المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإسلام دين جميع الأنبياء - دقائق التفسير - جـ ١

[ابن تيمية]

الفصل: ‌الإسلام دين جميع الأنبياء

اتبعن وَأَن يَقُول للَّذين أُوتُوا الْكتاب وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى والأميين وهم الَّذين لَا كتاب لَهُم من الْعَرَب وَغَيرهم أأسلمتم فالعرب الأميون يدْخلُونَ فِي لفظ الْأُمِّيين بِاتِّفَاق النَّاس

وَأما من سواهُم فإمَّا أَن يَشْمَلهُ هَذَا اللَّفْظ أَو يدْخل فِي مَعْنَاهُ بِغَيْرِهِ من الْأَلْفَاظ المبينة أَنه أرسل إِلَى جَمِيع النَّاس

قَالَ تَعَالَى {فَإِن أَسْلمُوا فقد اهتدوا وَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وَالله بَصِير بالعباد} فقد أَمر اهل الْكتاب بِالْإِسْلَامِ كَمَا أَمر بِهِ الْأُمِّيين وجعلهم إِذا أَسْلمُوا مهتدين وَإِن لم يسلمُوا فقد قَالَ إِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ أَي تبلغهم رسالات رَبك إِلَيْهِم وَالله هُوَ الَّذِي يحاسبهم فَدلَّ بِهَذَا كُله على أَنه عَلَيْهِ أَن يبلغ أهل الْكتاب مَا أَمرهم بِهِ من الْإِسْلَام كَمَا يبلغ الْأُمِّيين وَأَن الله يحاسبهم على ترك الْإِسْلَام كَمَا يُحَاسب الْأُمِّيين

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْكتاب الَّذِي كتبه الى هِرقل ملك النَّصَارَى من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أسلم تسلم وَأسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ وَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا الى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ

‌الْإِسْلَام دين جَمِيع الْأَنْبِيَاء

وأبلغ من ذَلِك أَن الله تَعَالَى أخبر فِي كِتَابه أَن الْإِسْلَام دين الْأَنْبِيَاء كنوح وَإِبْرَاهِيم وَيَعْقُوب وأتباعهم إِلَى الحواريين وَهَذَا تَحْقِيق لقَوْله تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} و {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} فِي كل زمَان وَمَكَان

قَالَ تَعَالَى عَن نوح أول رَسُول بَعثه الى الأَرْض {واتل عَلَيْهِم نبأ نوح إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قوم إِن كَانَ كبر عَلَيْكُم مقَامي وتذكيري بآيَات الله فعلى الله توكلت فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم ثمَّ لَا يكن أَمركُم عَلَيْكُم غمَّة ثمَّ اقضوا إِلَيّ وَلَا تنْظرُون فَإِن توليتم فَمَا سألتكم من أجر إِن أجري إِلَّا على الله وَأمرت أَن أكون من الْمُسلمين}

فَهَذَا نوح الَّذِي غرق أهل الأَرْض بدعوته وَجعل جَمِيع الْآدَمِيّين من ذُريَّته يذكر أَنه أَمر أَن يكون من الْمُسلمين

ص: 337

وَأما الْخَلِيل فَقَالَ تَعَالَى {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك وأرنا مناسكنا وَتب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم} {وَمن يرغب عَن مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَّا من سفه نَفسه وَلَقَد اصطفيناه فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين إِذْ قَالَ لَهُ ربه أسلم قَالَ أسلمت لرب الْعَالمين ووصى بهَا إِبْرَاهِيم بنيه وَيَعْقُوب يَا بني إِن الله اصْطفى لكم الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ}

فقد أخبر تَعَالَى أَنه أَمر الْخَلِيل بِالْإِسْلَامِ وَأَنه قَالَ أسلمت لرب الْعَالمين وَأَن إِبْرَاهِيم وصّى بنيه وَيَعْقُوب وصّى بنيه أَن لَا يموتن إِلَّا وهم مُسلمُونَ

وَقَالَ تَعَالَى {مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين إِن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ وَهَذَا النَّبِي وَالَّذين آمنُوا وَالله ولي الْمُؤمنِينَ}

وَقَالَ تَعَالَى عَن يُوسُف الصّديق بن يَعْقُوب أَنه قَالَ {رب قد آتيتني من الْملك وعلمتني من تَأْوِيل الْأَحَادِيث فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَنْت وليي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة توفني مُسلما وألحقني بالصالحين}

وَقد قَالَ تَعَالَى عَن مُوسَى {وَقَالَ مُوسَى يَا قوم إِن كُنْتُم آمنتم بِاللَّه فَعَلَيهِ توكلوا إِن كُنْتُم مُسلمين}

وَقَالَ عَن السَّحَرَة الَّذين آمنُوا بمُوسَى {قَالُوا لَا ضير إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون إِنَّا نطمع أَن يغْفر لنا رَبنَا خطايانا أَن كُنَّا أول الْمُؤمنِينَ}

وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا تنقم منا إِلَّا أَن آمنا بآيَات رَبنَا لما جاءتنا رَبنَا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مُسلمين}

قَالَ تَعَالَى فِي قصَّة سُلَيْمَان {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَلا تعلوا عَليّ وأتوني مُسلمين}

ص: 338

و {قَالَ يَا أَيهَا الْمَلأ أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين} وَقَالَ تَعَالَى {وأوتينا الْعلم من قبلهَا وَكُنَّا مُسلمين}

وَقَالَ تَعَالَى عَن بلقيس الَّتِي آمَنت بِسُلَيْمَان {رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين} وَقَالَ عَن أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا} وَقَالَ تَعَالَى عَن الحواريين {وَإِذ أوحيت إِلَى الحواريين أَن آمنُوا بِي وبرسولي قَالُوا آمنا واشهد بأننا مُسلمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين}

فَهَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء كلهم وأتباعهم كلهم يذكر الله تَعَالَى أَنهم كَانُوا مُسلمين وَهَذَا مِمَّا يبين أَن قَوْله تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} وَقَوله {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} لَا يخْتَص بِمن بعث إِلَيْهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بل هُوَ حكم عَام فِي الْأَوَّلين والآخرين وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا}

وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ هودا أَو نَصَارَى تِلْكَ أمانيهم قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين بلَى من أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن فَلهُ أجره عِنْد ربه وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}

ص: 339