المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نوح عليه السلام مع قومه - دروس الشيخ سعد البريك - جـ ١٣٢

[سعد البريك]

فهرس الكتاب

- ‌إنا وجدنا آباءنا على أمة

- ‌الحق جلي لمن أراده وطلبه

- ‌صور لرد الحق على مرور التاريخ

- ‌حكم الاحتجاج بفعل الآباء والأجداد

- ‌الإسراف تبعاً للآباء والأجداد

- ‌كشف النساء عن وجوههن بحجة عادات الآباء والأجداد

- ‌إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق

- ‌العجب من التقليد في عصر التقنية والتكنولوجيا

- ‌تعطيل العقول سبب الضلالات

- ‌قصة الطفيل بن عمرو الدوسي

- ‌نهاية أتباع الآباء والأجداد

- ‌النهي عن التقليد المحموم

- ‌الاحتجاج بالأعراف والعادات على البدع والضلالات

- ‌نوح عليه السلام مع قومه

- ‌اتباع الآباء والأجداد بسبب انتشار البدع والضلالات

- ‌إبراهيم عليه السلام في معركة مع قومه

- ‌الأخذ بالاحتياط في الأمور المشتبهات

- ‌قصة موسى وهارون مع فرعون وقومه

- ‌التعصب الأعمى

- ‌بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً

- ‌الأسئلة

- ‌صحة حديث: (من لا تقية له لا دين له)

- ‌بدعة العزاء لأكثر من أسبوع

- ‌حكم السجود لطاغية من الطغاة

- ‌الاحتجاج بقصة موسى على الأخذ بدون محاورة ونقاش

- ‌حكم التدخين

- ‌حكم الموسيقى

- ‌رؤية الزوجة

- ‌مشاهدة المباريات

- ‌قضاء الصوم

- ‌رؤية الله في الجنة

- ‌حكم التهاون بالصلاة والنظر إلى النساء

- ‌حكم سب الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌حكم الصلاة قبل دخول الوقت

- ‌التدرج في الدعوة إلى الله

الفصل: ‌نوح عليه السلام مع قومه

‌نوح عليه السلام مع قومه

إن نوحاً عليه السلام أقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما الذي جعل جهد تسعمائة وخمسين سنة من الدعوة يضيع في هؤلاء هباءً فلا يهتدون ولا يستفيدون؟ السبب أنهم قالوا:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23] تسعمائة وخمسون سنة من الدعوة ضاعت في عقول أولئك هباءً منثوراً لم يستفيدوا منها؛ لأنهم كانوا متعلقين بآلهة الآباء والأجداد، ولما رأى نوح أنهم لا يستجيبون وليس لله في نفوسهم وقار، {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} [نوح:5 - 9] ثم ذكرهم بالنعم فقال: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10 - 12] مع كل هذه الأساليب وكل هذه الطرق في الدعوة لم يستجيبوا، فعرف العلة التي في نفوسهم، قال:{مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] لو كان لله في نفوسكم وقار وخوف لاتبعتم ما أقول لكم من الله، لكن إذا كان الآباء والأجداد في النفوس أعظم من الله، وأعراف الآباء والأجداد في النفوس أعظم مما عند الله، وعادات الآباء والأجداد أعظم من كلام الله وكلام رسوله فحينئذ اعلم أنه الهوى، قال تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص:50].

إن نوحاً لما رأى هؤلاء لا يستجيبون؛ دعا عليهم فقال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَاّ فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:26 - 27].

نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالحق الأبلج والملة السمحاء والشريعة الغراء، فنابذه العرب العداء، ورموه عن قوس واحدة، وعذبوا صحابته، وآذوه وحاصروه وتآمروا عليه لسفك دمه أو إخراجه أو حبسه قال تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال:30] وأرسلوا الجيوش الجرارة لقتاله وقتل منهم من قتل كل ذلك حفاظاً على ما اعتادوه من عادات آبائهم وأجدادهم، قال تعالى:{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَاّ اخْتِلاقٌ} [ص:1 - 7].

ولكن العرب بعد جهد جهيد ولأواء ومشقة أظهروا الحق، وأقلعوا عما اعتادوه وتعارفوا عليه من عادات وأعراف جاهلية، وعلت كلمة الله، واستنار الناس بنور الحق، وجاهد العرب الأمم الأخرى حتى أخرجوهم عن عادات آبائهم وأعرافهم الضالة، وهدوهم كما اهتدوا.

ص: 14