المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صبرهم وتضحياتهم في سبيل الدين - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ٣٣

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌المرأة البحرية

- ‌من فضائل الصحابة

- ‌صبرهم وتضحياتهم في سبيل الدين

- ‌كثرة تعبدهم وحرصهم على نشر الإسلام

- ‌حراسة الدين ونقله إلى من بعدهم من المسلمين

- ‌حديث المرأة البحرية

- ‌أهل اليمن خير من يستجيب لدين الحق

- ‌أسماء بنت عميس تستخرج شهادة بالهجرتين

- ‌الدروس المستفادة من حديث المرأة البحرية

- ‌وفاء اليمنيين وثباتهم على الدين

- ‌الثبات على الدين في بلاد الغربة

- ‌التضحية لأجل الدين والعمل وفق مصلحته

- ‌المخاطرة لأجل الدين

- ‌جواز تحدث المرء وفخره بنعمة الله ما لم يكن عجباً

- ‌انتقاء المكان المناسب للفرار بالدين

- ‌أن المسلم كالغيث أينما وقع نفع

- ‌على المسلم المضطهد أن يهاجر

- ‌اختلاف أوضاع المسلمين والأجر على قدر الصبر

- ‌الرجوع إلى أهل العلم عند الاختلاف

- ‌الأمانة في النقل

- ‌على المفتي أن يتثبت ويستوفي السؤال

- ‌فرح الصحابة بما يقربهم من الله

- ‌إشراك الأقرباء فيما فيه خير

- ‌التقيد بالأوامر والتعليمات

- ‌إكرام أهل السبق

- ‌فوائد لغوية في ألفاظ حديثية

الفصل: ‌صبرهم وتضحياتهم في سبيل الدين

‌صبرهم وتضحياتهم في سبيل الدين

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فلا زلنا -أيها الإخوة- في هذه السلسلة من قصص الصحابة في عهد النبوة؛ نسترشد بسيرتهم، ونطيب أنفسنا بذكرهم وأخبارهم، ونستفيد دروساً عظيمةً من الأحداث والمواقف التي مرت بهم.

أولئك القوم الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى لصحبة نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أبر الأمة، وأطهر الأمة، وأفقه الأمة، وأعبد الأمة لله عز وجل، أولئك الذين نزل الوحي بينهم، وهم الذين عقلوه ولم يعقل الوحي أحدٌ مثلهم رضوان الله تعالى عليهم، إنهم القوم الذين نستفيد منهم مواقف في العقيدة، مما تحملوه في سبيل الله، وجاهدوا به أعداء الله.

إن واحداً منهم صدع بالقرآن في وجه الكفار فضربوه وآذوه، ولكنه استمر يقرأ القرآن عليهم.

وآخر ينطق بالشهادتين، فيضربونه حتى يسيل منه الدم، فيصير كهيئة النصب الأحمر من كثرة ما سال من دمائه حتى يقع مغشياً عليه.

إنهم ضربوا لنا أمثلة رائعة في الصبر، وكان يقذف بالواحد منهم على الرمال الحارة، وتوضع الصخرة على صدره فلا ينطق إلا بصفة من صفات الله التي تدل على وحدانيته، ورفض الشرك وعبادة الأوثان، وإن الواحد منهم كان يطرح على أسياخ الحديد المحماة، فلا يطفئها إلا الشحم الذي يسيل من ظهره عليها.

وكان الواحد منهم يؤذى ويضرب حتى لا يستطيع أن يستوي قاعداً من شدة الضرب، إنهم الذين ضربوا لنا المُثُلَ في التحمل والصبر على الجوع في سبيل الله، فحوصروا حتى لم يعد الواحد منهم يجد شيئاً يأكله، فيبول فيرتد رشاش بوله من شيء في الأرض، فيأخذه فإذا هو جلد بعيرٍ قد فني منذ مدة وبقي هذا الأثر، يأخذه ليغسله؛ فينقعه ويقتاته أياماً.

ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم وبلال من شيء يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال، وكان للواحد تمرة واحدة في اليوم يقتاتها وهم غزاةٌ في سبيل الله، ينقعونها في الماء يشربونه ويمصها الواحد منهم كما يمص الطفل ثدي أمه، اشتكوا من القلة إلى الله عز وجل لا إلى خلقه، وصبروا على العيلة والمسكنة، حتى جعل الواحد منهم من قلة الطعام يضغو كما تضغو الشاة، أي كالبعر الصغير تضعه الشاة، فكان الواحد من الصحابة إذا قضى حاجته لا يخرج منه إلا مثل ذلك، لأنهم لم يجدوا شيئاً يأكلونه، حتى ربطوا الحجارة المسطحة بمقدار الكف على بطونهم ليعتدل ظهر الواحد منهم؛ لأن الجوع احناه، ويبرد الحجر حرارة الجوع، ولأن ضغط الحجر على المعدة يؤدي إلى تقليل الإحساس بألم الجوع.

ص: 3