الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
الحجاج وإمارته على العراق
المبحث الأول: إمارة العراق
(1):
اشتعلت الفتن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك في العراق وازدادت الاضطرابات والثورات فيه بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان
(1) قال ابن جرير الطبري في تاريخه، 6/ 202:((وفي هذه السنة (أي سنة 75هـ) ولّى عبد الملك الحجاج بن يوسف العراق دون خراسان وسجستان، وفيها قدم الحجاج الكوفة، فحدثني أبو زيد قال: حدثني محمد بن يحيى أبو غسان، عن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: خرج الحجاج بن يوسف من المدينة حين أتاه كتاب عبد الملك بن مروان بولاية العراق بعد وفاة بشر بن مروان في اثني عشر راكباً على النجائب حتى دخل الكوفة حين انتشر النهار فجاءة، وقد كان بشر بعث المهلب إلى الحرورية، فبدأ بالمسجد فدخله، ثم صعد المنبر وهو متلثم بعمامة خز حمراء، فقال: عليّ بالناس، فحبسوه وأصحابه خارجه، فهمّوا به حتى إذا اجتمع إليه الناس قام فكشف عن وجهه، وقال:
أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا
…
متى أضع العمامة تعرفوني
أما والله إني أحمل الشر محمله، وأحذوه بنعله، وأجزيه بمثله، وإني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لأنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى.
ثم قال: وإني والله يا أهل العراق ما أغمز كتغماز التين ولا يقعقع لي بالشنان، ولقد فررت من ذكاء، وجريت إلى الغاية القصوى. إن أمير المؤمنين عبد الملك نشر كنانته، ثم عجم عيدانها، فوجدني أمرّها عوداً، وأصلبها مكسراً، فوجّهني إليكم، فإنكم طالما أوضعتم في الفتن، وسننتم سنن الغي. أما والله لألحونّكم لحو العود، ولأعصبنّكم عصب السّلَمة، ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل، إني والله لا أعِد إلا وفيت، ولا أخلق إلا فريت، فإياي وهذه الجماعات وقيلاً وقالاً، وما يقول: وفيه أنت وذاك؟ والله لتستقيمُنّ على سبل الحق، أو لأدعنّ لكل رجل منكم شغلاً في جسده. من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت دمه، وأنهبت ماله. ثم دخل منزله، ولم يزد على ذلك.
وانظر أيضاً: البداية والنهاية لابن كثير، 12/ 243 - 247، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 4/ 374 - 376، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم، 6/ 149 - 152.
- رضي الله عنه، ولكن قتل الحسين، وقوة عبيد الله بن زياد جعلت الهمم الثورية في العراق تصاب ببعض الإحباط والسكينة تجاه الأمويين في دمشق.
وحينما استطاع عبد الملك بن مروان السيطرة على العراق بمقتل ابن الزبير (مصعب)،تمّ إخماد الفتن التي تلت هذا بوجود أخيه بشر بن مروان أميراً على العراق، ووجود كثير من القواد وكبار وجوه العرب من حوله، كما عزّزه بحامية عسكرية شامية كبيرة لحفظ الأمن والنظام، ولإرهاب الأقوام الذين يحاولون زعزعة ركن الدولة، ويبدو أن هذا الاستقرار المزعزع لم يدم طويلاً، إذ عاد الخوارج إلى الثورة من جديد، فهدّدوا أمن الدولة الأموية، وذلك حين توفي بشر بن مروان، ولولا الله، ثم مقارعة القائد الأموي المشهور، المهلَّب بن أبي صُفرة لهم، ومطاولته حروبهم؛ لسيطروا على البصرة، والكوفة، وحوّلوا وجه الحوادث إلى غير ما يريده الأمويون، وأضف إلى ذلك: أن العراق يقطنها أقليات عدة، كلها تتجمّع على كره الأمويين. وربما اجتمع كثير منها على كره المسلمين بصفة عامة، والعرب بصفة خاصة (1).
فبعث عبد الملك بن مروان الوالي تلو الوالي إلى العراق، ولكن العراقيين كلما جاءهم والٍ استخفّوا به، وإذا صعد المنبر رموه بالحصا، وازدادت البلوى بأن فر كثيرٌ من الجند ولحقوا بأهلهم، الأمر الذي جعل حامي العراق من الخوارج المهلّب يغضب، ويكتب إلى عبد الملك أن يبعث إليه بشخصية قوية، تستطيع أن ترغم الجند على الصمود أمام الخوارج، عند ذلك نثر عبد الملك
(1) هزاع الشمري، الحجاج، ص23.