الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفسدة الاستعجال
ومن ذلك أيها الإخوة الكرام: أن عاطفة الشباب دائماً تؤدي إلى العجلة، وهذه صفة كانت موجودة حتى في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها تعرضت للانضباط كما أشرنا.
الصحابة رضوان الله تعالى عليهم عندما أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نائم في ظل الكعبة فأخبروه عما فتنتهم به قريش، وغير ذلك من المواقف، قال لهم:{ولكنكم قوم تستعجلون} .
وأقول: إن العجلة هذه موجودة في الشباب، والعجلة في أصلها دليل خير، وعاطفة خير، -مثلاً- يستعجل الشاب في أن يتعلم حفظ القرآن في أقصر مدة، أو يريد أن يتعلم علم الحديث والرجال والأسانيد والمتون في أوجز مدة، بل ربما يقول البعض: أجمع هذه العلوم جميعاً، فأتخصص وأتبحر في القرآن وعلومه، أو في الحديث وعلومه، وأقوم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وبالتربية، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالإضافة إلى أعمال خاصة، مع رعاية الزوجة إن كان متزوجاً، أو الاشتغال بشأن الزواج، ويريد ذلك دفعة واحدة! وهذا من العجلة.
والحقيقة أنك تجده سنتين وثلاثاً وأكثر، بدأ بهذا الكتاب فلم يأخذ منه إلا الربع، وكتاباً آخر أقل منه، وآخر جزءاً يسيراً، ثم ترك هذا، ثم سمع عن هذا، ثم سمع بشيخ من المشايخ فذهب إليه، ثم لم يحصل له المراد، ثم سمع بشيخ آخر في بلد آخر، فسافر إليه، وانتقل من هذا إلى هذا، ثم ترك الكلية هذه إلى كلية أخرى، وإذا به في النهاية لم يحصل على الذي يريد، مع أن الأصل أن ذلك دافع خير، ولكن العجلة هذه إن لم تضبط فإن هذه هي نتيجتها، وقد حصل هذا لكثير من الشباب.
وهناك أيضاً عجلة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فالشاب كلما يتذكر -وأظن هذا الشعور مشتركاً- كيف كان عندما كان بعيداً عن الله وعن الاستقامة على دين الله سبحانه وتعالى، إن كان تارك صلاة فإنه يقول لنفسه: سبحان الله! كيف لو مت وأنا تارك الصلاة؟! كيف لو مت وأنا أشرب الخمر وأتعاطى المحرمات، أو أفعل الفواحش وأشياء تؤرق الشاب.
ولا شك أن المؤمن يؤرقه ذلك لمَّا يرى أن إخوانه في البيت أو إخوانه المسلمين يعانون مما كان يعاني، ويخاف عليهم مما كان يخشاه على نفسه، ويحمد الله الذي أنقذه منه ومَنَّ عليه، وإلا فقد كان كذلك من قبل، فيندفع بسرعة، ويريد أن يرى ثمرات الدعوة إلى الله عاجلةً سريعة -هذا أحد الأسباب- ويريد أن يدعو الناس فيستجيبوا.
يأتيني بعض الشباب، يقول: عندي والدي وأمي وإخوتي، وزميلي في العمل كلمته فلم يسمع، وكررت عليه عدة مرات وما سمع وهكذا، سبحان الله! ليست القضية "كم مرة" يا أخي! انظر كيف صبر أنبياء الله! وكيف صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم! ومتى يكون الوقت المناسب؟ وكيف يكون الأسلوب المناسب! انظروا إلى عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي طالب - ما كان يشك لحظةً واحدة في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، ولو شك ما حمى الدعوة، وما وقف معه، وما حوصر معه في الشعب، ولما تحمل الأذى والألم والتعب أبداً، لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه ويبين له، حتى -كما تعلمون قصته- عند الموت، أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يموت عمه على الإسلام يقول:{يا عمِّ! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله} ، وصبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مع الموالي والمحب للدعوة، ولكن لم يدخل فيها.
ومع الأعداء صبر أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصبر الأنبياء من قبل، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:{ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، ورأيت النبي وليس معه أحد} سبحان الله! هل يستطيع أن يقول أحد: إن هذا من ضعف دعوة هذا النبي، عياذاً بالله! أو من عدم بذل الجهد، أو من عدم الحكمة في الدعوة، نبي يعطى الحجة من الله سبحانه وتعالى، ويوحى إليه من الله وليس معه أحد! ونحن نقول: في الحي ما استجاب لي أحد، وفي البيت ما أطاعني أحد، فهذا عجيب! والله تعالى قص علينا حتى في واقع البيوت عن امرأة نوح، وامرأة لوط، وابن نوح، وأبي إبراهيم، وذلك لنأخذ العبرة، نفس الشيء ونفس القضية، ونفس الصبر، ونفس المحاورة، كما حاور إبراهيم عليه السلام أباه كما في سورة مريم.
وهكذا يجب أن نعرف أن هذا طريق طويل، وأننا كلما صبرنا وتأنينا، وعرفنا كيف نخاطب من نواجه، فإن ذلك أجدر وأحرى أن يستجيب بإذن الله تبارك وتعالى، فإن لم يستجب فلنبق على الطريق نفسه، ولنصبر على الأذى، كما صبر أولئك الصحب الكرام، ولنحتسب عند الله تبارك وتعالى كل ما ينالنا ونتحمل؛ حتى يعلموا أننا ما أردنا لهم إلا الخير، وما أردنا لهم إلا النجاة من عذاب الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة.
لكن يحصل مع الاستعجال أشكال أخرى من التصرفات التي قد تلتصق أكثر بمسألة العجلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أن الإنسان ربما استعجل فتصرف بما لا ينبغي، فكانت نتيجة ذلك أن يصر صاحب المنكر على منكره، بل ربما تعاضد المجتمع معه على هذا المنكر، لأنه يرى هذا الشاب -بطريقة هوجاء أو انفعالية أو عصبية- يمس أمراً والمجتمع كله متعارف عليه، يقول: سبحان الله! كل الناس تفعل كذا، وكل الناس مقرة لهذا الشيء، والعلماء يعلمون ذلك وفلان يدري، وفلان ما أنكر، وفلان كذا، فماذا يريد هذا الشباب الذي أتى دفعة واحدة يريد أن يغير هذا المنكر؟! وهذا الشاب لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا لتحرقه ولتألمه ولعلمه أن وراء هذا المنكر فسادٌ عظيم، ونقص في الخيرات والبركات، ووراءه فساد القلوب، ووراءه تخطيط أعداء الله سبحانه وتعالى، ويعلم كثيراً مما لا يعلمون -لا شك- لكن كيف تنقل إليهم شعورك هذا؟ لا تنقله إليهم بأن تأتي فتحسم الأمر في لحظة واحدة ودفعة واحدة، وتقضي على هذا الشر وانتهى الأمر، ولو كان الأمر كذلك لكان الرسل والصحابة الكرام هم أجدر الناس بأن يفعلوه، وقد أراد ذلك الصحابة الكرام، لكن لا بد من حكمة، ولا بد من الأناة، والصبر.
وتعرفون قصة أبي ذر رضي الله تعالى عنه لما أصر على أن يعلن إيمانه كيف ضرب! ولما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة، قالوا:[[يا رسول الله! إن شئت ملنا على أهل الموسم بأسيافنا، فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم]].
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يمشي بخطى وئيدة ولكنها مدروسة -وهذا من الله سبحانه وتعالى نحن يجب علينا -أيضاً- أن نفكر وأن نجتهد، وإذا اجتهدنا وظننا أن هذا الأمر مدروس بفكرة، وحكمة، واستشارة، واستخارة، وأخطأنا فهذا من الله، وكل شيءٍ من الله، ولكن فرق بين هذا وبين أن نستعجل فنقع فيما لا خير فيه.
فالعجلة في التغيير وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، هذه هي نتائجها، ربما انقلب صاحب المنكر -الذي كان يمكن أن يقبل منك لو لاطفته ولاينته- عدواً لدوداً لأهل الحق حيث كانوا، بل ربما يستعجل شاب واحد، فيضيع الفرصة على آخرين كان يمكن أن يُسمع منهم.
صحيح أن بعض الإخوان يقول: يا أخي! الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متروك، ويكاد يكون مفقوداً في المجتمع، من قبل طوائف كثيرة من الناس، ونحن نحييه! نعم نريده أن يحيا، لكن يحيا بالبصيرة وبالحكمة، ولعلك إن بدأت شيئاً، يتم الله تبارك وتعالى ما بدأت على يد غيرك، أما أن تأتي به كله جملةً واحدة، تريد أن تضعه، فإن هذا مخالفٌ لسنة الله تبارك وتعالى.