الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعياد والمواسم المبتدعة:
سائر الأعياد والمواسم المبتدعة من المنكرات المكروهات، سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه.
وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها لسببين:
أحدهما: أن فيها مشابهة الكفار.
والثاني: أنها من البدع.
فما أحدث من المواسم والأعياد هو منكر، وإن لم يكن فيها مشابهة لأهل الكتاب، لوجهين:
أحدهما:
أن ذلك داخل في مسمى البدع المحدثات، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ» . وَيَقُولُ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» . وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ
الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
وفيما رواه أيضًا في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وفي لفظ في الصحيحين: «مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» ، وفي الحديث الصحيح عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:«إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» . (رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني).
وهذه قاعدة قد دلت عليها السنة والإجماع، مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضًا، قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى:22)، فمن ندب إلى شيء يُتَقَرَّبُ به إلى الله، أو
أوجبه بقوله أو بفعله، من غير أن يشرعه الله؛ فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله. ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكًا لله شرع من الدين ما لم يأذن به الله.
نعم، قد يكون متأولًا في هذا الشرع، فيُغفَر له لأجل تأويله، إذا كان مجتهدًا الاجتهاد الذي يعفى معه عن المخطئ ويثاب أيضًا على اجتهاده، لكن لا يجوز اتباعه في ذلك، كما لا يجوز اتباع سائر من قال أو عمل، قولًا أو عملًا، قد علم الصواب في خلافه، وإن كان القائل أو الفاعل مأجورًا أو معذورًا.
وقد قال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} (التوبة:31).
وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وآله وسلم وَفِى عُنُقِى صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ «يَا عَدِىُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا
الْوَثَنَ». وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِى سُورَةِ بَرَاءَةَ:: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، قَالَ:«أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» . (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
فمن أطاع أحدًا في دين لم يأذن به الله في تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من هذا الذم نصيب، كما يلحق الآمر الناهي أيضًا نصيب. ثم قد يكون كل منهما معفوًا عنه لاجتهاده، ومُثابًا أيضًا على الاجتهاد، فيتخلف عنه الذم لفوات شرطه، أو لوجود مانعه، وإن كان المقتضي له قائمًا.
ويلحق الذم مَنْ تَبَيَّنَ له الحق فتركه، أو من قصّر في طلبه حتى لم يتبين له، أو أعرض عن طلب معرفته لهوى، أو لكسل، أو نحو ذلك.
وأيضًا: فإن الله تعالى عاب على المشركين شيئين:
أحدهما: أنهم أشركوا به ما لم ينزل به سلطانًا.
والثاني: تحريمهم ما لم يحرمه عليهم.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حين قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِى خُطْبَتِهِ «أَلَا إِنَّ رَبِّى أَمَرَنِى أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِى يَوْمِى هَذَا: «كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ وَإِنِّى خَلَقْتُ عِبَادِى حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِى مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا (1)» (رواه مسلم).
(1) قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «مَعْنَى (نَحَلْته) أَعْطَيْته، وَفِي الْكَلَام حَذْف، أَيْ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: كُلّ مَال أَعْطَيْته عَبْدًا مِنْ عِبَادِي فَهُوَ لَهُ حَلَال. (حُنَفَاء كُلّهمْ) أَيْ: مُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: طَاهِرِينَ مِنْ الْمَعَاصِي، وَقِيلَ: مُسْتَقِيمِينَ مُنِيبِينَ لِقَبُولِ الْهِدَايَة، وَقِيلَ: الْمُرَاد حِين أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْد فِي الذَّرّ، وَقَالَ:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (الأعراف: 172).
قَوْله تَعَالَى: (فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينهمْ) أَيْ: اسْتَخَفُّوهُمْ فَذَهَبُوا بِهِمْ وَأَزَالُوهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، وَجَالُوا مَعَهُمْ فِي الْبَاطِل.
قال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:148)، فجمعوا بين الشرك والتحريم، والشرك يدخل فيه كل عبادة لم يأذن الله بها، فإن المشركين يزعمون أن عبادتهم: إما واجبة، وإما مستحبة، وأن فعلها خير من تركها.
ثم مِنهم مَن عبد غير الله، ليتقرب بعبادته إلى الله. ومنهم من ابتدع دينًا عبدوا به الله، في زعمهم، كما أحدثته النصارى من أنواع العبادات المحدثة.
وأصل الضلال في أهل الأرض إنما نشأ من هذين:
1 -
إما اتخاذ دين لم يشرعه الله.
2 -
أو تحريم ما لم يحرمه الله.