المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السن المجزئ للأضحية: - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ٤٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌السن المجزئ للأضحية:

ومن كان في مكان لا تصلى فيه العيد فإنه يتحرى بذبح أضحيته قدر ما يصلي الإمام صلاة العيد عادة ثم يذبح، يعني لو انتظر ساعة بعد طلوع الشمس له أن يذبح؛ لأن الصلاة في الغالب تكون انتهت.

‌السن المجزئ للأضحية:

اختلف العلماء في السن المجزئ، ففي صحيح مسلم عن جابر-رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان))، والمسنة هي الثنية من كل شيء، من الإبل والبقر والغنم، قاله النووي.

ومذهب الجمهور أن الجذعة من الضان يجزئ، مع أنه يقول:((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان)) الجمهور أن الجذع من الضأن يجزئ، سواءً وجدت المسنة أو لا.

وحكي عن عمر والزهري أنهما قالا لا يجزئ، الجذع من الضأن، استدلالاً بالحديث ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان)) وقد يحتج لهما بظاهر هذا الحديث، وقال الجمهور هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل.

اختلفوا في الجذع من الضأن فقيل ما له سنة تامة، قال النووي وهو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم، وقيل ما له ستة أشهر، وهذا قول الحنابلة كما في المقنع وشرحه يقول:"ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، والثني مما سواه، والثني من الإبل ما كمل له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة"، فيجزئ الجذع من الضأن لحديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((نعم، أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن)).

وعن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يجوز الجذع من الضأن ضحية)).

وعن مجاشع بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني)) وعن عقبة بن عامر قال: "ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجذع من الضأن" وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً، وعلى العمل بها عامة أهل العلم، أن الجذع من الضأن يجزئ، وأن الحديث الأول محمول على الاستحباب.

ص: 24

ترجم الإمام البخاري رحمه الله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة: ((ضحِّ بالجذع من المعز، ولن تجزئ عن أحد بعدك))، وذكر حديث أبي بردة، وأنه ضحى قبل الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((شاتك شاة لحم)) فقال: إن عندي داجناً، جذعة من المعز، فقال:((اذبحها ولا تصلح لغيرك)).

وفي الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية، قال: "تجوز الأضحية بما كان أصغر من الجذع من الضأن لمن ذبح قبل صلاة العيد جاهلاً بالحكم ولم يكن عنده ما يعتد به في الأضحية غيرها؛ لقصة أبي بردة بن ميار ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولن تجزئ عن أحد بعدك)) أي بعد حالك، يعني شيخ الإسلام حمل الحديث على الحال، لا على الشخص، والجمهور على أنها لا تجزئ عن أحد أبداً، يعني لا يذبح، إذا ما كان عنده إلا جذعة من المعز لا يذبح، أو أقل من جذع الضأن لا يذبح، ليست أضحية، ليست مما يشرع التقرب به؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:((لن تجزئ عن أحد بعدك))، شيخ الإسلام يقول: تجزئ، وحمل الحديث على الحال، يعني بعد حالك، يعني غير حالك هذه لا تجزئه، أما من كانت حاله مثل حالك تجزئ، ولا شك أن هذا من شيخ الإسلام رحمه الله مقبول باعتبار إحاطته بنصوص الشريعة وقواعدها العامة والمصالح وغيرها والمقاصد -مقاصد الشريعة- لكن غيره هل يمكن أن يقول مثل هذا الكلام؟ هل يمكن أن يقول غير شيخ الإسلام غير هذا الكلام، يعني هل لطالب علم أن يقول: أبداً لن تجزئ، يقول تجزئ، يمكن أن يقوله طالب علم؟ ما يمكن، هل يمكن أن يقول طالب علم: أحابستنا هي الرسول يقول: ((أحابستنا هي)) يقول الحائض ما تحبس الرفقة، لكن شيخ الإسلام بسعة علمه واطلاعه على نصوص الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة يقول مثل هذا الكلام، ولا إمامة إلا بجرأة، كما هو معروف، لكن يبقى أن الجرأة لمن؟ ما يقول والله شاب من الشباب أو متعلم من المتعلمين ولا حتى عالم دون شيخ الإسلام بمراحل أن يقول مثل هذا الكلام.

ص: 25

لا يجزئ في الأضحية العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، الكبيرة التي لا تنقي، كما رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان من حديث البراء بن عازب، قال أبو داود:"لا تنقي يعني ليس لها مخ".

وأخرج أبو داود من حديث عقبة بن عامر السلمي أنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة" وهي التي تستأصل أذنها، والمستأصلة التي استئصل قرنها، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً أو ضعفاً، والكسراء الكسيرة لكن الحديث فيه ضعف.

وأخرج أيضاً أبو داود عن علي قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء المقابلة مقطوعة طرف الأذن، والمدابرة المقطوعة من مؤخرة الإذن، والشرقاء قال: المشقوقة الإذن، والخرقاء مخروقة الأذن للسمة، يعني للوسم، وهذا أيضاً ضعيف.

مقطوع الألية، يستورد من الغنم ما هو مقطوع الألية لا سيما من استراليا، جمع من أهل العلم على أنه يجزئ؛ لأن قطع الألية إنما هو لمصلحته كالخصاء، لمصلحة الفحل أو المضحى به.

أخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي من حديث أبي سعيد قال: اشتريت كبشاً لأضحي به، فعدى الذئب فأخذ الألية منه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((ضحي به)) والحديث ضعيف؛ لأن فيه جابر الجعفي مضعف عند أهل العلم شديد الضعف، وشيخه مجهول، لكن له شاهد عند البيهقي.

من أحكام الأضحية:

أفضل الأضاحي الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم الماعز، فتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، قال شيخ الإسلام:"الأجر في الأضحية على قدر القيمة مطلقاً"، ولعل مستنده قوله في الحديث:"ثمينين".

وتنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ويذبح البقر والغنم ويقول عند ذلك: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبله عن فلان.

يتولى الذبح بنفسه إن كان يحسن ذلك كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا كان لا يحسن ذلك ولم يعتد هذا الأمر فأقل الأحوال أن يحضر الذبح، ثم يأكل ويهدي ويتصدق منها أثلاثاً.

ص: 26

لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو بشرته شيئاً -كما تقدم في حديث أم سلمة- وبذلك قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وداود، وقال بعضهم أن الحديث محمول على الكراهة، كراهة التنزيه لا التحريم.

في البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة" يعني يأخذون يتزودونها أكثر من ثلاثة أيام، يعني طريقهم هذا يأكلون منها، بل قد يدخرونها إذا وصلوا إلى المدينة يبقى منها شيء.

عن سلمة بن الأكوع قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وبقي منها شيء))، يعني نهي عن الادخار بعد ثلاث، والصحابة: كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهده إلى المدينة وهذا يستمر أكثر من ثلاثة أيام، بل يأخذ أسبوع وأكثر. سلمة بن الأكوع قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وبقي منه شيء))، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا عام الماضي قال:((كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا منها))، يعني تتصدقون بما زاد عن حاجتكم في الأيام الثلاثة.

ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "الضحية كنا نملح منه فنقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال: ((لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام)) وليست بعزيمة، ولكنه أراد أن نطعم والله أعلم.

وجاء في الخبر أن النهي عن الادخار فوق ثلاث إنما كان من أجل الدافة: قوم قدموا إلى المدينة وبهم حاجة وجوع، فنهي عن الادخار من أجل أن يتصدق على هؤلاء المحتاجين، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 27