المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الإيمان بالرسل: من أركان الإيمان، وأصول الاعتقاد، " الإيمان بالرسل - الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان

[بكر أبو زيد]

الفصل: ‌ ‌الإيمان بالرسل: من أركان الإيمان، وأصول الاعتقاد، " الإيمان بالرسل

‌الإيمان بالرسل:

من أركان الإيمان، وأصول الاعتقاد، " الإيمان بالرسل " إيمانا جامعا، عاما، مُؤتَلِفا، لا تفريق فيه ولا تبعيض، ولا اختلاف، وهو يتضمن تصديقهم، وإجلالهم، وتعظيمهم كما شرع الله في حقهم، وطاعتهم فيمن بعثوا به في الأمر، والنهي، والترغيب، والترهيب، وما جاءوا به عن الله كافة.

وهذا أصل معلوم من الدين بالضرورة، فيجب الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله، جملةً وتفصيلا، من قص الله - سبحانه - علينا خبره ومن لم يقصص خبره.

وأن عِدّة الأنبياء، كما جاءت به الرواية من حديث أبي ذر رضي الله عنه وغيره:«مائة ألف وعشرون ألفا» وعدة الرسل منهم: «ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا» . وسمى الله منهم في القرآن الكريم، خمسة وعشرين، فأول نبي هو: آدم عليه السلام وقيل: بل هو نبي رسول. وأول نبي رسول نوح عليه السلام وآخر نبي رسول هو محمد صلى الله عليه وسلم. وكان عيسى ابن مريم

ص: 78

قبله، ولم يكن بينهما نبي ولا رسول.

وقد ذكر الله منهم في مواضع متفرقة من القرآن: سبعة، هم: آدم، وهود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل، وإدريس، وذو الكفل، ومحمد - صلى الله عليهم أجمعين -.

وذكر ثمانية عشر منهم في موضع واحد، في أربع آيات متواليات من سورة الأنعام:(83 - 86) وهم: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ونوح، وداود، وسليمان، وأيوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، وإسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط.

ومن هذا العدد: خمسة هو أولو العزم من الرسل، وهم الذين ذكرهم الله - سبحانه - بقوله:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب / 7] .

ومن هذا العدد المبارك: أربعة من العرب، وهم: هود، وصالح، وشعيب، ومحمد - صلى الله عليهم وسلم أجمعين - (1)

(1) جمعهم بعضهم بقوله «شهصم» .

ص: 79

وذكر الله - سبحانه - ولد يعقوب باسم: " الأسباط " ولم يذكر اسم أحد منهم سوى: يوسف عليه السلام وهم اثنا عشر ابنا ليعقوب عليه السلام ليس فيهم نبي سوى يوسف عليه السلام وهو الذي قواه ابن كثير - رحمه الله تعالى - في " تاريخه ". وقيل: بل كانوا جميعهم أنبياء.

والآيات التي يرد فيها ذكر: " الأسباط " المراد بهم شعوب بني إسرائيل، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء، وقد ثبت في السنة تسمية نبيين هما: شيث بن آدم، ويوشع بن نون عليهم السلام.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوحا، وشعيبا، وهودا، وصالحا، ولوطا، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، ومحمدا صلى الله وسلم عليهم أجمعين ".

وكل الأنبياء والرسل: رجال، أحرار، من البشر، من أهل القرى والأمصار، ليس فيهم امرأة، ولا ملك، ولا أعرابي، ولا جني.

وكلهم على غاية الكمال في الخِلقة البشرية، والأخلاق

ص: 80

العلية، مصطفون من خيار قومهم، الذين بعثهم الله فيهم، وبلسانهم، من خيارهم خِلقة، وخُلُقا، ونسبا ومواهب، وقدرات، معصومون في تحمل الرسالة، وتبلغيها، ومن كبائر الذنوب، واقترافها، وإن وقعت صغيرة فلا يقرون عليها، بل يسارع النبي إلى التوبة منها، والتوبة تغفر الحَوبَة.

وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة إلا محمدا صلى الله عليه وسلم فبعثته عامة إلى الثقلين.

وكل نبي يبعث بلسان قومه.

وقد يبعث الله -سبحانه - نبيا وحده، أو رسولا وحده، وقد يجمع الله بعثة نبيين اثنين، أو نبي ورسول، أو أكثر من ذلك في زمن واحد، ومن ذلك:

أن الله - سبحانه - بعث نبيه ورسوله إبراهيم عليه السلام وبعث في زمنه: لوطا عليه السلام وهو ابن أخيه.

وبعث الله - سبحانه - إسماعيل، وإسحاق عليهما السلام، في زمن واحد.

وبعث الله - سبحانه - يعقوب، وابنه يوسف عليهما السلام في زمن واحد.

ص: 81

وبعث الله - سبحانه موسى، وأخاه هارون عليهما السلام في زمن واحد، قيل: وشعيب عليه السلام الذي أدركه موسى، وتزوج ابنته. وهو غلط، كما قرره المفسرون منهم ابن جرير شيخ المفسرين - رحمه الله تعالى - وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في:" الجواب الصحيح: 2 / 249 - 250 ".

وبعث الله - سبحانه - داود وابنه سليمان عليهما السلام في زمن واحد.

وبعث الله - سبحانه - زكريا، ويحيى عليهما السلام في زمن واحد.

وقال - تعالى - في سورة " يس ": {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [إلى آخر الآيات / 13 - 17 من سورة يس] .

وقد اختار ابن كثير رحمه الله أنهم ثلاثة رسل من رسل الله - تعالى -.

وكلهم بعثهم الله مبشرين، ومنذرين، ولتحقيق العبودية لله - سبحانه - وتوحيده، وأدى كل واحد منهم عليهم السلام -

ص: 82

الأمانة، وبلغ، وبشر، وأنذر، وقد أيدهم الله بالمعجزات الباهرات، والآيات الظاهرات.

والرسل أفضل من الأنبياء، وقد فضل الله - سبحانه - بعضهم على بعض، ورفع بعضهم درجات، وأفضلهم جميعا: خمسة هم أولو العزم من الرسل.

وأفضل الجميع على الإطلاق، بل أفضل جميع الخلائق: هو خاتمهم نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا نبي بعده، وأن كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين عامة.

وكلهم متفقون على وحدة الملة والدين: في التوحيد، والنبوة والبعث، وما يشمله ذلك من الإيمان الجامع بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشَره، وما في ذلك من وحدة العبادة لله - تعالى - لا شريك له، فالصلاة والزكاة، والصدقات، كلها عبادات لا تُصرف إلا لله - تعالى -.

وشرائعهم في العبادات في صورها، ومقاديرها، وأوقاتها، وأنوعها، وكيفيتها، متعددة.

حتى جاءت الرسالة الخاتمة، والنبوة الخالدة، فنسخ الله بها جميع الشرائع فلا يجوز لبشر، كتابي ولا غير كتابي، أن يتعبد الله

ص: 83

بشريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تعبد الله بغير هذه الشريعة الخاتمة، فهو كافر، وعمله هباء:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان / 23] .

فواجب على كل مكلف الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ولو كان أحد من أنبياء ورسله الله حيا لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يسع الكتابيين إلا ذلك، كما قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف / 157] .

وأن بعثته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الثقلين، والناس أجمعين:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ / 28] .

وقال - تعالى -: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف / 158] .

وقال - تعالى -: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام / 19] .

ص: 84

وقال - سبحانه -: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} [آل عمران / 20] .

من نواقض هذا الأصل: من كفر بنبي واحد، أو رسول واحد، أو آمن ببعض وكفر ببعض، فهو كمن كفر بالله وجحده، وقد فرق بين الله ورسله، ولا ينفعه إيمانه ببقية الرسل؛ ذلك أن الرسل حملة رسالة واحدة، ودعاة دين واحد، وإن اختلفت شرائعهم، ومرسلهم واحد، فهم وحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر، ويصدق المتأخر المتقدم.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء / 150 - 151] .

ولهذا: فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وأنه خاتم الأنبياء والرسل، وأن شريعته ناسخة لجميع ما قبلها، وأنه لا يسع أحدا من أهل الأرض اتباع غير شرعه: فهو كافر مخلد في النار كمن كفر بالله وجحده ربا معبودا.

وقد بين الله - سبحانه - كفر اليهود والنصارى؛ لإيمانهم ببعض الرسل، وكفرهم ببعض، كما قال - تعالى -:

ص: 85

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة / 91] .

فاليهود لا يؤمنون بعيسى ابن مريم، ولا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة / 90] غضب بكفرهم بالمسيح عيسى ابن مريم، وغضب بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، والنصارى: لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم فَأتوا من كفرهم به.

لهذا: فهم بكفرهم هذا كفار مخلدون في النار، فكيف ينادون بوحدتهم مع دين الإسلام؟

وانظر إلى حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق: أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» متفق عليه.

فقوله: " وأن عيسى عبد الله ورسوله " تعريض باليهود في التفريق بين رسله في إنكارهم رسالته، ثم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتعريض بالنصارى - أنفسهم - في قولهم بالإيمان به مع التثليث وهو شرك

ص: 86

محض؛ وبه تعرف السر في تخصيص ذكر عيسى عليه السلام في هذا الحديث العظيم الجامع.

ألا: لا وحدة بين مسلم يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله ويهودي أو نصراني: لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله - سبحانه -:

{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة / 137] .

ومن نواقض هذا الأصل لدى اليهود والنصارى: نسبة القبائح، والكبائر إلى الأنبياء والرسل، كصناعة الأصنام، والردة، والزنا، والخمر، والسرقة، و. . .

فمن نسب أي قبيحة من تلك القبائح، ونحوها إلى أي نبي أو رسول فهو كافر مخلد في النار، مثل كفره بالله، وجحده له.

وقد كان لليهود، والنصارى - قبحهم الله وأخزاهم - أوفر نصيب من نسبة القبائح إلى أنبياء الله ورسله عليهم السلام كما تقدم ذكر بعض منها.

ص: 87

ومن نواقض هذا الأصل: نفي بشرية أحد من الأنبياء، أو تأليه أحد منهم.

وقد نقض اليهود، والنصارى هذا الأصل العظيم بافترائهم، وكذبهم، وتحريفهم، كما فضحهم الله في آيات من:" القرآن العظيم " وحكم بكفرهم، وضلالهم.

فقال - سبحانه - عن اليهود والنصارى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة / 30] .

وقال - سبحانه - عن النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة / 72] .

وقال - سبحانه - عن النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة / 73] .

ومن نواقض هذا الأصل: عدم الإيمان بعموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع أهل الأرض عربهم، وعجمهم، إنسهم، وجنهم.

ص: 88

ومنه أن العيسوية من اليهود وفريقا من النصارى آمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم للعرب خاصة، وأنكروا عموم رسالته.

وإنكار عموم رسالته صلى الله عليه وسلم، كفر، يناقض صريح القرآن:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ / 28] .

والآيات بهذا المعنى كثيرة، وفي صحيح مسلم:«أرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون» .

ص: 89