الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكافرون علواً كبيراً، وتَنَزَّه الله عز وجل عن هذا الكفر، فإن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
ونكتفي بهذا القدر اليسير جداً من فضائح كتبهم الكثيرة، فلا عجب أن يكون حال محققيهم ومفكريهم كما وصفهم الله عز وجل بقوله:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنّهُمْ لَفِي شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ} 1.
المطلب الرابعً:
القسم الثاني من الأسفار المقدسة عند اليهود: التلمود
- التلمود في اللغة: Talmud كلمة عبرية مستخرجة من كلمة (لامود Lamud) وتعني تعليم أو تعاليم.
- وفي الاصطلاح: كتاب تعليم ديانة وآداب اليهود، أو كتاب فقه اليهود، أو الكتاب العقائدي الذي يفسر ويبسط كل معارف اليهود وتعاليمهم2.
ولم يرد اسم التلمود في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة - فيما أعلم - ولكن أشار القرآن الكريم إليه بقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لّلّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هََذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا يَكْسِبُونَ} 3.
1 سورة فصلت، آية 45.
2 انظر: تاريخ الإسرائيليين ص111 شاهين مكاريوس، قاموس الكتاب المقدس ص222، فضح التلمود ص21 للقسيس برانايتس.
3 سورة البقرة، آية 79.
ووردت الإشارة إليه أيضا في السنة النبوية المطهرة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فاتبعوه وتركوا التوراة"1.
وتلك هي حقيقة التلمود وأنه ليس وحياً من الله، وإنما هو تفاسير وشروحات واجتهادات واستنباطات أحبار اليهود لنصوص التوراة ولأقوال منسوبة مكذوبة على موسى عليه الصلاة والسلام دُوِّنت وجمعت في القرن الثاني الميلادي2 - كما سنبينه إن شاء الله تعالى -.
أقسام التلمود:
ينقسم التلمود إلى قسمين رئيسين هما: (المشنا) و (الجمارا) وتعريفهما كالآتي:
(1)
- المشْنا (المشْنة) : ومعناه (التكرار) أو (الشريعة المتكررة) ، وهو بمثابة المتن، وهو عبارة عن مجموعة من الشرائع والتقاليد والروايات اليهودية المختلفة المروية على الألسنة لقرون عديدة إلى أن دوّنها الحاخام (يهوذا هاناسئ) في نهاية القرن الثاني بعد الميلاد (200م) .
ويزعم اليهود بأن تلك الشرائع والروايات قد تلقاها موسى من الله ثم نقلها موسى مشافهة إلى هارون ويوشع واليعازر الذين نقلوها بدورهم إلى الأنبياء الذين نقلوها أيضاً إلى أحبار اليهود علمائهم وتناقله بعد ذلك الأجيال من الأحبار جيلاً بعد جيل عن طريق المشافهة إلى أن جمعها ودوّنها الحاخام
1 رواه الطبراني في الأوسط والكبير، قال الهيثمي في المجمع 1/150،192: رجاله ثقات.
وقال الشيخ الألباني: حديث حسن (انظر: صحيح الجامع الصغير ح2044) .
2 انظر: فضح التلمود ص22، قاموس الكتاب المقدس ص222، الكنز المرصود في قواعد التلمود ص47،48، دروس اللغة العبرية ص41-43.
(يهوذا هاناسئ) ، ولذلك فإن اليهود يسمون المشنة بـ (التوراة الشفوية) أو (الشريعة الشفاهية) وقد كتبت باللغة العبرية1.
وتنقسم المشنا إلى ستة أقسام كالآتي:
1-
كتاب (زراعيم) أي البذور أو الإنتاج الزراعي: ويحتوي على (11) فصلاً يتضمن القوانين الدينية الخاصة بالأرض والزراعة، ويبدأ بتحديد الصلوات المفروضة والبركات أو الأدعية.
2-
كتاب (مُوعد) أي العيد، ويحتوي على (12) فصلاً يتضمن الأحكام الدينية والفرائض الخاصة بالسبت وبقية الأعياد والأيام المقدسة.
3-
كتاب (ناشيمْ) أي النساء، ويحتوي على (7) فصول، فيه النظم والأحكام الخاصة بالنساء كالزواج والطلاق.
4-
كتاب (نزيقين) أي الأضرار أو الجنايات، ويحتوي على (10) فصول، ويشتمل على جزء كبير من الشرائع المدنية والجنائية، بما في ذلك القصاص والعقوبات والتعويضات.
5-
كتاب (قُدَّاشيم) أي المقدسات، ويحتوي على (11) فصلاً، وفيه الشرائع الخاصة بالقرابين وخدمة الهيكل.
1 يمكن القول بأن (المشنا) عند اليهود بمثابة السنة النبوية عند المسلمين.
- انظر: الفكر الديني اليهودي ص66-69، التلمود تاريخه وتعاليمه ص11-13.
ويقول المؤرخ اليهودي شاهين مكاريوس في تعريف المشنة: المشنة خلاصة الشريعة الشفاهية، أي غير المكتوبة، أو مجموعة قوانين اليهود السياسية والحقوقية والمدنية والدينية، وهي عبارة عن الكلمة للشريعة الموسوية المكتوبة وتفسير لها، وأكثرها مبني على تقاليد قديمة وحديثة، حتى إن بعضهم يقول: إن هذه التقاليد وُجدت منذ خروج بني إسرائيل من مصر وتيههم في البرية، وأكثرها مكتوب بالعبرانية القديمة.
- انظر: تاريخ الإسرائيليين ص111،112 بالحاشية.
6-
كتاب (طهاروت) أي الطهارة، ويحتوي على (12) فصلاً، يتضمن الأحكام الخاصة بما هو طاهر وما هو نجس، وما هو حلال وما هو حرام من المأكولات والمشروبات وغيرها.
وبذلك يكون المشنا مكوّناً من (63) فصلاً، وعندما أكمل الحاخام يهوذا هناسي تقييد المشنا في القرن الثاني الميلادي، فقد تركزت جهود أحبار اليهود على شرحه وتبسيط واستنباط الأحكام منه، ومن تلك الشروحات والحواشي الكثيرة على المشنا تكوّن القسم الثاني من التلمود وهو (الجمارا) .
(2)
- الجمارا (الجمارة) : ومعناه (التكملة) أو (الإكمال) .
وهو عبارة عن مجموعة شروحات وتعليقات واستنباطات ومناقشات الأحبار على (المشنا) وأساطير وخرافات وأقوال مروية عن حاخامات اليهود من طائفة الربانيين في موضوعات شتى وعصور مختلفة منذ القرن الثالث الميلادي إلى نهاية القرن الخامس الميلادي. وقد كتبت باللغة الآرامية.
والجمارا نوعان: جمارا بابل، وجمارا أورشليم، وهذا التقسيم يرجع إلى اختلاف مركز البحث العلمي والديني لليهود ومكان تمركز أحبارهم.
فأما جمارا بابل:- فهو عبارة عن شروحات وحواشي أحبار اليهود على (المشنا) في بابل (العراق) - حيث استمر تجمع اليهود هناك كجالية أجنبية منذ السبي البابلي - من سنة 219 ق م. إلى سنة 500م.
وأما جمارا أورشليم:- فهو عبارة عن شروحات وحواشي أحبار اليهود على (المشنا) في أورشليم (فلسطين) - ممن بقي هناك من فلول اليهود أو ممن جاؤا إليها متسللين - من سنة 219ق. م إلى سنة 759م.
وبناءاً على ذلك فقد ظهر تلمودان هما:-
الأول: تلمود بابل: وهو مكوّن من (المشنا) و (جمارا بابل) ويسمى أيضاً بالتلمود الشرقي، وهو المتداول بين اليهود والمراد عند الإطلاق.
الثاني: تلمود أورشليم: وهو مكوّن من (المشنا) و (جمارا أورشليم) . ويسمى أيضا بالتلمود الغربي.
ويتميز التلمود البابلي عن الأورشليمي أنه يغطي بشرحه كل نص المشنا (الأقسام أو الكتب الستة) ، أما التلمود الأورشليمي فإنه ظل ناقصاً لا يشرح إلا بعض المشنا (الثلاثة كتب الأولى) ، كما أن أحبار اليهود في بابل كانوا يحظون بثقة أرسخ من ناحية التبحر في الفكر اليهودي مما كان يحظى به أحبار اليهود في فلسطين. لذلك فإن التلمود البابلي يتمتع بتقدير أعظم في أعين اليهود من التلمود الأورشليمي، وهو المتداول بين اليهود والمراد عند الإطلاق1.
- طبعات التلمود:
طبع التلمود طبعات كثيرة أهمها الطبعة الأولى الكاملة للتلمود البابلي بمدينة البندقية (فبنيسيا بإيطاليا) في اثنى عشر مجلداً من القطع الكبير من سنة 520م إلى سنة 1523م.
وطبع كذلك تلمود أورشليم في مدينة البندقية سنة 1523-1524م في مجلد واحد ضخم2.
ولما نشر التلمود في طبعته الأولى واطلع عليه النصارى أفزعهم ما فيه من السباب والشتائم ضد المسيح والنصارى وما فيه من العقائد الأخرى الخطيرة، فثاروا ضد اليهود واضطهدوهم، فقرر أحبار اليهود حينئذ تحريف التلمود بأن
1 انظر فيما سبق: تاريخ الإسرائيليين ص111-116، الفكر الديني اليهودي ص66-93، فضح التلمود ص22-38، التلمود تاريخه وتعاليمه ص11-49.
2 انظر: التلمود تاريخه وتعاليمه ص27.
تترك مكان الألفاظ المسيئة لمشاعر النصارى على بياض أو تعوض بدائرة بشرط أن هذه التعاليم لا تعلّم إلا في مدارسهم فقط، لذلك جاءت الطبعات التالية للطبعة الأولى ناقصة وفيها تحريفات كثيرة، يقول محررو دائرة المعارف اليهودية العامة: إن أحد أهم الأسباب لعدم بقاء مخطوط كامل (لتلمود بابل) هو التعصب الديني المغالي للمسيحية في العصور الوسطى، الذي دفع الكثيرين إلى إشعال النيران - أحياناً - في العربات المحمّلة بالتلمود المطبوع أو المخطوط. اهـ1.
ويجري في إسرائيل إعادة طبع النسخة العبرية الأصلية من تلمود بابل بإشراف الحاخام آدين شتاينز التز، وسيطبع منها - كما أعلن - ستة آلاف نسخة فقط، مما يدل على حرص القائمين على الدين اليهودي على المحافظة على سرية التلمود2.
- منزلة التلمود عند اليهود:
يعتقد جمهور اليهود أن التلمود كتاب مقدس، ويعتبرونه من مصادر التشريع اليهودي، وقد ذكرنا فيما سبق أن اليهود يسمون (المشنا) بالتوراة الشفوية وينسبونها إلى موسى عليه السلام. غير أن اليهود قد غلوا في تقديس التلمود أكثر من التوراة نفسها، فقد ورد في التلمود (أولئك الذين يكرسون أنفسهم لقراءة الكتاب المقدس (التوراة) يؤدون فضيلة لا ريب فيها لكنها ليست كبيرة، وأولئك الذين يدرسون المشنا يؤدون فضيلة سوف ينالون المكافأة
1 نقلاً من (التلمود تاريخه وتعاليمه ص28) .
2 انظر: التوراة تاريخها وغاياتها ص82،83 سهيل ديب، بتصريف بسيط.