المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أحكام الأضحية الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير   الحمد لله رب - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ٤٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ ‌أحكام الأضحية الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير   الحمد لله رب

‌أحكام الأضحية

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله -جل وعلا- خلق الجن والإنس لهدف عظيم، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا- فقال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات].

ومن نعمة الله -جل وعلا- على المسلمين أن نوع لهم العبادات، فلم يجعلها نوعاً واحداً بل أنواع، افترض عليهم الفرائض، وسن لهم السنن؛ ليرتب لهم عليها الأجور، وجعل هذه الشرائع متنوعة، فمنها البدنية، ومنها المالية، ومنها المشترك بين المال والبدن، ومنها القاصر على النفس، ومنها المتعدي إلى الغير، فلو كانت نوعاً واحداً، بأن كانت بدنية فقط، كثير من المسلمين مستعد أن يدفع الأموال الطائلة ولا يكلف نفسه وبدنه شيئاً، فيشق عليه أن يؤدي ركعتين ويسهل عليه أن يتصدق بألفين، ومن الناس من هو بعكس ذلك وضده، فيشق عليه إخراج المال، ويسهل عليه ما يتعلق بالبدن، فهو مستعد أن يصلي الليل كله ويصوم النهار، ولكن يصعب عليه ويشق عليه أن يتصدق بالشيء اليسير.

الفرائض لا بد من الإتيان بها، سواءً وافقت هوى النفس أو خالفت، لكن الكلام فيما عدا ذلك من النوافل.

قد يفتح للإنسان باب يوصله إلى الجنة متعلق بالبدن، فليلزم هذا الباب، وقد يفتح للإنسان بابٌ يوصله إلى الجنة وهو متعلق بالمال، وقد أوتي المال فليلزم هذا الباب ويكثر من الإنفاق في سبيل الله.

وأبواب الجنة الثمانية مخصص لكل عبادة منها باب، وقد يدخل الإنسان من جميع الأبواب كأبي بكر رضي الله عنه ومثله من يجود بعبادة ربه بجميع أنواعها.

من العبادات ما يطلب فيه السر، وهذا هو الأصل؛ لأنه الأقرب إلى الإخلاص، سواءً كان في ذلك العبادات البدنية أو المالية، وجاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:((ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنيه))، ومنها ما يسن إظهاره وإشهاره كالشعائر، كالصلوات الخمس، والجمعة والأعياد، هذه شعائر، وشعائر الحج أيضاً.

ص: 1

ومنها ما نحن بصدد الحديث عنه وهو الأضحية، يسن إظهارها كصدقة الفطر، وإن كانت صدقة تدخل في عموم ما يسر، إلا أنها شعيرة، كثير من الناس يشتري الرز من المحل ويقدر أن في بيته كذا -عدد كذا من الأولاد والبنات والزوجة- ثم يذهب إلى المحل ويشتري بقدرهم ويدفعها إلى الفقير والأولاد لا يعرفون شيئاً عن صدقة الفطر، مع أن السنة أن تحضر إلى البيت وتكال أمام الأولاد بالصاع وتوزع؛ لينشأ الناشئ على هذه العبادة وهذه الشعيرة، وقل مثل هذا في الأضحية، بعض الناس يذهب إلى البنك، ويأخذ إشعار بأنه دفع قيمة أضحية، وأولاده لا يدرون هل ضحى أو لم يضحي؟! مع أن السنة إشهار وإشعار وإظهار هذه الشعيرة، يشتري الأضحية أو يربيها ويسمنها في بيته كما كان السلف يفعلون ذلك، ثم بعد ذلك يجتمع هو وأولاده يوم العيد بعد الصلاة فيذبحونها، يسمون ويكبرون ويأكلون ويغدون ويتصدقون؛ لينشأ الناشئة على هذه الشعائر، مع الأسف أنه في كثير من بيوت المسلمين لا يعرفون شيئاً عن كثير من العبادات، حتى ما أمر بفعله في البيت من النوافل تجد كثير من الناس يصليها في المسجد، وبعضهم لما سئلوا –وهم من طلبة العلم- قيل له: لماذا أنت تصلي النافلة في المسجد وفعلها في البيت أفضل؟ حتى أن الإمام أحمد سئل عن راتبة المغرب هل تجزئ في المسجد فتردد؛ لأنها بيتية، وكذلك راتبة العشاء وغيرها من النوافل ((وصلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة))؛ ليتعلم الشباب، ليتعلم النساء، ليتعلم الأطفال من فعل أبيهم لهذه العبادة العظيمة، ولذا سئل بعض الناس قال: أنا إذا صليت في البيت أتساهل في أمر الصلاة، لكن إذا صليتها في المسجد وأمام الناس أضبطها وأتقنها.

قلنا هذا خلل في القصد، هذا خلل في النية، خلل ظاهر في النية؛ لأنه يظهر -والله أعلم- أنه يتقنها؛ لما يرى ممن يراه من الناس، وإلا فما الفرق في العبادة أن تكون في مكان أو في مكان آخر، والمعبود هو الله -جل وعلا-، وإذا مثل الإنسان بين يدي ربه ينبغي أن تكون صلاته كما قالوا صلاة مودع، وما يدريه لعله ألا يصلي غير هذه الصلاة.

ص: 2