحديث هذا الصنف في الصحابة، ويمكن أن يقال أن عدهم ذلك على سبيل

ص: 5

التوسع لشرف منزلة النبي صلى الله عليه وسلم. فأعطوا كل من رآه حكم الصحبة كما صرح بذلك أبو المظفر بن السمعاني وأيده كما قال الشمني بما رواه شعبة عن موسى السيلاني قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غيرك؟ قال: قد بقي ناس من الأعراب قد رأوه وأما من صحبه فلا. انتهى. ففرق - رضي الله تعالى عنه - بين من له صحبة ومن له رؤية. والظاهر أن المراد من قولهم من اجتمع بالنبي من اجتمع به حال نبوته. ويشهد له أنهم لم يترجموا في الصحابة من ولد له صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ومات قبلها كالقاسم وترجموا من ولد بعدها كإبراهيم. وعليه يخرج زيد بن عمرو بن نفيل جد سعيد أحد العشرة الذي قال فيه - صلى الله تعالى عليه وسلم - إنه يبعث أمة وحده، لأنه اجتمع معه - صلى الله تعالى عليه وسلم - قبل النبوة ومات قبل البعثة على الصحيح بخمس سنين على الدين الحنفي. لكن ذكره أبو عبد الله بن منده والبغوي وغيرهما في الصحابة، ولعله مبني على التوسع أيضا. وقد كان - رضي الله تعالى عنه - يعلم قرب بعثة نبي لكن لم يعلم أنه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بخصوصه. فقد أخرج الفاكهي أنه قال من حديث: وأنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ثم من ولد عبد المطلب وما أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي. ومن الغريب نقل الجلال الدواني القول بنبوته وأيده بعضهم بأنه كان يستند إلى الكعبة ثم يقول:

ص: 6

هلموا إلي فإنه لم يبق على دين الخليل غيري. وأنت تعلم أن هذا التأييد أضعف من دين ماني. ولم نر نحن هذا النقل عن أحد في الكتب المعول عليها في هذا الباب لغير الجلال والظن فيه حسن. وقولهم مؤمنا حال من فاعل اجتمع، فيخرج من اجتمع به عليه الصلاة والسلام غير مؤمن.

وقولهم ومات على الإيمان يخرج من اجتمع به صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات -والعياذ بالله تعالى- كافرا كربيعة بن أمية وعبد الله بن جحش وعبد الله بن خطل. ثم ظاهر الكلام أن تخلل الردة لا يضر في إطلاق وصف الصحبة، وهو كذلك عند جمع سواء كان الرجوع إلى الإسلام في حياته - صلى الله تعالى عليه وسلم - أم بعد وفاته، لأن أشعث بن قيس ارتد بعد النبي عليه الصلاة والسلام ثم رجع إلى الإسلام بين يدي الصديق الأكبر - رضي الله تعالى عنه - وزوّجه أخته. ولم يختلف أحد من المحدثين في عده في الصحابة رضي الله عنهم وقال بعض: يشترط عدم تخلل الردة. والمراد من قولهم من اجتمع به - صلى الله تعالى عليه وسلم - مؤمنا ومات على الإيمان الاستمرار على الإيمان لا اعتبار الطرفين فقط. وهذا الخلاف على ما قيل ناشئ من الخلاف في أنه هل الردة وحدها تحبط العمل أو هي بشرط الموت عليها. فمن قال بالأول لقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} ذهب إلى الثاني، ومن ذهب إلى الثاني لقوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت

ص: 7

أعمالهم} الآية وهي مقيدة للآية المطلقة لا أنها على التوزيع قال بالأول. وقد حققنا ذلك في تفسيرنا روح المعاني. وهل يدخل من اجتمع به صلى الله عليه وسلم ميتا قبل أن يدفن كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر إن صح محل نظر، ورجح الحافظ العسقلاني عدم الدخول. واستشعر بعضهم من التعريف أنه لا بد أن يكون من يطلق عليه الصحابي مميزا عاقلا، فلا يدخل الأطفال الذين حنّكهم - صلى الله تعالى عليه وسلم - كعبد الله بن الحارث بن نوفل وغيره. ويمكن أن يقال بدخولهم بناء على أن الاجتماع أعم من أن يكون بالنفس والاختيار أو بالغير والاضطرار، وأن الإيمان أعم من أن يكون حقيقة أو حكما أو تبعا، كذا قيل. وأنت تعلم أنه لا ينبغي تعميم الإيمان بحيث يشمل إيمان المنافقين لأنهم ليسوا بصحابة قطعا ولا عبرة بإيمانهم وإن أجريت عليهم أحكام المؤمنين من الدفن في مقابرهم ونحو ذلك. وذهب جمهور الأصوليين إلى أن الصحابي من طالت صحبته مدة يثبت معها إطلاق الصاحب عليه عرفا بلا تحديد لمقدارها، وقيل: مقدار ستة أشهر، وقال ابن المسيب: مقدار سنة، وإلا فيشترط الغزو. وقيل: لا يعد صحابيا إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة: من طالت مجالسته أو حفظت روايته أو ضبط أنه غزى معه - صلى الله تعالى عليه وسلم - أو استشهد بين يديه عليه الصلاة والسلام وقيل غير ذلك. والأصح المختار عند المحققين هو الأول

ص: 8