المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الأربعون: في معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر - الإتقان في علوم القرآن - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌النوع الأربعون: في معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر

‌النَّوْعُ الْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ مَعَانِي الْأَدَوَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمُفَسِّرُ

وَأَعْنِي بِالْأَدَوَاتِ الْحُرُوفَ وَمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ وَالظُّرُوفِ.

اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ لِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِهَا وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ الْكَلَامُ وَالِاسْتِنْبَاطُ بِحَسَبِهَا كَمَا فِي قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} فَاسْتُعْمِلَتْ " عَلَى " فِي جَانِبِ الْحَقِّ، وَ" فِي " فِي جَانِبِ الضَّلَالِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ كَأَنَّهُ مُسْتَعْلٍ يَصْرِفُ نَظَرَهُ كَيْفَ شَاءَ وَصَاحِبَ البطل كَأَنَّهُ مُنْغَمِسٌ فِي ظَلَامٍ مُنْخَفِضٍ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ.

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} عَطَفَ عَلَى الْجُمَلِ. الْأُوَلِ بِالْفَاءِ وَالْأَخِيرَةِ بِالْوَاوِ لَمَّا انْقَطَعَ نِظَامُ التَّرَتُّبِ لِأَنَّ التَّلَطُّفَ غَيْرُ مُرَتَّبٍ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالطَّعَامِ كَمَا كَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى النَّظَرِ فِيهِ وَالنَّظَرُ فِيهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى التَّوَجُّهِ فِي طَلَبِهِ وَالتَّوَجُّهُ فِي طَلَبِهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى قَطْعِ الْجِدَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ مُدَّةِ اللَّبْثِ وَتَسْلِيمِ الْعِلْمِ لَهُ تَعَالَى.

وَقَوْلِهِ تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} ، الْآيَةَ عَدَلَ عَنِ اللَّامِ إِلَى " فِي " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ إِيذَانًا إِلَى أَنَّهُمْ أَكْثَرُ اسْتِحْقَاقًا لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِمْ بِمَنْ سَبَقَ ذِكْرُهُ بِاللَّامِ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ بِاسْتِعْمَالِهَا عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ يُجْعَلُوا مَظِنَّةً لِوَضْعِ الصَّدَقَاتِ فِيهِمْ كَمَا يُوضَعُ الشَّيْءُ فِي وِعَائِهِ مُسْتَقِرًّا فِيهِ.

ص: 166

وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: إِنَّمَا قَالَ: {وَفِي الرِّقَابِ} ، وَلَمْ: يَقُلْ " وَلِلرِّقَابِ " لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: {عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} وَلَمْ يَقُلْ: {فِي صَلاتِهِمْ} .

وَسَيَأْتِي ذِكْرُ كَثِيرٍ مِنْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ.

وَهَذَا سَرْدُهَا مُرَتَّبَةً عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَقَدْ أَفْرَدَ هَذَا النَّوْعَ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْهَرَوِيِّ فِي الْأُزْهِيَةِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ أُمِّ قَاسِمٍ فِي الْجَنَى الدَّانِي.

الْهَمْزَةُ

تَأْتِي عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الِاسْتِفْهَامُ وَحَقِيقَتُهُ طَلَبُ الْإِفْهَامِ وَهِيَ أَصْلُ أَدَوَاتِهِ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَصَّتْ بِأُمُورٍ:

أَحَدُهَا: جَوَازُ حَذْفِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْخَمْسِينَ.

ثَانِيهَا: أَنَّهَا تَرِدُ لِطَلَبِ التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ بِخِلَافِ هَلْ فَإِنَّهَا لِلتَّصْدِيقِ خَاصَّةً وَسَائِرُ الْأَدَوَاتِ لِلتَّصَوُّرِ خَاصَّةً.

ثَالِثُهَا: أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْإِثْبَاتِ نَحْوَ: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً} {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} ، وَعَلَى النَّفْيِ نَحْوَ:{أَلَمْ نَشْرَحْ} ، وَتُفِيدُ حِينَئِذٍ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّذَكُّرُ وَالتَّنْبِيهُ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ

ص: 167

إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} وَالْآخَرُ: التَّعَجُّبُ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} وَفِي كِلَا الْحَالَيْنِ هِيَ تَحْذِيرٌ نَحْوَ: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ} .

رَابِعُهَا: تَقْدِيمُهَا عَلَى الْعَاطِفِ تَنْبِيهًا عَلَى أَصَالَتِهَا فِي التَّصْدِيرِ نَحْوَ: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً} ، {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} ، {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} ، وَسَائِرُ أَخَوَاتِهَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ كَمَا هُوَ قِيَاسُ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ نَحْوَ:{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} ، {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} ، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} ، {فَهَلْ يُهْلَكُ} ، {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} ، {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ} .

خَامِسُهَا: أَنَّهُ لَا يُسْتَفْهَمُ بِهَا حَتَّى يَهْجِسَ فِي النَّفْسِ إِثْبَاتُ مَا يُسْتَفْهَمُ عَنْهُ بِخِلَافِ هَلْ فَإِنَّهُ لِمَا لَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ فِيهِ نَفْيٌ وَلَا إِثْبَاتٌ حَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ عَنْ بَعْضِهِمْ.

سَادِسُهَا: أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الشَّرْطِ نَحْوَ: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ، {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} بِخِلَافِ غَيْرِهَا.

وَتَخْرُجُ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ الْحَقِيقِيِّ فَتَأْتِي لِمَعَانٍ تُذْكَرُ فِي النوع السابع والخمسون.

ص: 168

فَائِدَةٌ:

إِذَا دَخَلَتْ عَلَى " رَأَيْتَ " امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ أَوِ الْقَلْبِ وَصَارَ بِمَعْنَى " أخبرني " وقد تبدل " ها "، وَخَرَجَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاءَةُ قُنْبُلٍ {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ} بِالْقَصْرِ وَقَدْ تَقَعُ فِي الْقَسَمِ وَمِنْهُ مَا قرئ {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ} بِالتَّنْوِينِ {اللَّهِ} بِالْمَدِّ.

الثَّانِي: مِنْ وَجْهَيِ الْهَمْزَةِ أَنْ تَكُونَ حَرْفًا يُنَادَى بِهِ الْقَرِيبُ وَجَعَلَ مِنْهُ الفراء: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} عَلَى قِرَاءَةِ تَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ صَاحِبُ هَذِهِ الصِّفَاتِ.

قَالَ هِشَامٌ: وَيُبْعِدُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ نِدَاءٌ بِغَيْرِ يَاءٍ وَيُقَرِّبُهُ سَلَامَتُهُ مِنْ دَعْوَى الْمَجَازِ إِذْ لَا يَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمِنْ دَعْوَى كَثْرَةِ الْحَذْفِ إِذِ التَّقْرِيرُ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا لِلِاسْتِفْهَامِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ خَيْرٌ أَمْ هَذَا الْكَافِرُ. أَيْ الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً} ، فَحُذِفَ شَيْئَانِ: مُعَادِلُ الْهَمْزَةِ وَالْخَبَرُ.

أَحَدٌ

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الزِّينَةِ: هُوَ اسْمٌ أَكْمَلُ مِنَ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ فُلَانٌ لَا يَقُومُ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ فِي الْمَعْنَى أن يقوم اثنا فَأَكْثَرُ بِخِلَافِ قَوْلِكَ: لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ.

وَفِي الْأَحَدِ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْوَاحِدِ تَقُولُ: لَيْسَ فِي الدَّارِ وَاحِدٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَالْوَحْشِ وَالْإِنْسِ فَيَعُمُّ النَّاسَ وَغَيْرَهُمْ بِخِلَافِ لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْآدَمِيِّينَ دُونَ غَيْرِهِمْ.

ص: 169

قَالَ: وَيَأْتِي الْأَحَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَبِمَعْنَى الْوَاحِدِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ وَفِي النَّفْيِ نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أَيْ وَاحِدٌ، وَأَوَّلٌ:{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} ، وَبِخِلَافِهِمَا فَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي النَّفْيِ تَقُولُ: مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، وَمِنْهُ:{أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} وَ {أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ} .

وَوَاحِدٌ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا مُطْلَقًا وَأَحَدٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، قَالَ تَعَالَى:{لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} بِخِلَافِ الْوَاحِدِ فَلَا يُقَالُ: كَوَاحِدٍ مِنَ النِّسَاءِ بَلْ كَوَاحِدَةٍ وَأَحَدٌ يصلح في الأفراد وَالْجَمْعِ.

قُلْتُ: وَلِهَذَا وَصْفُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} بِخِلَافِ الْوَاحِدِ.

وَالْأَحَدُ لَهُ جَمْعٌ مِنْ لَفْظِهِ وهو الأحد ون وَالْآحَادُ وَلَيْسَ لِلْوَاحِدِ جَمْعٌ مِنْ لَفْظِهِ فَلَا يُقَالُ وَاحِدُونَ بَلِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ.

وَالْأَحَدُ مُمْتَنِعُ الدُّخُولِ فِي الضَّرْبِ وَالْعَدَدِ وَالْقِسْمَةِ وَفِي شَيْءٍ مِنَ الْحِسَابِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ بَيْنَهُمَا سَبْعَةُ فُرُوقٍ.

وَفِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ لِلْبَارِزِيِّ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ: فَإِنْ قِيلَ: الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الْأَحَدَ يُسْتَعْمَلُ بَعْدَ النَّفْيِ وَالْوَاحِدَ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ فَكَيْفَ جَاءَ أَحَدٌ هُنَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ.

ص: 170

قُلْنَا: قَدِ اخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِمَكَانٍ دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ أَحَدٍ فِي النَّفْيِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ هُنَا عَنِ الْغَالِبِ رِعَايَةً لِلْفَوَاصِلِ انْتَهَى.

وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ: أَحَدٌ يُسْتَعْمَلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي النَّفْيِ فَقَطْ، وَالْآخَرُ فِي الْإِثْبَاتِ.

فَالْأَوَّلُ: لِاسْتِغْرَاقِ جِنْسِ النَّاطِقِينَ، وَيَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ وَالْقَلِيلَ وَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ فَاضِلِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} .

وَالثَّانِي: عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْعَدَدِ مَعَ الْعَشَرَاتِ نَحْوَ أَحَدَ عَشَرَ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ.

وَالثَّانِي: الْمُسْتَعْمَلُ مُضَافًا إِلَيْهِ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، نَحْوَ:{أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} .

وَالثَّالِثُ: الْمُسْتَعْمَلُ وَصْفًا مُطْلَقًا وَيَخْتَصُّ بِوَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَأَصْلُهُ وَحَدٌ إِلَّا أَنَّ وَحَدًا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى.

إِذْ:

ترد على أوجه:

أحدهما: أَنْ تَكُونَ اسْمًا لِلزَّمَنِ الْمَاضِي وَهُوَ الْغَالِبُ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَكُونُ إِلَّا ظَرْفًا نَحْوَ: {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ،

ص: 171

أَوْ مُضَافًا إِلَيْهَا الظَّرْفُ نَحْوَ: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} ، {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ} ، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} .

وَقَالَ غَيْرُهُمْ: تَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ، نَحْوَ:{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً} وَكَذَا الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَائِلِ الْقَصَصِ كُلُّهَا مَفْعُولٌ بِهِ بِتَقْدِيرِ: {اذْكُرْ} .

وَبَدَلًا مِنْهُ، نَحْوَ:{وَاذْكُرْ فِي الكتاب مريم إذ انتبذت} فَإِذْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَرْيَمَ عَلَى حَدِّ الْبَدَلِ فِي: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} ، {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ} أَيْ اذْكُرُوا النِّعْمَةَ الَّتِي هِيَ الْجَعْلُ الْمَذْكُورُ، فَهِيَ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ وَالْجُمْهُورُ يَجْعَلُونَهَا فِي الْأَوَّلِ ظَرْفًا لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا. وَفِي الثَّانِي ظَرْفًا لِمُضَافٍ إِلَى الْمَفْعُولِ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَاذْكُرْ قِصَّةَ مَرْيَمَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِهِ في:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} .

وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ مُبْتَدَأً وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ بَعْضِهِمْ: "لِمَنْ مَنِّ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " قَالَ: التَّقْدِيرُ: "مَنُّهُ إِذْ بَعَثَ " فَإِذْ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ كَإِذَا فِي قَوْلِكَ أَخْطُبُ مَا يَكُونُ الْأَمِيرُ إِذَا كَانَ قَائِمًا أَيْ لِمَنْ مَنِّ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَقْتَ بَعْثِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا نَعْلَمُ بِذَلِكَ قَائِلًا.

وَذَكَرَ كَثِيرٌ أَنَّهَا تَخْرُجُ عَنِ الْمُضِيِّ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ، نَحْوَ:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ، وَالْجُمْهُورُ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَجَعَلُوا الْآيَةَ مِنْ بَابِ {وَنُفِخَ

ص: 172

فِي الصُّورِ} ، أَعْنِي مِنْ تَنْزِيلِ الْمُسْتَقْبَلِ الْوَاجِبِ الْوُقُوعِ مَنْزِلَةَ الْمَاضِي الْوَاقِعِ. وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ مِنْهُمُ ابْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} فَإِنَّ " يَعْلَمُونَ " مُسْتَقْبَلٌ لَفْظًا وَمَعْنًى لِدُخُولِ حَرْفِ التَّنْفِيسِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَمِلَ فِي " إِذْ " فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ " إِذَا ".

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تَأْتِي فِي الْحَالِ نَحْوَ: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أَيْ حِينَ تُفِيضُونَ فِيهِ.

فَائِدَةٌ:

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ " إِنْ " بِكَسْرِ الْأَلِفِ فَلَمْ يَكُنْ وَمَا كَانَ " إِذْ " فَقَدْ كَانَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، نَحْوَ:{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} أي ولن ينفعكم اليوم إشراككم فِي الْعَذَابِ لِأَجْلِ ظُلْمِكُمْ فِي الدُّنْيَا. وَهَلْ هِيَ حَرْفٌ بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْعِلَّةِ أَوْ ظَرْفٌ بِمَعْنَى وَقْتٍ وَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ لَا مِنَ اللَّفْظِ قَوْلَانِ؟، الْمَنْسُوبُ إِلَى سِيبَوَيْهِ الْأَوَّلُ وَعَلَى الثَّانِي فِي الْآيَةِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ " إِذْ " لَا تُبْدَلُ مِنَ الْيَوْمِ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانَيْنِ وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لِـ" يَنْفَعَ " لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِي ظَرْفَيْنِ وَلَا لِـ" مُشْتَرِكُونَ " لِأَنَّ مَعْمُولَ خَبَرِ " إِنَّ " وَأَخَوَاتِهَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ مَعْمُولَ الصِّلَةِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُولِ وَلِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي زَمَنِ ظُلْمِهِمْ.

وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى التَّعْلِيلِ: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} ، {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} . وَأَنْكَرَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْقِسْمِ وَقَالُوا: التَّقْدِيرُ: "بعد إذا ظَلَمْتُمْ ".

ص: 173

وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: رَاجَعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مِرَارًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ} الْآيَةَ، مُسْتَشْكِلًا إِبْدَالَ إِذْ مِنَ الْيَوْمِ وَآخِرُ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ مُتَّصِلَتَانِ وَأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ اللَّهِ سَوَاءٌ فَكَأَنَّ الْيَوْمَ مَاضٍ انْتَهَى.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: التَّوْكِيدُ بِأَنْ تُحْمَلَ عَلَى الزِّيَادَةِ. قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَحَمَلَا عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْهَا: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} .

الرَّابِعُ: التَّحْقِيقُ كَقَدْ وَحُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. وَجَعَلَ مِنْهُ السُّهَيْلِيُّ قَوْلَهُ: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ الْقَوْلَانِ بِشَيْءٍ.

مَسْأَلَةٌ

تَلْزَمُ إِذْ الْإِضَافَةَ إِلَى جُمْلَةٍ، إِمَّا اسْمِيَّةٍ، نَحْوَ:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ، أَوْ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُهَا مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوَ:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} ، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} أَوْ مَعْنًى لَا لَفْظًا نَحْوَ:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} . وَقَدْ تُحْذَفُ الْجُمْلَةُ لِلْعِلْمِ بِهَا، وَيُعَوَّضُ عَنْهَا التَّنْوِينُ وَتُكْسَرُ الذَّالُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، نَحْوَ:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} ، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} .

وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّ " إِذْ " فِي ذَلِكَ مُعْرَبَةٌ لِزَوَالِ افْتِقَارِهَا إِلَى الْجُمْلَةِ،

ص: 174

وَأَنَّ الْكَسْرَةَ إِعْرَابٌ لِأَنَّ الْيَوْمَ وَالْحِينَ مُضَافَانِ إِلَيْهَا وَرُدَّ بِأَنَّ بِنَاءَهَا لِوَضْعِهَا عَلَى حَرْفَيْنِ وَبِأَنَّ الِافْتِقَارَ بَاقٍ فِي الْمَعْنَى كَالْمَوْصُولِ تُحْذَفُ صِلَتُهُ.

إِذَا

عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ لِلْمُفَاجَأَةِ فَتَخْتَصُّ بِالْجُمَلِ الِاسْمِيَّةِ وَلَا تَحْتَاجُ لِجَوَابٍ وَلَا تَقَعُ فِي الِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهَا الْحَالُ لَا الِاسْتِقْبَالُ، نَحْوَ:{فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} ، {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ} ، {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} .

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ حُضُورُ الشَّيْءِ مَعَكَ فِي وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِكَ الْفِعْلِيَّةِ تَقُولُ: خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ بِالْبَابِ فَمَعْنَاهُ حُضُورُ الْأَسَدِ مَعَكَ فِي زَمَنِ وَصْفِكَ بِالْخُرُوجِ أَوْ فِي مَكَانِ خُرُوجِكَ وَحُضُورُهُ مَعَكَ فِي مَكَانِ خُرُوجِكَ أَلْصَقُ بِكَ مِنْ حُضُورِهِ فِي خُرُوجِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ يَخُصُّكَ دُونَ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَكُلَّمَا كَانَ أَلْصَقَ كَانَتِ الْمُفَاجَأَةُ فِيهِ أَقْوَى.

وَاخْتُلِفَ فِي " إِذَا " هَذِهِ فَقِيلَ: إِنَّهَا حَرْفٌ وَعَلَيْهِ الْأَخْفَشُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ. وَقِيلَ: ظَرْفُ مَكَانٍ وَعَلَيْهِ الْمُبَرِّدُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ. وَقِيلَ: ظَرْفُ زَمَانٍ وَعَلَيْهِ الزَّجَّاجُ وَرَجَّحَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَزَعَمَ أَنَّ عَامِلَهَا فِعْلٌ مُقَدَّرٌ مُشْتَقٌّ مِنْ لَفْظِ الْمُفَاجَأَةِ قَالَ: التَّقْدِيرُ: ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ فَاجَأْتُمُ الْخُرُوجَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ نَاصِبُهَا عِنْدَهُمُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ أَوِ الْمُقَدَّرُ قَالَ: وَلَمْ يَقَعِ الخبر معها في التنزير إِلَّا مُصَرَّحًا بِهِ.

ص: 175

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ الْمُفَاجَأَةِ فَالْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ وَتَخْتَصُّ بِالدُّخُولِ عَلَى الْجُمَلِ الْفِعْلِيَّةِ وَتَحْتَاجُ لِجَوَابٍ وَتَقَعُ فِي الِابْتِدَاءِ عَكْسَ الْفُجَائِيَّةِ. وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا إِمَّا ظَاهِرٌ نَحْوَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} أَوْ مُقَدَّرٌ نَحْوَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} . وَجَوَابُهَا إِمَّا فِعْلٌ نَحْوَ: {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ} أَوْ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مَقْرُونَةٌ بِالْفَاءِ نَحْوَ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} ، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ} أَوْ فِعْلِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ كَذَلِكَ نَحْوَ:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أَوِ اسْمِيَّةٌ مَقْرُونَةٌ بِإِذَا الْفُجَائِيَّةِ نَحْوَ: {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ، {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} .

وَقَدْ يَكُونُ مُقَدَّرًا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ أَوْ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ وَسَيَأْتِي فِي أَنْوَاعِ الْحَذْفِ.

وَقَدْ تَخْرُجُ إِذَا عَنِ الظَّرْفِيَّةِ قَالَ الْأَخْفَشُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} : إِنَّ إِذَا جُرَّ بِحَتَّى. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} الْآيَةَ فِيمَنْ نَصَبَ: {خَافِضَةً رَافِعَةً} : إِنَّ إِذَا الْأُولَى مُبْتَدَأٌ وَالثَّانِيَةَ خَبَرٌ وَالْمَنْصُوبَانِ حَالَانِ وَكَذَا جُمْلَةُ لَيْسَ وَمَعْمُولَاهَا. وَالْمَعْنَى: وَقْتُ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ خَافِضَةً لِقَوْمٍ رَافِعَةً لِآخَرِينَ هُوَ وَقْتُ رَجِّ الْأَرْضِ. وَالْجُمْهُورُ

ص: 176

أَنْكَرُوا خُرُوجَهَا عَنِ الظَّرْفِيَّةِ وَقَالُوا فِي الْآيَةِ الْأُولَى: إِنَّ " حَتَّى " حَرْفُ ابْتِدَاءٍ دَاخِلٌ عَلَى الْجُمْلَةِ بِأَسْرِهَا وَلَا عَمَلَ لَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ إِنَّ إِذَا الثَّانِيَةَ: بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى وَالْأُولَى ظَرْفٌ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَحَسَّنَهُ طُولُ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُهُ بَعْدَ إِذَا الثَّانِيَةِ أَيْ انْقَسَمْتُمْ أَقْسَامًا وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً.

وَقَدْ تَخْرُجُ عَنِ الِاسْتِقْبَالِ فَتُرَدُّ لِلْحَالِ، نَحْوَ:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} فَإِنَّ الْغَشَيَانَ مُقَارِنٌ لِلَّيْلِ {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} .

وَلِلْمَاضِي نَحْوَ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً} الْآيَةَ، فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالِانْفِضَاضِ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} ، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} ، {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} .

وَقَدْ تَخْرُجُ عَنِ الشَّرْطِيَّةِ نَحْوَ: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} ، {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} فَإِذَا فِي الْآيَتَيْنِ ظَرْفٌ لِخَبَرِ الْمُبْتَدَإِ بَعْدَهَا وَلَوْ كَانَتْ شَرْطِيَّةً وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ جَوَابٌ لَاقْتَرَنَتْ بِالْفَاءِ.

وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّهَا لَا تُحْذَفُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَقَوْلٌ آخَرُ: إِنَّ الضَّمِيرَ تَوْكِيدٌ لَا مُبْتَدَأٌ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ الْجَوَابُ تَعَسُّفٌ وَقَوْلٌ آخَرُ جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالْجُمْلَةِ بَعْدَهَا تَكَلُّفٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

ص: 177

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ نَاصِبَ إِذَا شَرْطُهَا وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مَا فِي جَوَابِهَا مِنْ فِعْلٍ أَوْ شَبَهِهِ

الثَّانِي: قَدْ تُسْتَعْمَلُ إِذَا لِلِاسْتِمْرَارِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ وَالْحَاضِرَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ لِذَلِكَ وَمِنْهُ: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} أَيْ هَذَا شَأْنُهُمْ أَبَدًا وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} .

الثَّالِثُ: ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي " إِذْ مَا " وَلَمْ يَذْكُرْ " إِذَا مَا ".

وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ فِي أَدَوَاتِ الشَّرْطِ.

فَأَمَّا " إِذْ مَا "، فَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا حَرْفٌ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَأَمَّا " إِذَا مَا " فَوَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا} ، {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِكَوْنِهَا بَاقِيَةً عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ مُحَوَّلَةً إِلَى الْحَرْفِيَّةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْقَوْلَانِ فِي " إِذْ مَا " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزَمَ بِبَقَائِهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ عَنِ التَّرْكِيبِ بِخِلَافِ " إِذْ مَا ".

الرَّابِعُ: تَخْتَصُّ إِذَا بِدُخُولِهَا عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَالْمَظْنُونِ وَالْكَثِيرِ الْوُقُوعِ بِخِلَافِ إِنْ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ وَالْمَوْهُومِ النَّادِرِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} فَأَتَى بِإِذَا فِي الْوُضُوءِ لِتَكَرُّرِهِ وَكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَبِإِنْ فِي الْجَنَابَةِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهَا

ص: 178

بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَدَثِ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا} ، {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} أَتَى فِي جَانِبِ الْحَسَنَةِ بِإِذَا لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ كَثِيرَةٌ وَمَقْطُوعٌ بِهَا وَبِإِنْ فِي جَانِبِ السَّيِّئَةِ لِأَنَّهَا نَادِرَةُ الْوُقُوعِ وَمَشْكُوكٌ فِيهَا.

نَعَمْ أَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ آيَتَانِ الْأُولَى قَوْلُهُ تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ} ، {أَفَإِنْ مَاتَ} فَأَتَى بِإِنْ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} فَأَتَى بِإِذَا فِي الطَّرَفَيْنِ. وَأَجَابَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ الْأُولَى بِأَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ مَجْهُولَ الْوَقْتِ أُجْرِيَ مَجْرَى غَيْرِ الْمَجْزُومِ. وَأَجَابَ السَّكَّاكِيُّ عَنِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّهُ قَصَدَ التَّوْبِيخَ وَالتَّقْرِيعَ فَأَتَى بِإِذَا لِيَكُونَ تَخْوِيفًا لَهُمْ وَإِخْبَارًا بِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَمَسَّهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ وَاسْتُفِيدَ التَّقْلِيلُ مِنْ لَفْظِ " الْمَسِّ " وَتَنْكِيرِ " ضُرٍّ ".

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي " مَسَّهُ " لِلْمُعْرِضِ الْمُتَكَبِّرِ لَا لِمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ وَيَكُونُ لَفْظُ " إِذَا " لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَعْرِضِ يَكُونُ ابْتِلَاؤُهُ بِالشَّرِّ مَقْطُوعًا بِهِ.

وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: الَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ إِذَا يَجُوزُ دُخُولُهَا عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَالْمَشْكُوكِ،

ص: 179

لِأَنَّهَا ظَرْفٌ وَشَرْطٌ فَبِالنَّظَرِ إِلَى الشَّرْطِ تَدْخُلُ عَلَى الْمَشْكُوكِ وَبِالنَّظَرِ إِلَى الظَّرْفِ تَدْخُلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ كَسَائِرِ الظُّرُوفِ.

الْخَامِسُ: خَالَفَتْ " إِذَا "، " إِنْ " أَيْضًا فِي إِفَادَةِ الْعُمُومِ قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: فَإِذَا قُلْتَ إِذَا قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو أَفَادَتْ أَنَّهُ كُلَّمَا قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو قَالَ هَذَا هُوَ لصحيح وَفِي أَنَّ الْمَشْرُوطَ بِهَا إِذَا كَانَ عَدَمًا يَقَعُ الْجَزَاءُ فِي الْحَالِ وَفِي إِنْ لَا يَقَعُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ مِنْ وُجُودِهِ وَفِي أَنَّ جَزَاءَهَا مُسْتَعْقِبٌ لِشَرْطِهَا عَلَى الِاتِّصَالِ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ بِخِلَافِ إِنْ وَفِي أَنَّ مَدْخُولَهَا لَا تَجْزِمُهُ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَخَّضُ شَرْطًا.

خَاتِمَةٌ

قِيلَ: قَدْ تَأْتِي إِذَا زَائِدَةً وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} أَيْ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ كَمَا قَالَ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} .

إِذًا:

قَالَ سِيبَوَيْهِ: مَعْنَاهَا الْجَوَابُ وَالْجَزَاءُ فَقَالَ الشَّلَوْبِينُ: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: فِي الْأَكْثَرِ وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِإِنْ أَوْ لَوْ ظَاهِرَتَيْنِ أَوْ مُقَدَّرَتَيْنِ: قَالَ الْفَرَّاءُ: وَحَيْثُ جَاءَتْ بَعْدَهَا اللَّامُ فَقَبْلَهَا لَوْ مُقَدَّرَةٌ إِنْ لم تكن ظاهرة نحو: {إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ، وَهِيَ حَرْفٌ يَنْصِبُ الْمُضَارِعَ بِشَرْطِ تَصْدِيرِهَا وَاسْتِقْبَالِهِ وَاتِّصَالِهَا أَوِ انْفِصَالِهَا بِالْقَسَمِ أَوْ بِلَا النَّافِيَةِ قَالَ النُّحَاةُ: وَإِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ جَازَ فِيهَا الْوَجْهَانِ، نَحْوَ: {وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ

ص: 180

خِلافَكَ} ، {فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ} وَقُرِئَ شَاذًّا بِالنَّصْبِ فِيهِمَا.

وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَهَا شَرْطٌ وَجَزَاءٌ وَعُطِفَتْ فَإِنْ قَدَّرْتَ الْعَطْفَ عَلَى الْجَوَابِ جَزَمْتَ وَبَطَلَ عَمَلُ إِذًا لِوُقُوعِهَا حَشْوًا أَوْ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا جَازَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَكَذَا إِذَا تَقَدَّمَهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فِعْلٌ مَرْفُوعٌ إِنْ عُطِفَتْ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ رُفِعَتْ أَوِ الِاسْمِيَّةِ فَالْوَجْهَانِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذًا نَوْعَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَدُلَّ عَلَى إِنْشَاءِ السَّبَبِيَّةِ وَالشَّرْطِ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ الِارْتِبَاطُ مِنْ غَيْرِهَا نَحْوَ أَزُورُكَ غَدًا فَتَقُولُ إِذًا أُكْرِمَكَ وَهِيَ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَامِلَةٌ تَدْخُلُ عَلَى الْجُمَلِ الْفِعْلِيَّةِ فَتَنْصِبُ الْمُضَارِعَ الْمُسْتَقْبَلَ الْمُتَّصِلَ إِذَا صُدِّرَتْ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُؤَكِّدَةً لِجَوَابٍ ارْتَبَطَ بِمُقَدَّمٍ أَوْ مُنَبِّهَةً عَلَى مُسَبَّبٍ حَصَلَ فِي الْحَالِ وَهِيَ حِينَئِذٍ غَيْرُ عَامِلَةٍ لِأَنَّ الْمُؤَكِّدَاتِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَالْعَامِلَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ نَحْوَ إِنْ تَأْتِنِي إِذًا آتِيكَ وَاللَّهِ إِذًا لَأَفْعَلَنَّ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ لَفُهِمَ الِارْتِبَاطُ وَتَدْخُلُ هَذِهِ عَلَى الِاسْمِيَّةِ فَتَقُولُ إِذًا أَنَا أُكْرِمُكَ وَيَجُوزُ تَوَسُّطُهَا وَتَأَخُّرُهَا وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً} فَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْجَوَابِ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ.

تَنْبِيهَانِ:

الْأَوَّلُ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ الْكَافَيَجِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} : لَيْسَتْ إِذًا هَذِهِ الْكَلِمَةَ

ص: 181

الْمَعْهُودَةَ وَإِنَّمَا هِيَ إِذًا الشَّرْطِيَّةُ حُذِفَتْ جُمْلَتُهَا الَّتِي تُضَافُ إِلَيْهَا وَعُوِّضَ عَنْهَا بِالتَّنْوِينِ كَمَا فِي يَوْمِئِذٍ. وَكُنْتُ أَسْتَحْسِنُ هَذَا جِدًّا وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّيْخَ لَا سَلَفَ لَهُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْتُ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِإِذًا الْمَعْنَيَيْنِ السَّابِقَيْنِ:

وَذَكَرَ لَهُمَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعْنًى ثَالِثًا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُرَكَّبَةً مِنْ إذ الَّتِي هِيَ ظَرْفُ زَمَنٍ مَاضٍ وَمِنْ جُمْلَةٍ بَعْدَهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا لَكِنْ حُذِفَتِ الْجُمْلَةُ تَخْفِيفًا وَأُبْدِلَ مِنْهَا التَّنْوِينُ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ فِي حِينَئِذٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ النَّاصِبَةَ لِلْمُضَارِعِ لِأَنَّ تِلْكَ تَخْتَصُّ بِهِ وَلِذَا عَمِلَتْ فِيهِ وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا مَا يَخْتَصُّ وَهَذِهِ لَا تَخْتَصُّ بَلْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ} ، {إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ} ، {إِذاً لَأَذَقْنَاكَ} وَعَلَى الِاسْمِ نَحْوَ:{وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} قَالَ: وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَذْكُرْهُ النُّحَاةُ لَكِنَّهُ قِيَاسٌ مَا قَالُوهُ فِي إِذْ.

وَفِي التَّذْكِرَةِ لِأَبِي حَيَّانَ: ذَكَرَ لِي عَلَمُ الدِّينِ الْقِمَّنِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ تَقِيَّ الدِّينِ بْنَ رَزِينٍ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ إِذًا عِوَضٌ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ نَحْوِيٍّ.

وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِمَنْ قَالَ: أنا آتيك: إذا أكرمك بالفرع عَلَى مَعْنَى إِذَا أَتَيْتَنِي أُكْرِمُكَ فَحُذِفَتْ أَتَيْتَنِي وَعُوِّضَتِ التَّنْوِينُ مِنَ الْجُمْلَةِ فَسَقَطَتِ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ قَالَ: وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ اتِّفَاقُ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَنْصُوبٌ بِإِذًا لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ

ص: 182

بِذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتْ حَرْفًا نَاصِبًا لَهُ وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ رَفْعُ الْفِعْلِ بَعْدَهَا إِذَا أُرِيدَ بِهَا إِذَا الزَّمَانِيَّةُ مُعَوَّضًا مِنْ جُمْلَتِهَا التَّنْوِينُ كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَجْزِمُ مَا بَعْدَ " مِنْ " إِذَا جَعَلَهَا شَرْطِيَّةً وَيَرْفَعُهُ إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْمَوْصُولَةُ. انْتَهَى.

فَهَؤُلَاءِ قَدْ حَامُوا حَوْلَ مَا حَامَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالنَّحْوِ وَمِمَّنْ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِيهِ نَعَمْ ذَهَبَ بَعْضُ النُّحَاةِ إِلَى أَنَّ أَصْلَ إِذًا النَّاصِبَةِ اسْمٌ وَالتَّقْدِيرُ فِي إِذًا أُكْرِمُكَ: إِذَا جِئْتَنِي أُكْرِمُكَ فَحُذِفَتِ الْجُمْلَةُ وَعُوِّضَ مِنْهَا التَّنْوِينُ وَأُضْمِرَتْ " أَنْ " وَذَهَبَ آخَرُونَ أَنَّهَا حَرْفٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ إِذْ وإن حَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي.

التَّنْبِيهُ الثَّانِي

الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ إِذًا يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ النُّونِ وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ وَجَوَّزَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْمُبَرِّدُ وَالْمَازِنِيُّ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا بِالنُّونِ كَلَنْ وَإِنْ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْوُقُوفِ عَلَيْهَا كِتَابَتُهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَمَا رُسِمَتْ فِي الْمَصَاحِفِ وَعَلَى الثَّانِي بِالنُّونِ.

وَأَقُولُ: الْإِجْمَاعُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْوَقْفِ عَلَيْهَا وَكِتَابَتُهَا بِالْأَلِفِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ مُنَوَّنٌ لَا حَرْفٌ آخِرُهُ نُونٌ خُصُوصًا أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فِيهِ نَاصِبَةً لِلْمُضَارِعِ فَالصَّوَابُ إِثْبَاتُ هَذَا الْمَعْنَى لَهَا كَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ وَمَنْ سَبَقَ النَّقْلُ عَنْهُ.

ص: 183

أُفٍّ

كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ التَّضَجُّرِ وَالتَّكَرُّهِ وَقَدْ حَكَى أَبُو الْبَقَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلِ الْأَمْرِ أَيْ كُفَّ وَاتْرُكْ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مَاضٍ أَيْ كَرِهْتُ وَتَضَجَّرْتُ.

وَحَكَى غَيْرُهُ ثَالِثًا: أَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُضَارِعٍ أَيْ أَتَضَجَّرُ مِنْكُمَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {أُفٍّ لَكُمْ} ، فَأَحَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْإِسْرَاءِ وَمُقْتَضَاهُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى.

وَقَالَ الْعُزَيْزِيُّ فِي غَرِيبِهِ: هُنَا أَيْ بِئْسًا لَكُمْ.

وَفَسَّرَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: أُفٍّ بِمَعْنَى قَذَرًا.

وَقَالَ فِي الِارْتِشَافِ: أُفٍّ أَتَضَجَّرُ.

وَفِي الْبَسِيطِ: مَعْنَاهُ التَّضَجُّرُ وَقِيلَ: الضَّجَرُ وَقِيلَ: تَضَجَّرْتُ ثُمَّ حَكَى فِيهَا تِسْعًا وَثَلَاثِينَ لُغَةً.

قُلْتُ: قُرِئَ مِنْهَا فِي السَّبْعِ " أف " بالكسر بلا تنوين و" أف " بِالْكَسْرِ وَالتَّنْوِينِ وَ" أُفَّ " بِالْفَتْحِ بِلَا تَنْوِينٍ وَفِي الشَّاذِّ أُفٌّ بِالضَّمِّ مُنَوَّنًا وَغَيْرَ مُنَوَّنٍ وأف بِالتَّخْفِيفِ.

ص: 184

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} قَالَ: لَا تُقَذِّرْهُمَا.

وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: هُوَ الرَّدِيءُ مِنَ الْكَلَامِ.

أَلْ

عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ اسْمًا مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي وَفُرُوعِهِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ نَحْوَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} الْآيَةَ.

وَقِيلَ: هِيَ حِينَئِذٍ حَرْفُ تَعْرِيفٍ وَقِيلَ: مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَعْرِيفٍ وَهِيَ نَوْعَانِ: عَهْدِيَّةٌ وَجِنْسِيَّةٌ.

وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

فَالْعَهْدِيَّةُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَصْحُوبُهَا مَعْهُودًا ذِكْرِيًّا، نَحْوَ:{كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} ، {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ} وَضَابِطُ هَذِهِ أَنْ يَسُدَّ الضَّمِيرُ مَسَدَّهَا مَعَ مَصْحُوبِهَا. أَوْ مَعْهُودًا ذِهْنِيًّا، نَحْوَ:{إِِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} ، {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} أَوْ مَعْهُودًا حُضُورِيًّا نَحْوَ: {الْيَوْمَ

ص: 185

أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: وَكَذَا كُلُّ وَاقِعَةٍ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ أَيْ فِي النِّدَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ أَوْ فِي اسْمِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ نَحْوَ الْآنَ.

وَالْجِنْسِيَّةُ: إِمَّا لِاسْتِغْرَاقِ الْأَفْرَادِ وَهِيَ الَّتِي تَخْلُفُهَا " كُلُّ " حَقِيقَةً نَحْوَ: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} ، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} وَمِنْ دَلَائِلِهَا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَدْخُولِهَا نَحْوَ:{إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} وَوَصْفُهُ بِالْجَمْعِ نَحْوَ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} .

وَإِمَّا لِاسْتِغْرَاقِ خَصَائِصِ الْأَفْرَادِ وَهِيَ الَّتِي تَخْلُفُهَا " كُلُّ " مَجَازًا نَحْوَ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أَيِ الْكِتَابُ الْكَامِلُ فِي الْهِدَايَةِ الْجَامِعُ لِصِفَاتِ جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَخَصَائِصِهَا وَإِمَّا لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْجِنْسِ وَهِيَ الَّتِي لَا تَخْلُفُهَا " كُلُّ " لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا نَحْوَ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} .

قيل: والفرق بين المعرف بأل وَبَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ النَّكِرَةِ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ حُضُورِهَا فِي الذِّهْنِ وَاسْمُ الْجِنْسِ النَّكِرَةُ يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْحَقِيقَةِ لَا بِاعْتِبَارِ قَيْدٍ.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَهِيَ نَوْعَانِ لَازِمَةٌ كَالَّتِي فِي الْمَوْصُولَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ تَعْرِيفَهَا بِالصِّلَةِ وَكَالَّتِي فِي الْأَعْلَامِ الْمُقَارِنَةِ لِنَقْلِهَا كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى أَوْ لِغَلَبَتِهَا كَالْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ وَالْمَدِينَةِ لِطِيبَةَ وَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا

ص: 186

وَهَذِهِ فِي الْأَصْلِ لِلْعَهْدِ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} ، قَالَ: الثُّرَيَّا. وَغَيْرُ لَازِمَةٍ كَالْوَاقِعَةِ فِي الْحَالِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {لَيَخْرُجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} ، بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ ذَلِيلًا لِأَنَّ الْحَالَ وَاجِبَةُ التَّنْكِيرِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ فَصِيحٍ فَالْأَحْسَنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ خُرُوجَ الْأَذَلِّ كَمَا قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.

مَسْأَلَةٌ

اخْتُلِفَ فِي أَلْ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هِيَ عوض من الهمزة لمحذوفة بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ " إِلَهٌ " دَخَلَتْ أَلْ فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى اللَّامِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَطْعُ هَمْزِهَا وَلُزُومُهَا.

وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَزِيدَةٌ لِلتَّعْرِيفِ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا وَأَصْلُ " إله "" أولاه " وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ لَا لِلتَّعْرِيفِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهُ هَاءُ الْكِتَابَةِ زِيدَتْ فِيهِ لَامُ الْمِلْكِ فَصَارَ " لَه " ثُمَّ زِيدَتْ " أَلْ " تَعْظِيمًا وَفَخَّمُوهُ تَوْكِيدًا.

وَقَالَ الْخَلِيلُ وَخَلَائِقُ: هِيَ مِنْ بِنْيَةِ الْكَلِمَةِ وَهُوَ اسْمٌ عَلَمٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ وَلَا أَصْلَ.

خَاتِمَةٌ

أَجَازَ الْكُوفِيُّونَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ نِيَابَةَ " أَلْ " عَنِ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}

ص: 187

وَالْمَانِعُونَ يُقَدِّرُونَ لَهُ، وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ نِيَابَتَهَا عَنِ الظَّاهِرِ أَيْضًا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَسْمَاءُ الْمُسَمَّيَاتِ.

أَلَا

بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ، وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لِلتَّنْبِيهِ، فَتَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِ مَا بَعْدَهَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلِذَلِكَ قَلَّ وُقُوعُ الْجُمَلِ بَعْدَهَا إِلَّا مُصَدَّرَةً بِنَحْوِ مَا يُتَلَقَّى بِهِ الْقَسَمُ وَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ نَحْوَ: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} ، {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَقُولُ الْمُعْرِبُونَ فِيهَا: حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ فَيُبَيِّنُونَ مَكَانَهَا ويمهلون مَعْنَاهَا وَإِفَادَتُهَا التَّحْقِيقَ مِنْ جِهَةِ تَرْكِيبِهَا مِنَ الْهَمْزَةِ وَلَا وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّفْيِ أَفَادَتِ التَّحْقِيقَ: نَحْوَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ} .

الثَّانِي وَالثَّالِثُ: التَّحْضِيضُ وَالْعَرْضُ وَمَعْنَاهُمَا طَلَبُ الشَّيْءِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ طَلَبٌ بِحَثٍّ وَالثَّانِي طَلَبٌ بِلِينٍ وتختض فِيهِمَا بِالْفِعْلِيَّةِ نَحْوَ: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} ، {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} ، {أَلا تَأْكُلُونَ} ، {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} .

ص: 188

أَلَّا

بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ حَرْفُ تَحْضِيضٍ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ لِهَذَا الْمَعْنَى فِيمَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} فَلَيْسَتْ هَذِهِ بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ أَنَّ النَّاصِبَةُ وَلَا النَّافِيَةُ أَوْ أَنْ الْمُفَسِّرَةُ وَلَا النَّاهِيَةُ.

إِلَّا

بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا نَحْوَ: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً} ، {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} أَوْ مُنْقَطِعًا نَحْوَ:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} ، {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} .

الثَّانِي: بِمَعْنَى غَيْرَ فَيُوصَفُ بِهَا وَبِتَالِيهَا جَمْعٌ مُنَكَّرٌ أَوْ شِبْهُهُ وَيُعْرَبُ الِاسْمُ الْوَاقِعُ بَعْدَهَا بِإِعْرَابِ غَيْرَ نَحْوَ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ لِلِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ " آلِهَةً " جَمْعٌ مُنَكَّرٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَصُحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ لَيْسَ فِيهِمُ اللَّهُ لَفَسَدَتَا " وَهُوَ بَاطِلٌ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ.

ص: 189

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ فِي التَّشْرِيكِ ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ، {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ} ، أَيْ وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَلَا مَنْ ظَلَمَ وَتَأَوَّلَهُمَا الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ.

الرَّابِعُ: بِمَعْنَى " بَلْ "، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ:{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً} أَيْ بَلْ تَذْكِرَةً.

الْخَامِسُ: بِمَعْنَى بَدَلَ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّائِغِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} أَيْ بَدَلَ اللَّهِ أَوْ عِوَضَهُ وَبِهِ يُخْرَجُ عَنِ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَفِي الْوَصْفِ بِإِلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ.

وَغَلِطَ ابْنُ مَالِكٍ فَعَدَّ مِنْ أَقْسَامِهَا نَحْوَ: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} وَلَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ: إِنْ الشَّرْطِيَّةُ ولا النَّافِيَةُ.

فَائِدَةٌ

قَالَ الرُّمَّانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: مَعْنَى إِلَّا اللَّازِمُ لَهَا الِاخْتِصَاصُ بِالشَّيْءِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا قُلْتَ: جَاءَنِي الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا فَقَدِ اخْتَصَصْتَ زَيْدًا بِأَنَّهُ لَمْ يجيء وَإِذَا قُلْتَ: مَا جَاءَنِي إِلَّا زَيْدٌ فَقَدِ اخْتَصَصْتَهُ بِالْمَجِيءِ وَإِذَا قُلْتَ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ إِلَّا رَاكِبًا فَقَدِ اخْتَصَصْتَهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ غيرها من المشيء وَالْعَدْوِ وَنَحْوِهِ.

ص: 190

الْآنَ

اسْمٌ لِلزَّمَنِ الْحَاضِرِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَحَلٌّ لِلزَّمَانَيْنِ أَيْ ظَرْفٌ لِلْمَاضِي وَظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ يُتَجَوَّزُ بِهَا عَمَّا قَرُبَ مِنْ أَحَدِهِمَا.

وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: لِوَقْتٍ حَضَرَ جَمِيعُهُ كَوَقْتِ فِعْلِ الْإِنْشَاءِ حَالَ النُّطْقِ بِهِ أَوْ بَعْضِهِ نَحْوَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} ، {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} قَالَ: وَظَرْفِيَّتُهُ غَالِبَةٌ لَا لَازِمَةٌ.

وَاخْتُلِفَ فِي " أَلْ " الَّتِي فِيهِ فَقِيلَ: لِلتَّعْرِيفِ الْحُضُورِيِّ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ.

إِلَى

حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:

أَشْهَرُهَا انْتِهَاءُ الْغَايَةِ زَمَانًا، نَحْوَ:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، أَوْ مَكَانًا، نَحْوَ:{إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} .

أَوْ غَيْرَهُمَا، نَحْوَ:{وَالأَمْرُ إِلَيْكِ} أَيْ مُنْتَهٍ إِلَيْكِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْأَكْثَرُونَ غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى.

وَزَادَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْكُوفِيِّينَ مَعَانِيَ أُخَرَ مِنْهَا الْمَعِيَّةُ وَذَلِكَ إِذَا ضَمَمْتَ شَيْئًا إِلَى آخَرَ فِي الْحُكْمِ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ أَوِ التَّعَلُّقِ نَحْوَ: {مَنْ

ص: 191

أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} ، {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، قَالَ الرَّضِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا لِلِانْتِهَاءِ أَيْ مُضَافَةٌ إِلَى الْمَرَافِقِ وَإِلَى أَمْوَالِكُمْ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا وَرَدَ من ذلك مؤول عَلَى تَضْمِينِ الْعَامِلِ وَإِبْقَاءِ إِلَى عَلَى أَصْلِهَا وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى: مَنْ يُضِيفُ نُصْرَتَهُ إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ أَوْ مَنْ يَنْصُرُنِي حَالَ كَوْنِي ذَاهِبًا إِلَى اللَّهِ.

وَمِنْهَا الظَّرْفِيَّةُ كَفِي نَحْوَ: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أَيْ فِيهِ، {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ، أَيْ فِي أَنْ.

وَمِنْهَا مُرَادَفَةُ اللَّامِ، وَجُعِلَ مِنْهُ:{وَالأَمْرُ إِلَيْكِ} أَيْ لَكِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنَ الِانْتِهَاءِ.

وَمِنْهَا التَّبْيِينُ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وهي المبينة لفاعلية مجر ورها بَعْدَمَا يُفِيدُ حُبًّا أَوْ بُغْضًا مِنْ فِعْلِ تَعَجُّبٍ أَوِ اسْمِ تفضيل نحو: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} .

وَمِنْهَا التَّوْكِيدُ، وَهِيَ الزَّائِدَةُ، نَحْوَ:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ تَهْوَاهُمْ قَالَهُ الْفَرَّاءُ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عَلَى تَضْمِينِ " تَهْوَى " مَعْنَى " تَمِيلُ ".

ص: 192

تَنْبِيهٌ

حَكَى ابْنُ عُصْفُورٍ فِي شَرْحِ أَبْيَاتِ الْإِيضَاحِ عَنِ ابْنِ الأنبا ري: أَنَّ إِلَى تُسْتَعْمَلُ اسْمًا فَيُقَالُ: انْصَرَفْتُ مِنْ إِلَيْكَ كَمَا يُقَالُ: غَدَوْتُ مِنْ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} وَبِهِ يَنْدَفِعُ إِشْكَالُ أَبِي حَيَّانَ فِيهِ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَشْهُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتَعَدَّى إِلَى ضَمِيرٍ يَتَّصِلُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْحَرْفِ وَقَدْ رُفِعَ الْمُتَّصِلُ وَهُمَا لِمَدْلُولٍ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ بَابِ ظَنَّ.

اللَّهُمَّ

الْمَشْهُورُ أَنَّ مَعْنَاهُ: يَا اللَّهُ حُذِفَتْ يَاءُ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ الْمُشَدَّدَةُ فِي آخِرِهِ.

وَقِيلَ: أَصْلُهُ يَا أَللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ فَرُكِّبَ تَرْكِيبَ حَيَّهَلَا.

وَقَالَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: الْمِيمُ فِيهَا تَجْمَعُ سَبْعِينَ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ.

وَقَالَ ابْنُ ظَفَرٍ: قِيلَ إِنَّهَا الِاسْمُ الْأَعْظَمُ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ وَالْمِيمَ دَالَّةٌ عَلَى الصِّفَاتِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: اللَّهُمَّ تَجْمَعُ الدُّعَاءَ.

وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ فَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ.

ص: 193

أَمْ

حَرْفُ عَطْفٍ وَهِيَ نَوْعَانِ:

مُتَّصِلَةٌ وَهِيَ قِسْمَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا هَمْزَةُ التَّسْوِيَةِ نَحْوَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} ، {وَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} ، {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} .

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا هَمْزَةٌ يُطْلَبُ بِهَا وَبِأَمِ التَّعْيِينُ نَحْوَ: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} .

وَسُمِّيَتْ فِي الْقِسْمَيْنِ مُتَّصِلَةً لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا لَا يُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ. وَتُسَمَّى أَيْضًا مُعَادِلَةً لِمُعَادَلَتِهَا لِلْهَمْزَةِ فِي إِفَادَةِ التَّسْوِيَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي.

وَيَفْتَرِقُ الْقِسْمَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا وَثَانِيهَا: أَنَّ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ لَا تَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعَهَا لَيْسَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَأَنَّ الْكَلَامَ مَعَهَا قَابِلٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَلَيْسَتْ تِلْكَ كَذَلِكَ الِاسْتِفْهَامَ مِنْهَا عَلَى حَقِيقَتِهِ.

وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ لَا تَقَعُ إِلَّا بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ وَلَا تَكُونُ الْجُمْلَتَانِ مَعَهَا إِلَّا فِي تَأْوِيلِ الْمُفْرَدَيْنِ وَتَكُونُ الْجُمْلَتَانِ فِعْلِيَّتَيْنِ وَاسْمِيَّتَيْنِ وَمُخْتَلِفَتَيْنِ نَحْوَ: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} ، وَأَمِ الْأُخْرَى تَقَعُ

ص: 194

بَيْنَ الْمُفْرَدَيْنِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِيهَا نَحْوَ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ} وَبَيْنَ جُمْلَتَيْنِ لَيْسَا فِي تَأْوِيلِهِمَا.

النَّوْعُ الثَّانِي: مُنْقَطِعَةٌ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

مَسْبُوقَةٌ بِالْخَبَرِ الْمَحْضِ، نَحْوَ:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} .

وَمَسْبُوقَةٌ بِالْهَمْزَةِ لِغَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ، نَحْوَ:{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} ، إِذِ الْهَمْزَةُ فِي ذَلِكَ لِلْإِنْكَارِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ وَالْمُتَّصِلَةُ لَا تَقَعُ بَعْدَهُ.

وَمَسْبُوقَةٌ بِاسْتِفْهَامٍ بِغَيْرِ الْهَمْزَةِ، نَحْوَ:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} .

وَمَعْنَى أَمِ الْمُنْقَطِعَةِ الَّذِي لَا يُفَارِقُهَا الْإِضْرَابُ ثُمَّ تَارَةً تَكُونُ لَهُ مُجَرَّدًا وَتَارَةً تَضَمَّنُ مَعَ ذَلِكَ اسْتِفْهَامًا إِنْكَارِيًّا.

فَمِنَ الْأَوَّلِ: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الِاسْتِفْهَامُ عَلَى اسْتِفْهَامٍ.

وَمِنَ الثَّانِي: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ، تَقْدِيرُهُ: بَلْ أَلَهُ الْبَنَاتُ إِذْ لَوْ قَدَّرْتَ الْإِضْرَابَ الْمَحْضَ لَزِمَ الْمُحَالُ.

ص: 195

تَنْبِيهَانِ

الْأَوَّلُ: قَدْ تَرِدُ أَمْ مُحْتَمِلَةً لِلِاتِّصَالِ وَلِلِانْقِطَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} .

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ فِي أَمْ أَنْ تَكُونَ مُعَادِلَةً بِمَعْنَى أَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَائِنٌ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيرِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُنْقَطِعَةً.

الثَّانِي: ذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ أَنَّ أَمْ تَقَعُ زَائِدَةً وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ} ، قَالَ: التَّقْدِيرُ: أَفَلَا يُبْصِرُونَ أَنَا خَيْرٌ.

أَمَّا

بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، حَرْفُ شَرْطٍ وَتَفْصِيلٍ وَتَوْكِيدٍ.

أَمَّا كَوْنُهَا حَرْفَ شَرْطٍ، فَبِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ بَعْدَهَا، نَحْوَ:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ} وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} ، فَعَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ فَحُذِفَ الْقَوْلُ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِالْمَقُولِ فَتَبِعَتْهُ الْفَاءُ فِي الْحَذْفِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} .

وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَهُوَ غَالِبُ أَحْوَالِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَقَوْلِهِ:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} ، {وَأَمَّا الْغُلامُ} ، {وَأَمَّا الْجِدَارُ} . د يُتْرَكُ تَكْرَارُهَا اسْتِغْنَاءً بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ وَسَيَأْتِي فِي أَنْوَاعِ الحذف.

ص: 196

أما التَّوْكِيدُ فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَائِدَةُ: أَمَّا فِي الْكَلَامِ أَنْ تُعْطِيَهُ فَضْلَ تَوْكِيدٍ، تَقُولُ: زَيْدٌ ذَاهِبٌ فَإِذَا قَصَدْتَ تَوْكِيدَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا مَحَالَةَ ذَاهِبٌ وَأَنَّهُ بِصَدَدِ الذَّهَابِ وَأَنَّهُ مِنْهُ عَزِيمَةٌ قُلْتُ: أَمَّا زَيْدٌ فَذَاهِبٌ وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَزَيْدٌ ذاهب.

يفصل بَيْنَ أَمَّا وَالْفَاءِ إِمَّا بِمُبْتَدَإٍ كَالْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَوْ خَبَرٍ نَحْوَ أَمَّا فِي الدَّارِ فَزَيْدٌ أَوْ جُمْلَةِ شَرْطٍ نَحْوَ: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ} الْآيَاتِ أَوِ اسْمٍ مَنْصُوبٍ بِالْجَوَابِ نَحْوَ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} أَوِ اسْمِ مَعْمُولٍ لِمَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ، نَحْوَ:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ بِالنَّصْبِ.

تَنْبِيهٌ

لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ أَمَّا الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ أَمِ الْمُنْقَطِعَةُ وَمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ.

إِمَّا

بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، تَرِدُ لِمَعَانٍ:

الْإِبْهَامُ نَحْوَ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} .

وَالتَّخْيِيرُ نَحْوَ: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} ، {إِمَّا أَنْ

ص: 197

تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} ، {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} .

وَالتَّفْصِيلُ، نَحْوَ:{إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} .

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: لَا خِلَافَ أَنَّ إِمَّا الْأُولَى فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَنَحْوِهَا غَيْرُ عَاطِفَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي الثَّانِيَةِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ وَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ مَالِكٍ لِمُلَازَمَتِهَا غَالِبًا الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ. وَادَّعَى ابْنُ عُصْفُورٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهَا فِي بَابِ الْعَطْفِ لِمُصَاحَبَتِهَا لِحَرْفِهِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا عَطَفَتِ الِاسْمَ عَلَى الِاسْمِ وَالْوَاوُ عَطَفَتْ إِمَّا عَلَى إِمَّا وَهُوَ غَرِيبٌ.

الثَّانِي: سَيَأْتِي أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ لأو وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ إِمَّا أَنَّ إِمَّا يُبْنَى الْكَلَامُ مَعَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى مَا جِيءَ بِهَا لِأَجْلِهِ وَلِذَلِكَ وَجَبَ تَكْرَارُهَا وأو يُفْتَتَحُ الْكَلَامُ مَعَهَا عَلَى الْجَزْمِ ثُمَّ يَطْرَأُ الْإِبْهَامُ أَوْ غَيْرُهُ وَلِهَذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ.

الثَّالِثُ: لَيْسَ من أقسام أما التي في قَوْلِهِ: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ إِنَّ الشَّرْطِيَّةُ وَمَا الزَّائِدَةُ.

إِنْ

بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ، عَلَى أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً، نَحْوَ:{إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ، {وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ} وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى " لَمْ " فَالْجَزْمُ بِلَمْ

ص: 198

لا بها لنحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} أَوْ عَلَى لَا فَالْجَزْمُ بِهَا لَا بِلَا نَحْوَ: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي} ، {إِلاّ تَنْصُرُوهُ} وَالْفَرْقُ أَنَّ لَمْ عَامِلٌ يَلْزَمُ مَعْمُولَهُ وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ وإن يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَعْمُولِهَا بمعموله ولا لَا تَعْمَلُ الْجَزْمَ إِذَا كَانَتْ نَافِيَةً فَأُضِيفَ الْعَمَلُ إِلَى إِنْ.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ نَحْوَ: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} ، {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} ، {إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى} ، {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً} . قِيلَ: وَلَا تَقَعُ إِلَّا وَبَعْدَهَا إِلَّا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لَمَّا الْمُشَدَّدَةُ نَحْوَ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ وَرُدَّ بِقَوْلِهِ: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} ، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} .

وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى النَّافِيَةِ قَوْلُهُ: {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} ، {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} وَعَلَى هَذَا فَالْوَقْفُ هُنَا،:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} أَيْ فِي الَّذِي مَا مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَقِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ: {مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} ، وَعَدَلَ عَنْ " مَا " لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ فَيَثْقُلَ اللَّفْظُ.

قُلْتُ: وَكَوْنُهَا لِلنَّفْيِ هُوَ الْوَارِدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَوْعِ الْغَرِيبِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الشَّرْطِيَّةُ وَالنَّافِيَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَئِنْ

ص: 199

زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} وَإِذَا دَخَلَتِ النَّافِيَةُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ لَمْ تَعْمَلْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ وَالْمُبَرِّدُ إِعْمَالَهَا عَمَلَ لَيْسَ وخرج عليه قراءة سعيد ابن جُبَيْرٍ:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} .

فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِنْ " فَهُوَ إِنْكَارٌ.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ فَتَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ ثُمَّ الْأَكْثَرُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الِاسْمِيَّةِ إِهْمَالُهَا نَحْوَ: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} ، {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فِي قِرَاءَةِ حَفْصٍ وَابْنِ كَثِيرٍ.

وَقَدْ تَعْمَلُ نَحْوَ: {وَإِنَّ كُلّاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} فِي قِرَاءَةِ الْحَرَمِيَّيْنِ، وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ فَالْأَكْثَرُ كَوْنُهُ مَاضِيًا نَاسِخًا نَحْوَ:{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} ، {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} ، {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} ، {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} وَحَيْثُ وَجَدْتَ إِنْ وَبَعْدَهَا اللَّامُ الْمَفْتُوحَةُ فَهِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ.

الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} .

ص: 200

الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ كَإِذْ قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} ، {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا الْفِعْلُ فِيهِ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ.

وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ آيَةِ الْمَشِيئَةِ بِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ لِلْعِبَادِ كَيْفَ يَتَكَلَّمُونَ إِذَا أَخْبَرُوا عَنِ المستقيل أَوْ بِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الشَّرْطُ ثُمَّ صَارَ يُذْكَرُ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى: لَتَدْخُلُنَّ جَمِيعًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَلَّا يَمُوتَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَعَنْ سَائِرِ الْآيَاتِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ جِيءَ بِهِ لِلتَّهْيِيجِ وَالْإِلْهَابِ كَمَا تَقُولُ لِابْنِكَ إِنْ كُنْتَ ابْنِي فَأَطِعْنِي.

السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى قَدْ ذَكَرَهُ قُطْرُبٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أَيْ قَدْ نَفَعَتْ وَلَا يَصِحُّ مَعْنَى الشَّرْطِ فِيهِ. لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّذْكِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ لِلشَّرْطِ وَمَعْنَاهُ ذَمُّهُمْ وَاسْتِبْعَادٌ لِنَفْعِ التَّذْكِيرِ فِيهِمْ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ:

وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} .

فَائِدَةٌ

قَالَ: بَعْضُهُمْ: وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ إِنْ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَهُوَ غير مراد في ست مَوَاضِعَ:

ص: 201

{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} .

{وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} .

{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ} .

{إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ} .

{أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} .

{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} .

أَنْ

بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا نَاصِبًا لِلْمُضَارِعِ وَيَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ نَحْوَ: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وَبَعْدَ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ الْيَقِينِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ نَحْوَ:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ} ، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً} .

وَنَصْبٍ نَحْوَ: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} ، {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} ، {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}

ص: 202

وخفض نحو: {وذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} ، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} .

وأن هَذِهِ مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ وَتُوصَلُ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ مُضَارِعًا كَمَا مَرَّ وَمَاضِيًا نَحْوَ: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} ، {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} .

وَقَدْ يُرْفَعُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا إِهْمَالًا لَهَا حَمْلًا عَلَى مَا أُخْتِهَا كَقِرَاءَةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} .

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ فَتَقَعُ بَعْدَ فِعْلِ الْيَقِينِ أَوْ مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ نَحْوَ: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} ، {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} ، {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ} فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً بِمَنْزِلَةِ أَيْ نَحْوَ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} ، {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} ، وَشَرْطُهَا أَنْ تُسْبَقَ بِجُمْلَةٍ فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ جَعَلَ مِنْهَا:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

وَأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا جُمْلَةٌ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَمِنْهُ: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِانْطِلَاقِ الْمَشْيَ بَلِ انْطِلَاقَ أَلْسِنَتِهِمْ بِهَذَا الْكَلَامِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمَشْيَ الْمُتَعَارَفَ بَلِ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْمَشْيِ.

ص: 203

وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً} مُفَسَّرَةٌ بِأَنْ قَبْلَهُ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وَالْوَحْيُ هَنَا إِلْهَامٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَيْسَ فِي الْإِلْهَامِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ بِاتِّخَاذِ الْجِبَالِ وَأَلَّا يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ أَحْرُفُ الْقَوْلِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِلْقَوْلِ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْأَمْرِ أَيْ مَا أَمَرْتُهُمْ إِلَّا بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ حَسَنٌ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ فِي الضَّابِطِ أَنْ لا تكون فيه حروف القول إلا القول مؤول بِغَيْرِهِ.

قُلْتُ: وَهَذَا مِنَ الْغَرَائِبِ كَوْنُهُمْ يَشْرُطُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ فَإِذَا جَاءَ لَفْظُهُ أَوَّلُوهُ بِمَا فِيهِ مَعْنَاهُ مَعَ صَرِيحِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَعْلِهِمْ أَلْ فِي الْآنَ زَائِدَةً مَعَ قَوْلِهِمْ بِتَضَمُّنِهَا مَعْنَاهَا وَأَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَرْفُ جَرٍّ.

الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَقَعَ بَعْدَ لَمَّا التَّوْقِيتِيَّةِ نَحْوَ: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} .

وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّهَا تَنْصِبُ الْمُضَارِعَ وَهِيَ زَائِدَةٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} قَالَ فَهِيَ زَائِدَةٌ بِدَلِيلِ:{وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} .

الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً كَالْمَكْسُورَةِ قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ. وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ:

ص: 204

{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} ، {أََنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، {صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرَجِّحُهُ عِنْدِي تَوَارُدُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ. وَقَدْ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَدُخُولُ الْفَاءِ بَعْدَهَا فِي قوله: {فَتُذَكِّرَ} .

السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً قَالَ بَعْضُهُمْ. فِي قَوْلِهِ: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} أَيْ لَا يُؤْتَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَيْ بِإِيتَاءِ أَحَدٍ.

السَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا} وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَقَبْلَهَا لَامُ الْعِلَّةِ مُقَدَّرَةٌ.

الثَّامِنُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى لِئَلَّا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} ، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ: كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا.

إِنَّ

بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: التَّأْكِيدُ وَالتَّحْقِيقُ، وَهُوَ الْغَالِبُ نَحْوَ:{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، {إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} : قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ: وَالتَّأْكِيدُ بِهَا أَقْوَى مِنَ التَّأْكِيدِ

ص: 205

بِاللَّامِ، قَالَ: وَأَكْثَرُ مَوَاقِعِهَا بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ، وَالْجَوَابُ لِسُؤَالٍ ظَاهِرٍ أَوْ مُقَدَّرٍ إِذَا كَانَ لِلسَّائِلِ فِيهِ ظَنٌّ.

وَالثَّانِي: التَّعْلِيلُ، أَثْبَتَهُ ابْنُ جِنِّي وَأَهْلُ الْبَيَانِ وَمَثَّلُوهُ بِنَحْوِ:{وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} ، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّأْكِيدِ.

الثَّالِثُ: مَعْنَى نَعَمْ أَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْمُبَرِّدُ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} .

أَنَّ

بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَأْكِيدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فَرْعُ الْمَكْسُورَةِ وَأَنَّهَا موصول حرفي تؤول مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا بِالْمَصْدَرِ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ مُشْتَقًّا بِالْمَصْدَرِ الْمُؤَوَّلِ بِهِ مِنْ لَفْظِهِ نَحْوَ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ قُدْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ جَامِدًا قُدِّرَ بِالْكَوْنِ.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُهَا لِلتَّأْكِيدِ، بِأَنَّكَ لَوْ صَرَّحْتَ بِالْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْهَا لَمْ يُفِدْ تَأْكِيدًا وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لِلْمَصْدَرِ الْمُنْحَلِّ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْسُورَةِ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الْمَكْسُورَةِ لِلْإِسْنَادِ وهذا لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لُغَةً فِي لَعَلَّ وَخَرَّجَ عَلَيْهَا: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} فِي قِرَاءَةِ الْفَتْحِ أَيْ لَعَلَّهَا.

ص: 206

أَنَّى

اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ، فَأَمَّا الِاسْتِفْهَامُ فَتَرِدُ فِيهِ بِمَعْنَى كَيْفَ نَحْوَ:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} وَمِنْ أَيْنَ نَحْوَ:{أَنَّى لَكِ هَذَا} أَيْ مِنْ أَيْنَ أَتَى هَذَا أَيْ مِنْ أَيْنَ جَاءَنَا.

قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ أين ومن أَيْنَ أَنَّ أَيْنَ سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي حَلَّ فِيهِ الشَّيْءُ ومن أَيْنَ سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي بَرَزَ مِنْهُ الشَّيْءُ وَجُعِلَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قُرِئَ شَاذًّا: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} .

وَبِمَعْنَى مَتَى وَقَدْ ذُكِرَتِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ الثَّانِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَاخْتَارَهُ وَأَخْرَجَ الثَّالِثَ عَنِ الضَّحَّاكِ وَأَخْرَجَ قَوْلًا رَابِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا بِمَعْنَى " حَيْثُ شِئْتُمْ ". وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا فِي الْآيَةِ شَرْطِيَّةٌ وَحُذِفَ جَوَابُهَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتِ اسْتِفْهَامِيَّةً لَاكْتَفَتْ بِمَا بَعْدَهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ أَنْ تَكْتَفِيَ بِمَا بَعْدَهَا أَيْ تَكُونَ كَلَامًا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا.

أَوْ

حَرْفُ عَطْفٍ تَرِدُ لِمَعَانٍ:

الشَّكُّ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، نَحْوَ:{قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} .

ص: 207

وَالْإِبْهَامُ عَلَى السَّامِعِ نَحْوَ: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.

وَالْإِبَاحَةُ بِأَلَّا يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ.

وَمُثِّلَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} الآية، ومثل الأولى بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، وَقَوْلِهِ:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} .

وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْجَمْعَ فِي الْآيَتَيْنِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ.

وَأَجَابَ ابْنُ هِشَامٍ بِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُقُوعِ كُلِّ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ بَلْ يَقَعُ وَاحِدٌ مِنْهُنَّ كَفَّارَةً أَوْ فَدِيَةً وَالْبَاقِي قُرْبَةً مُسْتَقِلَّةً خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ.

قُلْتُ: وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا التَّمْثِيلِ قَوْلُهُ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الآية، عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْخِيَرَةَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ بَلْ يَفْعَلُ مِنْهَا وَاحِدًا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ.

وَالتَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ نَحْوَ: {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} ، {إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} ، أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ كَذَا وَبَعْضُهُمْ كَذَا.

وَالْإِضْرَابُ كبل، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ:{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} ، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} وَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ:{أَوْكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً} بِسُكُونِ الْوَاوِ.

ص: 208

وَمُطْلَقُ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ نَحْوَ: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} .

وَالتَّقْرِيبُ، ذَكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ وَجُعِلَ مِنْهُ:{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} .

وَرُدَّ بِأَنَّ التَّقْرِيبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ غَيْرِهَا.

وَمَعْنَى إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَى إِلَى وَهَاتَانِ يُنْصَبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهُمَا بِأَنْ مُضْمَرَةٍ وَخُرِّجَ عَلَيْهَا: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} . فَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْصُوبٌ لَا مَجْزُومٌ بِالْعَطْفِ عَلَى تَمَسُّوهُنَّ لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَعْنَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُهُورِ النِّسَاءِ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ فِي مُدَّةِ انْتِفَاءِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَعَ أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الْفَرْضُ دُونَ الْمَسِيسِ لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِذَا انْتَفَى الْمَسِيسُ دُونَ الْفَرْضِ لَزِمَ نِصْفُ الْمُسَمَّى فَكَيْفَ يَصِحُّ دَفْعُ الْجُنَاحِ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ قَدْ ذُكِرْنَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الْآيَةَ، وَتُرِكَ ذِكْرُ الْمَمْسُوسَاتِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَفْهُومِ وَلَوْ كَانَتْ تَفْرِضُوا مَجْزُومًا لَكَانَتِ الْمَمْسُوسَاتُ وَالْمَفْرُوضُ لَهُنَّ مُسْتَوِيَاتٍ فِي الذِّكْرِ وَإِذَا قُدِّرَتْ " أَوْ " بِمَعْنَى " إِلَّا " خَرَجَتِ الْمَفْرُوضُ لَهُنَّ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمَمْسُوسَاتِ فِي الذِّكْرِ وَكَذَا إِذَا قُدِّرَتْ بِمَعْنَى " إِلَى " وَتَكُونُ غَايَةً لِنَفْيِ الْجُنَاحِ لَا لِنَفْيِ المسيس.

وأجاب ابن الحاجب عَنِ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ كَوْنِ الْمَعْنَى مُدَّةَ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا بَلْ مُدَّةً لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَذَلِكَ بِنَفْيِهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ الصَّرِيحِ.

ص: 209

وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنِ الثَّانِي بِأَنَّ ذِكْرَ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ إِنَّمَا كَانَ لِتَيَقُّنِ النِّصْفِ لَهُنَّ لَا لِبَيَانِ أَنَّ لَهُنَّ شَيْئًا فِي الْجُمْلَةِ.

وَمِمَّا خُرِّجَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ أُبَيٍّ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} .

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُتَقَدِّمُونَ لأو هَذِهِ الْمَعَانِيَ بَلْ قَالُوا: هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَالْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْقَرَائِنِ.

الثَّانِي: قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: "أَوْ " فِي النَّهْيِ نَقِيضَةُ " أَوْ " فِي الْإِبَاحَةِ فَيَجِبُ اجْتِنَابُ الْأَمْرَيْنِ كَقَوْلِهِ: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا فَلَوْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا كَانَ فِعْلًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: "أَوْ " فِي مِثْلِ هَذَا بِمَعْنَى الْوَاوِ تُفِيدُ الْجَمْعَ.

وَقَالَ الطَّيْبِيُّ: الْأَوْلَى أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا وَإِنَّمَا جَاءَ التعميم فيما مِنَ النَّهْيِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَ النَّهْيِ: "تطيع آثِمًا أَوْ كَفُورًا "،أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِذَا جَاءَ النَّهْيُ وَرَدَ عَلَى مَا كَانَ ثَابِتًا فَالْمَعْنَى: لَا تُطِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَالتَّعْمِيمُ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ وَهِيَ عَلَى بَابِهَا

الثَّالِثُ: لِكَوْنِ مَبْنَاهَا عَلَى عَدَمِ التَّشْرِيكِ عَادَ الضَّمِيرُ إِلَى مُفْرَدَيْهَا بِالْإِفْرَادِ بِخِلَافِ الْوَاوِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْخَصْمَانِ غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ.

ص: 210

فَائِدَةٌ

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " أَوْ " فَهُوَ مُخَيَّرٌ فَإِذَا كَانَ " فَمَنْ لَمْ يَجِدْ " فَهُوَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ " أَوْ " فَلِلتَّخْيِيرِ إِلَّا قَوْلَهُ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا أَقُولُ

أَوْلَى

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَأَوْلَى لَهُمْ} قَالَ فِي الصِّحَاحِ: قَوْلُهُمْ: أَوْلَى لَكَ كَلِمَةُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ قَالَ الشَّاعِرُ:

فَأَوْلَى لَهُ ثُمَّ أَوْلَى لَهُ.

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَمَعْنَاهُ قَارَبَهُ مَا يُهْلِكُهُ أَيْ نَزَلَ بِهِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهَا أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ.

وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ اسْمُ فِعْلٍ مَبْنِيٌّ وَمَعْنَاهُ وَلِيَكَ شَرٌّ بَعْدَ شَرٍّ وَ" لَكَ " تَبْيِينٌ.

وَقِيلَ: هُوَ عَلَمٌ لِلْوَعِيدِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَلِذَا لَمْ يُنَوَّنْ وَإِنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَلَكَ الْخَبَرُ وَوَزْنُهُ عَلَى هَذَا " فَعْلَى " وَالْأَلِفُ لِلْإِلْحَاقِ وَقِيلَ: "أَفْعَلْ ".

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْوَيْلُ لَكَ وَأَنَّهُ مَقْلُوبٌ مِنْهُ وَالْأَصْلُ " أَوَيْلُ "، فَأُخِّرَ حَرْفُ الْعِلَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَنْسَاءِ:

هَمَمْتُ لِنَفْسِي بَعْضِ الْهُمُومِ

فَأَوْلَى لِنَفْسِي أَوْلَى لَهَا

ص: 211

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الذَّمُّ لَكَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنْتَ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِهَذَا الْعَذَابِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَوْلَى لَكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ مُقَارَبَةُ الْهَلَاكِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ وُلِّيتُ الْهَلَاكَ أَوْ قَدْ دَانَيْتُ الْهَلَاكَ أَصْلُهُ مِنَ الْوُلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَمِنْهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} أَيْ يَقْرُبُونَ مِنْكُمْ.

وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَوْلَى لَكَ أَيْ كِدْتَ تَهْلِكُ وَكَأَنَّ تَقْدِيرَهُ: أَوْلَى لَكَ الْهَلَكَةُ.

إِي

بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ، حَرْفُ جَوَابٍ بِمَعْنَى نَعَمْ، فَتَكُونُ لِتَصْدِيقِ الْمُخْبِرِ، وَلِإِعْلَامِ الْمُسْتَخْبِرِ وَلِوَعْدِ الطَّالِبِ قَالَ النُّحَاةُ: وَلَا تَقَعُ إِلَّا قَبْلَ الْقَسَمِ.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِلَّا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ، نَحْوَ:{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} .

أَيُّ

بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً نَحْوَ: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الحسنى.

الثَّانِي: اسْتِفْهَامِيَّةً نَحْوَ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً} وَإِنَّمَا يُسْأَلُ

ص: 212

بِهَا عَمَّا يُمَيِّزُ أَحَدَ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي أَمْرٍ يَعُمُّهُمَا، نَحْوَ:{أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً} أَيْ أَنَحْنُ أَمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ!.

الثَّالِثُ: مَوْصُولَةً نَحْوَ: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} .

وَهِيَ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ مُعْرَبَةٌ، وَتُبْنَى فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ عَلَى الضَّمِّ إِذَا حُذِفَ عَائِدُهَا وَأُضِيفَتْ كَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَعْرَبَهَا الْأَخْفَشُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ بَعْضِهِمْ بِالنَّصْبِ وَأَوَّلَ قِرَاءَةَ الضَّمِّ عَلَى الْحِكَايَةِ وَأَوَّلَهَا غَيْرُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِلْفِعْلِ وَأَوَّلَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وتقدير الكلام لنزعن بَعْضَ كُلِّ شِيعَةٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ هَذَا الْبَعْضُ فَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَشَدُّ ثُمَّ حُذِفَ الْمُبْتَدَآنِ الْمُكْتَنِفَانِ لِأَيٍّ.

وَزَعَمَ ابْنُ الطَّرَاوَةِ أَنَّهَا فِي الْآيَةِ مَقْطُوعَةٌ عَنِ الْإِضَافَةِ مَبْنِيَّةٌ وَأَنَّ " هُمْ أَشَدُّ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَرُدَّ بِرَسْمِ الضَّمِيرِ مُتَّصِلًا بِأَيِّ وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى إِعْرَابِهَا إِذَا لَمْ تُضَفْ.

الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ وَصْلَةً إِلَى نِدَاءِ مَا فِيهِ أَلْ نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} .

إِيَّا

زَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّهَا اسْمٌ ظَاهِرٌ وَالْجُمْهُورُ ضَمِيرٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ على أقوال:

أحدها: أنه كلمة ضمير هو وما اتَّصَلَ بِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَحْدَهُ ضَمِيرٌ وَمَا بَعْدَهُ اسْمٌ مُضَافٌ لَهُ يُفَسِّرُ مَا يُرَادُ بِهِ

ص: 213

مِنْ تَكَلُّمٍ وَغَيْبَةٍ وَخِطَابٍ نَحْوَ: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} ، {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} .

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَحْدَهُ ضَمِيرٌ وَمَا بَعْدَهُ حُرُوفٌ تُفَسِّرُ الْمُرَادَ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ عِمَادٌ، وَمَا بَعْدَهُ هُوَ الضَّمِيرُ. وَقَدْ غَلِطَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ وَفِيهِ سَبْعُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهَا: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا مَعَ الْهَمْزَةِ وَإِبْدَالِهَا هَاءً مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً هَذِهِ ثَمَانِيَةٌ يَسْقُطُ مِنْهَا بِفَتْحِ الْهَاءِ مَعَ التَّشْدِيدِ

أَيَّانَ

اسْمُ اسْتِفْهَامٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَفْهَمُ بِهِ عَنِ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ وَأَبُو حَيَّانَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا.

وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَعَانِي مَجِيئَهَا لِلْمَاضِي.

وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي مَوَاضِعِ التَّفْخِيمِ نَحْوَ: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} ، {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} .

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ النُّحَاةِ أَنَّهَا كَمَتَى تُسْتَعْمَلُ فِي التَّفْخِيمِ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ بِالْأَوَّلِ مِنَ النُّحَاةِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّبَعِيُّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ فَقَالَ إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِفْهَامِ عَنِ الشَّيْءِ الْمُعَظَّمِ أَمْرُهُ.

وَفِي الكشاف: قيل إنها مشتقى من أوى " فَعْلَانَ " مِنْهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَيَّ وَقْتٍ وَأَيَّ فِعْلٍ مِنْ آوَيْتُ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ آوٍ إِلَى الكل ومتساند وَهُوَ بَعِيدٌ

ص: 214

وَقِيلَ: أَصْلُهُ أَيُّ آنٍ.

وَقِيلَ: أَيُّ أَوَانٍ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ مِنْ " أَوَانٍ " وَالْيَاءُ الثَّانِيَةُ مِنْ " أَيِّ " وَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتِ السَّاكِنَةُ فِيهَا وَقُرِئَ بِكَسْرِ هَمْزَتِهَا.

أَيْنَ

اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْمَكَانِ، نَحْوَ:{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} ، وَتَرِدُ شَرْطًا عَامًّا فِي الْأَمْكِنَةِ وَأَيْنَمَا أَعَمُّ مِنْهَا نَحْوَ:{أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ}

الْبَاءُ الْمُفْرَدَةُ

حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ: أَشْهَرُهَا، الْإِلْصَاقُ: وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا سِيبَوَيْهِ غَيْرَهُ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبِّ: وَهُوَ تَعَلُّقُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِالْآخَرِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً نحو: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} أي ألصقوا المسح برؤوسكم {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وَقَدْ يَكُونُ مَجَازًا نَحْوَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ أَيْ بِمَكَانٍ يَقْرُبُونَ مِنْهُ.

الثَّانِي: التَّعْدِيَةُ كَالْهَمْزَةِ، نَحْوَ:{ذَهَبَ اللَّهُ بنورهم} ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} أَيْ أَذْهَبَهُ كَمَا قَالَ:{لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} .

ص: 215

وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَالسُّهَيْلِيُّ أَنَّ بَيْنَ تَعْدِيَةِ الْبَاءِ وَالْهَمْزَةِ فَرْقًا وَأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ كُنْتَ مُصَاحِبًا لَهُ فِي الذَّهَابِ وَرَدَّ بِالْآيَةِ.

الثَّالِثُ: الِاسْتِعَانَةُ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ كَبَاءِ الْبَسْمَلَةِ.

الرَّابِعُ: السَّبَبِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى سَبَبِ الْفِعْلِ، نَحْوَ:{فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} ، {ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا أَيْضًا بِالتَّعْلِيلِ.

الْخَامِسُ: الْمُصَاحَبَةُ كَمَعَ، نَحْوَ:{اهْبِطْ بِسَلامٍ} ، {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}

السَّادِسُ: الظَّرْفِيَّةُ كَفِي، زَمَانًا وَمَكَانًا نَحْوَ:{نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} .

السَّابِعُ: الِاسْتِعْلَاءُ كَعَلَى نَحْوَ: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أَيْ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ: {إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} .

الثَّامِنُ: الْمُجَاوَزَةُ كَعَنْ نَحْوَ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} أَيْ عَنْهُ بِدَلِيلِ: {يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} ثُمَّ قِيلَ تَخْتَصُّ بِالسُّؤَالِ وَقِيلَ لَا نَحْوَ: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} أَيْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أَيْ عَنْهُ.

ص: 216

التَّاسِعُ: التَّبْعِيضُ كَمِنْ، نَحْوَ:{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أَيْ مِنْهَا.

الْعَاشِرُ: الْغَايَةُ كَإِلَى، نَحْوَ:{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} أَيْ إِلَى.

الْحَادِيَ عَشَرَ: الْمُقَابَلَةُ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَعْوَاضِ نَحْوَ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وَإِنَّمَا لَمْ نُقَدِّرْهَا بَاءَ السَّبَبِيَّةِ كَمَا قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ بِعِوَضٍ قَدْ يُعْطِي مَجَّانًا وَأَمَّا الْمُسَبَّبُ فَلَا يُوجَدُ بِدُونِ السَّبَبِ.

الثَّانِي عَشَرَ: التَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ فَتُزَادُ فِي الْفَاعِلِ وُجُوبًا فِي نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} ، وَجَوَازًا غَالِبًا فِي نَحْوِ:{كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} فإن الاسم الكريم فاعل وشهيدا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوِ التَّمْيِيزِ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَدَخَلَتْ لِتَأْكِيدِ الِاتِّصَالِ لِأَنَّ الِاسْمَ فِي قَوْلِهِ: {كَفَى بِاللَّهِ} مُتَّصِلٌ بِالْفِعْلِ اتِّصَالَ الْفَاعِلِ.

قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ: وَفَعَلَ ذَلِكَ إِيذَانًا بِأَنَّ الْكِفَايَةَ مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ كَالْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي عِظَمِ الْمَنْزِلَةِ فَضُوعِفَ لَفْظُهَا لِتَضَاعُفِ مَعْنَاهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: دَخَلَتْ لِتُضَمِّنَ " كَفَى " مَعْنَى " أَكْتَفِي ".

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ مِنَ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ.

وَقِيلَ: الْفَاعِلُ مُقَدَّرٌ وَالتَّقْدِيرُ كَفَى الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ فَحُذِفَ الْمَصْدَرُ وَبَقِيَ مَعْمُولُهُ دَالًّا عَلَيْهِ.

ص: 217

وَلَا تُزَادُ فِي فَاعِلِ " كَفَى " بِمَعْنَى وَقَى، نَحْوَ:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} .

وَفِي الْمَفْعُولِ نَحْوَ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} ، {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} ، {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} .

وفي المبتدأ، نحو:{بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} أَيْ أَيُّكُمْ وَقِيلَ: هِيَ ظَرْفِيَّةٌ أَيْ فِي أَيِّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ.

وَفِي اسْمِ لَيْسَ، فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} بِنَصْبِ الْبِرِّ.

وَفِي الْخَبَرِ الْمَنْفِيِّ، نَحْوَ:{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ} قِيلَ: وَالْمُوجَبِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} .

وَفِي التَّوْكِيدِ، وَجُعِلَ مِنْهُ:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} .

فَائِدَةٌ

اخْتُلِفَ فِي الْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} ، فَقِيلَ: لِلْإِلْصَاقِ وَقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَقِيلَ: لِلِاسْتِعَانَةِ وَإِنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَقَلْبًا فَإِنَّ " مَسَحَ " يَتَعَدَّى إِلَى الْمُزَالِ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وَإِلَى الْمُزِيلِ بِالْبَاءِ فَالْأَصْلُ " امْسَحُوا رؤوسكم " بِالْمَاءِ.

ص: 218

بَلْ

حَرْفُ إِضْرَابٍ إِذَا تَلَاهَا جُمْلَةٌ.

ثُمَّ تَارَةً يَكُونُ مَعْنَى الْإِضْرَابِ الْإِبْطَالَ لِمَا قَبْلَهَا، نَحْوَ:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} أَيْ بَلْ هُمْ عِبَادٌ، {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} .

وَتَارَةً يَكُونُ مَعْنَاهُ الِانْتِقَالَ مِنْ غَرَضٍ إِلَى آخَرَ نَحْوَ: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} ، فَمَا قَبْلَ " بَلْ " فِيهِ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} .

وَذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ كفايته: أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَوَهَّمَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَسَبَقَ ابْنَ مَالِكٍ إِلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ: إِبْطَالُ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُهُ لِلثَّانِي إِنْ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ مِنْ بَابِ الْغَلَطِ فَلَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ. انْتَهَى.

أَمَّا إِذَا تَلَاهَا مُفْرَدٌ فَهِيَ حَرْفُ عَطْفٍ وَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ كَذَلِكَ.

بَلَى

حَرْفٌ أَصْلِيُّ الْأَلِفِ وَقِيلَ الْأَصْلُ بَلْ وَالْأَلِفُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ هِيَ لِلتَّأْنِيثِ بِدَلِيلِ إِمَالَتِهَا.

ص: 219

وَلَهَا مَوْضِعَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ رَدًّا لِنَفْيٍ يَقَعُ قَبْلَهَا نَحْوَ: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى} أَيْ عَمِلْتُمُ السُّوءَ،:{لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى} أَيْ يَبْعَثُهُمْ، {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ثم قال:{بَلَى} أَيْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} ثم قال:{بَلَى} أَيْ يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} ثم قال: {بَلَى} ، أَيْ تَمَسُّهُمْ وَيُخَلَّدُونَ فِيهَا.

الثَّانِي: أَنْ تَقَعَ جَوَابًا لِاسْتِفْهَامٍ دَخَلَ عَلَى نَفْيٍ فَتُفِيدُ إِبْطَالَهُ سَوَاءٌ كان لاستفهام حَقِيقِيًّا نَحْوَ: أَلَيْسَ زَيْدٌ بِقَائِمٍ؟ فَتَقُولُ بَلَى وتوبيخا نَحْوَ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} ، {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى} ، أَوْ تَقْرِيرِيًّا نَحْوَ:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: لَوْ قَالُوا: نَعَمْ كَفَرُوا وَوَجْهُهُ أَنَّ نَعَمْ تَصْدِيقٌ لِلْمُخْبِرِ بِنَفْيٍ أَوْ إِيجَابٍ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا لَسْتَ رَبَّنَا بِخِلَافِ بَلَى فَإِنَّهَا لِإِبْطَالِ النَّفْيِ فَالتَّقْدِيرُ: أَنْتَ رَبُّنَا.

وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ التَّقْرِيرِيَّ خَبَرٌ مُوجَبٌ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ سِيبَوَيْهِ مِنْ جَعْلِ أَمْ مُتَّصِلَةً فِي قَوْلِهِ: {أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا

ص: 220

خَيْرٌ} لِأَنَّهَا بَعْدَ الْإِيجَابِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ إِيجَابٌ فَنَعَمْ بَعْدَ الْإِيجَابِ تَصْدِيقٌ لَهُ. انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِمْ أَنَّ بَلَى لَا يُجَابُ بِهَا عَنِ الْإِيجَابِ اتِّفَاقًا.

بِئْسَ

فِعْلٌ لِإِنْشَاءِ الذَّمِّ لَا يَتَصَرَّفُ.

بَيْنَ

قَالَ الرَّاغِبُ: هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْخَلَلِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَوَسَطَهُمَا، قَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً} .

وَتَارَةً تُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا وَتَارَةً اسْمًا فَمِنَ الظَّرْفِ: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} ، {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} .

وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا لَهُ مَسَافَةٌ نَحْوَ بين البلدين أَوْ لَهُ عَدَدٌ مَا: اثْنَانِ فَصَاعِدًا نَحْوَ: وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ وَلَا يُضَافُ إِلَى مَا يَقْتَضِي مَعْنَى الْوَحْدَةَ إِلَّا إِذَا كُرِّرَ نَحْوَ: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} ، {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} ، وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْوَصْلِ.

ص: 221

وَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَاتَ بَيْنِكُمْ} وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} أَيْ فِرَاقِهِمَا.

التَّاءُ

حَرْفُ جَرٍّ مَعْنَاهُ الْقَسَمُ يَخْتَصُّ بِالتَّعَجُّبِ وَبِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} : الْبَاءُ أَصْلُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَفِيهَا زِيَادَةُ مَعْنَى التَّعَجُّبِ كَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ تَسَهُّلِ الْكَيْدِ عَلَى يَدَيْهِ وَتَأَتِّيهِ مَعَ عُتُوِّ نَمْرُوذَ وَقَهْرِهِ. انْتَهَى.

تَبَارَكَ

فِعْلٌ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا بِلَفْظِ الْمَاضِي ولا يستعمل إلا الله.

تعال

فعل لَا يَتَصَرَّفُ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ.

ثُمَّ

حَرْفٌ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:

التَّشْرِيكُ فِي الْحُكْمِ وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُهْلَةُ وَفِي كُلٍّ خِلَافٌ.

أَمَّا التَّشْرِيكُ فَزَعَمَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ أَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ بِأَنْ تَقَعَ زَائِدَةً

ص: 222

فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً أَلْبَتَّةَ وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} .

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا مُقَدَّرٌ.

وَأَمَّا التَّرْتِيبُ وَالْمُهْلَةُ فَخَالَفَ قَوْمٌ فِي اقْتِضَائِهَا إِيَّاهُمَا تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ منها زوجها} ، {وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ} ، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} وَالِاهْتِدَاءُ سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ:{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} .

وَأُجِيبُ عَنِ الْكُلِّ بِأَنَّ ثُمَّ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَغَيْرُ هَذَا الْجَوَابِ أَنْفَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُصَحِّحُ التَّرْتِيبَ فقط لا المهملة إِذْ لَا تَرَاخِيَ بَيْنَ الْإِخْبَارَيْنِ وَالْجَوَابُ الْمُصَحَّحُ لَهُمَا مَا قِيلَ فِي الْأُولَى: إِنَّ الْعَطْفَ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْشَأَهَا ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ: أَنَّ " سَوَّاهُ " عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ. وَفِي الثَّالِثَةِ: أَنَّ الْمُرَادَ: ثُمَّ دَامَ عَلَى الْهِدَايَةِ.

فَائِدَةٌ

أَجْرَى الْكُوفِيُّونَ " ثُمَّ " مَجْرَى الْفَاءِ وَالْوَاوِ فِي جَوَازِ نَصْبِ الْمُضَارِعِ

ص: 223

الْمَقْرُونِ بِهَا بَعْدَ فِعْلِ الشَّرْطِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} بِنَصْبِ يُدْرِكُهُ.

ثَمَّ

بِالْفَتْحِ اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ نَحْوَ: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} وَهُوَ ظَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ أَعْرَبَهُ مَفْعُولًا لِـ"رَأَيْتَ" فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} وَقُرِئَ: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ} أَيْ هُنَالِكَ اللَّهُ شَهِيدٌ بِدَلِيلِ: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} .

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} : مَعْنَاهُ: هُنَالِكَ وَلَيْسَتْ ثُمَّ الْعَاطِفَةَ.

وَهَذَا وَهْمٌ أَشْبَهَ عَلَيْهِ الْمَضْمُومَةُ بِالْمَفْتُوحَةِ.

وَفِي التَّوْشِيحِ لِخَطَّابٍ: ثَمَّ ظَرْفٌ فِيهِ مَعْنَى الْإِشَارَةِ إِلَى حَيْثُ لِأَنَّهُ هُوَ فِي الْمَعْنَى.

جَعَلَ

قَالَ الرَّاغِبُ: لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْأَفْعَالِ كُلِّهَا وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ فَعَلَ وَصَنَعَ وَسَائِرِ أَخَوَاتِهَا وَيَتَصَرَّفُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

ص: 224

أَحَدُهَا: يَجْرِي مَجْرَى صَارَ وَطَفِقَ وَلَا يَتَعَدَّى نَحْوَ: جَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ كَذَا.

وَالثَّانِي: مَجْرَى أَوْجَدَ فَيَتَعَدَّى لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ نَحْوَ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} .

وَالثَّالِثُ: فِي إِيجَادِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ وَتَكْوِينِهِ مِنْهُ نَحْوَ: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} ، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} .

وَالرَّابِعُ: فِي تَصْيِيرِ الشَّيْءِ عَلَى حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ نَحْوَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} ، {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} .

الْخَامِسُ: الْحُكْمُ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ حَقًّا كَانَ نَحْوَ: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أَوْ بَاطِلًا نَحْوَ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} ، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} .

حَاشَا

اسْمٌ بِمَعْنَى التَّنْزِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} ، {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً} لَا فِعْلٌ وَلَا حَرْفٌ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ:{حَاشَ لِلَّهِ} بِالتَّنْوِينِ، كَمَا يُقَالُ:"بَرَاءَةٌ لِلَّهِ " وَقِرَاءَةِ ابن مسعود {حَاشَ لِلَّهِ} بالإضافة كمعاذ اللَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَدُخُولِهَا عَلَى اللَّامِ فِي قِرَاءَةِ

ص: 225

السَّبْعَةِ وَالْجَارُّ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْجَارِّ وَإِنَّمَا تُرِكَ التَّنْوِينُ فِي قِرَاءَتِهِمْ لِبِنَائِهَا لِشَبَهِهَا بِحَاشَا الْحَرْفِيَّةِ لَفْظًا.

وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا اسْمُ فِعْلٍ مَعْنَاهُ أَتَبَرَّأُ وَتَبَرَّأْتُ لِبِنَائِهَا.

وَرُدَّ بِإِعْرَابِهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ.

وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ جِنِّي أَنَّهَا فِعْلٌ وَأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ جَانَبَ يُوسُفُ الْمَعْصِيَةَ لِأَجْلِ اللَّهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى.

وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: حَاشَا فِعْلٌ مِنَ الْحَشَا وَهُوَ النَّاحِيَةُ أَيْ صَارَ فِي نَاحِيَةٍ أَيْ بَعُدَ مِمَّا رُمِيَ وَتَنَحَّى عَنْهُ فَلَمْ يَغْشَهُ وَلَمْ يُلَابِسْهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ حَاشَا إِلَّا اسْتِثْنَائِيَّةً.

حَتَّى

حَرْفٌ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَـ"إِلَى"، لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي أُمُورٍ:

فَتَنْفَرِدُ حَتَّى بِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ إِلَّا الظَّاهِرَ وَإِلَّا الْآخِرَ الْمَسْبُوقَ بِذِي أَجْزَاءٍ أَوِ الْمُلَاقِيَ لَهُ نَحْوَ: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} .

وَأَنَّهَا لِإِفَادَةِ تَقَضِّي الْفِعْلِ قَبْلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا.

وَأَنَّهَا لَا يُقَابَلُ بِهَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ.

وَأَنَّهَا يَقَعُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ الْمَنْصُوبُ بِأَنِ الْمَقْدَّرَةِ وَيَكُونَانِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَخْفُوضٍ.

ص: 226

ثُمَّ لَهَا حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ:

مُرَادَفَةُ إِلَى، نَحْوَ:{لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} ، أَيْ إِلَى رُجُوعِهِ.

وَمُرَادَفَةُ كَيِ التَّعْلِيلِيَّةِ، نَحْوَ:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ} ، وَ {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} .

وتحتملها نحو: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} .

وَمُرَادَفَةُ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا} .

مَسْأَلَةٌ

مَتَى دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ الَّتِي بَعْدَ إِلَى وحتى فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا أَوْ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ.

فَالْأَوَّلُ نَحْوَ: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ، دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى دُخُولِ الْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ.

وَالثَّانِي نَحْوَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، دَلَّ النَّهْيُ عَنِ الْوِصَالِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ اللَّيْلِ فِي الصِّيَامِ، {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ، فَإِنَّ الْغَايَةَ لَوْ دَخَلَتْ هُنَا لَوَجَبَ الْإِنْظَارُ حَالَ الْيَسَارِ أَيْضًا وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَتَفْوِيتِ حَقِّ الدَّائِنِ.

ص: 227

وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ: تَدْخُلَ مَعَ " حَتَّى " دُونَ " إِلَى " حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ فِي الْبَابَيْنِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مَعَ الْقَرِينَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَ إِلَى وَالدُّخُولُ مَعَ حَتَّى فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ.

وَالثَّانِي: تَدْخُلُ فِيهِمَا عَلَيْهِ.

وَالثَّالِثُ: لَا فِيهِمَا، وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلَيْنِ فِي اسْتِوَائِهِمَا بقوله:{وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {حَتَّى حِينٍ} .

تَنْبِيهٌ

تَرِدُ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةً أَيْ حَرْفًا يُبْتَدَأُ بَعْدَهُ الْجُمَلُ أَيْ تُسْتَأْنَفُ فَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ الْمُضَارِعِيَّةِ وَالْمَاضِيَّةِ، نَحْوَ:{حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ} بالرفع، {حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا} ، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} .

وَادَّعَى ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا فِي الْآيَاتِ جَارَّةٌ لإذا ولأن مُضْمَرَةٍ فِي الْآيَتَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ.

وَتَرِدُ عَاطِفَةً وَلَا أَعْلَمُهُ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِهَا قَلِيلٌ جِدًّا وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَهُ الْكُوفِيُّونَ أَلْبَتَّةَ.

فَائِدَةٌ

إِبْدَالُ حَائِهَا عَيْنًا لُغَةُ هُذَيْلٍ وَبِهَا قَرَأَ ابن مسعود أخرج.

ص: 228

حَيْثُ

ظَرْفُ مَكَانٍ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَتَرِدُ لِلزَّمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْجُمَلِ كَلَا إِضَافَةٍ وَلِهَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} : مَا بَعْدَ حَيْثُ صِلَةٌ لَهَا وَلَيْسَتْ بِمُضَافَةٍ إِلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا فَصَارَتْ كَالصِّلَةِ لَهَا أَيْ كَالزِّيَادَةِ وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْهَا. وَفَهِمَ الْفَارِسِيُّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ فَرُدَّ عَلَيْهِ.

وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُعْرِبُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهَا عَلَى الْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَعَلَى الْفَتْحِ لِلتَّخْفِيفِ وَتَحْتَمِلُهَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} بِالْكَسْرِ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ، بِالْفَتْحِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ.

وَجَوَّزَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ كَوْنَهَا مَفْعُولًا بِهِ عَلَى السَّعَةِ قَالُوا: وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ أَعْلَمَ مِنْهُ فِي مَكَانٍ، وَلِأَنَّ المعنى: أنه يَعْلَمُ نَفْسَ الْمَكَانِ الْمُسْتَحِقِّ لِوَضْعِ الرِّسَالَةِ لَا شَيْئًا فِي الْمَكَانِ وَعَلَى هَذَا فَالنَّاصِبُ لَهَا " يَعْلَمُ " مَحْذُوفًا مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِـ" أَعْلَمُ " لَا بِهِ، لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ بِهِ إِلَّا إِنْ أَوَّلْتَهُ بِعَالِمٍ.

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: الظَّاهِرُ إِقْرَارُهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَتَضْمِينُ " أَعْلَمَ " مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى إِلَى الظَّرْفِ فَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ أَنْفَذُ عِلْمًا حَيْثُ يَجْعَلُ أَيْ هُوَ نَافِذُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

ص: 229

دون

ترد ظرفا نقيص فَوْقَ فَلَا تَتَصَرَّفُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَقِيلَ: تَتَصَرَّفُ وَبِالْوَجْهَيْنِ قُرِئَ: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ.

وَتَرِدُ اسْمًا بِمَعْنَى " غَيْرَ " نَحْوَ: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} أَيْ غَيْرَهُ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ: أَدْنَى مَكَانٍ مِنَ الشَّيْءِ.

وَتُسْتَعْمَلُ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْحَالِ نَحْوَ زَيْدٌ دُونَ عَمْرٍو أَيْ فِي الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ.

وَاتُّسِعَ فِيهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي تَجَاوُزِ حَدٍّ إِلَى حَدٍّ نَحْوَ: {لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ لَا تُجَاوِزُوا وِلَايَةَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى وِلَايَةِ الْكَافِرِينَ.

ذُو

اسْمٌ بِمَعْنَى صَاحِبٍ وُضِعَ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى وَصْفِ الذَّوَاتِ بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ كَمَا أَنَّ " الَّذِي " وُضِعَتْ صِلَةً إِلَى وَصْفِ الْمَعَارِفِ بِالْجُمَلِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافًا.

وَلَا يُضَافُ إِلَى ضَمِيرٍ وَلَا مُشْتَقٍّ وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .

ص: 230

وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ عَنْهَا بِأَنَّ الْعَالِمَ هُنَا مَصْدَرٌ كَالْبَاطِلِ أَوْ بِأَنَّ " ذِي " زَائِدَةٌ.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالْوَصْفُ بِـ"ذُو" أَبْلَغُ مِنَ الْوَصْفِ بِصَاحِبٍ وَالْإِضَافَةُ بِهَا أَشْرَفُ فَإِنَّ "ذُو" يُضَافُ لِلتَّابِعِ وَصَاحِبَ يُضَافُ إِلَى الْمَتْبُوعِ تَقُولُ: أَبُو هُرَيْرَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَمَّا ذُو فَإِنَّكَ تَقُولُ: ذُو الْمَالِ وَذُو الْفَرَسِ فَتَجِدُ الِاسْمَ الْأَوَّلَ مَتْبُوعًا غَيْرَ تَابِعٍ وَبُنِيَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {وَذَا النُّونِ} فَأَضَافَهُ إِلَى النُّونِ وَهُوَ الْحُوتُ وَقَالَ فِي سُورَةِ ن: {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} قَالَ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لَكِنْ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ فِي حُسْنِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَالَتَيْنِ فَإِنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَتَى بِذِي لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِهَا أَشْرَفُ وَبِالنُّونِ لِأَنَّ لَفْظَهُ أَشْرَفُ مِنْ لَفْظِ الْحُوتِ لِوُجُودِهِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْحُوتِ مَا يُشَرِّفُهُ لِذَلِكَ فَأَتَى بِهِ وَبِصَاحِبٍ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ النَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِهِ.

رُوَيْدًا

اسْمٌ لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلَّا مُصَغَّرًا مَأْمُورًا بِهِ وَهُوَ تَصْغِيرُ "رَوَدٍ" وَهُوَ الْمَهَلُ.

ص: 231

رُبَّ

حَرْفٌ فِي مَعْنَاهُ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ دَائِمًا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.

الثَّانِي: لِلتَّكْثِيرِ دَائِمًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} فَإِنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ تَمَنِّي ذَلِكَ وَقَالَ الْأَوَّلُونَ: هُمْ مَشْغُولُونَ بِغَمَرَاتِ الْأَهْوَالِ فَلَا يُفِيقُونَ بِحَيْثُ يَتَمَنَّوْنَ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ.

الرَّابِعُ: لِلتَّقْلِيلِ غَالِبًا وَالتَّكْثِيرِ نَادِرًا وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ.

الْخَامِسُ: عَكْسُهُ.

السَّادِسُ: لَمْ تُوضَعْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ حَرْفُ إِثْبَاتٍ لَا يدل عَلَى تَكْثِيرٍ وَلَا تَقْلِيلٍ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ.

السَّابِعُ: لِلتَّكْثِيرِ فِي مَوْضِعِ الْمُبَاهَاةِ وَالِافْتِخَارِ وَلِلتَّقْلِيلِ فِيمَا عَدَاهُ.

الثَّامِنُ: لِمُبْهَمِ الْعَدَدِ تَكُونُ تَقْلِيلًا وَتَكْثِيرًا وَتَدْخُلُ عَلَيْهَا " مَا " فَتَكُفُّهَا عَنْ عَمَلِ الْجَرِّ وَتُدْخِلُهَا عَلَى الْجُمَلِ وَالْغَالِبُ حِينَئِذٍ دُخُولُهَا عَلَى الْفِعْلِيَّةِ الْمَاضِي فِعْلُهَا لَفْظًا وَمَعْنًى وَمِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ. قِيلَ: إِنَّهُ عَلَى حَدِّ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} .

ص: 232

السِّينُ

حَرْفٌ يَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَيُخْلِصُهُ للاستقبال وينزل مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ فَلِذَا لَمْ تَعْمَلْ فِيهِ. وَذَهَبُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ مُدَّةَ الِاسْتِقْبَالِ مَعَهُ أَضْيَقُ مِنْهَا مَعَ سَوْفَ وَعِبَارَةُ الْمُعْرِبِينَ: حَرْفُ تَنْفِيسٍ وَمَعْنَاهَا حَرْفُ تَوَسُّعٍ لأنها نقلت الْمُضَارِعَ مِنَ الزَّمَنِ الضَّيِّقِ - وَهُوَ الْحَالُ - إِلَى الزَّمَنِ الْوَاسِعِ وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ.

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي لِلِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} الآية، {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} الآية، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ:{مَا وَلَّاهُمْ} فَجَاءَتِ السِّينُ إِعْلَامًا بِالِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ النَّحْوِيُّونَ بَلِ الِاسْتِمْرَارُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمُضَارِعِ وَالسِّينُ بَاقِيَةٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ إِذِ الِاسْتِمْرَارُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

قَالَ: وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مَحْبُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَفَادَتْ أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ وَلَمْ أَرَ مَنْ فَهِمَ وَجْهَ ذَلِكَ وَوُجِّهَ أَنَّهَا تفيد الوعد في محصول الْفِعْلِ فَدُخُولُهَا عَلَى مَا يُفِيدُ الْوَعْدَ أَوِ الْوَعِيدَ مُقْتَضٍ لِتَوْكِيدِهِ وَتَثْبِيتِ مَعْنَاهُ وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ، مَعْنَى السِّينِ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ تَأَخَّرَ إِلَى حِينٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ:{أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} : السِّينُ مُفِيدَةٌ وُجُودَ

ص: 233

الرَّحْمَةِ لَا مَحَالَةَ فَهِيَ تُؤَكِّدُ الْوَعْدَ كَمَا تُؤَكِّدُ الْوَعِيدَ فِي قَوْلِكَ: سَأَنْتَقِمُ مِنْكَ.

سَوْفَ

كَالسِّينِ وَأَوْسَعُ زَمَانًا مِنْهَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْحُرُوفِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَعْنَى وَمُرَادِفَةٌ لَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ. وَتَنْفَرِدُ عَنِ السِّينِ بِدُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهَا نَحْوَ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ} .

قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إِدْخَالُ اللَّامِ عَلَى السِّينِ كَرَاهَةَ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ فِي " لَسَيُدَحْرِجُ " ثُمَّ طَرَدَ الْبَاقِيَ.

قَالَ ابْنُ بَابَشَاذَ: وَالْغَالِبُ عَلَى " سَوْفَ " اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَعَلَى السِّينِ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعْدِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ " سَوْفَ " فِي الْوَعْدِ وَالسِّينُ فِي الْوَعِيدِ.

سَوَاءٌ

تَكُونُ بِمَعْنَى مُسْتَوٍ فَتُقْصَرُ مَعَ الْكَسْرِ، نَحْوَ:{مَكَاناً سُوَىً} وَتُمَدُّ مَعَ الْفَتْحِ نَحْوَ: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} .

ص: 234

وَبِمَعْنَى التَّمَامِ فَكَذَلِكَ نَحْوَ: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} أَيْ تَمَامًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ: {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} .

وَلَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى غَيْرَ وَقِيلَ: وَرَدَتْ وَجُعِلَ مِنْهُ فِي الْبُرْهَانِ: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} وَهُوَ وَهْمٌ وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً} : إِنَّهَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ وَالْمُسْتَثْنَى مَحْذُوفٌ أَيْ مَكَانًا سُوَى هَذَا الْمَكَانِ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ غَيْرَ مُضَافَةٍ.

سَاءَ

فِعْلٌ لِلذَّمِّ لَا يَتَصَرَّفُ.

سُبْحَانَ

مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ لَازِمُ النَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى مُفْرَدٍ ظاهر نحو: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} ، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} ، أَوْ مُضْمَرٍ نَحْوَ:{سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} ، {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا} وَهُوَ مِمَّا أُمِيتَ فِعْلُهُ.

ص: 235

وَفِي الْعَجَائِبِ لِلْكِرْمَانِيِّ: مِنَ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ المفضل أَنَّهُ مَصْدَرُ " سَبَّحَ " إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ،. وَأَنْشَدَ:

قَبَّحَ الْإِلَهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا

سَبَّحَ الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {سُبْحَانَ اللَّهِ} ، قَالَ: تَنْزِيهُ اللَّهِ نَفْسَهُ عَنِ السُّوءِ.

ظَنَّ

أَصْلُهُ لِلِاعْتِقَادِ الرَّاجِحِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} .

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ ظَنٍّ فِي الْقُرْآنِ يَقِينٌ وَهَذَا مُشْكِلٌ بِكَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِيهَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَالْآيَةِ الْأُولَى.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْآنِ ضَابِطَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الظَّنُّ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْيَقِينُ وَحَيْثُ وُجِدَ مَذْمُومًا مُتَوَعَّدًا عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ فَهُوَ الشَّكُّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بَعْدَهُ أَنْ الْخَفِيفَةُ فَهُوَ شَكٌّ نَحْوَ: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} ، وَكُلُّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ الْمُشَدَّدَةُ فَهُوَ يَقِينٌ كَقَوْلِهِ:{إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} ، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} وَقُرِئَ:"وَأَيْقَنَ أَنَّهُ الْفِرَاقُ "، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشَدَّدَةَ لِلتَّأْكِيدِ فَدَخَلَتْ

ص: 236

عَلَى الْيَقِينِ وَالْخَفِيفَةَ بِخِلَافِهَا فَدَخَلَتْ فِي الشَّكِّ وَلِهَذَا دَخَلَتِ الْأُولَى فِي الْعِلْمِ نَحْوَ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} .

وَالثَّانِيَةُ فِي الْحُسْبَانِ نَحْوَ: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} .

ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّاغِبُ فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ:{وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ} .

وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا هُنَا اتَّصَلَتْ بِالِاسْمِ وَهُوَ مَلْجَأٌ وَفِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ اتَّصَلَتْ بِالْفِعْلِ. ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ قَالَ: فَتَمَسَّكْ بِهَذَا الضَّابِطِ فَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْقُرْآنِ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: قَالَ ثَعْلَبٌ: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الظَّنَّ عِلْمًا وَشَكًّا وَكَذِبًا فَإِنْ قَامَتْ بَرَاهِينُ الْعِلْمِ فَكَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ بَرَاهِينِ الشَّكِّ فَالظَّنُّ يَقِينٌ وَإِنِ اعْتَدَلَتْ بَرَاهِينُ الْيَقِينِ وَبَرَاهِينُ الشَّكِّ فَالظَّنُّ شَكٌّ وَإِنْ زَادَتْ بَرَاهِينُ الشَّكِّ عَلَى بَرَاهِينِ الْيَقِينِ فَالظَّنُّ كَذِبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} أَرَادَ يَكْذِبُونَ. انْتَهَى.

عَلَى

حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:

أَشْهَرُهَا، الِاسْتِعْلَاءُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى، نَحْوَ: {وَعَلَيْهَا

ص: 237

وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} ، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ، {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} .

ثَانِيهَا: لِلْمُصَاحَبَةِ كَمَعَ، نَحْوَ:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أَيْ مَعَ حُبِّهِ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} .

ثَالِثُهَا: لِلِابْتِدَاءِ كَمِنْ، نَحْوَ:{إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} أَيْ مِنَ النَّاسِ، {لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} أَيْ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ.

رَابِعُهَا: التَّعْلِيلُ كَاللَّامِ، نَحْوَ:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ،أَيْ لِهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ.

خَامِسُهَا: الظَّرْفِيَّةُ كَفِي، نَحْوَ:{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} أَيْ فِي حِينِ،:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أَيْ فِي زَمَنِ مُلْكِهِ.

سَادِسُهَا: مَعْنَى الْبَاءِ نَحْوَ: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ} أَيْ بِأَنْ كَمَا قَرَأَ أُبَيٌّ.

ص: 238

فَائِدَةٌ

هِيَ فِي نَحْوِ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} ، بِمَعْنَى الْإِضَافَةِ وَالْإِسْنَادِ أَيْ أَضِفْ تَوَكُّلَكَ وَأَسْنِدْهُ إِلَيْهِ كَذَا قِيلَ وَعِنْدِي أَنَّهَا فِيهِ بِمَعْنَى بَاءِ الِاسْتِعَانَةِ وَفِي نَحْوِ:{كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} لِتَأْكِيدِ التَّفَضُّلِ لَا الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَكَذَا فِي نَحْوِ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} لِتَأْكِيدِ الْمُجَازَاةِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا ذُكِرَتِ النِّعْمَةُ فِي الْغَالِبِ مَعَ الحمد لم تقترن بعلى وَإِذَا أُرِيدَتِ النِّعْمَةُ أَتَى بِهَا وَلِهَذَا كَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ "، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ:"الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ".

تَنْبِيهٌ

تَرِدُ " عَلَى " اسْمًا فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ إِذَا كَانَ مَجْرُورُهَا وَفَاعِلُ مُتَعَلِّقِهَا ضَمِيرَيْنِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، نَحْوَ:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} ، لِمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي إِلَى وَتَرِدُ فِعْلًا مِنَ الْعُلُوِّ وَمِنْهُ:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} .

ص: 239

عَنْ

حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:

أَشْهَرُهَا، الْمُجَاوَزَةُ، نَحْوَ:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، أَيْ يُجَاوِزُونَهُ وَيَبْعُدُونَ عَنْهُ.

ثَانِيهَا: الْبَدَلُ، نَحْوَ:{لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} .

ثَالِثُهَا: التَّعْلِيلُ، نَحْوَ:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ} ، أَيْ لِأَجْلِ مَوْعِدَةٍ، {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} أَيْ لِقَوْلِكَ.

رَابِعُهَا: بِمَعْنَى عَلَى، نَحْوَ:{فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} أَيْ عَلَيْهَا.

خَامِسُهَا: بِمَعْنَى مِنْ، نَحْوَ:{يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} ، أَيْ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ:{فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا} .

سَادِسُهَا: بِمَعْنَى بَعْدَ، نَحْوَ:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} بِدَلِيلِ أَنَّ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} ، {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} أَيْ حَالَةً بَعْدَ حَالَةٍ.

تَنْبِيهٌ

تَرِدُ اسْمًا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ وَجَعَلَ ابْنُ هِشَامٍ: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ

ص: 240

أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} ، قَالَ: فَتُقَدَّرُ مَعْطُوفَةً عَلَى مَجْرُورِ مِنْ لَا عَلَى مِنْ وَمَجْرُورِهَا.

عَسَى

فِعْلٌ جَامِدٌ لَا يَتَصَرَّفُ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُ حَرْفٌ وَمَعْنَاهُ التَّرَجِّي فِي الْمَحْبُوبِ وَالْإِشْفَاقُ فِي الْمَكْرُوهِ وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} .

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَتَأْتِي لِلْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ، نَحْوَ:{قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} .

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " عَسَى " عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ فَهُوَ مُوَحَّدٌ كَالْآيَةِ السَّابِقَةِ وَوُجِّهَ عَلَى مَعْنَى عَسَى الْأَمْرُ أَنْ يَكُونَ كَذَا. وَمَا كَانَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ، نَحْوَ:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ: هَلْ عَرَفْتُمْ ذَلِكَ، وهل جزتموه؟.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَلُّ عَسَى فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: عَسَى فِي الْقُرْآنِ وَاجِبَةٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ فَمَا رحمهم الله بَلْ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوْقَعَ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ.

ص: 241

وَالثَّانِي: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً} فَلَمْ يَقَعِ التَّبْدِيلُ، وَأَبْطَلَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِثْنَاءَ وَعَمَّمَ الْقَاعِدَةَ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ كَانَتْ مَشْرُوطَةً بِأَلَّا يَعُودُوا كَمَا قال:{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} ، وَقَدْ عَادُوا فَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ وَالتَّبْدِيلُ مَشْرُوطًا بِأَنْ يُطَلِّقَ وَلَمْ يُطَلِّقْ فَلَا يَجِبُ.

وَفِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ: "عَسَى " إِطْمَاعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْجَبَابِرَةِ مِنَ الْإِجَابَةِ بِلَعَلَّ وَعَسَى وَوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَوْقِعَ الْقَطْعِ وَالْبَتِّ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جِيءَ بِهِ تَعْلِيمًا لِلْعِبَادِ أَنْ يَكُونُوا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ.

وَفِي الْبُرْهَانِ: عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجَبَتَانِ وَإِنْ كَانَتَا رَجَاءً وَطَمَعًا فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ الْخَلْقَ هُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ وَالظُّنُونُ وَالْبَارِئُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُمْكِنَةَ لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَشُكُّونَ فِيهَا وَلَا يَقْطَعُونَ عَلَى الْكَائِنِ مِنْهَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْكَائِنَ مِنْهَا عَلَى الصِّحَّةِ صَارَتْ لَهَا نِسْبَتَانِ: نِسْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تُسَمَّى نِسْبَةَ قَطْعٍ وَيَقِينٍ وَنِسْبَةٌ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ تُسَمَّى نِسْبَةَ شَكٍّ وَظَنٍّ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِذَلِكَ تَرِدُ تَارَةً بِلَفْظِ الْقَطْعِ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وَتَارَةً بِلَفْظِ الشَّكِّ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْخَلْقِ نَحْوَ: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} وَنَحْوَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ

ص: 242

حَالَ إِرْسَالِهِمَا. مَا يُفْضِي إِلَيْهِ حَالُ فِرْعَوْنَ لَكِنْ وَرَدَ اللَّفْظُ بِصُورَةِ مَا يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ مُوسَى وَهَارُونَ مِنَ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ. وَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ جَاءَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ الْمُتَيَقَّنَ فِي صُورَةِ الْمَشْكُوكِ لِأَغْرَاضٍ.

وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ: عَسَى فِعْلٌ مَاضِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى لِأَنَّهُ طَمَعٌ قَدْ حَصَلَ فِي شَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ.

وَقَالَ قَوْمٌ: مَاضِي اللَّفْظِ مُسْتَقْبَلُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ طَمَعٍ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ.

تَنْبِيهٌ

وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: رَافِعَةٌ لِاسْمٍ صَرِيحٍ بَعْدَهُ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَقْرُونٌ بِأَنْ وَالْأَشْهَرُ فِي إِعْرَابِهَا حِينَئِذٍ أَنَّهَا فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ عَامِلٌ عَمَلَ كَانَ فَالْمَرْفُوعُ اسْمُهَا وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ. وَقِيلَ: مُتَعَدٍّ بِمَنْزِلَةِ قَارَبَ مَعْنًى وَعَمَلًا أَوْ قَاصِرٌ بِمَنْزِلَةِ قَرُبَ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ وَحُذِفَ الْجَارُّ تَوَسُّعًا وَهُوَ رَأْيُ سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ. وَقِيلَ قَاصِرٌ بِمَنْزِلَةِ قَرُبَ وَأَنْ يَفْعَلَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ فَاعِلِهَا.

الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ بَعْدَهَا أَنْ وَالْفِعْلُ فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا حِينَئِذٍ تَامَّةٌ.

وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: عِنْدِي أَنَّهَا نَاقِصَةٌ أَبَدًا وَأَنَّ وَصِلَتُهَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْجُزْأَيْنِ كَمَا فِي: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}

ص: 243

عِنْدَ

ظَرْفُ مَكَانٍ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحُضُورِ وَالْقُرْبِ سَوَاءً كَانَا حِسِّيَّيْنِ نَحْوَ: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ} ، {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} أَوْ مَعْنَوِيَّتَيْنِ، نَحْوَ:{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} ، {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} ، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ} ، {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ، {ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} فَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ قُرْبُ التَّشْرِيفِ وَرِفْعَةُ الْمَنْزِلَةِ.

وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا ظرفا أو مجرورة بمن خاصة نحو: {فَمِنْ عِنْدِكَ} ، {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} .

وَتُعَاقِبُهَا لَدَى وَلَدُنْ، نَحْوَ:{لَدَى الْحَنَاجِرِ} ، {لَدَى الْبَابِ} ، {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} ، {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} .

وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِهِ: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} ولو جيء فيهما بعند أَوْ لَدُنْ صَحَّ لَكِنْ تُرِكَ دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ وَإِنَّمَا حَسُنَ تَكْرَارُ لَدَى فِي: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا.

ص: 244

وَتُفَارِقُ عِنْدَ وَلَدَى لَدُنْ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ:

فَعِنْدَ وَلَدَى تَصْلُحُ فِي مَحَلِّ ابْتِدَاءِ غَايَةٍ وَغَيْرِهَا وَلَا تَصْلُحُ لَدُنْ إِلَّا فِي ابْتِدَاءِ غَايَةٍ.

وَعِنْدَ وَلَدَى يَكُونَانِ فَضْلَةً، نَحْوَ:{وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} ، {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} ، وَلَدُنْ لَا تَكُونُ فَضْلَةً.

وَجَرُّ لَدُنْ بِمِنْ أَكْثَرُ مِنْ نَصْبِهَا حتى أنها لم تجيء فِي الْقُرْآنِ مَنْصُوبَةً وَجَرُّ عِنْدَ كَثِيرٌ وَجَرُّ لَدَى مُمْتَنِعٌ.

وَعِنْدَ وَلَدَى يُعْرَبَانِ وَلَدُنْ مَبْنِيَّةٌ فِي لُغَةِ الْأَكْثَرِينَ.

وَلَدُنْ قَدْ لَا تُضَافُ وَقَدْ تُضَافُ لِلْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِمَا.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: لَدُنْ أَخَصُّ مِنْ عِنْدَ وَأَبْلَغُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ابْتِدَاءِ نِهَايَةِ الْفِعْلِ انْتَهَى.

وَ " عِنْدَ " أَمْكَنُ مِنْ لَدُنْ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَنَّهَا تَكُونُ ظَرْفًا لِلْأَعْيَانِ وَالْمَعَانِي بِخِلَافِ لَدُنْ. وَعِنْدَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ لدى إِلَّا فِي الْحَاضِرِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الشَّجَرِيِّ وَغَيْرُهُ.

غَيْرَ

اسْمٌ مُلَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ وَالْإِبْهَامِ فَلَا تَتَعَرَّفُ مَا لم تقع بين ضدين وَمِنْ ثَمَّ جَازَ وَصْفُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فِي قَوْلِهِ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، وَالْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ وَصْفًا لِلنَّكِرَةِ، نَحْوَ:{فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} .

ص: 245

وَتَقَعُ حَالًا إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا " لَا " وَاسْتِثْنَاءً إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا " إِلَّا " فَتُعْرَبُ بِإِعْرَابِ الِاسْمِ التَّالِي إِلَّا فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ " الْقَاعِدُونَ ".

أَوِ اسْتِثْنَاءٌ وَأَبْدِلْ عَلَى حَدِّ: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَبِالْجَرِّ خَارِجَ السَّبْعِ صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.

وَفِي الْمُفْرَدَاتِ لِلرَّاغِبِ: غَيْرُ تُقَالُ عَلَى أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ لِلنَّفْيِ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتِ مَعْنًى بِهِ نَحْوَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ غَيْرِ قَائِمٍ أَيْ لَا قَائِمَ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً} ، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} .

الثَّانِي: بِمَعْنَى " إِلَّا " فَيُسْتَثْنَى بِهَا وَتُوصَفُ بِهِ النَّكِرَةُ نَحْوَ: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ، {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}

الثَّالِثُ لِنَفْيِ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ مَادَّتِهَا نَحْوَ: "الْمَاءُ إِذَا كَانَ حَارًّا غَيْرُهُ إِذَا كَانَ بَارِدًا " وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} .

الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَنَاوِلًا لِذَاتٍ نَحْوَ: {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ

ص: 246

غَيْرَ الْحَقِّ} ، {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً} ، {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} ، {يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} انْتَهَى.

الْفَاءُ

تَرِدُ عَلَى أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً فَتُفِيدُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا التَّرْتِيبُ مَعْنَوِيًّا كَانَ نَحْوَ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} أَوْ ذِكْرِيًّا وَهُوَ عَطْفٌ مُفَصَّلٌ عَلَى مُجْمَلٍ نَحْوَ: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} ، {سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} ، {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} الْآيَةَ، وَأَنْكَرَهُ - أَيْ التَّرْتِيبَ - الْفَرَّاءُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ:{أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} .

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا.

ثَانِيهَا: التَّعْقِيبُ وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ عَنِ التَّرَاخِي فِي نَحْوِ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ، {خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} ، الآية.

ثَالِثُهَا: السَّبَبِيَّةُ غَالِبًا نَحْوَ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} ،

ص: 247

{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} ، {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} .

وَقَدْ تَجِيءُ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ، نَحْوَ:{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} ، {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ} ، {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ}

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ نَحْوَ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ} إِذْ لَا يُعْطَفُ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسُهُ.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ رَابِطَةً لِلْجَوَابِ حَيْثُ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونُ شَرْطًا بِأَنْ كَانَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً نَحْوَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} ، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَوْ فِعْلِيَّةً فِعْلُهَا جَامِدٌ نَحْوَ:{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} ، {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ، {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً} . أَوْ إِنْشَائِيٌّ نَحْوَ:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} ، {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} وَاجْتَمَعَتِ الِاسْمِيَّةُ وَالْإِنْشَائِيَّةُ فِي قَوْلِهِ:{إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} أَوْ مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوَ: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ

ص: 248

مِنْ قَبْلُ} أَوْ مَقْرُونٌ بِحَرْفِ اسْتِقْبَالٍ نَحْوَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} ، {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} وَكَمَا تَرْبِطُ الْجَوَابَ بِشَرْطِهِ تَرْبِطُ شِبْهَ الْجَوَابِ بِشِبْهِ الشَّرْطِ نَحْوَ:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَبَشِّرْهُمْ} .

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزَّجَّاجُ: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ} ورد بأن الخبر {حَمِيمٍ} ، وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْفَارِسِيُّ:{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} وَغَيْرَهُ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا}

الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {كُنْ فَيَكُونُ} بالرفع.

فِي

حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:

أَشْهَرُهَا: الظَّرْفِيَّةُ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا نَحْوَ: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} حَقِيقَةً كَالْآيَةِ أَوْ مَجَازًا نَحْوَ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، {لَقَدْ كَانَ

ص: 249

فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} ، {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .

ثانيها: المصاحبة كمع، نحو:{ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} أَيْ مَعَهُمْ، {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} .

ثَالِثُهَا: التَّعْلِيلُ، نَحْوَ:{فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ، {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} أَيْ لِأَجْلِهِ.

رَابِعُهَا: الِاسْتِعْلَاءُ، نَحْوَ:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أَيْ عَلَيْهَا.

خَامِسُهَا: مَعْنَى الْبَاءِ، نحو:{يَذْرَأُكُمْ فِيهِ} أَيْ بِسَبَبِهِ.

سَادِسُهَا: مَعْنَى إِلَى، نَحْوَ:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أَيْ إِلَيْهَا.

سَابِعُهَا: مَعْنَى مِنْ، نحو:{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} أَيْ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى.

ثَامِنُهَا: مَعْنَى عَنْ، نَحْوَ:{فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} أَيْ عَنْهَا وَعَنْ مَحَاسِنِهَا.

تَاسِعُهَا: الْمُقَايَسَةُ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ بَيْنَ مَفْضُولٍ سَابِقٍ وَفَاضِلٍ لَاحِقٍ نَحْوَ: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} .

ص: 250

عَاشِرُهَا: التَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ، نَحْوَ:{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} أي أركبوها.

قَدْ

حَرْفٌ مُخْتَصٌّ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ الْخَبَرِيِّ الْمُثْبَتِ الْمُجَرَّدِ مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ وَحَرْفِ تَنْفِيسٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُضَارِعًا وَلَهَا مَعَانٍ:

الْأَوَّلُ: التَّحْقِيقُ مَعَ الْمَاضِي، نَحْوَ:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا الْقَسَمُ مِثْلَ إِنَّ وَاللَّامِ فِي الِاسْمِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا فِي إفادة التوكيد.

والثاني: وَالتَّقْرِيبُ مَعَ الْمَاضِي أَيْضًا تُقَرِّبُهُ مِنَ الْحَالِ، تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ فَيَحْتَمِلُ الْمَاضِيَ الْقَرِيبَ وَالْمَاضِيَ الْبَعِيدَ فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَامَ اخْتَصَّ بِالْقَرِيبِ قَالَ النُّحَاةُ: وَانْبَنَى عَلَى إِفَادَتِهَا ذَلِكَ أَحْكَامٌ:

مِنْهَا: مَنْعُ دُخُولِهَا عَلَى لَيْسَ وَعَسَى وَنِعْمَ وَبِئْسَ، لِأَنَّهُنَّ لِلْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ مَا يُقَرِّبُ مَا هُوَ حَاصِلٌ وَلِأَنَّهُنَّ لَا يُفِدْنَ الزَّمَانَ.

وَمِنْهَا: وُجُوبُ دُخُولِهَا عَلَى الْمَاضِي الْوَاقِعِ حَالًا، إِمَّا ظَاهِرَةً، نَحْوَ:{وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا} أَوْ مُقَدَّرَةً، نَحْوَ:{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ، {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ وَقَالُوا: لَا تَحْتَاجُ لِذَلِكَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ حَالًا بِدُونِ قَدْ.

ص: 251

وَقَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ وَشَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْكَافَيَجِيُّ: مَا قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ غَلَطٌ سَبَبُهُ اشْتِبَاهُ لَفْظِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الْحَالَ الَّذِي تُقَرِّبُهُ " قَدْ " حَالُ الزَّمَانِ وَالْحَالَ الْمُبَيِّنَ لِلْهَيْئَةِ حَالُ الصِّفَاتِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ فِي الْمَعْنَى.

الْمَعْنَى الثَّالِثُ: التَّقْلِيلُ مَعَ الْمُضَارِعِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ ضَرْبَانِ تَقْلِيلُ وُقُوعِ الْفِعْلِ، نَحْوَ:"قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ " وَتَقْلِيلُ مُتَعَلِّقِهِ، نَحْوَ:{قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أَيْ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ أَقَلُّ مَعْلُومَاتِهِ تَعَالَى قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا لِلتَّحْقِيقِ انْتَهَى.

وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ: إِنَّهَا أُدْخِلَتْ لِتَوْكِيدِ الْعِلْمِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى تَوْكِيدِ الْوَعِيدِ.

الرَّابِعُ: التَّكْثِيرُ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} قَالَ: أَيْ رُبَّمَا نَرَى وَمَعْنَاهُ تَكْثِيرُ الرُّؤْيَةِ.

الْخَامِسُ: التَّوَقُّعُ، نَحْوَ: قَدْ يُقْدِمُ الْغَائِبُ، لِمَنْ يَتَوَقَّعُ قدومه وينتظره، وقد قَامَتِ الصَّلَاةُ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مُنْتَظِرُونَ ذَلِكَ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} لِأَنَّهَا كَانَتْ تَتَوَقَّعُ إِجَابَةَ اللَّهِ لِدُعَائِهَا.

ص: 252

الْكَافُ

حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:

أَشْهَرُهَا التَّشْبِيهُ، نَحْوَ:{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} ، وَالتَّعْلِيلُ، نَحْوَ:{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً} إلى قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ لِأَجْلِ إِرْسَالِنَا فِيكُمْ رَسُولًا منكم {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} أَيْ لِأَجْلِ هِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} أَيْ أَعْجَبُ لِعَدَمِ فَلَاحِهِمْ {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وَالتَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِدَةٍ لَزِمَ إِثْبَاتُ الْمِثْلِ وَهُوَ مُحَالٌ وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ نَفْيُهُ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَإِنَّمَا زِيدَتْ لِتَوْكِيدِ نَفْيِ الْمِثْلِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْحَرْفِ بِمَنْزِلَةِ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ ثَانِيًا.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: إِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَ الْكَافِ وَالْمِثْلِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْمِثْلِ وَلَا الْكَافِ فَنَفَى بِلَيْسَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.

وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ: لَيْسَتْ زَائِدَةً وَالْمَعْنَى لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ وَإِذَا نَفَيْتَ التَّمَاثُلَ عَنِ الْمِثْلِ فَلَا مِثْلَ لِلَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مِثْلُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الذَّاتُ كَقَوْلِكَ: مِثْلُكَ لَا يَفْعَلُ هَذَا أَيْ أَنْتَ لَا تَفْعَلُهُ كَمَا قَالَ:

وَلَمْ أَقُلْ مِثْلَكَ أَعْنِي بِهِ

سِوَاكَ يَا فَرْدًا بِلَا مُشْبِهِ

ص: 253

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} أَيْ بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ إِيَّاهُ لِأَنَّ إِيمَانَهُمْ لَا مِثْلَ لَهُ فَالتَّقْدِيرُ فِي الْآيَةِ: لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْمِثْلُ هُنَا بِمَعْنَى الصِّفَةِ وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ كَصِفَتِهِ صِفَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وُصِفَ بِكَثِيرٍ مِمَّا وُصِفَ بِهِ الْبَشَرُ فَلَيْسَ تِلْكَ الصِّفَاتُ لَهُ عَلَى حَسَبِ مَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَشَرِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى.

تَنْبِيهٌ

تَرِدُ الْكَافُ اسْمًا بِمَعْنَى " مِثْلٍ " فَتَكُونُ فِي مَحَلِّ إِعْرَابٍ وَيَعُودُ عَلَيْهَا الضَّمِيرُ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ} : إِنَّ الضَّمِيرَ فِي " فِيهِ " لِلْكَافِ فِي كَهَيْئَةٍ أَيْ فَأَنْفُخُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُمَاثِلِ فَيَصِيرُ كَسَائِرِ الطُّيُورِ. انْتَهَى.

مَسْأَلَةٌ

الْكَافُ فِي " ذَلِكَ " أَيْ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ وَفُرُوعِهِ وَنَحْوِهِ حَرْفُ خِطَابٍ لَا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ وَفِي " إِيَّاكَ " قِيلَ: حَرْفٌ وَقِيلَ: اسْمٌ مُضَافٌ إِلَيْهِ وَفِي أَرَأَيْتَكَ قِيلَ: حَرْفٌ وَقِيلَ: اسْمٌ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ وَقِيلَ: نَصْبٍ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ.

ص: 254

كَادَ

فِعْلٌ نَاقِصٌ أَتَى مِنْهُ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعُ فَقَطْ، لَهُ اسْمٌ مَرْفُوعٌ وَخَبَرٌ مُضَارِعٌ مُجَرَّدٌ مِنْ أَنْ وَمَعْنَاهَا قَارَبَ فَنَفْيُهَا نَفْيٌ لِلْمُقَارَبَةِ وَإِثْبَاتُهَا إِثْبَاتٌ لِلْمُقَارَبَةِ وَاشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ أَنَّ نَفْيَهَا إِثْبَاتٌ وَإِثْبَاتَهَا نَفْيٌ فَقَوْلُكَ: كَادَ زَيْدٌ يَفْعَلُ مَعْنَاهُ لَمْ يَفْعَلْ، بِدَلِيلِ:{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} ، " وَمَا كَادَ يَفْعَلُ " مَعْنَاهُ: فَعَلَ بِدَلِيلِ: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} .

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ كَادَ، وَأَكَادُ، وَيَكَادُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَبَدًا. وَقِيلَ: إِنَّهَا تُفِيدُ الدَّلَالَةَ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ بِعُسْرٍ، وَقِيلَ: نَفْيُ الْمَاضِي إِثْبَاتٌ، بِدَلِيلِ:{وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وَنَفْيُ الْمُضَارِعِ نَفْيٌ بِدَلِيلِ: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ شَيْئًا. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا نَفْيُهَا نَفْيٌ وَإِثْبَاتُهَا إِثْبَاتٌ فَمَعْنَى كَادَ يَفْعَلُ قَارَبَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَفْعَلْ وَمَا كَادَ يَفْعَلُ مَا قَارَبَ الْفِعْلَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَفْعَلَ فَنَفْيُ الْفِعْلِ لَازِمٌ مِنْ نَفْيِ الْمُقَارَبَةِ عَقْلًا.

وَأَمَّا آيَةُ: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَوَّلًا بُعَدَاءَ مِنْ ذَبْحِهَا وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ إِنَّمَا فُهِمَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَذَبَحُوهَا} .

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ} مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْكَنْ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا فَإِنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَوْلَا الِامْتِنَاعِيَّةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ.

ص: 255

فَائِدَةٌ

تَرِدُ كَادَ بِمَعْنَى أَرَادَ، وَمِنْهُ:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} ، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ:{جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي يكاد.

كَانَ

فِعْلٌ نَاقِصٌ مُتَصَرِّفٌ يَرْفَعُ الِاسْمَ وَيَنْصِبُ الْخَبَرَ وَمَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ الْمُضِيُّ وَالِانْقِطَاعُ نَحْوَ: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً} وَتَأْتِي بِمَعْنَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ نَحْوَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} ، {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِكَانَ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: كَانَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

بِمَعْنَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ، كَقَوْلِهِ:{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} .

بِمَعْنَى الْمُضِيِّ الْمُنْقَطِعِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي مَعْنَاهَا، نَحْوَ:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} .

وَبِمَعْنَى الْحَالِ، نَحْوَ:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} .

ص: 256

وَبِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، نَحْوَ:{يَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مستطيرا} .

وَبِمَعْنَى صَارَ، نَحْوَ:{وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} . انْتَهَى.

قُلْتُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَقَالَ: "أَنْتُمْ " فَكُنَّا كُلَّنَا، وَلَكِنْ قَالَ:"كُنْتُمْ " فِي خَاصَّةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ.

وَتَرِدُ كَانَ بِمَعْنَى " يَنْبَغِي " نَحْوَ: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} ، {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} .

وَبِمَعْنَى حَضَرَ أَوْ وَجَدَ، نَحْوَ:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} ، {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} ، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً} .

وَتَرِدُ لِلتَّأْكِيدِ وَهِيَ الزَّائِدَةُ، وَجُعِلَ مِنْهُ:{وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، أي بما يعملون.

كَأَنَّ

بِالتَّشْدِيدِ. حَرْفٌ لِلتَّشْبِيهِ الْمُؤَكِّدِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَأَنَّ الْمُؤَكِّدَةِ وَالْأَصْلُ فِي كَأَنَّ زَيْدًا أَسَدٌ " أَنَّ زَيْدًا كَأَسَدٍ " قُدِّمَ حَرْفُ التَّشْبِيهِ اهْتِمَامًا بِهِ فَفُتِحَتْ هَمْزَةُ أَنَّ لِدُخُولِ الْجَارِّ.

ص: 257

قَالَ حَازِمٌ: وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يَقْوَى الشَّبَهُ حَتَّى يَكَادَ الرَّائِي يَشُكُّ فِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ وَلِذَلِكَ قَالَتْ بلقيس: {كَأَنَّهُ هُوَ} .

قِيلَ: وَتَرِدُ لِلظَّنِّ وَالشَّكِّ فِيمَا إِذَا كَانَ خَبَرُهَا غَيْرَ جَامِدٍ.

وَقَدْ تُخَفَّفُ نَحْوَ: {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} .

كَأَيِّنْ

اسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَأَيٍّ الْمُنَوَّنَةِ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْعَدَدِ نَحْوَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} .

وَفِيهَا لُغَاتٌ مِنْهَا: كَائِنٌ، بِوَزْنِ بَائِعٍ، وَقَرَأَ بِهَا ابْنُ كَثِيرٍ حَيْثُ وَقَعَتْ وَكَأْيٍ بِوَزْنِ كَعْبٍ وقرئ بها {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ} وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ لَازِمَةُ الصَّدْرِ مُلَازِمَةٌ لِلْإِبْهَامِ مُفْتَقِرَةٌ لِلتَّمْيِيزِ وَتَمْيِيزُهَا مَجْرُورٌ بمن غَالِبًا وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: لَازِمًا.

كَذَا

لَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلْإِشَارَةِ نَحْوَ: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} .

ص: 258

كُلُّ

اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ الْمُنَكَّرِ الْمُضَافِ هُوَ إِلَيْهِ، نَحْوَ:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} .

وَالْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ، نَحْوَ:{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} ، {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ} وأجزاء المفرد المعرف نحو:{طْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ} بِإِضَافَةِ " قَلْبٍ " إِلَى " مُتَكَبِّرٍ " أَيْ عَلَى كُلِّ أَجْزَائِهِ وَقِرَاءَةُ التَّنْوِينِ لِعُمُومِ أَفْرَادِ الْقُلُوبِ.

وَتَرِدُ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ نَعْتًا لِنَكِرَةٍ أَوْ مَعْرِفَةٍ فَتَدُلُّ عَلَى كَمَالِهِ وَتَجِبُ إِضَافَتُهَا إِلَى اسْمٍ ظَاهِرٍ يُمَاثِلُهُ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوَ: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} أَيْ بَسْطًا كُلَّ الْبَسْطِ أَيْ تَامًّا، {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} .

ثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ تَوْكِيدًا لِمَعْرِفَةٍ فَفَائِدَتُهَا الْعُمُومُ وَتَجِبُ إِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرٍ رَاجِعٍ لِلْمُؤَكَّدِ نَحْوَ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ قَطْعَهَا حِينَئِذٍ عَنِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: "إِنَّا كُلاًّ فِيهَا ".

ثالثها: ألا تَكُونُ تَابِعَةً بَلْ تَالِيَةً لِلْعَوَامِلِ فَتَقَعُ مُضَافَةً إِلَى الظَّاهِرِ وَغَيْرَ

ص: 259

مُضَافَةٍ، نَحْوَ:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ، {وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} .

وَحَيْثُ أُضِيفَتْ إِلَى مُنَكَّرٍ وَجَبَ فِي ضَمِيرِهَا مُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا نَحْوَ: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} ، {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ} ، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ} .

أَوْ إِلَى مُعَرَّفٍ جَازَ مُرَاعَاةُ لَفْظِهَا فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّذْكِيرِ وَمُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} .

أَوْ قُطِعَتْ فَكَذَلِكَ، نَحْوَ:{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} ، {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} ، {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} ، {وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} .

وَحَيْثُ وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ بِأَنْ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهَا أَدَاتُهُ أَوِ الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ فَالنَّفْيُ مُوَجَّهٌ إِلَى الشُّمُولِ خَاصَّةً وَيُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ إِثْبَاتُ الْفِعْلِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ.

وَإِنْ وَقَعَ النَّفْيُ فِي خَبَرِهَا فَهُوَ مُوَجَّهٌ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيَانِيُّونَ.

وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} إِذْ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْحُبِّ لِمَنْ فِيهِ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ

ص: 260

وَأُجِيبُ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ إِنَّمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ وَهُوَ هُنَا مَوْجُودٌ إِذْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِيَالِ وَالْفَخْرِ مُطْلَقًا.

مَسْأَلَةٌ

تَتَّصِلُ " مَا " بِكُلٍّ، نَحْوَ:{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً} ، وَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ وَلَكِنَّهَا نَابَتْ بِصِلَتِهَا عَنْ ظَرْفِ زَمَانٍ كَمَا يَنُوبُ عَنْهُ الْمَصْدَرُ الصَّرِيحُ وَالْمَعْنَى: كُلَّ وَقْتٍ وَلِهَذَا تُسَمَّى " مَا " هَذِهِ الْمَصْدَرِيَّةَ الظَّرْفِيَّةَ أَيِ النَّائِبَةَ عَنِ الظَّرْفِ لَا أَنَّهَا ظَرْفٌ فِي نَفْسِهَا فَكُلٌّ مِنْ " كُلَّمَا " مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى شَيْءٍ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَنَاصِبُهُ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ جَوَابٌ فِي الْمَعْنَى: وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ أَنَّ " كُلَّمَا " لِلتَّكْرَارِ.

قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ مَا لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ مُرَادٌ بِهَا الْعُمُومُ وكل أكدته.

كِلَا وَكِلْتَا

اسْمَانِ مُفْرَدَانِ لَفْظًا مُثَنَّيَانِ مَعْنًى، مُضَافَانِ أَبَدًا لَفْظًا وَمَعْنًى إِلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مُعَرَّفَةٍ دَالَّةٍ عَلَى اثْنَيْنِ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَهُمَا فِي التَّثْنِيَةِ كَكُلٍّ فِي الْجَمْعِ، قَالَ تَعَالَى:{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ} ، {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا} .

كَلَّا

مُرَكَّبَةٌ عِنْدَ ثَعْلَبٍ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ ولا الثانية شُدِّدَتْ لَامُهَا لِتَقْوِيَةِ الْمَعْنَى وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ بَقَاءِ مَعْنَى الْكَلِمَتَيْنِ.

ص: 261

وَقَالَ غَيْرُهُ: بَسِيطَةٌ فَقَالَ سِيبَوَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ: حَرْفٌ مَعْنَاهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ لَا مَعْنَى لَهَا عِنْدَهُمْ إِلَّا ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُمْ يُجِيزُونَ أَبَدًا الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءَ بِمَا بَعْدَهَا وَحَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: مَتَى سَمِعْتَ كَلَّا فِي سُورَةٍ فَاحْكُمْ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَأَكْثَرُ مَا نُزِّلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُتُوِّ كَانَ بِهَا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ مَعْنَى الزَّجْرِ فِي نَحْوِ: {مَا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا} ، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَلَّا} ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ كَلَّا} ، وَقَوْلُهُمْ: انْتَهِ عَنْ تَرْكِ الْإِيمَانِ بِالتَّصْوِيرِ فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ اللَّهُ وَبِالْبَعْثِ وَعَنِ الْعَجَلَةِ بِالْقُرْآنِ تَعَسُّفٌ إِذْ لَمْ تَتَقَدَّمْ فِي الأولين حِكَايَةُ نَفْيِ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ وَلِطُولِ الْفَصْلِ فِي الثَّالِثَةِ بَيْنَ كَلَّا وَذِكْرِ الْعَجَلَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلْ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْعَلَقِ ثُمَّ نَزَلَ: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى} فَجَاءَتْ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ.

وَرَأَى آخَرُونَ أَنَّ مَعْنَى الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لَيْسَ مُسْتَمِرًّا فِيهَا فَزَادُوا مَعْنًى ثَانِيًا يَصِحُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوقَفَ دُونَهَا ويبتدأ بهاء.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: تَكُونُ بِمَعْنَى حَقًّا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: بِمَعْنَى أَلَا الِاسْتِفْتَاحِيَّةِ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: حَرْفُ جَوَابٍ بِمَنْزِلَةِ أَيْ وَنَعَمْ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ: {كَلَّا وَالْقَمَرِ} . وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَابْنُ سَعْدَانَ: بِمَعْنَى سَوْفَ وَحَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَذْكِرَتِهِ.

ص: 262

قَالَ مَكِّيٌّ: وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى حَقًّا فَهِيَ اسْمٌ وَقُرِئَ: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} بِالتَّنْوِينِ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ مَصْدَرُ كَلَّ إِذَا أَعْيَا أَيْ كَلُّوا فِي دَعْوَاهُمْ وَانْقَطَعُوا أَوْ مِنَ الْكَلِّ وَهُوَ الثِّقَلُ أَيْ حَمَلُوا كَلًّا.

وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَهُ حَرْفَ رَدْعٍ نُوِّنَ كَمَا فِي: {سَلاسِلا} .

وَرَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا صَحَّ في: {سَلاسِلا} لأن اسْمٌ أَصْلُهُ التَّنْوِينُ فَرَجَعَ بِهِ إِلَى أَصْلِهِ لِلتَّنَاسُبِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ التَّوْجِيهُ مُنْحَصِرًا عِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي ذَلِكَ بَلْ جَوَّزَ كَوْنَ التَّنْوِينِ بَدَلًا مِنْ حَرْفِ الْإِطْلَاقِ الْمَزِيدِ فِي رَأْسِ الْآيَةِ ثُمَّ أَنَّهُ وُصِلَ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ.

كَمْ

اسْمٌ مَبْنِيٌّ لَازِمُ الصَّدْرِ مُبْهَمٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّمْيِيزِ وَتَرِدُ اسْتِفْهَامِيَّةً - وَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ - وَخَبَرِيَّةً بِمَعْنَى كَثِيرٍ.

وَإِنَّمَا تَقَعُ غَالِبًا فِي مَقَامِ الِافْتِخَارِ وَالْمُبَاهَاةِ، نَحْوَ:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} ، {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} ، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} .

وَعَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّ أَصْلَهَا " كَمَا " فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِثْلَ بِمَ وَلِمَ وَحَكَاهُ الزَّجَّاجُ. وَرَدَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مَفْتُوحَةَ الْمِيمِ.

ص: 263

كَيْ

حَرْفٌ لَهُ مَعْنَيَانِ:

أَحَدُهُمَا: التَّعْلِيلُ نَحْوَ: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ} .

وَالثَّانِي: مَعْنَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ نَحْوَ: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} لِصِحَّةِ حُلُولِ أَنْ مَحَلَّهَا وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَرْفَ تَعْلِيلٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَرْفُ تَعْلِيلٍ.

كَيْفَ

اسْمٌ يَرِدُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

الشَّرْطُ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ:{يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} ، {يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} ، {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} .

وَجَوَابُهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا.

وَالِاسْتِفْهَامُ وَهُوَ الْغَالِبُ وَيُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ حَالِ الشَّيْءِ لَا عَنْ ذَاتِهِ.

قَالَ الرَّاغِبُ: وَإِنَّمَا يُسْأَلُ بِهَا عَمَّا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ شَبِيهٌ وَغَيْرُ شَبِيهٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي اللَّهِ: كَيْفَ. قَالَ: وَكُلَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِلَفْظِ " كَيْفَ " عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ اسْتِخْبَارٌ عَلَى طَرِيقِ التَّنْبِيهِ لِلْمُخَاطَبِ أَوِ التَّوْبِيخِ، نحو:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ} ، {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً} .

ص: 264

اللَّامُ

أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: جَارَّةٌ، وَنَاصِبَةٌ، وَجَازِمَةٌ، وَمُهْمَلَةٌ، غَيْرُ عَامِلَةٍ.

فَالْجَارَّةُ مَكْسُورَةٌ مَعَ الظَّاهِرِ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فَالضَّمَّةُ عَارِضَةٌ لِلْإِتْبَاعِ مفتوحة مع المضمر إِلَّا الْيَاءَ. وَلَهَا مَعَانٍ:

الِاسْتِحْقَاقُ: وَهِيَ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ مَعْنًى وَذَاتٍ، نَحْوَ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، {لِلَّهِ الأَمْرُ} ، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} ، {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} .

وَالِاخْتِصَاصُ: نَحْوَ: {إِنَّ لَهُ أَباً} ، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} .

وَالْمِلْكُ: نَحْوَ: {لَهُ ماَ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} .

وَالتَّعْلِيلُ: نَحْوَ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} ، أَيْ وَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْمَالِ لَبَخِيلٌ، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} الْآيَةُ، فِي قِرَاءَةِ حَمْزَةَ أَيْ لِأَجْلِ إِيتَائِي إِيَّاكُمْ بَعْضَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ثُمَّ لِمَجِيءِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:{مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} ، فما مَصْدَرِيَّةٌ وَاللَّامُ تَعْلِيلِيَّةٌ وَقَوْلُهُ:{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} وتعلقها بـ" يعبدوا ".

وقيل: بما قبلها أَيْ {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} وَرُجِّحَ بِأَنَّهُمَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ

ص: 265

وَمُوَافَقَةُ " إِلَى " نَحْوَ: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} ، {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} .

وَ" عَلَى " نَحْوَ: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} ، {دَعَانَا لِجَنْبِهِ} ، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ، {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} أَيْ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَ" فِي " نَحْوَ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ، {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} ، {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ، أَيْ فِي حَيَاتِي. وَقِيلَ: هِيَ فِيهَا لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ لِأَجْلِ حَيَاتِي فِي الْآخِرَةِ.

وَ" عِنْدَ " كَقِرَاءَةِ الْجَحْدَرِيِّ: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} .

وَ" بَعْدَ " نَحْوَ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} .

وَ" عَنْ " نَحْوَ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أَيْ عَنْهُمْ وَفِي حَقِّهِمْ لَا أَنَّهُمْ خَاطَبُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَّا لَقِيلَ: "مَا سَبَقْتُمُونَا ".

وَالتَّبْلِيغُ: وَهِيَ الْجَارَّةُ لِاسْمِ السَّامِعِ لِقَوْلٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْإِذْنِ.

وَالصَّيْرُورَةُ: وَتُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ، نَحْوَ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ

ص: 266

عَدُوّاً وَحَزَناً} ، فَهَذَا عَاقِبَةُ الْتِقَاطِهِمْ لَا عِلَّتُهُ إِذْ هِيَ التبني ومنع قول ذَلِكَ وَقَالُوا: هِيَ لِلتَّعْلِيلِ مَجَازًا لِأَنَّ كَوْنَهُ عَدُوًّا لَمَّا كَانَ نَاشِئًا عَنِ الِالْتِقَاطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضًا لَهُمْ - نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْغَرَضِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ.

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ حَقِيقَةً وَأَنَّهُمُ الْتَقَطُوهُ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: "لِمَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أَيْ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا انْتَهَى.

وَالتَّأْكِيدُ: وَهِيَ الزَّائِدَةُ أَوِ الْمُقَوِّيَةُ لِلْعَامِلِ الضَّعِيفِ لِفَرْعِيَّةٍ أَوْ تَأْخِيرٍ نحو: {رَدِفَ لَكُمْ} ، {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} ، {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} ، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} ، {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} .

وَالتَّبْيِينُ لِلْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ، نَحْوَ:{فَتَعْساً لَهُمْ} ، {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} ، {هَيْتَ لَكَ} .

وَالنَّاصِبَةُ هِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ، وَادَّعَى الكوفيون نصبها وَقَالَ غَيْرُهُمْ بِأَنْ مَقْدَّرَةٍ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِاللَّامِ.

وَالْجَازِمَةُ وَهِيَ لَامُ الطَّلَبِ وَحَرَكَتُهَا الْكَسْرُ وَسُلَيْمٌ تَفْتَحُهَا وَإِسْكَانُهَا بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ أَكْثَرُ مِنْ تَحْرِيكِهَا، نَحْوَ:{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} .

ص: 267

وَقَدْ تُسَكَّنُ بَعْدَ ثُمَّ نَحْوَ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا} ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَبُ أَمْرًا نَحْوَ:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} أَوْ دُعَاءً نَحْوَ: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} .

وَكَذَا لَوْ خَرَجَتْ إِلَى الْخَبَرِ نَحْوَ: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ} ، {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} .

أَوِ التَّهْدِيدِ نَحْوَ: {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} .

وَجَزْمُهَا فِعْلَ الْغَائِبِ كَثِيرٌ، نَحْوَ:{فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} وَفِعْلَ الْمُخَاطَبِ قَلِيلٌ وَمِنْهُ: {فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا} فِي قِرَاءَةِ التَّاءِ وَفِعْلَ الْمُتَكَلِّمِ أَقَلُّ وَمِنْهُ: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ: أَرْبَعٌ:

لَامُ الِابْتِدَاءِ وَفَائِدَتُهَا أَمْرَانِ تَوْكِيدُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا زَحْلَقُوهَا فِي بَابِ إِنَّ عَنْ صَدْرِ الْجُمْلَةِ كَرَاهَةَ تَوَالِي مُؤَكِّدَيْنِ وَتَخْلِيصَ الْمُضَارِعِ لِلْحَالِ وَتَدْخُلُ فِي الْمُبْتَدَإِ نَحْوَ: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} .

وَفِي خَبَرِ إِنَّ نَحْوَ: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} ، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وَاسْمِهَا الْمُؤَخَّرِ نَحْوَ:{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالأُولَى}

ص: 268

وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ فِي خَبَرِ " أَنَّ " الْمَفْتُوحَةِ كَقِرَاءَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} والمفعول كَقَوْلِهِ: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} وَلَامُ الْجَوَابِ لِلْقَسَمِ أَوْ " لَوْ " أَوْ " لَوْلَا " نَحْوَ: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ} ، {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} ، {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا} ، {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} وَاللَّامُ الْمُوَطِّئَةُ وَتُسَمَّى الْمُؤْذِنَةُ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَدَاةِ شَرْطٍ لِلْإِيذَانِ بأن الجواب بعدها مَبْنِيٌّ عَلَى قَسَمٍ مُقَدَّرٍ نَحْوَ:{لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ} وَخُرِّجَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} .

لَا

عَلَى أَوْجُهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَهِيَ أَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَ " إِنَّ " وذلك إذا أريد بها نفس الْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيصِ وَتُسَمَّى حِينَئِذٍ تَبْرِئَةً وَإِنَّمَا يَظْهَرُ نَصْبُهَا إِذَا كَانَ اسْمُهَا مُضَافًا أَوْ شِبْهَهُ وَإِلَّا فَيُرَكَّبُ مَعَهَا نَحْوَ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، {لا رَيْبَ فِيهِ} .

ص: 269

فَإِنْ تَكَرَّرَتْ جَازَ التَّرْكِيبُ وَالرَّفْعُ نَحْوَ: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ ولا جدال} {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} .

ثَانِيهَا: أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَ لَيْسَ نَحْوَ: {وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} .

ثَالِثُهَا وَرَابِعُهَا: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً أَوْ جَوَابِيَّةً وَلَمْ يَقَعَا فِي الْقُرْآنِ.

خَامِسُهَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا جُمْلَةً اسْمِيَّةً صَدْرُهَا مَعْرِفَةٌ أَوْ نَكِرَةٌ وَلَمْ تَعْمَلْ فِيهَا أَوْ فِعْلًا مَاضِيًا لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا وَجَبَ تَكْرَارُهَا نَحْوَ: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} .

أَوْ مُضَارِعًا لَمْ يَجِبْ نَحْوَ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ} {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} وَتَعْتَرِضُ لَا هَذِهِ بَيْنَ النَّاصِبِ وَالْمَنْصُوبِ نَحْوَ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ} وَالْجَازِمِ وَالْمَجْزُومِ نَحْوَ: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} .

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِطَلَبِ التَّرْكِ فَتَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَتَقْتَضِي جَزْمَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ سَوَاءٌ كَانَ نَهْيًا نَحْوَ: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} ،

ص: 270

{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ} {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إ} أَوْ دُعَاءً نَحْوَ: {لَا تُؤَاخِذْنَا} .

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: التَّأْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ نَحْوَ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ} {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أَيْ لِيَعْلَمُوا. قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَا هُنَا مُؤَكِّدَةٌ قَائِمَةٌ مَقَامَ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ:{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَفَائِدَتُهَا مَعَ التَّوْكِيدِ التَّمْهِيدُ لِنَفْيِ الْجَوَابِ وَالتَّقْدِيرُ: "لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُتْرَكُونَ سُدًى " وَمِثْلُهُ: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ لَأُقْسِمُ وَقِيلَ: نَافِيَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ فَقِيلَ: لَهُمْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ الْقَسَمُ قَالُوا: وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِهَذَا يُذْكَرُ الشَّيْءُ فِي سُورَةٍ وَجَوَابُهُ فِي سورة نحو: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} ، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} .

وقيل: منفيتها أُقْسِمُ عَلَى أَنَّهُ إِخْبَارٌ لَا إِنْشَاءٌ وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: وَالْمَعْنَى نَفْيُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ بِالشَّيْءِ إِلَّا إِعْظَامًا لَهُ بِدَلِيلِ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ

ص: 271

النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ إِعْظَامَهُ بِالْإِقْسَامِ بِهِ كَلَا إِعْظَامٍ أَيْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إِعْظَامًا فَوْقَ ذَلِكَ.

وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا} فَقِيلَ: لَا نَافِيَةٌ وَقِيلَ: نَاهِيَةٌ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} فَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَقِيلَ: نَافِيَةٌ وَالْمَعْنَى يَمْتَنِعُ عَدَمُ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْآخِرَةِ.

تَنْبِيهٌ

تَرِدُ " لَا " اسْمًا بِمَعْنَى غَيْرٍ فَيَظْهَرُ إِعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا نَحْوَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ، {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} ، {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} .

فَائِدَةٌ

قَدْ تُحْذَفُ أَلِفُهَا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ ابْنُ جِنِّي: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} .

لَاتَ

اخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ قَوْمٌ: فِعْلٌ مَاضٍ بِمَعْنَى نَقْصٍ. وَقِيلَ: أَصْلُهَا لَيْسَ تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ فَقُلِبَتْ أَلِفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا وَأُبْدِلَتِ السِّينُ تَاءً وَقِيلَ هِيَ كَلِمَتَانِ لَا النَّافِيَةُ زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ لِتَأْنِيثِ الْكَلِمَةِ وَحُرِّكَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ،

ص: 272

وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: هِيَ لَا النَّافِيَةُ وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ فِي أَوَّلِ الْحِينِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَنَّهُ وَجَدَهَا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ مُخْتَلِطَةً بِحِينٍ فِي الْخَطِّ.

وَاخْتُلِفَ فِي عَمَلِهَا، فَقَالَ الْأَخْفَشُ: لَا تَعْمَلُ شَيْئًا فَإِنْ تَلَاهَا مَرْفُوعٌ فَمُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَوْ مَنْصُوبٌ فَبِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} بِالرَّفْعِ أَيْ كَائِنٌ لَهُمْ وَبِالنَّصْبِ أَيْ لَا أَرَى حِينَ مَنَاصٍ. وَقِيلَ: تَعْمَلُ عَمَلَ إِنَّ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ لَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا إِلَّا أَحَدُ الْمَعْمُولَيْنِ وَلَا تَعْمَلُ إِلَّا فِي لَفْظِ الْحِينِ قِيلَ: أَوْ مَا رَادَفَهُ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ حَرْفَ جَرٍّ لِأَسْمَاءِ الزَّمَانِ خَاصَّةً وَخَرَّجَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: {وَلاتَ حِينِ} بِالْجَرِّ.

لَا جَرَمَ

وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ مَتْلُوَّةٍ بِأَنْ وَاسْمِهَا، وَلَمْ يجيء بَعْدَهَا فِعْلٌ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ: لَا نَافِيَةٌ لما تقدم وجرم فعل معناه حق وأن مَعَ مَا فِي حَيِّزِهِ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ.

وَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَجَرَمَ مَعْنَاهُ كَسَبَ أَيْ كَسَبَ لَهُمْ عَمَلُهُمُ النَّدَامَةَ وَمَا فِي حَيِّزِهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.

ص: 273

وَقِيلَ: هُمَا كَلِمَتَانِ رُكِّبَتَا وَصَارَ مَعْنَاهُمَا حَقًّا.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا لَا بُدَّ وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ.

لَكِنَّ

مُشَدَّدَةُ النُّونِ: حَرْفٌ يَنْصِبُ الِاسْمَ وَيَرْفَعُ الْخَبَرَ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِدْرَاكُ وَفُسِّرَ بِأَنْ تَنْسُبَ لِمَا بَعْدَهَا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ مَا قَبْلَهَا وَلِذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا كَلَامٌ مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهَا أَوْ مُنَاقِضٌ لَهُ، نَحْوَ:{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} .

وَقَدْ تَرِدُ لِلتَّوْكِيدِ مُجَرَّدًا عَنِ الِاسْتِدْرَاكِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ، وَفُسِّرَ الِاسْتِدْرَاكُ بِرَفْعِ مَا تُوُهِّمَ ثُبُوتُهُ نَحْوَ مَا زَيْدٌ شُجَاعًا لَكِنَّهُ كَرِيمٌ لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْكَرَمَ لَا يَكَادَانِ يَفْتَرِقَانِ فَنَفْيُ أَحَدِهِمَا يُوهِمُ نَفْيَ الْآخَرِ.

وَمِثْلُ التَّوْكِيدِ بِنَحْوِ: لَوْ جَاءَنِي أَكْرَمْتُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يجيء فَأَكَّدَتْ مَا أَفَادَتْهُ " لَوْ " مِنَ الِامْتِنَاعِ.

وَاخْتَارَ ابْنُ عُصْفُورٍ أَنَّهَا لَهُمَا مَعًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَمَا أن كأن للتشبيه لمؤكد وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ " لَكِنْ أَنَّ " فَطُرِحَتِ الْهَمْزَةُ لِلتَّخْفِيفِ وَنُوِّنَ " لَكِنْ " لِلسَّاكِنَيْنِ.

ص: 274

لَكِنْ

مُخَفَّفَةٌ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَهِيَ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ لَا يَعْمَلُ بَلْ لِمُجَرَّدِ إِفَادَةِ الِاسْتِدْرَاكِ وَلَيْسَتْ عَاطِفَةً لِاقْتِرَانِهَا بِالْعَاطِفِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} .

وَالثَّانِي: عَاطِفَةٌ إِذَا تَلَاهَا مُفْرَدٌ وَهِيَ أَيْضًا لِلِاسْتِدْرَاكِ نَحْوَ: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} ، {لَكِنِ الرَّسُولُ} ، {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} .

لَدَى وَلَدُنْ

تَقَدَّمَتَا فِي عِنْدَ.

لَعَلَّ

حَرْفٌ يَنْصِبُ الِاسْمَ وَيَرْفَعُ الْخَبَرَ وَلَهُ مَعَانٍ:

أَشْهَرُهَا: التَّوَقُّعُ وَهُوَ التَّرَجِّي فِي الْمَحْبُوبِ، نَحْوَ:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

وَالْإِشْفَاقُ فِي الْمَكْرُوهِ، نَحْوَ:{لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} ، وَذَكَرَ التَّنُوخِيُّ أَنَّهَا تُفِيدُ تَأْكِيدَ ذَلِكَ.

الثَّانِي: التَّعْلِيلُ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .

ص: 275

الثَّالِثُ: الِاسْتِفْهَامُ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} ، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} ، وَلِذَا عَلَّقَ " تَدْرِي ".

قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَحَكَى الْبَغَوَيُّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " لَعَلَّ " فَإِنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ إِلَّا قَوْلَهُ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} فَإِنَّهَا لِلتَّشْبِيهِ، قَالَ: وَكَوْنُهَا لِلتَّشْبِيهِ غَرِيبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ النُّحَاةُ، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ:{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أَنَّ لَعَلَّ لِلتَّشْبِيهِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِلرَّجَاءِ الْمَحْضِ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ. انْتَهَى.

قُلْتُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: "لَعَلَّكُمْ " فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى " كَيْ " غَيْرَ آيَةٍ فِي الشُّعَرَاءِ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} يَعْنِي كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ.

وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: {وتَتَخِّذُونَ مَصَانِعَ كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ} .

لَمْ

حَرْفُ جَزْمٍ لِنَفْيِ الْمُضَارِعِ وَقَلْبِهِ مَاضِيًا نَحْوَ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وَالنَّصْبُ بِهَا لُغَةٌ حَكَاهَا اللِّحْيَانِيُّ وَخَرَّجَ عَلَيْهَا قِرَاءَةَ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} .

ص: 276

لَمَّا

عَلَى أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ جَزْمٍ فَتَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَتَنْفِيهِ وَتَقْلِبُهُ مَاضِيًا كَـ" لَمْ " لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ مِنْ أَوْجُهٍ أَنَّهَا لَا تَقْتَرِنُ بِأَدَاةِ شَرْطٍ وَنَفْيُهَا مُسْتَمِرٌّ إِلَى الْحَالِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ وَمُتَوَقَّعٌ ثُبُوتُهُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ في: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} الْمَعْنَى لَمْ يَذُوقُوهُ وَذَوْقُهُ لَهُمْ مُتَوَقَّعٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} : مَا فِي لَمَّا مِنْ مَعْنَى التَّوَقُّعِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ آمَنُوا فِيمَا بَعْدُ وَأَنَّ نَفْيَهَا آكَدُ مِنْ نَفْيِ لَمْ فَهِيَ لِنَفْيِ قَدْ فَعَلَ وَلَمْ لِنَفْيِ فَعَلَ وَلِهَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ تَبَعًا لِابْنِ جِنِّي: إنها مركبة من لم وما وَإِنَّهُمْ لَمَّا زَادُوا فِي الْإِثْبَاتِ " قَدْ " زَادُوا فِي النَّفْيِ " مَا " وَأَنَّ مَنْفِيَ " لَمَّا " جَائِزُ الْحَذْفِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ " لَمْ " وَهِيَ أَحْسَنُ مَا يُخَرَّجُ عَلَيْهِ: {وَإِنَّ كُلّاً لَمَّا} أَيْ لَمَّا يُهْمَلُوا أَوْ يُتْرَكُوا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا أَعْرِفُ وَجْهًا فِي الْآيَةِ أَشْبَهَ مِنْ هَذَا وَإِنْ كَانَتِ النُّفُوسُ تَسْتَبْعِدُهُ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَمْ يَقَعْ فِي التَّنْزِيلِ، قَالَ: وَالْحَقُّ أَلَّا يُسْتَبْعَدَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أن يقدر " لما يوفوا أعمالها "، أَيْ إِنَّهُمْ إِلَى الْآنِ لَمْ يُوَفَّوْهَا وَسَيُوَفَّوْنَهَا.

الثَّانِي: أَنْ تَدْخُلَ على الماضي فتقضي جُمْلَتَيْنِ وُجِدَتِ الثَّانِيَةُ عِنْدَ وُجُودِ الْأُولَى نَحْوَ: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} وَيُقَالُ: فِيهَا حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا حِينَئِذٍ ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينٍ.

وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: بِمَعْنَى إِذْ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمَاضِي وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى الْجُمْلَةِ.

ص: 277

وَجَوَابُ هَذِهِ يَكُونُ مَاضِيًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَجُمْلَةً اسْمِيَّةً بِالْفَاءِ أَوْ بِإِذَا الْفُجَائِيَّةِ، نَحْوَ:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} .

وَجَوَّزَ ابْنُ عُصْفُورٍ كَوْنَهُ مُضَارِعًا نَحْوَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} وَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ بِـ"جَادَلَنَا".

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ اسْتِثْنَاءٍ فَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْمَاضِيَّةِ نَحْوَ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} بِالتَّشْدِيدِ أَيْ "إِلَّا"{وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .

لَنْ

حَرْفُ نَفْيٍ وَنَصْبٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَالنَّفْيُ بِهَا أَبْلَغُ مِنَ النَّفْيِ بِلَا فَهِيَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ الْخَبَّازِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ مَنَعَهُ مُكَابَرَةً فَهِيَ لِنَفْيِ إِنِّي أفعل ولا لِنَفْيِ أَفْعَلُ كَمَا فِي " لَمْ "" ولما ".

قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَرَبُ تَنْفِي الْمَظْنُونَ بِلَنْ وَالْمَشْكُوكَ بِلَا ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي التِّبْيَانِ.

وَادَّعَى الزَّمَخْشَرِيُّ أيضا أنها لتأييد النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً} {وَلَنْ تَفْعَلُوا} .

ص: 278

وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُهُ فِي {لَنْ تَرَانِي} ، أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى.

وَرَدَّ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّأْبِيدِ لَمْ يُقَيَّدْ مَنْفِيُّهَا بِالْيَوْمِ فِي {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} ، وَلَمْ يَصِحَّ التَّوْقِيتُ فِي {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} وَلَكَانَ ذِكْرُ " الْأَبَدِ " فِي {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} تَكْرَارًا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَاسْتِفَادَةُ التَّأْبِيدِ فِي {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً} وَنَحْوِهِ مِنْ خَارِجٍ.

وَوَافَقَهُ عَلَى إِفَادَةِ التَّأْبِيدِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {لَنْ تَرَانِي} لَوْ بَقِينَا عَلَى هَذَا النَّفْيِ لَتَضَمَّنَ أَنَّ مُوسَى لَا يَرَاهُ أَبَدًا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لَكِنْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَهُ.

وَعَكَسَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ مَقَالَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ فَقَالَ: إِنَّ لَنْ لِنَفْيِ مَا قَرُبَ وَعَدَمِ امْتِدَادِ النَّفْيِ وَلَا يَمْتَدُّ مَعْنَى النَّفْيِ، قَالَ: وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الألفاظ مشاكلة للمعاني ولا آخِرُهَا الْأَلِفُ وَالْأَلِفُ يُمْكِنُ امْتِدَادُ الصَّوْتِ بِهَا بِخِلَافِ النُّونِ فَطَابَقَ كُلُّ لَفْظٍ مَعْنَاهُ. قَالَ: وَلِذَلِكَ أَتَى بِـ"لَنْ" حَيْثُ لَمْ يَرِدْ بِهِ النَّفْيُ مُطْلَقًا بَلْ فِي الدُّنْيَا حَيْثُ قَالَ: {لَنْ تَرَانِي} وَبِـ" لَا " فِي قَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} حَيْثُ أُرِيدَ نَفْيُ الْإِدْرَاكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِلرُّؤْيَةِ انْتَهَى.

ص: 279

قِيلَ: وَتَرِدُ لَنْ لِلدُّعَاءِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ} الآية.

لَوْ

حَرْفُ شَرْطٍ فِي الْمُضِيِّ يُصْرَفُ الْمُضَارِعُ إِلَيْهِ بِعَكْسِ إِنْ الشَّرْطِيَّةِ، وَاخْتُلِفَ فِي إِفَادَتِهَا الِامْتِنَاعَ وَكَيْفِيَّةِ إِفَادَتِهَا إِيَّاهُ عَلَى أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَا تُفِيدُهُ بِوَجْهٍ وَلَا تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّرْطِ وَلَا امْتِنَاعِ الْجَوَابِ بَلْ هِيَ لِمُجَرَّدِ رَبْطِ الْجَوَابِ بِالشَّرْطِ دَالَّةٌ عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي كَمَا دَلَّتْ " إِنْ " عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَمْ تَدُلَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعٍ وَلَا ثُبُوتٍ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ كَإِنْكَارِ الضَّرُورِيَّاتِ إِذْ فَهْمُ الِامْتِنَاعِ مِنْهَا كَالْبَدِيهِيِّ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ لَوْ فَعَلَ فَهِمَ عَدَمَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَلِهَذَا جَازَ اسْتِدْرَاكُهُ فَتَقُولُ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَجِئْ.

الثَّانِي: وَهُوَ لِسِيبَوَيْهِ: قَالَ: إِنَّهَا حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ، أَيْ أَنَّهَا تَقْتَضِي فِعْلًا مَاضِيًا كَانَ يُتَوَقَّعُ ثُبُوتُهُ لِثُبُوتِ غَيْرِهِ وَالْمُتَوَقَّعُ غَيْرُ وَاقِعٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: حَرْفٌ يَقْتَضِي فِعْلًا امْتَنَعَ لِامْتِنَاعِ مَا كَانَ يَثْبُتُ لِثُبُوتِهِ.

الثَّالِثُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النُّحَاةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُعْرِبُونَ: أَنَّهَا حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ أَيْ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ فَقَوْلُكَ: لَوْ جِئْتَ لَأَكْرَمْتُكَ دَالٌّ عَلَى امْتِنَاعِ الْإِكْرَامِ لِامْتِنَاعِ الْمَجِيءِ وَاعْتُرِضَ

ص: 280

بِعَدَمِ امْتِنَاعِ الْجَوَابِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} ، {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا} فَإِنَّ عَدَمَ النَّفَادِ عِنْدَ فَقْدِ مَا ذُكِرَ وَالتَّوَلِّي عِنْدَ عَدَمِ الْإِسْمَاعِ أَوْلَى.

وَالرَّابِعُ: وَهُوَ لِابْنِ مَالِكٍ: أَنَّهَا حَرْفٌ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ مَا يَلِيهِ وَاسْتِلْزَامَهُ لِتَالِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْيِ التَّالِي قَالَ: فَقِيَامُ زِيدٍ مِنْ قَوْلِكَ: لَوْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو مَحْكُومٌ بِانْتِفَائِهِ وَبِكَوْنِهِ مُسْتَلْزِمًا ثُبُوتُهُ لِثُبُوتِ قِيَامٍ مِنْ عَمْرٍو وَهَلْ وَقَعَ لِعَمْرٍو قِيَامٌ آخَرُ غَيْرُ اللَّازِمِ عَنْ قِيَامِ زَيْدٍ أَوْ لَيْسَ لَهُ؟ لَا تَعَرُّضَ لِذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ أَجْوَدُ الْعِبَارَاتِ.

فَائِدَةٌ

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " لَوْ " فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَبَدًا.

فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ

تَخْتَصُّ لَوِ الْمَذْكُورَةُ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا نَحْوُ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} فَعَلَى تَقْدِيرِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَإِذَا وَقَعَتْ أَنَّ بَعْدَهَا وَجَبَ كَوْنُ خَبَرِهَا فِعْلًا لِيَكُونَ عِوَضًا عَنِ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ وَرَدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِآيَةِ ولو أن ما في الأرض وَقَالَ إِنَّمَا ذَاكَ إِذَا كَانَ مُشْتَقًّا لَا جَامِدًا وَرَدَّهُ ابْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ:

ص: 281

لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الْفَلَاحِ

أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ وُجِدَتْ آيَةٌ فِي التَّنْزِيلِ وَقَعَ فِيهَا الْخَبَرُ اسْمًا مُشْتَقًّا وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ كَمَا لَمْ يَتَنَبَّهْ لِآيَةِ لُقْمَانَ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِلَّا لَمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا ابْنُ مَالِكٍ وَإِلَّا لَمَا اسْتَدَلَّ بِالشِّعْرِ وَهِيَ قَوْلُهُ: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} وَوُجِدَتْ آيَةُ الْخَبَرِ فِيهَا ظَرْفٌ: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الأَوَّلِينَ} .

وَرَدَّ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ وَابْنُ الدَّمَامِينِيِّ: بِأَنَّ لَوْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِلتَّمَنِّي وَالْكَلَامُ فِي الْامْتِنَاعِيَّةِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَقَالَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ سَبَقَهُ إِلَيْهَا السِّيرَافِيُّ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ وَمَا اسْتُدْرِكَ بِهِ مَنْقُولٌ قَدِيمًا فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ لِابْنِ الْخَبَّازِ لَكِنْ فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهِ فَقَالَ فِي بَابِ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا: قَالَ السِّيرَافِيُّ: لَوْ أَنَّ زَيْدًا أَقَامَ لَأَكْرَمْتُهُ لَا يَجُوزُ لَوْ أَنَّ زَيْدًا حَاضِرًا لَأَكْرَمْتُهُ لِأَنَّكَ لَمْ تَلْفَظْ بِفِعْلٍ يَسُدُّ مَسَدَّ ذَلِكَ الْفِعْلِ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} فَأُوقِعَ خَبَرُهَا صِفَةً وَلَهُمْ أَنَّ يُفَرِّقُوا بِأَنَّ هَذِهِ لِلتَّمَنِّي فَأُجْرِيَتْ مجرى ليت كما نقول لَيْتَهُمْ بَادُونَ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَجَوَابُ " لَوْ " إِمَّا مُضَارِعٌ مَنْفِيٌّ بِـ" لَمْ " أَوْ مَاضٍ مُثْبَتٌ أَوْ مَنْفِيٌّ بِـ" مَا " وَالْغَالِبُ عَلَى الْمُثْبَتِ دُخُولُ اللَّامِ عَلَيْهِ نَحْوَ: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} وَمِنْ تَجَرُّدِهِ، {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} وَالْغَالِبُ عَلَى الْمَنْفِيِّ تَجَرُّدُهُ، نَحْوَ:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} .

ص: 282

فائدة ثانية

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ: لَوْ جَاءَنِي زِيدٌ لَكَسَوْتُهُ وَلَوْ زَيْدٌ جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ وَلَوْ أَنَّ زَيْدًا جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْأَوَّلِ مُجَرَّدُ رَبْطِ الْفِعْلَيْنِ وَتَعْلِيقُ أَحَدِهِمَا بِصَاحِبِهِ لَا غَيْرَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى التَّعَلُّقِ السَّاذَجِ وَفِي الثَّانِي انْضَمَّ إِلَى التَّعْلِيقِ أَحَدُ مَعْنَيَيْنِ إِمَّا نَفْيُ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ وَأَنَّ الْمَذْكُورَ مَكْسُوٌّ لَا مَحَالَةَ وَإِمَّا بَيَانُ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَتُخَرَّجَ عَلَيْهِ آيَةُ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} وَفِي الثَّالِثِ مَعَ مَا فِي الثَّانِي زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ الَّذِي تُعْطِيهِ " أَنَّ " وَإِشْعَارٌ بِأَنَّ زَيْدًا كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَجِيءَ وَأَنَّهُ بِتَرْكِهِ الْمَجِيءَ قَدْ أَغْفَلَ حَظَّهُ وَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} وَنَحْوُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَخَرِّجْ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ.

تَنْبِيهٌ

تَرِدُ " لَوْ " شَرْطِيَّةً فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا " إِنْ " نَحْوَ: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ، {لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} وَمَصْدَرِيَّةً وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا أَنْ الْمَفْتُوحَةُ وَأَكْثَرُ وُقُوعِهَا بَعْدَ وَدَّ وَنَحْوِهِ نَحْوَ:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} ، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} ، {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي} أَيِ الرَّدُّ وَالتَّعْمِيرُ وَالِافْتِدَاءُ.

ص: 283

وَلِلتَّمَنِّي وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا لَيْتَ نَحْوَ: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} وَلِهَذَا نُصِبَ الْفِعْلُ فِي جَوَابِهَا.

وللتعليل، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ:{وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} .

لَوْلَا

عَلَى أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ فَتَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَيَكُونُ جَوَابُهَا فِعْلًا مَقْرُونًا بِاللَّامِ إِنْ كَانَ مُثْبَتًا نَحْوَ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ} وَمُجَرَّدًا مِنْهَا إِنْ كَانَ مَنْفِيًّا نَحْوَ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} وَإِنْ وَلِيَهَا ضَمِيرٌ فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ رَفْعٍ نَحْوَ: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} .

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى هَلَّا فَهِيَ لِلتَّحْضِيضِ وَالْعَرْضِ فِي الْمُضَارِعِ أَوْ مَا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} ، {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} وَلِلتَّوْبِيخِ وَالتَّنْدِيمِ فِي الْمُضَارِعِ نَحْوَ:{لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ، {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} ، {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} ،

ص: 284

{فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} ، {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

الثالث: أن تكون للاستفهام ذكر الْهَرَوِيُّ وَجَعَلَ مِنْهُ: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي} ، {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِيهِمَا بِمَعْنَى " هَلَّا ".

الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ لِلنَّفْيِ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ أَيْضًا وَجَعَلَ مِنْهُ: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} أَيْ فَمَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ أَيْ أَهْلُهَا عِنْدَ مَجِيءِ الْعَذَابِ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا وَالْجُمْهُورُ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ التَّوْبِيخُ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَذَابِ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ " فَهَلَّا " وَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُنْقَطِعٌ.

فَائِدَةٌ

نُقِلَ عَنِ الْخَلِيلِ: أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " لَوْلَا " فَهِيَ بِمَعْنَى " هَلَّا " إِلَّا {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَكَذَا قَوْلُهُ: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} لَوْلَا فِيهِ امْتِنَاعِيَّةٌ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ لَهُمْ بِهَا أَوْ لِوَاقِعِهَا.

وَقَوْلُهُ: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} وَقَوْلُهُ: {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} أَيْ لَأَبْدَتْ بِهِ فِي آيَاتٍ أُخَرَ.

ص: 285

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَنْبَأَنَا مُوسَى الْخَطْمِيُّ أَنْبَأَنَا هَارُونُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ " فَلَوْلَا " فَهُوَ " فَهَلَّا " إِلَّا حَرْفَيْنِ: فِي يُونُسَ:

{فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} ، يَقُولُ: فَمَا كَانَتْ قَرْيَةٌ وَقَوْلِهِ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مُرَادُ الْخَلِيلِ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ " لَوْلَا " الْمُقْتَرِنَةُ بِالْفَاءِ.

لَوْمَا

بِمَنْزِلَةِ " لَوْلَا " قَالَ تَعَالَى: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ} وَقَالَ الْمَالِقِيُّ: لَمْ تَرِدْ إِلَّا لِلتَّحْضِيضِ.

لَيْتَ

حَرْفٌ يَنْصِبُ الِاسْمَ وَيَرْفَعُ الْخَبَرَ وَمَعْنَاهُ التَّمَنِّي وَقَالَ التَّنُوخِيُّ: إِنَّهَا تُفِيدُ تَأْكِيدَهُ.

لَيْسَ

فِعْلٌ جَامِدٌ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى قَوْمٌ حَرْفِيَّتَهُ وَمَعْنَاهُ نَفْيُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ فِي الْحَالِ وَنَفْيُ غَيْرِهِ بِالْقَرِينَةِ.

وَقِيلَ: هِيَ لِنَفْيِ الْحَالِ وَغَيْرِهِ وَقَوَّاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:

ص: 286

{أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} فَإِنَّهُ نَفْيٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ.

قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَتَرِدُ لِلنَّفْيِ الْعَامِّ الْمُسْتَغْرَقِ المراد به الجنس كلا التَّبْرِئَةِ وَهُوَ مِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} .

مَا

اسْمِيَّةٌ وَحَرْفِيَّةٌ:

فَالِاسْمِيَّةُ تَرِدُ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي نَحْوَ: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} وَيَسْتَوِي فِيهَا الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْمُفْرَدُ وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْعُ وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا لَا يُعْلَمُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعَالِمِ نَحْوَ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أَيِ اللَّهُ وَيَجُوزُ فِي ضَمِيرِهَا مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ} وَهَذِهِ مُعَرَّفَةٌ بِخِلَافِ الْبَاقِي.

وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ بِمَعْنَى أَيِّ شَيْءٍ وَيُسْأَلُ بِهَا عَنْ أَعْيَانِ مَا لَا يُعْقَلُ وَأَجْنَاسِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَجْنَاسِ الْعُقَلَاءِ وَأَنْوَاعِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ نحو: {مَا هِيَ} {مَا لَوْنُهَا} {مَا وَلَّاهُمْ} {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} {وَمَا الرَّحْمَنُ}

ص: 287

وَلَا يُسْأَلُ بِهَا عَنْ أَعْيَانِ أُولِي الْعِلْمِ خِلَافًا لِمَنْ أَجَازَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ فِرْعَوْنَ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} فإن قَالَهُ جَهْلًا وَلِهَذَا أَجَابَهُ مُوسَى بِالصِّفَاتِ.

وَيَجِبُ حَذْفُ أَلِفِهَا إِذَا جُرَّتْ وَإِبْقَاءُ الْفَتْحَةِ دَلِيلًا عَلَيْهَا فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْصُولَةِ نَحْوَ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} .

وَشُرْطِيَّةٌ نَحْوَ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ} {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} وَهَذِهِ مَنْصُوبَةٌ بِالْفِعْلِ بَعْدَهَا.

تَعَجُّبِيَّةٌ نَحْوَ: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي قِرَاءَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {مَا أَغَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} وَمَحَلُّهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهَا خَبَرٌ وَهِيَ نَكِرَةٌ تَامَّةٌ.

وَنَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ نَحْوَ: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ} أَيْ نِعْمَ شَيْئًا يَعِظُكُمْ بِهِ.

وَغَيْرُ مَوْصُوفَةٍ نَحْوَ: {فَنِعِمَّا هِيَ} أَيْ نِعْمَ شَيْئًا هِيَ.

وَالْحَرْفِيَّةُ تَرِدُ مَصْدَرِيَّةً إِمَّا زَمَانِيَّةٌ نَحْوَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ،

ص: 288

أَيْ مُدَّةَ اسْتِطَاعَتِكُمْ أَوْ غَيْرُ زَمَانِيَّةٍ نَحْوَ: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ} أَيْ بِنِسْيَانِكُمْ.

وَنَافِيَةٌ إِمَّا عَامِلَةٌ عَمَلَ لَيْسَ نَحْوَ: {مَا هَذَا بَشَراً} {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وَلَا رَابِعَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ.

أَوْ غَيْرُ عَامِلَةٍ نَحْوَ: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} .

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهِيَ لِنَفْيِ الْحَالِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ أَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا فِي النَّفْيِ جَوَابًا لِقَدْ فِي الْإِثْبَاتِ فَكَمَا أَنَّ " قَدْ " فِيهَا مَعْنَى التَّأْكِيدِ فَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ جَوَابًا لَهَا.

وَزَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ إِمَّا كَافَّةٌ نَحْوَ: {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ} {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} .

أَوْ غَيْرُ كَافَّةٍ نَحْوَ: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} {أَيّاً مَا تَدْعُوا} {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} {فَبِمَا رَحْمَةٍ} {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} {مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} .

ص: 289

قَالَ الْفَارِسِيُّ: جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الشَّرْطِ بَعْدَ " إِمَّا " مؤكد بالنون لمشابهة فِعْلَ الشَّرْطِ بِدُخُولِ مَا لِلتَّأْكِيدِ لِفِعْلِ الْقَسَمِ مِنْ جِهَةِ " أَنَّ " مَا كَاللَّامِ فِي الْقَسَمِ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّأْكِيدِ وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: زِيَادَةُ مَا مُؤْذِنَةٌ بِإِرَادَةِ شِدَّةِ التَّأْكِيدِ.

فَائِدَةٌ

حَيْثُ وَقَعَتْ " مَا " قَبْلَ لَيْسَ أَوْ لَمْ أَوْ لَا أَوْ بَعْدَ إِلَّا فَهِيَ مَوْصُولَةٌ نَحْوَ: {مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} {مَا لَمْ يَعْلَمْ} {مَا لا تَعْلَمُونَ} {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} .

وَحَيْثُ وَقَعَتْ بَعْدَ كَافِ التَّشْبِيهِ فَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ وَحَيْثُ وَقَعَتْ بَعْدَ الْبَاءِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُهُمَا نَحْوَ: {بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} وَحَيْثُ وَقَعَتْ بَيْنَ فِعْلَيْنِ سَابِقُهُمَا عِلْمٌ أَوْ دِرَايَةٌ أَوْ نَظَرٌ احْتَمَلَتِ الْمَوْصُولَةَ وَالِاسْتِفْهَامِيَّةَ نَحْوَ: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} .

وَحَيْثُ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ إِلَّا فَهِيَ نَافِيَةٌ إِلَّا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا:

{مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا} .

{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} .

ص: 290

{وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوُ} فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ أَيِ الَّذِي يُنْفِقُونَهُ الْعَفْوُ إِذِ الْأَصْلُ أَنْ تُجَابَ الِاسْمِيَّةُ بِالِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةُ بِالْفِعْلِيَّةِ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا اسْتِفْهَامًا وذا إِشَارَةً.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مَاذَا كُلُّهَا اسْتِفْهَامًا عَلَى التَّرْكِيبِ وَهُوَ أَرْجَحُ الْوَجْهَيْنِ فِي {مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ أَيْ ينفقون العفوز

الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَاذَا كُلُّهُ اسْمَ جِنْسٍ بِمَعْنَى شَيْءٍ أَوْ مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي.

الْخَامِسُ: أَنْ تكون ما زائدة وذا لِلْإِشَارَةِ.

السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ مَا استفهاما وذا زائدة ويجوز أن يخرج عليه.

مَتَى

تَرِدُ اسْتِفْهَامًا عَنِ الزَّمَانِ نَحْوَ: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} وشرطا.

مع

اسم بدليل جرها بمن فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} وَهِيَ بِمَعْنَى عِنْدَ وَأَصْلُهَا لِمَكَانِ الِاجْتِمَاعِ أَوْ وَقْتِهِ نَحْوَ: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} {أَرْسِلْهُ مَعَنَا} {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ}

ص: 292

وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ الِاجْتِمَاعِ وَالِاشْتِرَاكِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحِظَةِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ نَحْوَ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} ، وأما نحو:{إِنِّي مَعَكُمْ} {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} فَالْمُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ وَالْحِفْظُ وَالْمَعُونَةُ مَجَازًا.

قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ لَفْظُ مَعَ هُوَ الْمَقْصُودُ كَالْآيَاتِ المذكورة.

مِنْ

حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ أَشْهَرُهَا:

ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ مَكَانًا وَزَمَانًا وَغَيْرَهُمَا نَحْوَ: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} ، {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} .

وَالتَّبْعِيضُ بِأَنْ يَسُدَّ بَعْضُ مَسَدَّهَا نَحْوَ: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "بَعْضَ مَا تُحِبُّونَ " وَالتَّبْيِينُ وَكَثِيرًا مَا تَقَعُ بعد " ما ومهما " نَحْوَ: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} .

ص: 293

وَمِنْ وُقُوعِهَا بَعْدَ غَيْرِهِمَا: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} .

وَالتَّعْلِيلُ نَحْوَ: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} .

وَالْفَصْلُ بِالْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى ثَانِي الْمُتَضَادَّيْنِ نَحْوَ: {يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} .

وَالْبَدَلُ نَحْوَ: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} أَيْ بَدَلَهَا {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ} أي بدلكم.

وَتَنْصِيصُ الْعُمُومِ نَحْوَ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} قَالَ فِي الْكَشَّافِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْفَتْحِ فِي: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} فِي إِفَادَةِ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ.

وَمَعْنَى " الْبَاءِ " نَحْوَ: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي به.

و" على " نحو: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي عليهم.

و" في " نَحْوِ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} أَيْ فِيهِ.

ص: 294

وَفِي الشَّامِلِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} بِمَعْنَى فِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَعَنْ نَحْوَ: {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} أي عنه.

و" عند " نَحْوَ: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ} أَيْ عِنْدَ.

وَالتَّأْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ فِي النَّفْيِ أَوِ النَّهْيِ أَوِ الِاسْتِفْهَامِ نَحْوَ: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} .

وَأَجَازَهَا قَوْمٌ فِي الْإِيجَابِ وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} {مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} .

فَائِدَةٌ

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حِينَ دَعَا قَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} لَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَكِنَّهُ خَصَّ حِينَ قَالَ: "أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ " فَجُعِلَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ.

وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَوْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: "فَاجْعَلْ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي

ص: 295

إِلَيْهِمْ لَزَاحَمَتْكُمْ عَلَيْهِ الرُّومُ وَفَارِسُ " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي فَهْمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ التَّبْعِيضُ مِنْ " مِنْ ".

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَيْثُ وَقَعَتْ: "يَغْفِرْ لَكُمْ " فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تُذْكَرْ مَعَهَا مِنْ كَقَوْلِهِ فِي الْأَحْزَابِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وفي الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدلكم على جارة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} .

وَقَالَ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ فِي سُورَةِ نُوحٍ: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} وَكَذَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ لِئَلَّا يُسَوَّى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْوَعْدِ ذَكَرَهُ فِي الكشاف.

مَنْ

لَا تَقَعُ إِلَّا اسْمًا فَتَرِدُ مَوْصُولَةً نَحْوَ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ} .

وَشَرْطِيَّةً نَحْوَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} .

وَاسْتِفْهَامِيَّةً نَحْوَ: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} .

وَنَكِرَةً مَوْصُوفَةً: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} أَيْ فَرِيقٌ يَقُولُ

ص: 296

وَهِيَ كَـ" مَا " فِي اسْتِوَائِهَا فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِمَا وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْعَالَمِ عَكْسَ مَا ونكتته مَا أَكْثَرُ وُقُوعًا فِي الْكَلَامِ مِنْهَا وَمَا لَا يَعْقِلُ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْقِلُ فَأَعْطُوا مَا كَثُرَتْ مواضعه الكثير وَمَا قَلَّتْ لِلْقَلِيلِ لِلْمُشَاكَلَةِ.

قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَاخْتِصَاصُ مَنْ بِالْعَالَمِ وما بِغَيْرِهِ فِي الْمَوْصُولَتَيْنِ دُونَ الشَّرْطِيَّتَيْنِ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَسْتَدْعِي الْفِعْلَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ.

مَهْمَا

اسْمٌ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَيْهَا فِي {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَادَ عَلَيْهَا ضَمِيرُ بِهِ وَضَمِيرُ بِهَا حَمْلًا عَلَى اللَّفْظِ وَعَلَى الْمَعْنَى وَهِيَ شَرْطٌ لِمَا لَا يَعْقِلُ غَيْرَ الزَّمَانِ كَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَفِيهَا تَأْكِيدٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ أَصْلَهَا ما الشرطية وما الزَّائِدَةُ أُبْدِلَتْ أَلِفُ الْأُولَى هَاءً دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ.

النُّونُ

عَلَى أَوْجُهٍ:

اسْمٌ وَهِيَ ضَمِيرُ النِّسْوَةِ نَحْوَ: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ} وَحَرْفٌ. وَهِيَ نَوْعَانِ: نُونُ التَّوْكِيدِ وَهِيَ خَفِيفَةٌ وَثَقِيلَةٌ نَحْوَ:

ص: 297

{لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً} {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} وَلَمْ تَقَعِ الْخَفِيفَةُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ.

قُلْتُ: وَثَالِثٌ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ وَهِيَ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} .

وَرَابِعٌ: فِي قِرَاءَةِ الْحَسَنِ {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} ذَكَرَهُ ابْنُ جِنِّي فِي الْمُحْتَسَبِ.

وَنُونُ الْوِقَايَةِ وَتَلْحَقُ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ الْمَنْصُوبَةَ بِفِعْلٍ نَحْوَ: {فَاعْبُدْنِي} {لَيَحْزُنُنِي} أو حرف نحو: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ} {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} وَالْمَجْرُورَةَ بِلَدُنْ نَحْوَ: {مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} أَوْ مِنْ أَوْ عَنْ نَحْوَ: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} ، {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} .

التَّنْوِينُ

نُونٌ تُثْبَتُ لَفْظًا لَا خَطًّا وَأَقْسَامُهُ كَثِيرَةٌ:

تَنْوِينُ التَّمْكِينِ، وَهُوَ اللَّاحِقُ لِلْأَسْمَاءِ الْمُعْرَبَةِ نَحْوَ:{وَهُدىً وَرَحْمَةً} {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً} .

ص: 298

وَتَنْوِينُ التَّنْكِيرِ، وَهُوَ اللَّاحِقُ لِأَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ فَرْقًا بَيْنَ مَعْرِفَتِهَا وَنَكِرَتِهَا نَحْوَ التَّنْوِينِ اللَّاحِقِ لِأُفٍّ فِي قراءة من نونه ولهيهات فِي قِرَاءَةِ مَنْ نَوَّنَهَا.

وَتَنْوِينُ الْمُقَابَلَةِ وَهُوَ اللَّاحِقُ لِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ نَحْوَ: {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} .

وَتَنْوِينُ الْعِوَضِ إِمَّا عَنْ حَرْفِ آخِرِ مَفَاعِلِ الْمُعْتَلِّ نَحْوَ: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ} {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} أَوْ عَنِ اسْمٍ مُضَافٍ إِلَيْهِ فِي كُلٍّ وَبَعْضٍ وَأَيٍّ نَحْوَ: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} {أَيّاً مَا تَدْعُوا} .

وَعَنِ الْجُمْلَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا إِذْ نَحْوَ: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} أَيْ حِينَ إِذْ بَلَغَتِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ، أَوْ إِذَا - عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ – نَحْوَ:{وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أَيْ إِذَا غَلَبْتُمْ.

وَتَنْوِينُ الْفَوَاصِلِ الَّذِي يُسَمَّى فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ التَّرَنُّمَ بَدَلًا مِنْ حَرْفِ الْإِطْلَاقِ وَيَكُونُ فِي الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ: {قَوَارِيرَا} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ} بتنوين الثلاثة.

ص: 299

نَعَمْ

حَرْفُ جَوَابٍ فَيَكُونُ تَصْدِيقًا لِلْمُخْبِرِ وَوَعْدًا لِلطَّالِبِ وَإِعْلَامًا لِلْمُسْتَخْبِرِ وَإِبْدَالُ عَيْنِهَا حَاءً وَكَسْرُهَا وَإِتْبَاعُ النُّونِ لَهَا فِي الْكَسْرِ لُغَاتٌ قُرِئَ بِهَا " نِعْمَ "

نِعْمَ

فِعْلٌ لِإِنْشَاءِ الْمَدْحِ لَا يَتَصَرَّفُ.

الْهَاءُ

اسْمٌ ضَمِيرٌ غَائِبٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجَرِّ وَالنَّصْبِ نَحْوَ: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} وَحَرْفٌ لِلْغَيْبَةِ وَهُوَ اللَّاحِقُ لِإِيَّا وَلِلسَّكْتِ نَحْوَ: {مَا هِيَهْ} {كِتَابِيَهْ} {حِسَابِيَهْ} {سُلْطَانِيَهْ} {مَالِيَهْ} {لَمْ يَتَسَنَّهْ} وَقُرِئَ بِهَا فِي أَوَاخِرِ آيِ الْجَمْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقْفًا.

هَا

تَرِدُ اسْمَ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ وَيَجُوزُ مَدُّ أَلِفِهِ فَيَتَصَرَّفُ حِينَئِذٍ لِلْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ نَحْوَ: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} .

ص: 300

وَاسْمًا ضَمِيرًا لِلْمُؤَنَّثِ نَحْوَ: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وَحَرْفَ تَنْبِيهٍ فَتَدْخُلُ عَلَى الْإِشَارَةِ نَحْوَ: {هَؤُلاءِ هَذَانِ خَصْمَانِ} وَهَاهُنَا وَعَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِإِشَارَةٍ نَحْوَ هَا أَنْتُمْ أولاء وَعَلَى نَعْتِ " أَيٍّ " فِي النِّدَاءِ نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وَيَجُوزُ فِي لُغَةِ أَسَدٍ حَذْفُ أَلِفِ هَذِهِ وَضَمِّهَا إِتْبَاعًا وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَيُّهُ الثقلان.

هَاتِ

فِعْلُ أَمْرٍ لَا يَتَصَرَّفُ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ اسم فعل.

هَلْ

حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ يُطْلَبُ بِهِ التَّصْدِيقُ دُونَ التَّصَوُّرِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْفِيٍّ وَلَا شَرْطٍ وَلَا أَنْ وَلَا اسْمٍ بَعْدَهُ فِعْلٌ غَالِبًا وَلَا عَاطِفٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ مَعَهَا إِلَّا مُسْتَقْبَلًا وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} .

وَتَرِدُ بِمَعْنَى قَدْ وَبِهِ فُسِّرَ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} .

وَبِمَعْنَى النَّفْيِ نَحْوَ: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} وَمَعَانٍ أُخَرَ سَتَأْتِي فِي مَبْحَثِ الِاسْتِفْهَامِ.

ص: 301

هَلُمَّ

دُعَاءٌ إِلَى الشَّيْءِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَصْلَهُ " هَا ولم " مِنْ قَوْلِكَ: لَمَمْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَصْلَحْتُهُ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ وَرُكِّبَ.

وَقِيلَ: أَصْلُهُ " هَلْ أُمَّ " كَأَنَّهُ قِيلَ: هَلْ لَكَ فِي كَذَا أُمَّهُ أَيْ اقْصُدْهُ فَرُكِّبَا وَلُغَةُ الْحِجَازِ تَرْكُهُ عَلَى حَالِهِ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَبِهَا وَرَدَ الْقُرْآنُ وَلُغَةُ تميم إلحاقه العلامات.

هُنَا

اسْمٌ يُشَارُ بِهِ لِلْمَكَانِ الْقَرِيبِ نَحْوَ: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} وَتَدْخُلُ عَلَيْهِ اللَّامُ وَالْكَافُ فَيَكُونُ لِلْبَعِيدِ نَحْوَ: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} .

وَقَدْ يُشَارُ بِهِ لِلزَّمَانِ اتِّسَاعًا وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} .

هِيتَ

اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَسْرَعَ وَبَادَرَ قَالَ فِي الْمُحْتَسَبِ وَفِيهَا لُغَاتٌ قُرِئَ بِبَعْضِهَا: "هَيَّتْ " بفتح الهاء والتاء وهيت بكسر الهاء وفتح التاء وهيت بفتح الهاء

ص: 302

وكسر التاء وهيت بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ وَقُرِئَ: "هِئْتُ " بِوَزْنِ جِئْتُ وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى تَهَيَّأْتُ وَقُرِئَ هُيِّئْتُ وَهُوَ فعل بمعنى أصلحت.

هَيْهَاتَ

اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى بَعُدَ قَالَ تَعَالَى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} قَالَ الزَّجَّاجُ: الْبُعْدُ لِمَا تُوعَدُونَ قِيلَ: وَهَذَا غَلَطٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ اللَّامُ فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ بَعُدَ الْأَمْرُ لِمَا تُوعَدُونَ أَيْ لِأَجْلِهِ.

وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنَّ اللَّامَ لِتَبْيِينِ الْفَاعِلِ وَفِيهَا لُغَاتٌ قُرِئَ مِنْهَا بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ وَبِالْخَفْضِ مَعَ التَّنْوِينِ فِي الثلاثة وعدمه.

الْوَاوُ

جَارَّةٌ وَنَاصِبَةٌ وَغَيْرُ عَامِلَةٍ فَالْجَارَّةُ وَاوُ الْقَسَمِ نَحْوَ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} .

وَالنَّاصِبَةُ وَاوُ مَعَ فَتَنْصِبُ الْمَفْعُولَ مَعَهُ فِي رَأْيِ قَوْمٍ نَحْوَ: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} وَلَا ثَانِيَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُضَارِعَ فِي جَوَابِ النَّفْيِ أَوِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ نَحْوَ: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ

ص: 303

الصَّابِرِينَ} {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ} .

وَاوُ الصَّرْفِ عِنْدَهُمْ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ يَقْتَضِي إِعْرَابًا فَصَرَفَتْهُ عَنْهُ إِلَى النَّصْبِ نَحْوَ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ.

وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ أَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا: وَاوُ الْعَطْفِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَتَعْطِفُ الشَّيْءَ عَلَى مُصَاحِبِهِ نَحْوَ: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} .

وعلى سابقه نحو: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} .

وَلَاحِقِهِ نَحْوَ: {يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} .

وَتُفَارِقُ سَائِرَ حُرُوفِ الْعَطْفِ فِي اقْتِرَانِهَا بِإِمَّا نَحْوَ: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} .

وَبِـ" لَا " بَعْدَ نَفْيٍ نَحْوَ: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ} .

وَبِـ" لَكِنْ " نَحْوَ: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} وَتَعْطِفُ الْعِقْدَ عَلَى النَّيِّفِ وَالْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ وَعَكْسَهُ نَحْوَ: {وَمَلَائِكَتِهِ ورسله وجبريل وميكال} {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}

ص: 304

وَالشَّيْءَ عَلَى مُرَادِفِهِ نَحْوَ: {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} والمجرور على الجوار نحو: {بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} وَقِيلَ: تَرِدُ بِمَعْنَى أَوْ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ.

وَلِلتَّعْلِيلِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْخَارَزَنْجِيُّ الْوَاوَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمَنْصُوبَةِ.

ثَانِيهَا: وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ نَحْوَ: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} بِالرَّفْعِ إِذْ لَوْ كَانَتْ عَاطِفَةً لنصب نقر وَانْجَزَمَ مَا بَعْدَهُ وَنُصِبَ أَجَلٌ.

ثَالِثُهَا: وَاوُ الْحَالِ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ نَحْوَ: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} .

وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ صِفَةً لِتَأْكِيدِ ثُبُوتِ الصفة للموصوف ولصوقها بها كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} .

رَابِعُهَا: وَاوُ الثَّمَانِيَةِ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ كَالْحَرِيرِيِّ وَابْنِ خَالَوَيْهِ وَالثَّعْلَبِيِّ

ص: 305

وَزَعَمُوا أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا عَدُّوا يُدْخِلُونَ الْوَاوَ بَعْدَ السَّبْعَةِ إِيذَانًا بِأَنَّهَا عَدَدٌ تَامٌّ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ وَجَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} .

وَقَوْلَهُ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} لِأَنَّهُ الْوَصْفُ الثَّامِنُ.

وَقَوْلَهُ: {مُسْلِمَاتٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَبْكَاراً} وَالصَّوَابُ عَدَمُ ثُبُوتِهَا وَأَنَّهَا فِي الْجَمِيعِ لِلْعَطْفِ.

خَامِسُهَا: الزَّائِدَةُ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَتَلَّهُ للجبين وناديناه} .

سَادِسُهَا: وَاوُ ضَمِيرِ الذُّكُورِ فِي اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ نَحْوَ: {الْمُؤْمِنُونَ} {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا} .

سَابِعُهَا: وَاوُ عَلَامَةِ الْمُذَكَّرِينَ فِي لُغَةِ طَيِّءٍ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} .

ثَامِنُهَا: الْوَاوُ الْمُبْدَلَةُ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا كَقِرَاءَةِ قنبل: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وَأَمِنْتُمْ} {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ}

ص: 306

وي كأن

قَالَ الْكِسَائِيُّ: كَلِمَةُ تَنَدُّمٍ وَتَعَجُّبٍ وَأَصْلُهُ " وَيْلَكَ " وَالْكَافُ ضَمِيرٌ مَجْرُورٌ.

وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَيِ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَعْجَبُ وَالْكَافُ حَرْفُ خِطَابٍ وَأَنَّ عَلَى إِضْمَارِ اللَّامِ وَالْمَعْنَى: أَعْجَبُ لِأَنَّ اللَّهَ.

وَقَالَ الْخَلِيلُ: وَيْ وَحْدَهَا وَكَأَنَّ كَلِمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِلتَّحْقِيقِ لَا لِلتَّشْبِيهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يَحْتَمِلُ وَيْ كَأَنَّهُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَنْ يَكُونَ وَيْكَ حَرْفًا وأنه حرف وَالْمَعْنَى " أَلَمْ " تَرَ وَأَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ وَالْمَعْنَى " وَيْلَكَ " وَأَنْ تَكُونَ وَيْ حَرْفًا لِلتَّعَجُّبِ وَكَأَنَّهُ حَرْفٌ وَوُصِلَا خَطًّا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا وُصِلَ " يبنؤم ".

وَيْلٌ

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَيْلٌ تَقْبِيحٌ قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} .

وَقَدْ يُوضَعُ مَوْضِعَ التَّحَسُّرِ وَالتَّفَجُّعِ نَحْوَ: {يَا وَيْلَتَنَا} {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ} .

أَخْرَجَ الْحَرْبِيُّ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

ص: 307

" وَيْحَكِ! "فَجَزِعْتُ مِنْهَا فَقَالَ لِي: يَا حُمَيْرَاءُ إِنَّ " وَيْحَكِ " أَوْ " وَيْسَكِ " رَحْمَةٌ فَلَا تَجْزَعِي مِنْهَا وَلَكِنِ اجْزَعِي مِنَ الْوَيْلِ ".

يَا

حَرْفٌ لِنِدَاءِ الْبَعِيدِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهِيَ أَكْثَرُ أَحْرُفِهِ اسْتِعْمَالًا وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ عِنْدَ الْحَذْفِ سِوَاهَا نَحْوَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي} {يُوسُفُ أَعْرِضْ} وَلَا يُنَادَى اسْمُ اللَّهِ وَأَيُّهَا وَأَيَّتُهَا إِلَّا بِهَا.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَتُفِيدُ التَّأْكِيدَ الْمُؤْذِنَ بِأَنَّ الْخِطَابَ الَّذِي يَتْلُوهُ مُعْتَنًى بِهِ جِدًّا.

أوترد لِلتَّنْبِيهِ فَتَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ نَحْوَ: {أَلَّا يَسْجُدُوا} {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} .

تَنْبِيهٌ

هَا قَدْ أَتَيْتُ عَلَى شَرْحِ مَعَانِي الْأَدَوَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهٍ مُوجَزٍ مُفِيدٍ مُحَصِّلٍ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ وَلَمْ أَبْسُطْهُ لِأَنَّ مَحَلَّ الْبَسْطِ وَالْإِطْنَابِ إِنَّمَا هُوَ تَصَانِيفُنَا فِي فَنِّ الْعَرَبِيَّةِ وَكُتُبُنَا النَّحْوِيَّةُ وَالْمَقْصُودُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ هَذَا الْكِتَابِ إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ لَا اسْتِيعَابُ الْفُرُوعِ وَالْجُزْئِيَّاتِ.

ص: 308