الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقد يُوجد نقل النَّاس لمقالاتهم مُخْتَلفا وَذَلِكَ بِحَسب قَول الطَّائِفَة الَّتِي ينْقل ذَلِك النَّاقِل قَوْلهَا وَالْقَوْل الَّذِي يحكيه كثير من نَظَائِر الْمُسلمين يُوجد كثير مِنْهُم على خِلَافه كَمَا نقلوا عَنْهُم مَا ذكره أَبُو الْمَعَالِي وَصَاحبه أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ وَغَيرهمَا أَن الْقَدِيم وَاحِد بالجوهر ثَلَاثَة بالأقنوم وَأَنَّهُمْ يعنون بالأقنوم الْوُجُود والحياة وَالْعلم
ونقلوا عَنْهُم أَن الْحَيَاة وَالْعلم ليسَا بوصفين زائدين على الذَّات موجودين بل هما صفتان نفسيتان للجوهر قَالُوا وَلَو مثل مَذْهَبهم بمثال لقيل إِن الأقانيم عِنْدهم تنزل منزلَة الْأَحْوَال وَالصِّفَات النفسية عِنْد مثبتيها من الْمُسلمين فَإِن سوادية اللَّوْن ولونيته صفتان نفسيتان للعرض قَالَ وَرُبمَا يعبرون عَن الأقانيم بِالْأَبِ وَالِابْن وروح الْقُدس فيعنون بِالْأَبِ الْوُجُود وبالابن الْمَسِيح والكلمة وَرُبمَا سموا الْعلم كلمة والكلمة علما ويعبرون عَن الْحَيَاة بِالروحِ قَالَ وَلَا يُرِيدُونَ بِالْكَلِمَةِ الْكَلَام فَإِن الْكَلَام عِنْدهم من صِفَات الْفِعْل وَلَا يسمون الْعلم قبل تدرعه بالمسيح واتحاده بِهِ ابْنا بل الْمَسِيح عِنْدهم مَعَ مَا تدرع بِهِ ابْن قَالُوا وَمن مَذْهَبهم أَن الْكَلِمَة اتّحدت بالمسيح وتدرعت بالناسوت ثمَّ اخْتلفُوا فِي معنى الِاتِّحَاد
فَمنهمْ من فسره بالاختلاط والامتزاج وَهَذَا مَذْهَب طوائف من اليعقوبية والنسطورية والملكانية قَالُوا إِن الْكَلِمَة خالطت جَسَد الْمَسِيح ومازجته كَمَا مازج الْخمر المَاء أَو اللَّبن قَالُوا وَهَذَا مَذْهَب الرّوم ومعظمهم الملكانية قَالُوا فمازجت الْكَلِمَة جَسَد الْمَسِيح فَصَارَت شَيْئا وَاحِدًا وَصَارَت الْكَثْرَة قلَّة
وَذَهَبت طَائِفَة من اليعاقبة إِلَى أَن الْكَلِمَة انقلبت لَحْمًا ودما قَالُوا وَصَارَت شرذمة من كل صنف إِلَى أَن المُرَاد بالاتحاد ظُهُور اللاهوت على الناسوت كظهور الصُّورَة فِي الْمرْآة والنقش فِي الْخَاتم
وَمِنْهُم من قَالَ ظُهُور اللاهوت على الناسوت كاستواء الْإِلَه على الْعَرْش عِنْد الْمُسلمين وَذهب كثير من هَذِه الطوائف الى أَن المُرَاد بالاتحاد الْحُلُول
فصل
وَأما قَوْله تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} يُرِيد بِحَسب مُقْتَضى الْعدْل قومه الَّذين آتَاهُم بلغتهم لَا غير مِمَّن لم يَأْتهمْ بِمَا جَاءَ بِهِ
فَيُقَال لَهُم من فسر مُرَاد مُتَكَلم أَي مُتَكَلم كَانَ بِمَا يعلم النَّاس أَنه خلاف مُرَاده فَهُوَ
كَاذِب مفتر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ المكلم من آحَاد الْعَامَّة وَلَو كَانَ الْمُتَكَلّم من المتنبئين الْكَذَّابين فَإِن عرف كذبه إِذا تكلم بِكَلَام وَعرف مُرَاده بِهِ لم يجز أَن يكذب عَلَيْهِ فَيُقَال أَرَادَ كَذَا وَكَذَا فَإِن الْكَذِب حرَام قَبِيح على كل أحد سَوَاء كَانَ صَادِقا أَو كَاذِبًا فيكف بِمن يُفَسر مُرَاد الله وَرَسُوله بِمَا يعلم كل من خبر حَاله علما ضَرُورِيًّا أَنه لم يرد ذَلِك بل يعلم علما ضَرُورِيًّا أَنه أَرَادَ الْعُمُوم فَإِن قَوْله تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا} صِيغَة عَامَّة وَصِيغَة من الشّرطِيَّة من أبلغ صِيغ الْعُمُوم كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره}
ثمَّ إِن سِيَاق الْكَلَام يدل على أَنه أَرَادَ أهل الْكتاب وَغَيرهم فَإِن هَذَا فِي سُورَة آل عمرَان فِي أثْنَاء مخاطبته لأهل الْكتاب ومناظرته لِلنَّصَارَى فَإِنَّهَا نزلت لما قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفد نَجْرَان النَّصَارَى وروى أَنهم كَانُوا سِتِّينَ رَاكِبًا وَفِيهِمْ السَّيِّد والأيهم وَالْعَاقِب وقصتهم مَشْهُورَة مَعْرُوفَة كَمَا تقدم ذكرهَا
وَقد قَالَ قبل هَذَا الْكَلَام يذم دين النَّصَارَى الَّذين ابتدعوه وغيروا بِهِ دين الْمَسِيح ولبسوا الْحق الَّذِي بعث بِهِ الْمَسِيح بِالْبَاطِلِ الَّذِي ابتدعوه حَتَّى صَار دينهم مركبا من حق وباطل وَاخْتَلَطَ أَحدهمَا بِالْآخرِ فَلَا يكَاد يُوجد مَعَه من يعرف مَا نسخه الْمَسِيح من شَرِيعَة التَّوْرَاة مِمَّا أقره والمسيح قرر أَكثر شرع التَّوْرَاة وَغير الْمَعْنى وَعَامة النَّصَارَى لَا يميزون مَا قَرَّرَهُ مِمَّا غَيره فَلَا يعرف دين الْمَسِيح
فقد بَين أَن من اتخذ الْمَلَائِكَة والنبيين أَرْبَابًا فَهُوَ كَافِر فَمن اتخذ من دونهم أَرْبَابًا كَانَ أولى بالْكفْر وَقد ذكر أَن النَّصَارَى اتَّخذُوا من هُوَ دونهم أَرْبَابًا بقوله تَعَالَى {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله والمسيح ابْن مَرْيَم وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يشركُونَ}
ثمَّ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة آل عمرَان {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَ أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين}
قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره من السّلف مَا بعث الله نَبيا إِلَّا أَخذ عَلَيْهِ الْمِيثَاق لَئِن بعث مُحَمَّد وَهُوَ حَيّ ليُؤْمِنن بِهِ ولينصرنه وَأمره أَن يَأْخُذ الْمِيثَاق على أمته لَئِن بعث مُحَمَّد وهم أَحيَاء ليُؤْمِنن بِهِ ولينصرنه وَالْآيَة تدل على مَا قَالُوا فَإِن قَوْله تَعَالَى {وَإِذا أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين} يتَنَاوَل جَمِيع النَّبِيين {لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه}
وَهَذِه اللَّام الأولى تسمى اللَّام الموطئة للقسم وَاللَّام الثَّانِيَة تسمى لَام جَوَاب الْقسم وَالْكَلَام إِذا اجْتمع فِيهِ شَرط وَقسم وَقدم الْقسم سد جَوَاب الْقسم مسد جَوَاب الشَّرْط وَالْقسم كَقَوْلِه تَعَالَى {لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون مَعَهم وَلَئِن قوتلوا لَا ينصرونهم وَلَئِن نصروهم ليولن الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ}
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله لنصدقن ولنكونن من الصَّالِحين} وَقَوله {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جَاءَتْهُم آيَة ليُؤْمِنن بهَا} وَقَوله {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن أَمرتهم ليخرجن قل لَا تقسموا طَاعَة مَعْرُوفَة} وَقَوله {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جَاءَهُم نَذِير لَيَكُونن أهْدى من إِحْدَى الْأُمَم} وَمِنْه قَوْله {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله} وَقَوله {وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب} وَقَوله {لَئِن لم يَرْحَمنَا رَبنَا وَيغْفر لنا لنكونن من الخاسرين}
وَقَوله {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض والمرجفون فِي الْمَدِينَة لنغرينك بهم} وَقَوله {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك} وَقَوله {وَإِن لم ينْتَهوا عَمَّا يَقُولُونَ ليمسن الَّذين كفرُوا مِنْهُم عَذَاب أَلِيم} وَقَوله {وَلَئِن لم يفعل مَا آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين} وَقَوله تَعَالَى {وَلَئِن جئتهم بِآيَة ليَقُولن الَّذين كفرُوا إِن أَنْتُم إِلَّا مبطلون} وَقَوله {وَلَئِن جَاءَ نصر من رَبك ليَقُولن إِنَّا كُنَّا مَعكُمْ} وَقَوله {وَلَئِن أخرنا عَنْهُم الْعَذَاب إِلَى أمة مَعْدُودَة ليَقُولن مَا يحْبسهُ}
وَمثل هَذَا كثير وَحَيْثُ لم يذكر الْقسم فَهُوَ مَحْذُوف مُرَاد تَقْدِير الْكَلَام وَالله لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون مَعَهم وَالله وَلَئِن قوتلوا لَا ينصرونهم
وَمن محَاسِن لُغَة الْعَرَب أَنَّهَا تحذف من الْكَلَام مَا يدل الْمَذْكُور عَلَيْهِ اختصارا وإيجازا لَا سِيمَا فِيمَا يكثر اسْتِعْمَاله كالقسم وَقَوله {لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة} هِيَ مَا الشّرطِيَّة وَالتَّقْدِير أَي شَيْء أَعطيتكُم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه وَلَا تكتفوا بِمَا عنْدكُمْ عَمَّا جَاءَ بِهِ وَلَا يحملنكم مَا آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة على أَن تتركوا مُتَابَعَته بل عَلَيْكُم أَن تؤمنوا بِهِ وتنصروه وَإِن كَانَ مَعكُمْ من قبله من كتاب وَحِكْمَة فَلَا تستغنوا بِمَا آتيتكم عَمَّا جَاءَ بِهِ فَإِن ذَلِك لَا ينجيكم من عَذَاب الله
فَدلَّ ذَلِك على أَن من أدْرك مُحَمَّدًا من الْأَنْبِيَاء وأتباعهم وَإِن كَانَ مَعَه كتاب وَحِكْمَة فَعَلَيهِ أَن يُؤمن بِمُحَمد وينصره كَمَا قَالَ {لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه} وَقد أقرّ الْأَنْبِيَاء بِهَذَا الْمِيثَاق وَشهد الله عَلَيْهِم بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين} ثمَّ قَالَ تَعَالَى {فَمن تولى بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} ثمَّ قَالَ تَعَالَى {أفغير دين الله يَبْغُونَ وَله أسلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها وَإِلَيْهِ يرجعُونَ} ثمَّ قَالَ
تَعَالَى {قل آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل علينا وَمَا أنزل على إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى والنبيون من رَبهم لَا نفرق بَين أحد مِنْهُم وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين}
قَالَت طَائِفَة من السّلف لما أنزل الله هَذِه الْآيَة قَالَ من قَالَ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن مُسلمُونَ فَقَالَ تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} فَقَالُوا لَا نحج فَقَالَ تَعَالَى {وَمن كفر فَإِن الله غَنِي عَن الْعَالمين}
فَكل من لم ير حج الْبَيْت وَاجِبا عَلَيْهِ مَعَ الِاسْتِطَاعَة فَهُوَ كَافِر بِاتِّفَاق الْمُسلمين كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يرونه وَاجِبا عَلَيْهِم فهم من الْكفَّار حَتَّى أَنه رُوِيَ فِي حَدِيث مَرْفُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم من ملك زادا وراحلة تبلغه إِلَى بَيت الله وَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يَهُودِيّا وَإِن شَاءَ نَصْرَانِيّا وَهُوَ مَحْفُوظ من قَول عمر بن الْخطاب وَقد اتّفق الْمُسلمُونَ على أَن من جحد وجوب مباني الْإِسْلَام الْخمس الشَّهَادَتَيْنِ والصلوات الْخمس وَالزَّكَاة وَصِيَام شهر رَمَضَان وَحج الْبَيْت فَإِنَّهُ كَافِر
وَأَيْضًا فقد قَالَ تَعَالَى فِي أول سُورَة آل عمرَان {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغيا بَينهم وَمن يكفر بآيَات الله فَإِن الله سريع الْحساب فَإِن حاجوك فَقل أسلمت وَجْهي لله وَمن اتبعن وَقل للَّذين أُوتُوا الْكتاب والأميين أأسلمتم فَإِن أَسْلمُوا فقد اهتدوا وَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وَالله بَصِير بالعباد} فقد أمره تَعَالَى بعد قَوْله {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} أَن يَقُول أسلمت وَجْهي لله وَمن