المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكمإهداء الكافروقبول هديتهفي يوم عيده - رأس السنة هل نحتفل

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌دُرَر من كلامشيخ الإسلام ابن تيميةعن تحريم مشابهة أهل الكتاب في الأعياد وغيرها

- ‌الصراط المستقيم أمور باطنة في القلب، وأمور ظاهرة:

- ‌لماذا الأمر بمخالفة اليهود والنصارى في الهدي الظاهر

- ‌بعض الأدلة من القرآن والسنة على النهي عن التشبه بالكافرين:

- ‌موافقة اليهود والنصارى في أعيادهم:

- ‌حريم العيد:

- ‌هل يجب على المسلم أن يعرف أعياد الكفار

- ‌حكم إعانة المسلمين المتشبهين بالكفار في أعيادهم:

- ‌بيع المسلمين للكفار في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم:

- ‌الأعياد والمواسم المبتدعة:

- ‌ الأصل الذي بَنَى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم

- ‌أصل بدعةالاحتفال بعيدرأس السنة الميلادية

- ‌تاريخ رأس السنة:

- ‌غرائب الغرب وأذنابهم في احتفالهم برأس السنة الميلادية

- ‌خرافة سانتاكلوز أو ما يسمى بابا نويل:

- ‌الجذورالوثنية لعيد الميلاد

- ‌هل حقًا يحتفل النصارى بعيد ميلاد المسيح عليه السلام

- ‌أصل شجرة الميلاد:

- ‌كلامٌ قيِّمللإمام ابن القيمفي تهنئة الكفار بعيدهم

- ‌حكمإهداء الكافروقبول هديتهفي يوم عيده

- ‌استخدامالتاريخ الميلادي

- ‌أصل بدعةالاحتفال بعيدرأس السنة الهجرية

- ‌صيام يومَيْ آخر السنة الهجرية وأولها:

- ‌السُنّةفي استقبالالسَّنَة الهجرية

- ‌حكم التهنئةبالعام الهجري الجديد

- ‌فتاوىأهل العلم

- ‌هل يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ:

- ‌لا يجوز الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية ولا بدخول الألفية الميلادية الثالثة:

- ‌الاحتفال بأعياد الكفار ومناسباتهم الخاصة بهم لا يجوز:

- ‌هل تحضر العيد لتسَلّم على أقاربها

- ‌إرسال المبتعث بطاقات التهنئة بعيد رأس السنة للمشرف الدراسي النصراني:

- ‌هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار

- ‌لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم بأي صيغة كانت:

- ‌جمع التبرعات لشراء هدايا للأسر الفقيرة في الكريسمس:

- ‌استخدام الألعاب النارية ليلة رأس السنة:

- ‌إنشاء عبادة لمخالفة المشركين في أعيادهم بدعة:

- ‌هل يجوز الاجتماع ليلة رأس السنة الميلادية للذِّكر والدعاء وقراءة القرآن

- ‌حكم الاحتفال ببداية العام الهجري:

- ‌صيام رأس السنة الهجرية بدعة:

- ‌حكم تخصيص ليلة رأس السنة الهجرية بالعبادة والقيام:

- ‌مِن البدع تحديد تاريخ المولد النبوي أو رأس السنة الهجرية كموعد للختان:

- ‌المراجع

- ‌صَدَرَ للمؤلف

الفصل: ‌حكمإهداء الكافروقبول هديتهفي يوم عيده

‌حكم

إهداء الكافر

وقبول هديته

في يوم عيده

أولا: الإهداء للكافر:

يجوز للمسلم أن يُهدي للكافر والمشرك، بقصد تأليفه، وترغيبه في الإسلام، لاسيما إذا كان قريبًا أو جارًا، وقد أهدى عمر رضي الله عنه لأخيه المشرك في مكة حُلَّة (ثوبًا). (رواه البخاري).

لكن لا يجوز أن يُهْدِي للكافر في يوم عيد من أعياده، لأن ذلك يُعَدُّ إقرارًا ومشاركة في الاحتفال بالعيد الباطل.

وإذا كانت الهدية مما يُستعان به على الاحتفال كالطعام والشموع ونحو ذلك، كان الأمر أعظم تحريمًا، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك كفر.

ص: 53

قال الإمام الزيلعي الحنفي:

«(والإعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز) أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام، بل كفر ، وقال أبو حفص الكبير رحمه الله: «لو أن رجلا عَبَدَ الله خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز ، وأهدى لبعض المشركين بيضة، يريد به تعظيم ذلك اليوم، فقد كفر ، وحبط عمله» (1).

بل ولا يجوز للمسلم أن يهدي للمسلم هدية لأجل هذا العيد (2).

وقد سبق نَقْل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أنه لا يجوز للمسلم أن يتشبه بالكفار في أعيادهم، ولا أن يُعين المسلم المتشبه بهم في ذلك، ولا أن يُجيب في أعيادهم دعوة مخالفة للعادة صنعها مُسلم، ولا أن يقبل من المسلمين في

(1) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (6/ 228).

(2)

فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، رقم الفتوى:85108.

ص: 54

هذه الأعياد هدية مخالفة للعادة في سائر الأوقات، خصوصًا إن كانت الهدية مما يُستعان بها على التشبه بهم، ولا أن يُهدِى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان به على التشبه بهم.

وكذلك لا يجوز أن يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد، من الطعام واللباس ونحو ذلك، لأن في ذلك إعانة على المنكر.

وكذلك لا يجوز أن يبيع المسلم لهم في أعيادهم، ما يستعينون به على عيدهم، من الطعام واللباس، والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم.

ثانيًا: قبول الهدية من الكافر:

وقع الخلاف بين العلماء في هدية المشرك هل تقبل أم لا؟ وسبب اختلافهم في ذلك وجود أحاديث تدل على جواز أخذ الهدية منهم، ووجود أخرى تمنع من ذلك.

ص: 55

فمنهم من أجازها تأليفًا لقلبه وترغيبًا له في الإسلام، واستدل بقبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم هدايا بعض الكفار، كهدية المقوقس وغيره، وبوَّب البخاري في صحيحه:«باب قبول الهدية من المشركين» ، وذكر قصة اليهودية وإهداءها الشاة المسمومة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وروى مسلم عن العَبَّاس بن عبد المطلب أن فَرْوَةَ بْنَ نُفَاثَةَ الْجُذَامِىُّ أهدى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ.

ومِن العلماء مَن منعها واستدل بحديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رضي الله عنه أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم هَدِيَّةً لَهُ أَوْ نَاقَةً، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وآله وسلم:«أَسْلَمْتَ؟» . قَالَ: «لَا» . قَالَ: «فَإِنِّى نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ» . (رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني والأرنؤوط).

قَالَ الإمام أَبُو عِيسَى الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «إِنِّى نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ» . يَعْنِى هَدَايَاهُمْ».

ص: 56

وفي الجمع بين هذه الأحاديث أقوال منها:

1 -

اَلِامْتِنَاعَ فِيمَا أُهْدِيَ لَهُ خَاصَّة وَالْقَبُول فِيمَا أُهْدِيَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ اَلْجَوَازِ مَا وَقَعَتْ اَلْهَدِيَّة فِيهِ لَهُ خَاصَّة.

2 -

يُحْمَلُ اَلْقَبُولُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتَابِ، وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ اَلْأَوْثَان.

لكِنْ قَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثًا اسْتَنْبَطَ مِنْهُ جَوَازَ قَبُولِ هَدِيَّةَ الْوَثَنِيِّ، وَفِيهِ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ حَمَلَ رَدَّ الْهَدِيَّةِ عَلَى الْوَثَنِيِّ دُونَ الْكِتَابِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاهِبَ الْمَذْكُورَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَثَنِيٌّ.

3 -

نَسْخَ اَلْمَنْع بِأَحَادِيثِ اَلْقَبُول.

4 -

نَسْخَ اَلْقَبُول بِأَحَادِيثِ اَلْمَنْع.

لكن النَّسْخ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ.

5 -

الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ بِهَدِيَّتِهِ اَلتَّوَدُّدَ وَالْمُوَالَاةَ، وَالْقَبُولَ فِي حَقّ مَنْ يُرْجَى بِذَلِكَ تَأْنِيسُهُ وَتَأْلِيفُهُ عَلَى

ص: 57

اَلْإِسْلَامِ، فَقَبِلَ ممن طمع في إسلامه ويرجو منه مصلحة للمسلمين، ورَدَّ ممن على خلاف ذلك.

فيُمنَع قبول هداياهم إذا خشي المسلم على نفسه ـ إنْ هو قَبِلَها ـ أن يحصل في قلبه ميل لهم.

فالأصل هو عدم جواز قبول هدايا المشركين، لكن إذا كانت في قبول هداياهم مصلحة عامة أو خاصة فيجوز قبولها كتأليفهم إلى الإسلام والرغبة في هدايتهم، أما إذا لم تكن هناك مصلحة فلا تُقْبل.

6 -

يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لِغَير النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ اَلْأُمَرَاءِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ، ولعل هذا أقوى الأقوال.

قَالَ الْجُمْهُور: سَبَب الْقَبُول أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم مَخْصُوص بِالْفَيْءِ الْحَاصِل بِلَا قِتَال، بِخِلَافِ غَيْره، فَقَبِلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم مِمَّنْ طَمِعَ فِي إِسْلَامه وَتَأْلِيفه لِمَصْلَحَةٍ يَرْجُوهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَافَأَ بَعْضهمْ، وَرَدَّ هَدِيَّة مَنْ لَمْ يَطْمَع فِي إِسْلَامه وَلَمْ يَكُنْ فِي قَبُولهَا مَصْلَحَة؛ لِأَنَّ الْهَدِيَّة تُوجِب الْمَحَبَّة وَالْمَوَدَّة.

ص: 58

فترَكَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم قبول هدية عياض بن حمار رضي الله عنه ونهى عن هدايا المشركين لِما في التهادي من إيجاب تليين القلوب، ومَن حَادَّ اللهَ وشانَه فقد حرمت على المسلمين موالاته وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك بخلاف غيره لأنه مأمون مِنه ما لا يؤمن مِن أكثر الأمراء بعدَه.

ولا شك أن الهدية سبب لاستجلاب المودة وسلّ سخيمة الصدر ووجْده وحِقْده وغِلّه؛ لتعود العداوة محبة والبغضة مودة، ولذلك حث عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المسلمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:«تَهَادُوا تَحَابُّوا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وحسنه الحافظ ابن حجر والألباني).

وعن أنس رضي الله عنه قال: «يا بَنِيَّ، تبادلوا بينكم؛ فإنه أوَدُّ لما بينكم» . (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وصحح إسناده الألباني).

ص: 59

تنبيه:

إذا كانت هدية المشرك يريد بها فتنة المسلم أو تنازله عن شيء من دينه فلا يجوز قبولها بلا خلاف (1).

ثالثًا: قبول الهدية من الكافر في عيده:

مسألة قبول الهدية من الكافر في عيده قد اختلف فيها العلماء، قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

«قال أهل العلم: إنه لا يجوز للمسلمين أن يشاركوا غير المسلمين في أعيادهم لأن ذلك إقرار ورضًا بما هم عليه من الدين الباطل ثم إنه معاونة على الإثم والعدوان.

(1) انظر: فتح الباري للحافظ ابن حجر (5/ 280 - 281)، شرح صحيح مسلم للإمام النووي (6/ 2231 - 2232). الاستذكار لمذاهب أئمة الأمصار وفيما تضمنه الموطأ من المعاني والآثار للحافظ ابن عبد البر (5/ 89)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (17/ 140) لملا علي القاري، فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف الدكتور عبد الله الفقيه، رقم الفتوى:28513.

ص: 60

واختلف العلماء فيما إذا أهدى إليك أحد من غير المسلمين هدية بمناسبة أعيادهم هل يجوز لك قبولها أو لا يجوز؟

- فمن العلماء من قال: لا يجوز أن تقبل هديتهم في أعيادهم لأن ذلك عنوان الرضاء بها (1).

- ومنهم من يقول: لا بأس به.

- وعلى كل حال إذا لم يكن في ذلك محظور شرعي وهو أن يعتقد المهدِي إليك أنك راضٍ بما هم عليه فإنه لا بأس بالقبول، وإلا فعدم القبول أولى» (2).

(1) الرضاء: الرضا.

(2)

إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحيين الجويين (ص: 70 – 71). وهو ثمرة من لقاءات الشيخ رحمه الله مع الملاحين الجويين في مدينة جدة، وهو كتاب شامل لكثير من المسائل التي يقابلها الملاحون في أعمالهم ورحلاتهم الجوية المتكررة.

ص: 61

القول بالمنع:

أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية بعدم جواز قبول هدايا الكفار في أيام أعيادهم، وذكرت كثيرًا من المفاسد المترتبة على ذلك.

فقد سُئلت اللجنة: «هل يجوز للمسلم أن يأكل من الأطعمة التي أعدها أهل الكتاب أو المشركون في أيام عيدهم أو يَقْبَل عَطِيَّةً منهم لأجل عيدهم؟» .

فأجابت: «لا يجوز للمسلم أن يأكل مما يصنعه اليهود أو النصارى أو المشركون من الأطعمة لأعيادهم، ولا يجوز أيضًا للمسلم أن يَقبلَ منهم هدية من أجل عيدهم؛ لما في ذلك مِن تكريمهم والتعاون معهم في إظهار شعائرهم وترويج بدعهم ومشاركتهم السرور أيام أعيادهم.

وقد يجُرُّ ذلك إلى اتخاذ أعيادهم أعيادًا لنا، أو إلى تبادل الدعوات إلى تناول الأطعمة أو الهدايا في أعيادنا وأعيادهم على الأقل، وهذا من الفتن والابتداع في الدين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا

ص: 62

مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (1)، كما لا يجوز أن يهدى إليهم شيء من أجل عيدهم» (2) اهـ.

وقد صدرت الفتوى عن اللجنة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وعضوية الشيخ عبد الرزاق عفيفي، نائبًا للرئيس، وعضوية الشيخ عبد الله بن قعود O.

القول بالجواز:

أما من قال بجواز قبول الهدية من الكافر في يوم عيده فلا يعتبر ذلك مشاركة ولا إقرارًا للاحتفال، بل تؤخذ الهدية على سبيل البر، وقصد التأليف والدعوة إلى الإسلام.

واستدل بأن الله عز وجل قد أباح البر والقسط مع الكافر الذي لم يقاتل المسلمين، فقال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ

(1) رواه مسلم.

(2)

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية (22/ 398 399، السؤال الثاني من الفتوى رقم (2882).

ص: 63

اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} (الممتحنة:8)» (1).

واستند إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما قبول الهدية منهم يوم عيدهم فقد قدَّمْنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بهدية النيروز فقبِلَها (2).

وروى ابن أبي شيبة أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنه قالت: «إن لنا أظآرًا (3) من المجوس، وإنه يكون لهم العيد فيُهْدُون لنا» ، فقالت:«أمَّا ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا، ولكن كلوا من أشجارهم» (4).

وعن أبي برزة أنه كان له سكان مجوس فكانوا يهدون

(1) انظر: فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، رقم الفتوى:85108.

(2)

سنن البيهقى (19337)، وإسناده ضعيف (نسخة اقتضاء الصراط المستقيم المحققة بإشراف الشيخ مصطفى العدوي).

(3)

جمع ظِئْر، وهي المرضع.

(4)

مصنف ابن أبي شيبة (7/ 587)، وإسناده ضعيف (نسخة اقتضاء الصراط المستقيم المحققة بإشراف الشيخ مصطفى العدوي).

ص: 64

له في النيروز والمهرجان، فكان يقول لأهله:«ما كان من فاكهة فكلوه، وما كان من غير ذلك فرُدُّوه» (1).

فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم، بل حكمها في العيد وغيره سواء؛ لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم

» (2).اهـ.

وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد بنى قوله بجواز قبول هدايا الكفار في أعيادهم على هذه الآثار التي ضعفها الشيخ العدوي، فلعل القول بالمنع هو الأصح.

وقد نَبَّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن ذبيحة الكتابي وإن كانت حلالًا إلا أن ما ذبحه لأجل عيده: لا يجوز أكله (3).

(1) مصنف ابن أبي شيبة (5/ 548)، وإسناده ضعيف (نسخة اقتضاء الصراط المستقيم المحققة بإشراف الشيخ مصطفى العدوي).

(2)

اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 250).

(3)

اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 251).

ص: 65

ضوابط وشروط من قال بالجواز:

مَن قال بجواز قبول الهدية من الكفار في يوم عيدهم وضع لذلك شروطًا منها:

1 -

أن البر والقسط لا يعني المودة والمحبة؛ إذ لا تجوز محبة الكافر ولا مودته، ولا اتخاذه صديقًا أو صاحبًا، لقوله تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)} (المجادلة:22).

وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} (الممتحنة:1).وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ

ص: 66

بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} (آل عمران:118).

وقال عز وجل: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)} (هود:113). وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} (المائدة:51)، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على تحريم مصادقة الكافر أو مودته.

2 -

ألا تكون هذه الهدية من ذبيحةٍ ذُبِحَتْ لأجل العيد.

3 -

ألا تكون مما يستعان به على التشبه بهم في يوم عيدهم، كالشمع، والبيض، والجريد، ونحو ذلك.

4 -

أن يصحب ذلك شرح وتوضيح لعقيدة الولاء والبراء للأبناء، حتى لا ينغرس في قلوبهم حب هذا العيد، أو التعلق بالمُهدِي.

ص: 67

5 -

أن يكون قبول الهدية بقصد تأليف الكفار ودعوتهم للإسلام، لا مجاملة أو محبة ومودة.

وفي حال كون الهدية مما لا يجوز قبولها، فإنه ينبغي أن يصحب رفضها توضيح وبيان لسبب الرفض، كأن يقال: إنما رفضنا هديتك لأنها ذبيحة ذُبحت لأجل العيد، وهذا لا يحل لنا أكله، أو أن هذه الأمور إنما يقبلها من يشارك في الاحتفال، ونحن لا نحتفل بهذا العيد؛ لأنه غير مشروع في ديننا، ويتضمن اعتقادًا لا يصح عندنا، ونحو ذلك، مما هو مدخل لدعوتهم إلى الإسلام، وبيان خطر الكفر الذي هم عليه.

والمسلم يجب أن يكون معتزا بدينه، مطبقا لأحكامه، لا يتنازل عنها حياء أو مجاملة لأحد، فإن الله أحق أن يُستحيى منه (1).

(1) انظر: فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، رقم الفتوى:85108.

ص: 68