المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل على الحاج أضحية: - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ٤٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌هل على الحاج أضحية:

على كل حال مما تقدم من أدلة الفريقين، يتضح أن أقوى أدلة القائلين بالوجوب الآية، وحديث جندب بن سفيان والأمر بإعادة الذبح، ((فليذبح مكانها أخرى)) والذبح أيضاً:((ومن لم يذبح فليذبح)) هذا ظاهر في الوجوب.

وأقوى أدلة المخالفين رد أمر التضحية إلى إرادة المضحي كما في حديث أم سلمة عند مسلم وغيره، ولا شك أن الأدلة تقرب من التكافؤ، وإذا كان الأمر كذلك فالذي ينبغي على المسلم أن يحتاط لدينه، ويخرج من العهدة بيقين إبراءً للذمة وخروجاً من الخلاف، فيضحي إذا كانت الأضحية لا تشق عليه، أو إذا كان يستطيع أن يقترض ثم يجد سداداً لذلك فليقترض.

وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- باب سنة الأضحية، وقال ابن عمر:"هي سنة ومعروف".

‌هل على الحاج أضحية:

الإمام مالك -رحمه الله تعالى- استثنى الحاج بمنى، وقال:"لا تسن له الأضحية؛ لأن ما يذبحه هدي لا أضحية" واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ففي الاختيارات قال: "ولا تضحية بمكة وإنما هو الهدي".

وخالفهم جماهير أهل العلم؛ نظراً لعموم أدلة الأمر بالأضحية في الحاج وغيره، ولبعض النصوص المصرحة بمشروعية الأضحية للحاج بمنى، وترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب الأضحية للمسافر والنساء.

ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها وقد حاضت بسرف، قبل أن تدخل مكة وهي تبكي فقال:((ما لك، أنفست؟ )) قالت: نعم، قال:((إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقض ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت))، فلما كنا في منى أُتيت بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر". وهذا الحديث في الصحيحين، وعند مسلم بلفظ "أهدى" بدل ضحى.

قال ابن حجر: الظاهر أن التصرف من الرواة، يعني بعضهم يقول أهدى، وبعضهم يقول ضحى؛ لأن الوقت واحد، وقت الأضحية ووقت الهدي واحد، فبعضهم يعبر عنه بالأضحية وبعضهم يعبر عنه بالهدي.

ص: 20

يقول: "الظاهر أن التصرف من الرواة؛ لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية؛ فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه، فقويت رواية من رواه بلفظ: " أهدى" وتبين أنه هدي التمتع؛ فليس فيه حجة على مالك في قوله: لا ضحايا على أهل منى، وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم.

إذا عرف هذا فليس في الحديث ما ينفي التضحية، يعني لا نقول أنه قطعي في حكم التضحية لقوله:"ضحى عن نسائه بالبقر"؛ لاحتمال أن يكون أطلق ضحى وأراد أهدى، لا سيما وقد جاء في بعض الألفاظ:"أهدى عن نسائه بالبقر"، لكن ليس فيه تعرض لنفي الأضحية؛ الأضحية ثبتت بأدلة أخرى، وكونه عليه الصلاة والسلام أهدى عن نسائه البقر، لا يعني أنه لم يضحِّ عنهن، إذا عرف هذا فليس في الحديث ما ينفي التضحية لعدم ذكرها، فتبقى على حكمها المبين في نصوص أخرى كما قال الجمهور.

في قواعد ابن رجب في من فروع قاعدة: (إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء، ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت، تداخلت أفعالهما، واكتُفى فيهما بفعل واحد وهو على ضربين).

إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد: ليست إحداهما مقضية يعني والأخرى مؤداة، وليست إحداهما تفعل على طريق التبعية للأخرى، تداخلت أفعالهما، واكتفى فيهما بفعل واحد وهو على ضربين: -

أحدهما: أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعًا، بشرط أن ينويهما على المشهور.

الثاني: أن يحصل له أحدى العبادتين، وتسقط عنه الأخرى، ولذلك أمثلة: فذكر منها:

إذا اجتمع عقيقة وأضحية فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟

هذا المولود ولد في اليوم الرابع يوم العيد يوم السابع، وأراد أن يذبح العقيقة ونواها عقيقة وأضحية، تجزئ وإلا ما تجزئ؟

عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضية؛ كلها في الوقت، وليست هذه مشروعة على سبيل التبعية للأخرى، وليست تابعة لشيء آخر، تتداخل؛ مقتضى القاعدة أنها تتداخل.

إذا اجتمع عقيقة وأضحية فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟.

ص: 21

على روايتين منصوصتين يعني عن الإمام أحمد، وفي معناه لو اجتمع هدي وأضحية واختار الشيخ تقي الدين أنه لا تضحية بمكة وإنما هو الهدي.

أقول: ينظر في قوله بمكة، هل المراد الحاج فقط، أو نقول المقيم بمكة لا أضحية عليه، كما أنه لا هدي عليه، هذه متعة وهذا قران ما عليه، {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة]، فهل أهل مكة ما يضحون؟ أو المراد من حج منهم، أو المراد من أهدى منهم، سواءً كان حاجاً أو غير حاج؟؟ الذي يظهر أن المراد من أهدى، حاجاً كان أو غير حاج، لكن من لم يهدِ، النصوص تشمل، تشمله كما تشمل غيره.

قال ابن القيم رحمه الله في الهدي، -الهدي الذي ينحر وإلا كتاب؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم، كتاب اسمه زاد المعاد، لكن تعارف أهل العلم على تسميته واختصار اسمه بـ (الهدي): "الأضحية والهدايا والعقيقة مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام، ولم يعرف عنه -عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، هدي ولا أضحية ولا عقيقة من غيرها، وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع أربع آيات: إحداها: قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [(1) سورة المائدة].

والثانية قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [(27) سورة الحج].

والثالثة قوله تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [(142 - 143) سورة الأنعام]، ثم ذكرها.

الرابعة قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [(95) سورة المائدة]، فدل على أن الذي يبلغ الكعبة من الهدي هو هذه الأزواج الثمانية، وهذا استنباط علي بن أبي طالب".

ص: 22