المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأخلاق تصنع الأعاجيب - دروس للشيخ إبراهيم الدويش - جـ ١٧

[إبراهيم الدويش]

فهرس الكتاب

- ‌طريقنا للقلوب

- ‌توطئة في الأخلاق الحسنة

- ‌الغاية من كسب القلوب

- ‌أسباب تعين على حسن الخلق

- ‌العقيدة والأخلاق

- ‌واقعنا ومكارم الأخلاق

- ‌الدعاة الصامتون

- ‌الأخلاق تصنع الأعاجيب

- ‌همسة في أذن موظف

- ‌همسة في أذن المعلمين والمعلمات

- ‌هل يمكننا تغيير الأخلاق

- ‌سهام للصيد

- ‌السهم الأول: الابتسامة

- ‌السهم الثاني: البدء بالسلام

- ‌السهم الثالث: الهدية

- ‌السهم الرابع: الصمت وقلة الكلام إلا فيما ينفع

- ‌السهم الخامس: حسن الاستماع وأدب الإنصات وعدم مقاطعة المتحدث

- ‌السهم السادس: حسن السمت وجمال الشكل واللباس وطيب الرائحة

- ‌السهم السابع: بذل المعروف وقضاء الحوائج

- ‌السهم الثامن: بذل المال

- ‌السهم التاسع: إحسان الظن بالآخرين والاعتذار لهم

- ‌السهم العاشر: أعلن المحبة والمودة للآخرين

- ‌السهم الحادي عشر والأخير: المداراة

- ‌الازدواجية في الأخلاق

- ‌الازدواجية في الأخلاق داخل البيت وخارجه

- ‌الازدواجية في أخلاق المرأة بين جمال الداخل والخارج

- ‌الازدواجية في الأخلاق والمعاملات

- ‌الازدواجية في الأخلاق بين حسن المظهر ووحشة المخبر

- ‌الازدواجية في الأخلاق عند بعض الصالحين

- ‌وقفة للنظر في الازدواجية

- ‌أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خلاصة الدرس

الفصل: ‌الأخلاق تصنع الأعاجيب

‌الأخلاق تصنع الأعاجيب

إن النفس أياً كانت ومهما بلغت من الانحلال والفساد والتجبر والعناد فإن فيها خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول الأمر، فقط شيء من العطف على أخطائهم، وشيء من الود الحقيقي لهم، وشيء من العناية بهم.

لنحاول أيها الإخوة! تلمس الجانب الطيب في نفوسهم، ابدأهم بالسلام، ابتسم لهم، اثن على الخير الذي فيهم، وقبل ذلك كن صادقاً ومخلصاً غير متصنع ولا مجامل، عندها ستتفجر ينابيع الخير في نفوسهم، وسيمنحوك حبهم وثقتهم مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، ولقد جُرِّب ذلك كثيراً.

أذكر أنني قابلت أحد هؤلاء، فسلمت وابتسمت وأثنيت على صفة طيبة فيه، وأنا صادق، فلن يعدم إنسان مزية حسنة تكون مفتاحاً لقلبه، فانكشف لي قلب لين رقيق سرعان ما سالت دمعات على وجه تلطخ بسواد المعصية والشهوة، وكان قد شكا جفاء بعض الناصحين وتعجلهم عليه.

أيها الإخوة! كم نخطئ عندما نحكم على الآخرين بمجرد النظر للظاهر.

فهذا عمرو بن العاص يحدث عن نفسه فيقول: [لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله مني، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته] وبعد أن أسلم وعرفه عن قرب، انقلب الحال فقال:[وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه] كما في صحيح مسلم.

إننا نظلم أنفسنا ونظلم الآخرين عندما نحقد على هؤلاء ونتخوف منهم، والحل هو: أن تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف على الآخرين، والصبر عليهم، وباختصار: إنها الأخلاق وفن التعامل مع الناس.

يا أهل القرآن! ألم نقرأ في القرآن قول الحق عز وجل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] ؟ ألم نقرأ قول الحق: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53] ؟ في الآية الأولى: (قولٌ حسن) وفي الثانية: (أحسن) فأين نحن من قول الحسن فضلاً عن قول أحسن الحسن ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) كما في صحيح مسلم؟! فإن كانت الرحمة والإحسان تصل إلى هذه الدرجة من الرفق، وحسن التعامل حتى مع الحيوان، فكيف بالرحمة والإحسان مع بني الإنسان؟ قال أحد الإخوة: في موسم للأمطار وأنا على سيارتي مررت بغدير ماء لم أنتبه له، فتراشقت المياه على الجانبين، كان النصيب الأكبر منها لشباب جلسوا على عتبة أحد الأبواب، ويا ليت شعري لو رأيت حالهم وقد تبدلت، فالثياب البيضاء كأنها سوداء، والشعرات السوداء خضبت بالطين والماء، فرجعت إليهم، يقول: ولم أنتبه إلا على أصوات السب واللعان، ومناداتي للرفس والطعان، يقول: فرجعت إليهم مسلماً معتذراً متأسفاً، فيا سبحان مقلب القلوب! تحول السب واللعان إلى ترحيب وسلام، ودعوة إلى الطعام، بل إلى إخاء ووئام.

انتهى كلامه.

فيا أيها الأحبة! أقول باختصار: إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب، نخطئ كثيراً عندما نعتزل بعض الناس؛ لأننا نشعر أننا أطهر منهم روحاً، أو أطيب منهم قلباً، أو أزكى منهم عقلاً.

قال رجل لـ عبد الله بن المبارك: عظني، قال ابن المبارك:[إذا خرجت من منزلك، فلا يقعن بصرك على أحد إلا رأيت أنه خير منك] .

(وليس معنى هذا أن نتخلى عن مبادئنا ومثلنا السامية، أو نتملق أو نجامل، لا.

ولكنها الحكمة والموعظة الحسنة وفن التعامل مع الآخرين) .

مقتبس من رسالة بعنوان أفراح الروح.

أيها المحب! انظر لفن التعامل ومحاسن الأخلاق ماذا تفعل؟ هذا عكرمة بن أبي جهل ورث عداوة الإسلام عن أبيه، وقاتل المسلمين في كل موطن، وتصدى لهم يوم فتح مكة، ثم فر إلى اليمن، بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فتأتي زوجه أم حكيم بعد إسلامها لرسول الله تطلب الأمان لزوجها فيقول لها -بأبي هو وأمي- صلى الله عليه وسلم:(هو آمن) ويقول لأصحابه: (يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً، فلا تسبوا أباه؛ فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت) فيأتي عكرمة بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيقول عكرمة:[أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، وأنت أبر الناس وأصدق الناس وأوفى الناس، أما والله يا رسول الله! لا أدع نفقةً كنت أنفقها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالاً في الصد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله] .

لمسة حانية من نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم نقلت ابن فرعون هذه الأمة إلى صف أولياء الرحمن، وجعلته يندم هذا الندم، ويعزم هذا العزم، ويتحول هذا التحول، إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب!

ص: 8