الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظلم المتفشي
ومن أعظم ما يقع فيه الناس بالنسبة لحقوق العباد الظلم، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:{والظلم ظلمات يوم القيامة} ، والله يقول:{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} [الكهف:59] والقرى أهلكت بالشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، ولكن يدخل في ذلك ظلم العباد، والذي يشهد به التأريخ أن الدولة الظالمة يزيلها الله وينتقم منها ولو كانت مسلمة، وأن الدولة العادلة تبقى وتستمر أركانها وإن كانت كافرة، فالظلم وحده من أسباب محق الأمم والشعوب والأفراد.
وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته} .
وهذا من أسباب جرأة الناس على الظلم وهم لا يشعرون، فإن الله لا يؤاخذ على الظلم من أول مرة وإنما يملي لهم، فيظلمون ثم يظلمون ثم يتعودون على الظلم حتى تصبح أعمالهم كلها ظلماً، كما كان فرعون وهامان وأمثالهم ظلمة بطاشين لا يخافون الله تعالى، فإن كان في أهله فهو ظالم لزوجته ولأبنائه، وإن كان في إدارته فهو ظالم لمن دونه، فما تراه إلا ظالماً.
فهؤلاء ينسون أن هذا الإملاء سيعقبه انتقام من الله {حتى إذا أخذه لم يفلته} يأخذه أخذ عزيز مقتدر، ويجعله عبرة لمن يعتبر، ولكن العادة أن الظالمين لا يعتبرون، ولله في ذلك حكمة.
وهنا من أعظم ما يدل على أن من عقوبة الذنب الذنب بعده، فإنك ترى الظالم يظلم وقد انتقم الله من ظالم آخر، فلا يعتبر ولا يرتدع عن ظلمه، ومن تاب منهم كان لعدم رسوخه في الظلم بعد، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم قوله:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] وهذه الآية وإن كان ظلم القرى المذكور فيها هو الشرك، فكذلك تدل الآية على أن ظلم العباد خطير، وهو داخل في الآية كما استشهد به النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم سوء عاقبة الظالمين وإن كانوا كافرين، وإن كان ذلك في الكفر، ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في سفره إلى تبوك عندما مر بـ وادي الحجر قال:{لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى اجتاز الوادي، ولما علم أن بعض الناس قد أخذ من مائهم وطبخ به، أمر بأن تكفأ القدر بما فيها} .
وهذا كلام نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فيجب أن نأخذه ونعض عليه بالنواجذ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ولنترك ما يقوله أصحاب الآثار، وأمثالهم المفترين على الله الذين يريدون أن يحيوا وأن يخلدوا هذه الديار ويصوروها وينشروها ويوزعوها، ويقولون: هذه مفخرة أن توجد في بلادنا، نعوذ بالله من الغفلة وطمس القلوب والأبصار! كيف تصبح أماكن نزول عذاب الله مفخرة تُعظم وتحُترم، ويطالب بأن تكون أماكن سياحية وترفيهية؟ وليس هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي الذين يخافون الله، ويعتبرون بمصارع الظالمين ومصائر الغابرين.
والنبي صلى الله عليه وسلم من أشد وأعظم ما نهى عنه إضاعة المال، فلا يمكن أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتلاف شيء من المال إلا إذا كان في ذلك مفسدة عظمى تربو على مصلحة هذا المال المنتفع به، فإراقتها دليل على شدة ما فيها من المفسدة.