المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة … بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة الإمام السيوطي: هو الحافظ أبو الفضل جلال - ذيل طبقات الحفاظ للسيوطي

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌ ‌مقدمة … بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة الإمام السيوطي: هو الحافظ أبو الفضل جلال

‌مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة الإمام السيوطي:

هو الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر بن محمد السيوطي المعروف بابن الأسيوطي.

ولد بالقاهرة ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة وكانت أمه أَمة تركية وأصل أبيه من العجم ومات أبوه وهو ابن ست سنين فكفله وصيه الشهاب بن الطباخ ورباه عند الأمير برسباي الجركسي أستاذ دار الصحبة واتصل بالأمير إينال الأشقر رأس نوبة النوب وكان لبيته اتصال بالأمراء من عهد الأمير شيخو، وكان في جملة أوصيائه الإمام كمال الدين بن الهمام وله أياد بيضاء عليه.

أخذ العلم عن العلم البلقيني والشرف المناوي والشمس بن الفالاتي والجلال المحلي والزين العقبي والبرهان البقاعي والشمس السخاوي الشافعيين، وعن محقق الديار المصرية سيف الدين البكتمري والعلامة محيي الدين الكافيجي البرغمي والحافظ قاسم بن قطلوبغا السودوني والإمام تقي الدين الشمني الحنفيين وغيرهم من المالكية والحنابلة، وعدة شيوخه إجازة وقراءة وسماعًا نحو مائة وخمسين شيخًا وقد جمعهم في معجمه، ولم يكثر من سماع الرواية لاشتغاله بما هو أهم وهو الدراية كما يحكي هو عن نفسه، وممن أجاز له من حلب ابن مقبل وآخر من أجاز له الصلاح بن أبي عمر.

وانصرف إلى الجمع والتأليف وهو صغير فبلغت عدة مؤلفاته نحو ستمائة ما بين رسائل في ورقة أو ورقتين وكتب في عدة مجلدات، والغالب في مصنفاته تلخيص كتب الآخرين فقيمتها العلمية توزن بقدر ما لصاحب الأصل من التحقيق، والتضارب الواقع بين أقواله في كتبه إنما يأتي من اختلاف آراء أصحاب الكتب التي يقوم هو باختصارها حيث لا يتسع له الوقت لتمحيصها وترجيح الراجح منها، قال تلميذه الشمس الداودي المالكي مؤلف طبقات المفسرين الكبرى: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفًا وتحريرًا وكان مع ذلك يملي الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة. اهـ. ومن يكون بهذا الإسراع طول عمره لا يتسنى له تحقيق ما يدونه بل كثيرًا ما تفوته مواضع الفائدة من الأصول التي يلخصها. وقد يتابع أوهام الأصل التي لا يخلو منها تصنيف فتسوء سمعته بتآليفه. قال السخاوي: إن له مؤلفات كثيرة مع كثرة ما يقع له من التحريف والتصحيف

ص: 223

فيها وما ينشأ عن عدم فهم المراد لكونه لم يزاحم الفضلاء في دروسهم ولا جلس بينهم في مسائهم وتعريسهم بل استبد بالأخذ من بطون الدفاتر والكتب، وأخذ من كتب المحمودية وغيرها كثيرًا من التصانيف القديمة التي لا عهد لكثير من العصريين بها في فنون فغير فيها شيئًا يسيرًا وقدم وأخر ونسبها لنفسه وهوّل في مقدماتها. اهـ. ولي مشيخة الحديث مشيخة البيبرسية بعد الجلال البكري إلى أن صرفه عنها السلطان الملك العادل طومانباي الأول يوم الاثنين ثاني عشر من رجب سنة ست وتسعمائة حيث تحزب عليه جمع من مشايخ المدرسة بسبب يبسه معهم ومعاندته لهم بحيث أخرج وظائف كثيرة عنهم وقرر فيها غيرهم وحصل له إهانات من ترسيم وإساءات وأمر بنفي وكانت حكايات كما يقول صاحب "البدر الطالع" فيما علقه على الضوء اللامع بخطه ثم انقطع بسكنه في الروضة وتزهد وكان يأتي إليه أعيان الأمراء للزيارة فلا يقوم لهم وعرضت عليه مشيخة البيبرسية سنة 909 فامتنع من قبولها واستمر على انقطاعه، وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النفيسة فيردها، وأهدى إليه السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري خصيًّا وألف دينار فرد الألف وأخذ الخصيّ فأعتقه وجعله خادمًا في الحجرة النبوية وقال لقاصد السلطان لا تعد تأتينا بهدية قط فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك وطلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه على ما ذكره النجم الغزي في الكواكب السائرة وابن العماد في شذرات الذهب. ومن شعره:

فوض أحاديث الصّفا

ت ولا تشبّه أو تعطل

إن رمت إلا الخوض في

تحقيق معضلة فأول

إن المفوض سالم

مما تكلفه المؤول

ألف في تحريم المنطق وادعى الاجتهاد فصنف في ذلك عدة رسائل فقام العلماء ضده حتى انقبع في عقر داره، ويحكي الشعراني في ذيل طبقاته عن السيوطي أنه كان يقول: قد أشاع الناس عني أني ادعيت الاجتهاد المطلق كأحد الأئمة الأربعة وذلك باطل عني إنما مرادي بذلك المجتهد المنتسب.. ولما بلغت مرتبة الترجيح لم أخرج في الإفتاء عن ترجيح النووي.. ولما بلغت إلى مرتبة الاجتهاد المطلق لم أخرج في الإفتاء عن مذهب الشافعي. اهـ. وغريب جدًّا ما يرويه الداودي والشعراني عنه أنه كان يحفظ مائتي ألف حديث إن لم يكن مراده أنه يحفظها في خزانته لأن شيخ حفاظ الأمة أبا عبد الله البخاري لما سئل عن أحاديث جامعة: هل تحفظها؟ أجاب بقوله: أرجو أن لا يخفى علي منها شيء. ولم يدّع مثل هذه الدعوى.

ص: 224

وله مقامة تهجم فيها على السخاوي سماها "الكاوي في الرد على السخاوي" كما تحامل عليه أيضًا عند ترجمته في "نظم العقيان" مع أنه في عداد شيوخه وما ذنب السخاوي إليه إلا قلة صبره إزاء الدعاوى العريضة. وذكر في "النور السافر" ما كتبه السيوطي إلى السخاوي معرضًا به ومتهجمًا عليه وهو قوله:

قال السخاوي: إن تعروك مشكلة

علمى كبحر من الأمواج ملتطم

والحافظ الديمي عيث الزمان فخذ

"غرفا من اليم أو رشفا من الديم"

والديمي الفخر عثمان المحدث ممن كان بينه وبين السخاوي منافسة أيضًا. ويرى بعضهم أن كلًّا من الثلاثة كان فردًا في فنه مع المشاركة في غيره فالسخاوي تفرد بمعرفة علل الحديث، والديمي بأسماء الرجال، والسيوطي بحفظ المتون. اهـ. وانتصر للسخاوي على السيوطي الشاعر الأديب ابن العليف أحمد بن الحسين المكي في كتابين سماهما "الشهاب الهاوي على منشئ الكاوي" و"المنتقد اللوذعي على المجتهد المدعي".

واستقصى الداودي ذكر أسماء مؤلفاته فزادت على خمسمائة مؤلف منها: "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" في ستة مجلدات لخص فيها كتب التفاسير بالرواية للمتقدمين بتجريدها عن الأسانيد ولم يتكلم عليها فبقي جامعا للغث والثمين وفيه من الأقوال المردودة ما لا يوصف، ومنها "الإتقان في علوم القرآن" وجُلّه من البرهان للبدر الزركشي وهذا كتاب جليل جدا إلا أن السيوطي أغفل مواطن الفائدة منها وتابعه في أوهامه الظاهرة كقوله في أسباب النزول: إن عثمان بن مظعون شرب الخمر في عهد عمر

إلخ مع أنه ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية والإسلام ومات قبل التحريم في أول الهجرة بالمدينة وهو أول من دفن فيها من المسلمين وكل ذلك في غاية الشهرة، بل الذي شرب هو قدامة بن مظعون إلى غير ذلك، سوى ما له من الأوهام فيه وغير ما حشده فيه من الأخبار من غير تمحيص مما يتمسك به خصوم الكتاب الكريم. ومنها "الجامع الكبير" الذي أراد أن يستقصى فيه السنن على حروف الهجاء من غير تقيد بالصحيح، وقد رتبه على أبواب الفقه الشيخ علي المتقي الحنفي الهندي في عدة مؤلفات أكبرها "كنز العمال" إلا أنه يتنافى في ما يقوله السيوطي في أول الكتاب مع ما يسرده نفسه فيما ألفه في الموضوعات كما وقع له مثل ذلك في "الجامع الصغير". وله أيضًا "تاريخ الخلفاء" و"طبقات النحاة" و"حسن المحاضرة".

و"طبقات الحفاظ" لخص فيها طبقات الذهبي وذيل عليها بما في هذا الذيل لكنه لم يتعب فيه بل اختصر تراجمه من الدرر الكامنة وإنباء الغمر إلا فيما قل جدًّا ولم يذكر

ص: 225

الوفيات أثر التراجم ولا أسند أحاديث بطرف المترجمين. وشهرة مؤلفاته تغني عن الإفاضة فيها.

وكانت وفاته في سحر ليلة الجمعة 19 من جمادى الأولى سنة 911 هـ. ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة بمصر كما في ذيل الشعراني والكواكب السائرة والشذرات، وحوض قوصون هذا تحت القلعة لا عند جامعه الكبير ما حققه الأستاذ العلامة أحمد تيمور باشا حفظه الله في كتابه "قبر الإمام السيوطي" أغدق الله على ضريحه سحائب رحمته وأدخله فسيح جنته.

ص: 226

اشتمل هذا الذيل على سبعة وأربعين ترجمة وهي موافقة لما في ذيل حافظ الشام الحسيني رحمه الله تعالى، وللذيل عليها للحافظ تقي الدين أبي الفضل محمد بن فهد الهاشمي تغمده الله برحمته، وزاد على الذيلين المذكورين تراجم خمس أنفس استدركها عليهما في الطبقة الثانية والعشرين وهم: الشهار الهكاوي، وابن حبيب، والسراج القزويني، وأمين الدين الواني، وابن المرابط، ومن الطبقة الرابعة والعشرين واحد وهو: عمر بن مسلم، ومن الطبقة الخامسة والعشرين اثنان هما: ابن الجزري، والشهاب البوصيري1.

وعلمت على المستدرك وعلى موافقة السيد الحسيني "س" وعلى موافقة الحافظ ابن فهد "ف".

1 مجموع ما فيه هذا الذيل من التراجم "47" ترجمة منها "16" ترجمة موافقة لذيل الحسيني و"23" موافقة لذيل ابن فهد و"8" تراجم مستدركة عليهما.

ص: 227