الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُسلمُونَ أَتبَاع جَمِيع الرُّسُل
وَلما كَانَ الْمُسلمُونَ هم المتبعون لرسل الله كلهم الْمَسِيح وَغَيره وَكَانَ الله قد وعد الرُّسُل وأتباعهم قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرَة على الْحق لَا يضرهم من خالفهم وَلَا من خذلهم حَتَّى تقوم السَّاعَة وَقَالَ أَيْضا سَأَلت رَبِّي أَن لَا يُسَلط على أمتِي عدوا من غَيرهم فيجتاحهم فَأَعْطَانِيهَا الحَدِيث فَكَانَ مَا احْتَجُّوا بِهِ حجَّة عَلَيْهِم لَا لَهُم
فصل
وَأما قَوْله تَعَالَى {من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة يَتلون آيَات الله آنَاء اللَّيْل وهم يَسْجُدُونَ يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويسارعون فِي الْخيرَات وَأُولَئِكَ من الصَّالِحين} فَهَذِهِ الْآيَة لَا اخْتِصَاص فِيهَا لِلنَّصَارَى بل هِيَ مَذْكُورَة بعد قَوْله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه وَلَو آمن أهل الْكتاب لَكَانَ خيرا لَهُم مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ لن يضروكم إِلَّا أَذَى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْن مَا ثقفوا إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس وباؤوا بغضب من الله وَضربت عَلَيْهِم المسكنة ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون} ثمَّ قَالَ {لَيْسُوا سَوَاء من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة} وَمَعْلُوم أَن الصّفة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله {ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق} صفة للْيَهُود وَكَذَلِكَ قَوْله
{وَضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة}
فَقَوله عقب ذَلِك من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة لَا بُد أَن يكون متناولا للْيَهُود ثمَّ قد اتّفق الْمُسلمُونَ وَالنَّصَارَى على أَن الْيَهُود كفرُوا بالمسيح وَمُحَمّد صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فيهم مُؤمن وَهَذَا مَعْلُوم بالاضطرار من دين مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَالْآيَة إِذا تناولت النَّصَارَى كَانَ حكمهم فِي ذَلِك حكم الْيَهُود وَالله تَعَالَى إِنَّمَا أثنى على من آمن من أهل الْكتاب كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْكُم وَمَا أنزل إِلَيْهِم خاشعين لله لَا يشْتَرونَ بآيَات الله ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُم أجرهم عِنْد رَبهم إِن الله سريع الْحساب}
وَقد ذكر أَكثر الْعلمَاء أَن هَذِه الْآيَة الْأُخْرَى فِي آل عمرَان نزلت فِي النَّجَاشِيّ وَنَحْوه مِمَّن آمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لكنه لم تمكنه الْهِجْرَة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا الْعَمَل بشرائع الْإِسْلَام لكَون أهل بَلَده نَصَارَى لَا يوافقونه على إِظْهَار شرائع الْإِسْلَام وَقد قيل إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا صلى عَلَيْهِ لما مَاتَ لأجل هَذَا فَإِنَّهُ لم يكن هُنَاكَ من يظْهر الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي جمَاعَة كَثِيرَة ظَاهِرَة كَمَا يُصَلِّي الْمُسلمُونَ على جنائزهم
وَلِهَذَا جعل من أهل الْكتاب مَعَ كَونه آمنا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَة من يُؤمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بِلَاد الْحَرْب وَلَا يتَمَكَّن من الْهِجْرَة إِلَى دَار الْإِسْلَام وَلَا يُمكنهُ الْعَمَل بشرائع الاسلام الظَّاهِرَة بل يعْمل مَا يُمكنهُ وَيسْقط عَنهُ مَا يعجز عَنهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} فقد يكون الرجل فِي الظَّاهِر من الْكفَّار وَهُوَ فِي الْبَاطِن مُؤمن كَمَا كَانَ مُؤمن آل فِرْعَوْن
فقد أخبر سبحانه وتعالى أَنه حاق بآل فِرْعَوْن سوء الْعَذَاب وَأخْبر أَنه كَانَ من آل فِرْعَوْن رجل مُؤمن يكتم إيمَانه وَأَنه خاطبهم بِالْخِطَابِ الَّذِي ذكره فَهُوَ من آل فِرْعَوْن بِاعْتِبَار النّسَب وَالْجِنْس وَالظَّاهِر وَلَيْسَ هُوَ من آل فِرْعَوْن الَّذين يدْخلُونَ أَشد الْعَذَاب وَكَذَلِكَ امْرَأَة فِرْعَوْن لَيست من آل فِرْعَوْن هَؤُلَاءِ قَالَ تَعَالَى {وَضرب الله مثلا للَّذين آمنُوا امْرَأَة فِرْعَوْن إِذْ قَالَت رب ابْن لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة ونجني من فِرْعَوْن وَعَمله ونجني من الْقَوْم الظَّالِمين} وَامْرَأَة الرجل من آله بِدَلِيل قَوْله {إِلَّا آل لوط إِنَّا لمنجوهم أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَته قَدرنَا إِنَّهَا لمن الغابرين}
وَهَكَذَا أهل الْكتاب فيهم من هُوَ فِي الظَّاهِر مِنْهُم وَهُوَ فِي بَاطِن يُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يعْمل بِمَا يقدر عَلَيْهِ وَيسْقط عَنهُ مَا يعجز عَنهُ علما وَعَملا {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَهُوَ عَاجز عَن الْهِجْرَة إِلَى دَار الْإِسْلَام كعجز النَّجَاشِيّ وكما أَن الَّذين يظهرون الْإِسْلَام فيهم من هم فِي الظَّاهِر مُسلمُونَ وَفِيهِمْ من هُوَ مُنَافِق كَافِر فِي الْبَاطِن إِمَّا يَهُودِيّ وَإِمَّا مُشْرك وَإِمَّا معطل
كَذَلِك فِي أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين من هُوَ فِي الظَّاهِر مِنْهُم وَهُوَ فِي الْبَاطِن أهل الْإِيمَان
بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم يفعل مَا يقدر على علمه وَعَمله وَيسْقط عَنهُ مَا يعجز عَنهُ من ذَلِك
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ لما مَاتَ النَّجَاشِيّ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اسْتَغْفرُوا لأخيكم فَقَالَ بعض الْقَوْم تَأْمُرنَا أَن نَسْتَغْفِر لهَذَا العلج يَمُوت بِأَرْض الْحَبَشَة فَنزلت {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْكُم} ذكره ابْن أبي حَاتِم وَغَيره باسانيدهم وَذكر حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اسْتَغْفرُوا لأخيكم النَّجَاشِيّ فَذكر مثله
وَكَذَلِكَ ذكر طَائِفَة من الْمُفَسّرين عَن جَابر وَابْن عَبَّاس وَأنس وَقَتَادَة أَنهم قَالُوا نزلت هَذِه الْآيَة فِي النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة واسْمه أَصْحَمَة وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّة وَذَلِكَ أَنه لما مَاتَ نعاه جِبْرِيل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابه اخْرُجُوا فصلوا على أَخ لكم مَاتَ بِغَيْر أَرْضكُم فَقَالُوا وَمن هُوَ قَالَ النَّجَاشِيّ فَخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى البقيع وَزَاد بَعضهم وكشف لَهُ من الْمَدِينَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة فأبصر سَرِير النَّجَاشِيّ وَصلى عَلَيْهِ وَكبر أَربع تَكْبِيرَات واستغفر لَهُ وَقَالَ لأَصْحَابه اسْتَغْفرُوا لَهُ فَقَالَ المُنَافِقُونَ أبصروا الى هَذَا يُصَلِّي على علج حبشِي نَصْرَانِيّ لم يره قطّ وَلَيْسَ على دينه فَأنْزل الله تَعَالَى {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْكُم وَمَا أنزل إِلَيْهِم خاشعين لله لَا يشْتَرونَ بآيَات الله ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُم أجرهم عِنْد رَبهم إِن الله سريع الْحساب}
وَقد ذهبت طَائِفَة من الْعلمَاء إِلَى أَنَّهَا نزلت فِيمَن كَانَ على دين الْمَسِيح عليه السلام إِلَى أَن بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَآمن بِهِ كَمَا نقل ذَلِك عَن عَطاء
وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنَّهَا نزلت فِي مؤمني أهل الْكتاب كلهم
وَالْقَوْل الأول أَجود فَإِن من آمن بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَأظْهر الْإِيمَان بِهِ وَهُوَ من أهل دَار الْإِسْلَام يعْمل بِمَا يعمله الْمُسلمُونَ ظَاهرا وَبَاطنا فَهَذَا من الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَ قبل ذَلِك مُشْركًا يعبد الْأَوْثَان فَكيف إِذا كَانَ كتابيا وَهَذَا مثل عبد الله بن سَلام وسلمان الْفَارِسِي
وَغَيرهمَا وَهَؤُلَاء لَا يُقَال إِنَّهُم من أهل الْكتاب كَمَا لَا يُقَال فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِنَّهُم من الْمُشْركين وَعباد الْأَوْثَان وَلَا يُنكر أحد من الْمُنَافِقين وَلَا غَيرهم أَن يُصَلِّي على وَاحِد مِنْهُم بِخِلَاف من هُوَ فِي الظَّاهِر مِنْهُم وَفِي الْبَاطِن من الْمُؤمنِينَ وَفِي بِلَاد النَّصَارَى من هَذَا النَّوْع خلق كثير يكتمون إِيمَانهم إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا يكتمونه عَن الْعَامَّة ويظهرونه لخاصتهم وَهَؤُلَاء قد يتناولهم قَوْله تَعَالَى {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه} الْآيَة فَهَؤُلَاءِ لَا يدعونَ الْإِيمَان بِكِتَاب الله وَرَسُوله لأجل مَال يأخذونه كَمَا يفعل كثير من الْأَحْبَار والرهبان الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ ويصدونهم عَن سَبِيل الله فيمنعونهم من الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم
وَأما قَوْله {من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة يَتلون آيَات الله آنَاء اللَّيْل وهم يَسْجُدُونَ يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويسارعون فِي الْخيرَات وَأُولَئِكَ من الصَّالِحين} فَهَذِهِ الْآيَة تتَنَاوَل الْيَهُود أقوى مِمَّا تتَنَاوَل النَّصَارَى وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} هَذَا مدح مُطلق لمن تمسك بِالتَّوْرَاةِ لَيْسَ فِي ذَلِك مدح لمن كذب الْمَسِيح وَلَا فِيهَا مدح لمن كذب مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم
وَهَذَا الْكَلَام تَفْسِير سِيَاق الْكَلَام فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه} ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَلَو آمن أهل الْكتاب لَكَانَ خيرا لَهُم مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ} فقد جعلهم نَوْعَيْنِ نوعا مُؤمنين ونوعا فاسقين وهم أَكْثَرهم لقَوْله تَعَالَى {مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ} يتَنَاوَل من كَانَ مُؤمنا قبل مبعث مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم كَمَا يتناولهم قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلنَا فِي قُلُوب الَّذين اتَّبعُوهُ رأفة وَرَحْمَة} إِلَى قَوْله {وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ} وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا وَإِبْرَاهِيم وَجَعَلنَا فِي ذريتهما النُّبُوَّة وَالْكتاب فَمنهمْ مهتد وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ}
وَقَوله عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل {وباركنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَاق وَمن ذريتهما محسن وظالم لنَفسِهِ مُبين} ثمَّ قَالَ {وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ} قَالَ {لن يضروكم إِلَّا أَذَى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْن مَا ثقفوا إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس وباؤوا بغضب من الله وَضربت عَلَيْهِم المسكنة ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون}
وَضرب الذلة عَلَيْهِم أَيْنَمَا ثقفوا ومباؤهم بغضب من الله الْآيَة وَمَا ذكر مَعَه من قتل الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق وعصيانهم واعتدائهم كَانَ الْيَهُود متصفين بِهِ قبل مبعث مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة {وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نصبر على طَعَام وَاحِد فَادع لنا رَبك يخرج لنا مِمَّا تنْبت الأَرْض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قَالَ أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير اهبطوا مصرا فَإِن لكم مَا سَأَلْتُم وَضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون} ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
فتناولت هَذِه الْآيَة من كَانَ من أهل الْملَل الْأَرْبَع متمسكا بهَا قبل النّسخ بِغَيْر تَبْدِيل كَذَلِك آيَة آل عمرَان لما وصف أهل الْكتاب بِمَا كَانُوا متصفا بِهِ أَكْثَرهم قبل مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من الْكفْر قَالَ {لَيْسُوا سَوَاء من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة يَتلون آيَات الله آنَاء اللَّيْل وهم يَسْجُدُونَ يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويسارعون فِي الْخيرَات وَأُولَئِكَ من الصَّالِحين}
وَهَذَا يتَنَاوَل من كَانَ متصفا مِنْهُم بِهَذَا قبل النّسخ فَإِنَّهُم كَانُوا على الدّين الْحق الَّذِي لم يُبدل وَلم ينْسَخ كَمَا قَالَ فِي الْأَعْرَاف {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} {وقطعناهم فِي الأَرْض أمما مِنْهُم الصالحون وَمِنْهُم دون ذَلِك وبلوناهم بِالْحَسَنَاتِ والسيئات لَعَلَّهُم يرجعُونَ فخلف من بعدهمْ خلف ورثوا الْكتاب يَأْخُذُونَ عرض هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سيغفر لنا وَإِن يَأْتهمْ عرض مثله يأخذوه ألم يُؤْخَذ عَلَيْهِم مِيثَاق الْكتاب أَن لَا يَقُولُوا على الله إِلَّا الْحق ودرسوا مَا فِيهِ وَالدَّار الْآخِرَة خير للَّذين يَتَّقُونَ أَفلا تعقلون وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب وَأَقَامُوا الصَّلَاة إِنَّا لَا نضيع أجر المصلحين} وَقد قَالَ تَعَالَى مُطلقًا {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ}