المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العز بن عبد السلام الإباء والاستعلاء - دروس للشيخ علي القرني - جـ ٢١

[علي القرني]

فهرس الكتاب

- ‌عوامل بناء النفس

- ‌الصنف الأول: بنوا أنفسهم على الحق

- ‌التباين في بناء النفس

- ‌سعد بن الربيع بناء ثابت

- ‌الزهري لا تغيره محنة أو منحة

- ‌يوسف عليه السلام الثبات بكل معانيه

- ‌الإمام أحمد ذهب أحمر

- ‌العز بن عبد السلام الإباء والاستعلاء

- ‌بناء النفس يظهر في الفتن

- ‌محمد بن عاصم وبذله من أجل العقيدة

- ‌الصنف الثاني: بنوا أنفسهم على شفا جرف هار

- ‌ملك غسان وبناؤه المنهار

- ‌أسباب بناء النفس

- ‌من عوامل بناء النفس

- ‌من عوامل البناء التقرب إلى الله بما يحب

- ‌من عوامل بناء النفس المجاهدة

- ‌علامات الإخلاص

- ‌من عوامل بناء النفس: محاسبة النفس محاسبة دقيقة

- ‌من عوامل بناء النفس: طلب العلم

- ‌بناء العلماء لطلابهم

- ‌الوقوف على أخبار العلماء

- ‌فائدة أخبار العلماء

- ‌تنبيهات لكل داعية

- ‌من عوامل بناء النفس: المداومة على العمل وإن قل

- ‌من عوامل بناء النفس: مجالسة الصالحين

- ‌من عوامل بناء النفس: التفرغ للعبادة

- ‌من عوامل بناء النفس: الدعاء

- ‌من عوامل بناء النفس: تدبر كتاب الله تعالى

- ‌إساءة الظن بالنفس

الفصل: ‌العز بن عبد السلام الإباء والاستعلاء

‌العز بن عبد السلام الإباء والاستعلاء

وتتعاقب النماذج الثابتة المبنية في هذه الأمة، والخير فيها ولو خلت لانقلبت -كما قيل-.

ويتحالف الصالح إسماعيل مع الصليبيين، والثمن تسليم ديار المسلمين، فشهد ذلك الأمر العز بن عبد السلام، وشقَّ عليه الأمر، شقَّ على سلطان العلماء، فأنكر ذلك أيَّما إنكار، وترك الدعاء لـ إسماعيل، وعندئذٍ كتب جواسيس السلطان الذين بثَّهم لاستراق السمع بذلك، ورفعوا التقارير الظالمة، وحرَّفوا القول وزخرفوه، فجاء كتاب السلطان باعتقال العز بن عبد السلام عليه رحمة الله.

فسجن وضُيِّق عليه، ثم أطلق ومُنع من الخطابة والتدريس، ومُنع من الاجتماع إليه، وخرج مهاجراً إلى أرض مصر، فأرسل له السلطان رسولاً وطلب منه التلطف مع العز، وعرض عليه بعض الأمور علَّه أن يلين أو يَهِن أو يضعف.

وقال: إن وافق فذلك، وإن خالف فاعتقله في خيْمة بجانب خيْمتي.

فذهب رسول السلطان إلى سلطان العلماء، وقال له: يا إمام! بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان، وتقبل يده لا غير، فأبى سلطان العلماء إلا الثبوت على محض الحق، وقال قولاً خرَّ من هوله ذلك الرسول صعقاً.

قال: يا مسكين! والله الذي لا إله إلا هو ما أرضى أن يقبل السلطان يدي فضلاً عن أن أقبل يده، يا قوم أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به.

فأرغى رسول السلطان وأَزْبَدَ وهدده، وأعلن اعتقال الشيخ على الملا، فقال الشيخ: افعلوا ما بدا لكم، فاعتقلوه في خيمة بجانب خيمة السلطان، فأخذ الشيخ يرتل آيات الله البينات، يتصل بالله عن طريق التعبد بكلام الله.

وكان بعض ملوك الصليبيين عند ذلك السلطان، فقال هذا السلطان: أتسمعون هذا الذي يقرأ القرآن؟ قالوا: نعم.

قال: هذا أكبر رجل دين في المسلمين، وقد حبسته وعزلته عن الخطابة والتدريس من أجلكم، فلما سمع ملوك الفرنجة هذه الميوعة الرخيصة من ذلك السلطان أرادوا أن يهينوه ويُذلُّوه؛ لأنه هان واستمرأ الهوان فقالوا: والله لو كان هذا قسيسنا لغسَّلنا رجليْه وشربنا مرقتها.

ثم انتصر المسلمون بعد ذلك على الصليبيين، ونجَّى الله الشيخ من كيد الشيطان وحزبه، فدخل مصر آمناً لم يقدم تنازلاً، وازداد في الحق صلابة، فرحمه الله.

إنه بناء النفوس، إنه الإباء والاستعلاء، إنها ليست كبرياء إنما هي عزة العقيدة وعلو الراية ولاشك، ولقد تعرض البناة لأنفسهم في كل العصور لمواقف فنجحوا فيها بفضل الله.

ص: 8