المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجمهور استدلوا بأدلة منها: - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ٤٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌الجمهور استدلوا بأدلة منها:

وقال في فتح الباري: وأقرب ما يتمسك به لوجوب الأضحية حديث أبي هريرة رفعه: ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا)) يقول: أخرجه ابن ماجه وأحمد ورجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحاً في الإيجاب، وفي المسألة أحاديث أخرى كلها ضعيفة، لكن الأحاديث التي ذكرناها هي التي يعول عليها من يقول بوجوب الأضحية.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

الحديث الأخير حديث أبي هريرة في قوله عليه الصلاة والسلام: ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا)) دلالته على وجوب الأضحية ظاهرة وإلا غير ظاهرة؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم، من أي وجه؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم، يعني مثل دلالة:((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا)) إذا قلنا بوجوب الأضحية بهذا السياق قلنا أن صلاة الجماعة ليست بواجبة من ذلك السياق، وصلاة الجماعة واجبة، ومع ذلك النهي عن قربان المسجد، وقربان المصلى إنما هو تعزير، ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا)) هذا طرد له من المصلى، كما أن ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) فلا يؤذنا، هذا أيضاً تعزير وليس فيه دلالة على عدم وجوب صلاة الجماعة.

فالمسألة طردية عكسية، يعني إن قلنا بأن هذا يدل على الوجوب -وجوب الأضحية- على هذا يلزمنا أن نقول بعدم وجوب صلاة الجماعة، كيف ذلك؟

لأننا إذا وازنا بين الأمرين المفعول والمتروك في الطرفين ظهرت لنا هذه النتيجة، وصلاة الجماعة واجبة، والنبي عليه الصلاة والسلام هم بتحريق البيوت على المتخلفين، وقال للرجل الأعمى الذي لا يجد قائداً يلائمه:((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال:((أجب لا أجد لك رخصة)) وأي وجوب أعظم من هذا، هذه أدلة من قال بالوجوب، فننظر إلى أدلة الجمهور.

‌الجمهور استدلوا بأدلة منها:

ص: 14

ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا))، وفي لفظ عند مسلم أيضاً:((إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفراً))، وفي لفظ له عنها:((إذا أراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)).

ووجه الاستدلال أن الأضحية موكولة إلى إرادة المضحي، ولو كانت واجبة لما كانت كذلك، قال النووي: قال الشافعي: "هذا دليل على أن التضحية ليست بواجبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأراد)) فجعله مفوضاً إلى إرادته، ولو كانت واجبة لقال: فلا يمس من شعره حتى يضحي".

الآن الاستدلال سياق الخبر هل هو لبيان حكم الأضحية، أو لبيان المنع من مس الشعر والبشر لمن أراد أن يضحي؟

يعني دلالته الأصلية نعم في حكم الأخذ من الشعر والبشرة لمن أراد أن يضحي، نعم فيه دلالة تبعية وليست أصلية، أن الأمر وكل إلى إرادة المضحي، ولا شك أن الدلالة التبعية معتبرة، إلا إذا عورضت بما هو أقوى منها؛ لأن الخبر إنما سيق من أجل منع من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وبشرته شيئاً، ولم يسق لبيان حكم الأضحية، فدلالته الأصلية في حكم أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي، ودلالته التبعية يعني لو لم يوجد معارض قلنا، على أنه يمكن أن يقال بمثل هذا السياق حتى في الأركان، نعم، من أراد أن يحج فليحتط لنفسه باللباس -مثلاً- لأن الوقت شتاء مثلاً، من أراد أن يحج فليحتط لنفسه باللباس، يعني يأخذ فروة يأخذ بطانية يأخذ شيئاً يتقي به من شر البرد، هل هذا يدل على عدم وجوب الحج؟ يعني الكلام سيق لبيان حكم الحج؟ إنما سيق للاحتياط، كما أن الحديث الذي معنا ((من أراد أن يضحي)) نعم سياقه للمنع من أخذ البشرة، ولذا الدلالة الأصلية ما سيقت من أجل حكم الأضحية.

ص: 15

والعلماء يختلفون في اعتبار الدلالة الفرعية، أما الأصلية يتفقون عليها، يتفقون على اعتبار الدلالة الأصلية، لكن الدلالة الفرعية يختلفون فيها اختلاف كبير، حتى أن الشاطبي كأنه يميل إلى عدم اعتبار الدلالة الفرعية، لكن لا شك أن القول الوسط أن الدلالة الفرعية إذا لم تعارض فهي معتبرة، والعلماء ما زالوا يستنبطون من أدلة الكتاب والسنة من الجملة الواحدة أكثر من فائدة، لا يقتصرون على الدلالة الظاهرة من النص، بل يسترسلون ويستنبطون منه أدلة أخرى، لكن مثل هذا إنما سيق لبيان حكم أخذ الشعر ممن أراد أن يضحي، وتنظيره مثل ما سمعتم، قد يكون فيكم من لم يحج حجة الإسلام، فإذا قيل لكم بمجموعكم بمن فيكم ممن لم يحج حجة الإسلام وهو قادر على ذلك وهي ركن من أركان الإسلام: إذا أراد أحدكم أن يحج فليحتط لنفسه، أو من أراد منكم أن يحج فليحتط لنفسه؛ لأن الجو بارد، ويخشى من الضرر، هل نقول أن هذا فيه ترخيص للجميع لمن أراد أن يحج أو لمن لم يرد، لا، دلالة الحديث الأصلية ما سيقت لهذا.

طالب. . . . . . . . .

طيب أنا جيب لك مثال.

الحنفية يقولون: أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، يعني لو وقفت بالشمس صار ظلك طولك مرتين، والجمهور يقولون: لا، مثله مرة واحدة بس، إلى قدر هذا بمَ استدلوا؟

استدلوا بحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً من أول الصبح إلى وقت الظهر بدينار، ثم استأجر أجيراً من وقت الظهر إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من وقت العصر إلى غروب الشمس بدينارين، فاحتج أهل الكتاب نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)).

وجه الاستدلال: اليهود الذين عملوا من أول النهار إلى الزوال واضح احتجاجهم، ولهم أن يحتجوا؛ لأنهم عملوا ضعف العمل الباقي، لكن اليهود كيف يطيب لهم الاستدلال بأنهم عملوا أكثر من عمل المسلمين، وصلاة العصر تبدأ من مصير ظل الشيء مثله؟

قالوا: لا، ما يمكن أن يحتج اليهود إلا إذا كان الوقت يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، على شان يصح احتجاجهم.

نقول: الاستدلال بمثل هذا الحديث صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ الدلالة أصلية وإلا فرعية؟

ص: 16

فرعية بعيدة كل البعد عن المراد، مع أن في حديث عبد الله بن عمرو:((ووقت العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى أن تغرب الشمس))، هذا في الصحيح، نقابل هذه الدلالة بمثل هذا الحديث الصحيح الصريح؟ يعني هل الدلالة من الأحاديث المعتبرة؟

يا إخواني، نفرق بين الدلالات قوة وضعفاً، لا بد من التفريق، يعني الأئمة حينما يتكلمون ويحتجون بالنصوص ما يتكلمون من فراغ، ما يتكلمون من فراغ، يعني ما تورد حديث على أبي حنيفة، حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم وتنكره أبداً، ما أحتج بهذا الحديث.

طيب صحيح، قال: صحيح لكن ما أحتج به، ما يمكن أن يقول هذا مثل أبي حنيفة، لكن يجيب لك حديث ما يخطر على بالك، ولا على بال غيرك من أهل العلم.

فالدلالة الفرعية لا شك أنها معتبرة، لكن يبقى أنها إذا عورضت بما هو أقوى منها تلغى، مثل المفهوم؛ المفهوم معتبر إذا عورض بمنطوق يلغى؛ لأنه أقوى منه، فمثل هذا ينتبه له.

فالدلالة الأصلية للخبر إنما هي لأخذ الشعر والبشر لمن أراد أن يضحي، الدلالة الفرعية ((وأراد أن يضحي)) لو لم تعارض لقلنا بها.

على كل حال، مثل هذا يحتاج إلى بسط، مثل هذه المسألة على وجه الخصوص تحتاج إلى ضرب أمثلة، يعني من استدل على أن الحائض تقرأ القرآن بأيش، حائض تقرأ القرآن، النبي عليه الصلاة والسلام قال لعائشة:((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) قالوا الحاج يقرأ القرآن، طيب ولا يفعل غير هذا؟ افعلي يعني مما هو من أعمال الحج الخاصة به، افعلي كل ما يفعله الحاج، طيب الحاج يأكل ويشرب وينام ويتكلم وكذا، نقوم نلزم الحائض أن تفعل؛ لأن الحاج يفعل هذا، يعني إبعاد، إبعاد واستغراق في العموم، لا شك أن هذه الدلالة الفرعية يعني تضعف كلما بعدت، إنك تجد العلماء يستنبطون من الحديث عشر فوائد، يعني من جملة واحدة يستنبطون عشر مسائل الأولى واضحة مثل الشمس، ما يختلف فيها أحد، الثانية قريبة منها، الثالثة، قريبة منها، إلى أن تصل إلى العاشرة وفيها خفاء شديد، يعني هل كل هذه الفوائد معتبرة؟ نعم معتبرة إذا لم تعارض، فإذا عروض شيء منها بما هو أقوى منه، ألغي.

ص: 17

مما احتجوا به ما رواه البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((هن علي فرائض وهن لكم تطوع، النحر والوتر وركعتا الضحى))، وهذا الحديث إسناده ضعيف.

وقال النووي في الشرح المهذب: صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس وجوبها، صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس وجوبها، يعني الواجب يمكن أن يترك من أجل أن يعتقد الناس أو لا يعتقد؟!

طيب الأمر استقر بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام فما الداعي لفعل أبي بكر وعمر؟ لأنهما خليفتان راشدان أمرنا باتباعهما والاقتداء بسنتهما.

لكن يأتي شاب في الثانوية -وهذه مسألة واقعة- الناس يصلون على الجنائز في المسجد الحرام وهو جالس جالس، سلموا الناس، لماذا لم تصلي؟ قال: لئلا يعتقد الوجوب، نجلس لبيان الجواز، هذه مسألة حقيقة يعني!! قد يقع بعض التصرفات من الشباب -أنا سمعت بأذني- وأنا ذاهب إلى رمي الجمرة يوم العيد اثنين من الشباب أجزم بأنهما ما دخلا الجامعة بعد، قال الحمد لله الذي ما أرانا ما كنا نتخوف من البدع، قال صاحبه: مثل إيش؟ قال: مثل قيام الليل ليلة مزدلفة، فالنبي عليه الصلاة والسلام نام حتى أصبح!!

يعني حديث ما ترك الوتر سفراً ولا حضراً، وكونه ما نقل يعني هل يعني أنه ما حصل أو كذا؟ يعني تعجب من كيفية جرأة هؤلاء الشباب، على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، عامة أهل العلم على الاستحباب، وأنها ليلة من سائر الليالي بل من أفضل الليالي، ومع ذلك يقول: ما رأينا مبتدعة ولله الحمد.

يعني الذين يسبون الصحابة ويدعون غير الله -جل وعلا- هؤلاء ما هم مبتدعة، لكن الذي يوتر ليلة مزدلفة هذا مبتدع.

هذا خلل، والله خلل في التصور وفي التحصيل، يحتاجون إلى تربية من جديد، يجلس والناس ألوف مؤلفة تصلي على الجنائز؛ لئلا يظن الوجوب! أو لبيان الاستحباب؟!، ولعله يريد أن فعله يصرف الحكم من كذا إلى كذا، والله المستعان.

ص: 18

أبو بكر وعمر على العين والرأس يتركان؛ لئلا يظن الوجوب؛ لأننا أمرنا بالاقتداء بهما، ولذلك كثير ما يستدل أهل العلم على الوجوب بفعل الخلفاء الراشدين، وأكثر من يستدل بهذا الإمام مالك رحمه الله يعني يذكر الخبر المرفوع، ثم يذكر فعل أبي بكر وعمر لماذا؟ ليبين أن الحكم محكم غير منسوخ، ولو كان منسوخاً لما فعله أبو بكر وعمر، فيستدل بفعلهما، وقد أمرنا بالاقتداء بهما، والله المستعان.

قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصحَّ أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.

استدل المجد ابن تيمية صاحب المنتقى جد شيخ الإسلام -رحم الله الجميع- على عدم الوجوب بتضحية الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمته، وذكر حديث جابر رضي الله عنه قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف أتي بكبش فذبحه" فقال: ((باسم الله، الله أكبر، اللهم هذا عني، وعن من لم يضحِّ من أمتي)) رواه أحمد أبو داود والترمذي.

وحديث علي ابن الحسين عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول:((اللهم هذا عن أمتي جميعاً، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ))، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه عن نفسه، ويقول:((هذا عن محمد وآل محمد)) فيطعمهما جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي؛ قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم". رواه أحمد.

يقول الشوكاني في شرحه: وجه "دلالة الحديثين على الوجوب أن تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته وعن أهله تجزئ كل من لم يضحِّ، سواءً كان متمكناً من الأضحية أو غير متمكن، ثم تعقبه بقوله: ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث: ((على كل أهل بيت أضحية)) يدل على وجوبها على كل أهل بيت يجدونها، فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غير الواجدين من أمته".

ص: 19