الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتقاد أحقية الشرع مع الحكم بغيره
السؤال
هل يكفر كفراً مخرجاً من الملة من لم يحكم شرع الله، ولو كان يعتقد أن حكم الله هو الحق؟
الجواب
هناك قاعدة عظيمة تنفع الجميع وهي أنه (لا يكفي أن يعتقد الإنسان أن هذا هو الحق، بل لا بد من الانقياد والإذعان والاتباع له) ولو كان الاعتقاد بأن هذا هو الحق يكفي، لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين وفي الجنة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146] ويقول عن فرعون وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14] فيمكن لأحدهم أن يحكم ويأمر وينهى ويقتل ويسجن ويفعل كل شيء بأحكام الجاهلية والطاغوت، وإذا كُلّمِ قال: أنا أعتقد في داخل نفسي أن الشريعة حق.
قال شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية: هذا مثل الذي يحارب النبي صلى الله عليه وسلم أو أي نبي ويقاتله ويعين أعداءه عليه، وإذا سئل قال: أنا أعلم أنه نبي، فما الفائدة من هذا العلم؟ ولهذا لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حبران من اليهود وقالا: يا محمد ما هي الآيات التي أنزل الله تبارك وتعالى على موسى وهارون؟! فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم الوصايا العشر، فقالا: نشهد إنك نبي، ثم انصرفا، (فشهدا أنه نبي وذهبا) فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{ما يمنعكما أن تتبعاني} إذاً: هما شهدا ولكنهما ما أذعنا وما انقادا واستسلما وما دخلا في الدين؛ فلا يكفي أن يقول الإنسان: أشهد أن الشريعة حق، وأن الشريعة رائعة وعظيمة، فمهما قال فلا يمكن أن يدخل في الشريعة حتى ينقاد ويسلم، وهذا مثل أي أحدٍ من المشركين يشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وفضله كـ أبي طالب الذي قال:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
فبالرغم أنه قال ذلك، لكن هل هو مؤمن؟ وهو الذي أنزل الله تبارك وتعالى في حقه:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، وما ذاك إلا لأنه أقر ولم يذعن، فلا يكفي مجرد الإقرار أو النطق، ولهذا لعلكم -إن شاء الله- تسمحون لي بهذه الفائدة وهي: أنه عندما نقول: الإقرار بالشهادتين شرط الدخول في الإسلام، فماذا نعني بالإقرار؟ الإقرار له معنيان: الأول: بمعنى: (إنشاء الالتزام والإذعان) وهذا الذي جاء في القرآن، قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81] وهذا الإقرار معناه (التزمنا وانقدنا وأذعنا) فإذا جاء هذا الرسول آمنا به.
والإقرار -أيضاً- بمعنى الإخبار عن الحقيقة، وهذا ما يستعمله الفقهاء فمثلاً: إذا ادعى رجل على رجل وقال: لي عنده ألف دينار، فقال له الرجل: أقر أن له عندي ألف دينار، ولكن لا أدفعها له، فهذا الإقرار مجرد إخبار عن الواقع، ولا يستلزم الإذعان، فإذا قال أقر فقط، فإنه يمكن أن يستدرك ويقول: أقر ولكن لا أدفع له ذلك، أو أقر ولكنني قد أديت حقه.
إذاً هذا مجرد إخبار عن الواقع.
فالإخبار عن الواقع ليس إيماناً، فلو أن أحداً قال: شرع الله أفضل، والقرآن هو كتاب الله المبين من باب الإخبار عن الواقع -وهو الواقع أصلاً- فلا يؤدي ذلك إلى شيء ولا ينفعه في شيء؛ إلا أن يقوله على سبيل الانقياد له، والإذعان والإيمان به واتباعه.
وانظروا المستشرقين! ما أكثر ما يكتبون أن الإسلام حق، وأن الإسلام عظيم، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم يحل مشاكل الدنيا جميعاً وهو يشرب فنجان قهوة! فهذا الكلام حق وإخبار عن الواقع، بأن الإسلام يحل مشاكل الإنسانية، وأنه صلى الله عليه وسلم حق، لكن! هل ينفعهم هذا؟! وهل نعدهم بذلك مؤمنين؟ لا ليسوا بمؤمنين.