الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقام الثاني
في الجواب على سبيل الإجمال
إن الدعوة إلى هذه النظرية الثلاثية: تحت أي من هذه الشعارات: إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف، هي أكبر مكيدة عُرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة:" بغض الإسلام والمسلمين ". وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة، وهي كاذبة خادعة، ذات مصير مروع مخوف. فهي في حكم الإسلام: دعوة بدعية، ضالة كفرية، خطة مأثم لهم، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام؛ لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات، وتبطل صدق القرآن، ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع، وتبطل ختم النبوة والرسالة بمحمد عليه الصلاة والسلام فهي نظرية مرفوضة شرعا، محرمة قطعا
بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسنة، وإجماع، وما ينطوي تحت ذلك من دليل، وبرهان.
لهذا: فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، الاستجابة لها، ولا الدخول في مؤتمراتها، وندواتها، واجتماعاتها، وجمعياتها، ولا الانتماء إلى محافلها، بل يجب نبذها، ومنابذتها، والحذر منها، والتحذير من عواقبها، واحتساب الطعن فيها، والتنفير منها، وإظهار الرفض لها، وطردها عن ديار المسلمين، وعزلها عن شعورهم، ومشاعرهم والقضاء عليها، ونفيها، وتغريبها إلى غربها، وحجرها في صدر قائلها، ويجب على الوالي المسلم إقامة حد الردة على أصحابها، بعد وجود أسبابها، وانتفاء موانعها، حماية للدين، وردعا للعابثين، وطاعة لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإقامة للشرع المطهر.
وأن هذه الفكرة إن حظيت بقبول من يهود، ونصارى، فهم جديرون بذلك؛ لأنهم لا يستندون إلى شرع منزل مؤبد، بل دينهم إما باطل محرف، وإما حق منسوخ بالإسلام، أما المسلمون فلا والله، لا يجوز لهم بحال الانتماء إلى هذه الفكرة؛ لانتمائهم إلى شرع منزل مؤبد كله حق، وصدق، وعدل، ورحمة.
وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة: أنها فلسفية النزعة، سياسية النشأة، إلحادية الغاية (1)، تبرز في لباس جديد لأخذ ثأرهم من المسلمين: عقيدة، وأرضا، وملكا، فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في:
1 -
إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام، والبلبلة في المسلمين، وشحنهم بسيل من الشبهات، والشهوات؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة، ونفس حاضرة.
2 -
قصر المد الإسلامي، واحتواؤه.
3 -
تأتي على الإسلام من القواعد، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه، ووهن المسلمين، ونزع الإيمان من قلوبهم، وَوَأدِه.
4 -
حل الرابطة الإسلامية بين العالم الإسلامي في شتى بقاعه؛ لإحلال الأخوة البديلة اللعينة: " أخوة اليهود والنصارى ".
5 -
كف أقلام المسلمين، وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم، ممن كفرهم الله، وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم
(1) انظر كتاب: «الإيمان» لعثمان عبد القادر الصافي: ص / 117.
إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام، ويتركوا ما سواه من الأديان.
6 -
وتستهدف إبطال أحكام الإسلام المفروضة على المسلمين أمام الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر ممن لم يؤمن بهذا الإسلام، ويترك ما سواه من الأديان.
7 -
وتستهدف كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام: الجهاد في سبيل الله، ومنه: جهاد الكتابيين، ومقاتلتهم على الإسلام، وفرض الجزية عليهم إن لم يسلموا.
والله سبحانه وتعالى يقول: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة / 29] .
وكم في مجاهدة الكافرين، أعداء الله، ورسوله، والمؤمنين، من " إرهاب " لهم، وإدخال للرعب في قلوبهم، فينتصر به الإسلام، ويذل به أعداؤه، ويشفي الله به صدور قوم مؤمنين.
والله - تعالى - يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال / 60] .
فواعجبا من تفريط المسلمين، بهذه القوة الشرعية؛ لظهور تفريطهم في مواقفهم المتهالكة: موقف: اغتيال الجهاد، ووأده. وموقف: تأويل الجهاد للدفاع، لا للاستسلام على كلمة الإسلام أو الجزية إن لم يسلموا. وموقف: تلقيب الجهاد باسم: " الإرهاب " للتنفير منه؛ حتى بلغت الحال بالمسلمين إلى تآكل موقفهم في فرض الجزية على الكافرين في تاريخهم اللاحق؟
وإن فرض الجزية على اليهود، والنصارى، إن لم يسلموا: عزة للمسلمين، وصغار على الكافرين؛ لهذا كانت لهم محاولات منذ القرن الرابع الهجري لإبطال الجزية، وإسقاطها عنهم، وكان أول كتاب زوره اليهود في أوائل القرن الرابع الهجري، فعرضه الوالي على العلماء، فحكم الإمام المفسر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 - رحمه الله تعالى - بأنه مزور موضوع؛ لأن فيه شهادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وهو إنما أسلم عام الفتح بعد عام خيبر سنة 7، وهم يزعمون أن هذا الكتاب، وضع عنهم الجزية عام خيبر، وفيه شهادة سعد بن معاذ رضي الله عنه وقد توفي عام الخندق قبل خيبر. فثبت تزويره.
وما زال اليهود يخرجونه من وقت إلى آخر، وفي كل مرة يحكم العلماء بتزويره، فكان في عصر الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 فأبطله.
وأخرجوه في القرن السابع في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728 - رحمه الله تعالى - فأبطله، وهكذا، وشرح ذلك مبسوط في كتاب:" أحكام أهل الذمة: 1 / 5 - 8 " لابن القيم المتوفى سنة 751 - رحمه الله تعالى -.
وزور النصارى " وثيقة سانت كاترين " المعلقة في: " دير طور سيناء ": " سانت كاترين " و" كاترين " اسم زوجة أحد الرهبان، وقد سميت كنيسة دير الطور باسمها؛ لأنها دفنت فيها في القرن التاسع.
وهي وثيقة مكذوبة وضعها النصارى.
وفي: " مجلة الدارة " العدد / 3 لعام 1400. ص / 124 - 130. بحث مهم في بيان بعض الوثائق التي زورها اليهود، والنصارى، ومنها هذه الوثيقة. والكاتب هو عبد الباقي فصه. الجزائر. جامعة قسنطينة.
ويزاد عليه: أن من أدلة تزويرها، ذكر شهادة أبي هريرة -
رضي الله عنه - عليها، وهو إنما أسلم عام خيبر سنة 7، وهي مؤرخة في العام الثاني من الهجرة.
وانظر عن: " دير طور سيناء "، والذي سمي في القرن التاسع باسم:" دير سانت كاترين ": " الموسوعة العربية الميسرة: 1 / 830 " و: " المنجد "(1) مادة: " سيناء. دير طور ". و" معجم البلدان " مادة: " دير طور سيناء ". و" المنجد في الأعلام. ص / 295 ".
8 -
وتستهدف هدم قاعدة الإسلام، وأصله:" الولاء والبراء " و" الحب والبغض في الله "، فترمي هذه النظرية الماكرة إلى كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين، ومفاصلتهم، والتدين بإعلان بغضهم وعداوتهم، والبعد عن موالاتهم، وتوليهم، وموادتهم، وصداقتهم.
9 -
وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الأديان، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته، وعزل شريعته في القرآن والسنة عن الحياة، حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر، والأخلاقيات الهدامة، مفرغا من كل مقوماته، فلا يترشح لقيادة أو سيادة، وجعل المسلم في محطة التلقي لِمَا
(1)«المنجد» و «المنجد في الأعلام» من مؤلفات النصارى، وإنما ذكرتهما من باب الحجة عليهما بما فيهما، وإلا فقد أغنانا الله بما ألفه أهل الإسلام قديما وحديثا، فالحمد لله، وانظر:«عثرات المنجد» للشيخ إبراهيم القطان - رحمه الله تعالى -.
يملى عليه من أعدائه، وأعداء دينه، وحينئذٍ يصلون إلى خسة الغاية: القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاوم.
10 -
وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام، واستعلائه، وظهوره وتميزه، بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل، في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى.
11 -
وترمي إلى تمهيد السبيل: " للتبشير بالتنصير " والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين؛ لسبق تعبئتهم بالاسترخاء، والتبلد.
12 -
ثم غاية الغايات: بسط جناح الكفرة من اليهود، والنصارى، والشيوعيين، وغيرهم على العالم بأسره، والتهامه، وعلى العالم الإسلامي بخاصة، وعلى العالم العربي بوجه خاص، وعلى قلب العالم الإسلامي، وعاصمته:" الجزيرة العربية "(1) بوجه أخص، في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله؛ لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ: الفكري، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي،
(1) أفردت كتابا باسم: «خصائص جزيرة العرب» ووجوه تحصينها والضمانات لحمايتها «.
وإقامة سوق مشترك، لا تحكمه شريعة الإسلام، ولا سمع فيه، ولا طاعة لخلق فاضل ولا فضيلة، ولا كسب حلال، فيفشو الربا، وتنتشر المفسدات، وتدجن الضمائر، والعقول، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة، وشريعة مستقيمة. وما " مؤتمر السكان والتنمية " المعقود بالقاهرة في: 29 / 3 / 1415 و" المؤتمر العالمي للمرأة " المعقود في بكين عام 1416. إلا طروحات لإنفاذ هذه الغايات البهيمية.
هذا بعض ما تستهدفه هذه النظيرة الآثمة، وإن من شدة الابتلاء، أن يستقبل نزر من المسلمين، ولفيف من المنتسبين إلى الإسلام هذه " النظرية " ويركضوا وراءها إلى ما يُعقد لها من مؤتمرات، ونحوها، وتعلو أصواتهم بها، مسابقين هؤلاء الكفرة إلى دعوتهم الفاجرة، وخطتهم الماكرة، حتى فاه بعض المنتسبين إلى الإسلام بفكرته الآثمة:
" إصدار كتاب يجمع بين دفتيه: " القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل ".
وإنا لنتلو قول الله - تعالى -: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف / 155] .
ومن المعلوم أن " باب التأويل والاجتهاد " باب واسع قد يؤول بصاحبه إلى اعتقاد الحلال حراما، والحرام حلالا (1) ، هذا إذا كان في أصله سائغا فكيف إذا كان غير سائغ؟ بل هو اجتهاد آثم؛ لمصادمته أصول الدين المعلومة منه بالضرورة، وعلى كلا الحالين: فلا يجوز ترك بيان السنة والهدى، ويجب رد الاجتهادات والتأويلات الخاطئة، فضلا عن الفاسدة أصلا، بل يجب البيان لحفظ هذا الدين، وكف العدوان عليه. وهذا من إعطاء الإسلام حقه، والوفاء بموجب العلم والإيمان.
إن هذه الدعوة بجذورها، وشعاراتها، ومفرداتها، هي من أشد ما ابتلي به المسلمون في عصرنا هذا، وهي أكفر آحاد:" نظرية الخلط بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والهدى والضلالة، والمعروف والمنكر، والسنة والبدعة، والطاعة والمعصية ".
وهذه الدعوة الآثمة، والمكيدة المهولة، قد اجتمعت فيها بلايا التحريف، والانتحال، وفاسد التأويل، وإن هذه الأمة
(1) الفتاوى: 21 / 62 - 65.
المرحومة، أمة الإسلام، لن تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها - بحمد الله - طائفة ظاهرة على الحق، حتى تقوم الساعة، من أهل العلم والقرآن، والهدى والبيان، تنفي عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فكان حقا علينا وعلى جميع المسلمين: التعليم، والبيان، والنصح، والإرشاد، وصد العاديات عن دين الإسلام. ومن حذر فقد بشر.
هذا جواب على سبيل الإجمال يطوّق هذه النظرية الخطرة ويكشف مخططاتها القريبة، والبعيدة في الهدم، والتدمير، وقفزهم إلى السلطة بلا مقاوم.
وخلاصته: " أن دعوة المسلم إلى توحيد دين الإسلام مع غيره من الشرائع والأديان الدائرة بين التحريف والنسخ بشريعة الإسلام:
ردة ظاهرة، وكفر صريح؛ لما تعلنه من نقض جريء للإسلام أصلا، وفرعا، واعتقادا، وعملا، وهذا إجماع لا يجوز أن يكون محل خلاف بين أهل الإسلام ". وإنها دخول معركة جديدة مع عُبَّاد الصليب، ومع أشد الناس عداوة للذين آمنوا. فالأمر جد وما هو بالهزل.
والآن أقيم الأدلة مفصلة على هذه الخلاصة الحكمية، لأن النفوس تطمع بإقامة الدليل، وإظهار البراهين، وتوضيح الحجة للسالكين، فإلى البيان مفصلا حتى لا تخفى الحال على مسلم يقرأ القرآن، ولتنقذه من التيه في ضباب الشعارات الكاذبة ونقول لكل مسلم:{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية / 6] .