الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الذي هدانا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، فأكمله- سبحانه- لنا وأتمه، وأتمَّ به علينا النعمة، ورضيه لنا دينا، وجعلنا من أهله وجعله خاتما لكل دين وشرعة، ناسخا لجميع الشرائع قبله، وبعث به خاتم أنبيائه ورسله محمدا صلى الله عليه وسلم:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام / 153]، وجعل نهايته: رضوان الله والجنة {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة /: 15، 16] ، {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة / 72] ، وجعل الذلة والصغار على
[آل عمران / 83] . ونعوذ بالله من طريق: "المغضوب عليهم": "اليهود":
"الأمة الغضبية، أهل الكذب، والبُهت، والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء، وأكلة السُّحْت- وهو الرِّبا والرِّشا- أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السِّحر، والكذب، والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حُرْمة، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم: أعقلهم، وأحذقهم: أغشّهم، وسليم الناصية- وحاشاه أن يوجد بينهم- ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم بيوتا، وأنتنهم أفنية، وأوحشهم سجية، تحيتهم: لعنة، ولقاؤهم: طيرة، شعارهم الغضب، ودثارهم المقت"(1) .
(1) ما جاء بين القوسين من: «هداية الحيارى» لابن القيم. وهكذا في المواضع بعده من هذه المقدمة.
ونعوذ بالله من طريق "الضالين": "النصارى":
"المُثلَّثة، أمة الضلالة، وعُبَّاد الصليب، الذين سبُّوا الله الخالق مسبَّة ما سبه إياها أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ولم يجعلوه أكبر من كل شيء، بل قالوا فيه ما: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها: أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزَلَ عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات، ودُفِنَ، فدِينُها: عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا! فدينهم: شرب الخمور، وأكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة، والحلال ما حلله "القس" والحرام ما حرَّمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير".
ونعوذ بالله من كل: "عابد أوثان، وعابد نيران، وعابد شيطان، وصابئ حيران؛ يجمعهم الشرك، وتكذيب الرسل، وتعطيل الشرائع،
وإنكار المعاد، وحشر الأجساد، لا يدينون للخالق بدين، ولا يعبدونه مع العابدين، ولا يوحدونه مع الموحدين. وأُمَّة "المجوس" منهم تستفرش الأمهات، والبنات، والأخوات، دع العمات، والخالات، دينهم: الزَّمر، وطعامهم: الميتة، وشرابهم: الخمر، ومعبودهم: النار، ووليهم: الشيطان، فهم أخبث بني آدم نحلة، وأرداهم مذهبا، وأسوأهم اعتقادا.
وأما زنادقة الصابئة، وملاحدة الفلاسفة، فلا يؤمنون بالله، ولا ملائكته، ولا كتبه، ولا رسله، ولقائه، ولا يؤمنون بمبدأ، ولا معاد، وليس للعالم عندهم رب فعال بالاختيار لما يريد، قادر على كل شيء، عالم بكل شيء، آمر ناهٍ، مرسل الرسل، ومنزِّل الكتب، ومثيب المحسن، ومعاقب المسيء، وليس عند نُظَّارهم إلا تسعة أفلاك، وعشرة عقول، وأربعة أركان، وسلسلة ترتب فيها الموجودات هي بسلسلة المجانين أشبه منها بمجوَّزات العقول".
فالحمد لله الذي أعاذنا من سبل الضلالة، التي تجمعها هذه الطرق الخمسة الشيطانية:
طريق المغضوب عليهم: اليهود، وطريق الضالين: النصارى، وطريق الصابئة: الزنادقة الملاحدة الحيارى، وأخلافهم أخلاف
السوء من الشيوعيين، ومن شاكلهم، وطريق المجوس: مجمع الخبائث قولا، وفعلا، واعتقادا، وطريق المشركين: عبدة الأوثان، مكذبة الرسل والأنبياء.
الحمد لله الذي أعاذنا منها، "وأغنانا بشريعته- شريعة الإسلام- التي تدعو إلى الحكمة، والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل، والإحسان، والنهي عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، فلة المنة والفضل على ما أنعم به علينا، وآثرنا به على سائر الأمم، وإليه الرغبة أن يوزعنا شكر هذه النعمة، وأن يفتح لنا أبواب التوبة، والمغفرة، والرحمة".
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعالى وتقدس عن كل مبطل كذاب، ومشرك يعدل به غيره من الآلهة المخلوقين، والأرباب المكذوبين:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون / 91، 92] .
" وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وخيرته من بريته، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، ابتعثه بخير
ملة، وأحسن شرعة، وأظهر دلالة، وأوضح حجة، وأبين برهان، إلى جميع العالمين، إنسهم، وجنهم، عربهم، وعجمهم، حاضرهم، وباديهم؛ الذي بشرت به الكتب السالفة، وأخبرت به الرسل الماضية، وجرى ذكره في الأعصار، في القرى والأمصار، والأمم الخالية. ضُربت لنبوته البشائر من عهد آدم أبي البشر إلى عهد المسيح ابن البشر".
* أما بعد: ففي الوقت الذي يجري فيه صريف الأقلام الجهادية من علماء المسلمين في شتى فجاج أرض الله، بالدعوة إلى الله، والتبصر في الدين، ومواجهة موجات الإلحاد والزندقة، وردِّ دعاوى الجاهلية القديمة والمعاصرة: القومية. البعثية. . . الماركسية. العلمنة. الحداثة. . . وصد عاديات التغريب، والانحراف، والغزو المعنوي بجميع أنواعه وضروبه، وأشكاله، بدت محنة أخرى في ظاهرة هي أبشع الظواهر المعادية للإسلام والمسلمين؛ إذ نزعت في المواجهة نزعا عنيفا بوقاحة، وفراهة؛ كيدا للمسلمين، وطعنا في الدين، وليًّا بألسنتهم، لإفساد نزعة التدين بالإسلام، والدخول فيه، وتذويب شخصيته في معترك الديانات، ومطاردة التيار الإسلامي، وكبت
طلائعه المؤمنة، وسحب أهله عنه إلى ردة شاملة.
وكل ذلك يجري على سنن الصراع والتقابل والتدافع، كما قال أبو العلاء المعري:
يُجْنَى تزايد هذا من تناقص ذا
…
كالليل إن طال غال اليوم بالقِصَر
وأعلى من ذلك وأجلُّ قول الله تعالى-: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة / 217] .
وقوله- سبحانه: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء / 89] .
وذلك فيما جَهَرَتْ به اليهود والنصارى، من الدعوة الجادة إلى:
" نظرية الخلط بين الإسلام وبين ماهم عليه من دين محرَّف منسوخ " وزرع خلاياهم في أعماق أمة الإسلام في كل صقع ودار، وصهر المسلمين معهم في قالب واحد، فلا ولاء، ولا براء، ولا تقسيم للملا إلى مسلم وكافر أبدا، ولا لتعبدات الخلائق إلى حق وباطل. ونصبوا لذلك مجموعة من الشعارات، وصاغوا له
كوكبة من الدعايات، وعقدوا له المؤتمرات، والندوات، والجمعيات، والجماعات، إلى آخر ما هنالك من مخططات وضغُوط، ومباحثات ظاهرة، أو خفية، معلنة، أو سرية، وما يتبع ذلك من خطوات نشطة، ظهر أمرها وانتشر، وشاع واشتهر.
وهم في الوقت نفسه في حالة استنفار، وجد ودأب في نشر التنصير، وتوسيع دائرته، والدعوة إليه، واستغلال مناطق الفقر، والحاجة، والجهل، وبعث النشرات عبر صناديق البريد.
* من هنا اشتد السؤال، ووقع كثيرا من أهل الإسلام عن هذه:"النظرية" التي حلَّت بهم، ونزلت بساحتهم: ما الباعث لها؟ وما الغاية التي ترمي إليها؟ وما مدى مصداقية شعاراتها؟ وعن حكم الإسلام فيها، وحكم الاستجابة لها من المسلمين، وحكم من أجاب فيها، وحكم من دعا إليها، ومهد السبيل لتسليكها بين المسلمين، ونشرها في ديارهم، ونثر من أجلها وسائل التغريب، وأسباب التهويد، والتنصير، في صفوف المسلمين.
حتى بلغت الحال ببعضهم إلى فكرة: "طبع القرآن الكريم، والتوراة والإنجيل" في غلاف واحد؟
وحتى بلغ الخلط والدمج مبلغه ببناء "مسجد، وكنيسة، ومعبد" في محل واحد، في:"رحاب الجامعات" و"المطارات" و"الساحات العامة"؟
فما جوابكم يا علماء الإسلام؟؟
* * * * بين يدي الجواب:
ولا شك أن الوضع قائم مشهور، والسؤال وارد مطلوب، والجواب واجب محتوم، على كل من آتاه الله علما وبصيرة في دين الله، وهذا من بعض حق الله على كل عبد مسلم؛ لتبصير المسلمين في أمر دينهم، وكشف الحقيقة عما يحل بهم، حتى يصيروا على بصيرة من أمرهم، وحراسة الشريعة برد كل مكيدة توجه إليهم، وإلى دينهم:"دين الإسلام" وتطعن في الله، وفي كتابه، وفي رسوله، وسنته، وهو باب عظيم من أبواب مجاهدة الكافرين ودفع مكايدهم وشرورهم عن المسلمين، وهي تكون بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان. قال الله تعالى:{كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران / 79] .
وقد رأيت أن أكتب الجواب عن هذا السؤال، مبينا له بالحجة، والبيان، والدليل، والبرهان، مرتبا له في مقامات ثلاثة:
* المقام الأول: المسرد التاريخي لهذه النظرية، وتشخيص وقائعها، وخطواتها في الحاضر والعابر؛ ليحصل تمام التصور لمحل السؤال.
* المقام الثاني: في الجواب على سبيل الإجمال.
* المقام الثالث: في الجواب على طريقة النشر والتفصيل، بتشخيص الأصول العقدية الإسلامية التي ترفض هذه النظرية وتنابذها.