المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما ضد الإيمان - رسائل الشيخ الحمد في العقيدة - جـ ١

[محمد بن إبراهيم الحمد]

الفصل: ‌ما ضد الإيمان

‌ما ضد الإيمان

؟

يضاد الإيمان بالله_سبحانه وتعالى_الكفر بالله، أو بأي نوع من أنواع التوحيد، أو أن يأتي الإنسان بأي ناقض من نواقض الإسلام.

وفي هذا الموضع سيكون الحديث عن ظاهرة خطيرة تنافي الإيمان بالله، وتعارضه معارضة كلية، ألا وهي ظاهرة الإلحاد، تلك الظاهرة القديمة الجديدة، فما معنى الإلحاد؟ وما أسبابه؟ وكيف دخل بلاد المسلمين؟ وما آثاره؟.

=معنى الإلحاد+ (1) :

الإلحاد في لغة العرب: هو الميل.

وفي الشرع: هو الميل عما يجب اعتقاده أو عمله.

المقصود بالإلحاد هنا الكفر بالله، والميل عن طريق أهل الإيمان والرشد، والتكذيب بالبعث، والجنة، والنار، وتكريس الحياة كلها للدنيا فقط، وتكذيب الرسل، وإنكار وجود الرب_تبارك وتعالى_.

=انتشاره+:

الإلحاد اليوم أصبح ظاهرة عالمية، فالعالم الغربي في أوربا وأمريكا_وإن كان وارثاً في الظاهرة للعقيدة النصرانية التي تؤمن بالبعث والجنة والنار_إلا أنه_في الأغلب_ترك هذه العقيدة الآن وأصبح إيمان الناس هناك بالحياة الدنيا فحسب، وأصبحت الكنيسة مجرد تراثٍ تافهٍ جداً؛ وقد أصبح الإلحاد هو الدين الرسمي المنصوص عليه في كل دساتير البلدان الأوروبية والأمريكية، ويعبر عن ذلك بالعلمانية تارة، وباللادينية أخرى.

أما في الشرق فقد قامت أكبر دولة على الإلحاد، وهي الدولة الروسية، التي تحمل العقيدة الشيوعية، التي تحمل في بنودها رفض الغيب، والنظر إلى الحياة كلها وفي جميع الجوانب من منظور مادي بحت.

(1) انظر الإلحاد أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها، للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، ص8_9.

ص: 27

=أسبابه+ (1) :

لقد انتشر الإلحاد ومد رواقه في كثير من بلدان العالم، ومنذ مائتي عام لم تكن مشكلة الإلحاد بهذه الحدة والانتشار، ولكن في القرنين الأخيرين ظهرت عوامل عديدةٌ جعلت من الإلحاد والكفر ديناً عامَّاً منتشراً.

وتلك العوامل منها ما يعود إلى المجتمع الذي عاشت فيه منها ما يعود إلى شخصيات مؤسسيها المنحرفة.

وفيما يلي ذكرٌ لشيء من تلك الأسباب بإجمال؛ إذ المقام ليس مقامَ بَسْطِها، فمن ذلك:

1_

أنها كانت ردة فعل للطغيان الكنسي، الذي حارب العلم، وحارب العقل، وأعان الحكام الظلمة، ومَكَّنَ للخرافة، وفرض على الناس الضرائب والعشور، وما إلى ذلك مما قامت به الكنيسة الأوروبية.

2_

مظالم العالم الرأسمالي، فكان أن قامت الحركة الإلحادية الشيوعية كردة فعل_أيضاً_للرأسمالية.

3_

كثرة المشكلات في المجتمع الأوروبي، وفقدان التوازن فيه اجتماعياً واقتصادياً خصوصاً في القرنين السابعَ عشرَ والثامنَ عشرَ.

4_

غياب المنهج الصحيح؛ وهو دين الإسلام عن الساحة التي نشأ فيها الإلحاد، وتقصير المسلمين في أداء رسالتهم في قوامة المجتمع البشري، وانتشاله من الهاوية.

5_

كثرة الاتجاهات، والنظريات، والمباديء التي وجدت في المجتمع الأوروبي.

6_

الخواء الروحي لدى أوروبا؛ إذ الكنيسة لا تقدم منهجاً يزكي النفس، ويجلب السعادة والطمأنينة للأفراد والمجتمعات؛ مما جعل النفوس تتعلق بخيط العنكبوت، وتتشبث بعود الثمام؛ لتنجو مما هي فيه من الحيرة، والاضطراب، والقلق.

(1) انظر المرجع السابق، ص10_18، وانظر إلى كتاب: بعض أسباب الإلحاد وأثر الإيمان بالله تعالى، للدكتور عبد الحليم أحمدي، وانظر إلى: نقد أصول الشيوعية، للشيخ صالح بن سعد اللحيدان، ص40، والشيوعية خلاصة ضروب الكر والموبقات، لأحمد عبد الغفور عطار، ص31_32، وحكم الاشتراكية في الإسلام، للشيخ عبد العزيز البدري، ص58، وانظر الشيوعية للكاتب.

ص: 28

7_

الاستعمار وما خلَّفه من دمار؛ فله أثره الواضح في انحطاط الشعوب المستعمرة، وذلك عن طريق الكتب، وقفل باب الحرية، الأمر الذي أفسح المجال للإلحاد.

8_

المكر اليهودي على العالم كله، وتآمره عليه لإفساده؛ تميهداً للسيطرة عليه، حيث استغلوا هذه المذاهب ومكنوا لها.

9_

الانقلاب الصناعي، وما يقوم به الشيوعيون من بحثٍ علميٍّ جادٍّ مستندٍ على أدلةٍ مغريةٍ تقول: بأن الدين خرافة.

10_

ملذات الحياة، ومباهج الحضارة، ونسيان الخالق؛ فلقد فتح العلمُ الماديُّ أبواباً عظيمةً من أبواب الرفاهية والترف، فالمراكب الفارهة الفخمة؛ من سيارات، وقطارات، وبواخرَ وطائراتٍ، كذلك الملابس، والمطاعم، ووسائل التسلية، كل ذلك جعل الغفلة تستحكم على النفوس ولا تشعر بالعاقبة، مما فتح المجال لترويج أي مبدأ.

11_

انحراف مؤسسي الشيوعية، وشذوذهم؛ فهذا ماركس اليهودي_على سبيل المثال_كان حبراً يهودياً، وكان مُخففاً في شؤون حياته الخاصة، وكان ذا طبيعة ميالة للهدم والفساد.

أضف إلى ذلك ما كان عليه من فسادٍ خلقي وسلوكي، كذلك موت ابنتيه منتحرتين، كل هذه العوامل تحركت في نفس هذا المجرم، فأخرجت أكلَها النتنَ القبيحَ.

وقل مثل ذلك أو أشد في شأن زعماء الشيوعية كلينين، وستالين، وخرتشوف، وغيرهم.

وبالجملة فأقل ما يقال عن الإلحاد أنه عقوبةٌ إلهيةٌ للبشرية بسبب تماديها في الغواية والضلال.

=كيف دخل الإلحاد بلاد المسلمين+؟ (1) :

لقد دخل الإلحاد في كثير من بلاد المسلمين وما كان له أن يدخل، إلا أن هناك أسباباً عديدة مكنت لدخوله في بلاد المسلمين منها:

(1) انظر السرطان الأحمر، د. عبد الله عزام، من ص99_106، والإلحاد أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها، والشيوعية للكاتب.

ص: 29

1_

انحراف كثير من المسلمين عن دينهم، ونسيانهم حظَّاً ما ذُكِّروا به، وإلا فإن الصبر والتقوى كفيلان برد كل باطل [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً] (آل عمران: 120) .

2_

هزيمة العالم الإسلامي أمام الهجمة الأوروبية، فما كاد الأوروبيون يمتلكون القوة المادية، ويستخدمون الآلة، ويبنون المصانع_حتى اتجهوا إلى دول العالم الثالث؛ بحثاً عن الأسواق لبيع منتجاتهم الصناعي، وجلباً للمواد الخام اللازمة للصناعة.

ولما كانت هذه الدول تطمع في الحصول على ما تريد بأبخس الأثمان، أو بلا ثمن أصلاً_فإنها استخدمت قوتها العسكرية.

ولما كان العالم الإسلامي في غاية التخلف عسكرياً، وسياسياً وصناعياً_لم يصمد أمام تلك الهجمة، وكان للهزيمة العسكرية أثرُها في زعزعة العقيدة، ووجود الشعور بالنقص، وتقليد الغالب، والتشبه بأخلاقه؛ ظناً منهم_لفرط جهلهم_أن أوروبا لم تتطور إلا عندما اعتنقت الإلحاد، ورفضت الدين.

3_

الاستعمار الغربي لكثير من بلاد المسلمين؛ فلقد عانى المسلمون من الاستعمار وويلاته، حيث امتص الغرب دماء المسلمين، وخيراتهم، وأوطانهم.

4_

تركيز الغرب على إفساد التعليم، والإعلام، والمرأة، وتشويه صورة علماء المسلمين، مع الحرص على نشر الفوضى الجنسية، والإباحية والعري، حيث غرق كثير من الشباب في هذا المستنقع الآسن، والإلحادُ لا يُفَرَّخ إلا في مثل هذا الجو.

5_

انحسار عقيدة الولاء والبراء عند كثير من المسلمين.

6_

انتشار الجهل بدين الإسلام.

7_

انتشار المذاهب الهدامة، والفرق الضالة، والطرق الصوفية المخذلة؛ التي تقوم على الدجل، والخرافة، وعبادة القبور والمبالغة في قصص الكرامات، كل ذلك استغله الملاحدة، ونفذوا من خلاله إلى الطعن في الدين.

ص: 30

8_

الابتعاث وما فيه من مفاسد؛ حيث يذهب إلى بلاد الكفر مَنْ هو خالي الوفاض في الغالب، فلا علم لديه، ولا ورع يزمُّه، ولا تقوى تردعه، فيعيش في تلك البلاد ويتأثر بما فيها من أفكار وأخلاق، وربما رجع بشهادة الدكتوراه بعد أن يفقد شهادة أن لا إله إلا الله.

9_

التقصير في جانب الدعوة إلى الله.

10_

سقوط الخلافة الإسلامية.

11_

ترك فريضة الجهاد، والركون إلى ملذات الدنيا، والإخلاد إلى الراحة.

=الآثار المترتبة على الإلحاد+ (1) :

للإلحاد والكفر آثار سيئة، وثمرات منتنة على الأفراد والجماعات.

فالأمم الكافرة تعيش حياة صعبة معقدة، ولا يجدون حلاً لمشكلاتهم، فهم يعاقبون في هذه الدنيا أشد أنواع العقوبات بالإضافة إلى ما سيلقونه يوم القيامة من النكال والعذاب والخلود في النار_إن ماتوا على كفرهم_.

وفيما يلي إجمال للآثار المترتبة على الإلحاد:

1_

القلق النفسي، والاضطراب، والحرمان من طمأنينة القلب، وسكون النفس.

قال_سبحانه وتعالى_: [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى](طه: 124) .

كيف لا يصيب الملاحدة الهم والغم والقلق وفي داخل كل إنسان أسئلة محيرة؟ مَنْ خَلَق الحياة؟ وما نهايتها؟ وما بدايتها؟ وما سر هذه الروح التي لو خرجت لأصبح الإنسان جماداً؟.

من يجيب عن تلك التساؤلات؟ آلشيوعية؟ ! أنى لها؟ !.

ثم إن هذه الأسئلة قد تهدأ في بعض الأحيان بسبب مشاغل الحياة إلا أنها ما تلبث أن تعود، وما نراه اليوم من كثرة الانتحارات، وإدمان المخدرات دليل على ذلك.

(1) انظر الكيد الأحمر للشيخ عبد الرحمن حنبكة الميداني، ص553 وما بعدها، والإلحاد أسباب هذه الظاهرة وأسباب علاجها للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، ص20_33.

ص: 31

2_

الأنانية والفردية؛ نظراً لاشتغال كل فرد بنفسه؛ فلا رحمة ولا شفقة ولا عطف ولا حنان؛ أين ذلك كله من الرحمة في الإسلام؟ كما قال النبي_عليه الصلاة والسلام_: =لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه+ (1) .

3_

حب الجريمة؛ وهذا لا يحتاج إلى دليل فواقع الحياة في الغرب، ومعدلات السرقة والخطف_شاهد على ذلك.

4_

هدم النظام الأسري؛ وذلك أن الأسرة الكافرة تعيش في تفكك وتشرذم وضياع.

5_

فساد المجتمع؛ إذ أن فساده من فساد الأسرة.

6_

الرغبة في الانتحار؛ تخلصاً من الحياة:

والغريب في الأمر أن أكثرية المنتحرين ليسوا من الفقراء حتى يقال بسبب فقرهم، بل من الأغنياء المترفين، ومن الأطباء، بل ومن الأطباء النفسانيين الذي يظن بهم أنهم يجلبون السعادة للناس!.

والغريب أن الانتحار في بعض بلدان الغرب له مؤيدون، وهناك كتب تعين الذين يريدون الانتحار، وتبين لهم الطرق المناسبة! (2) .

7_

إرادة الانتقام، والظمأ النفسي للتشفي من كل موجود.

8_

شيوع الكراهية والبغضاء.

9_

انعدام الثقة بين الناس؛ فكل شخص يخاف من أقرب الناس إليه، ولا أدل على ذلك مما حصل في ألمانيا الشرقية عندما انهارت فيها الشيوعية، حيث ذهب الناس إلى أقسام الشرطة؛ لينظروا ما كتب عنهم من تقريرات من خلال العمليات التجسسية، فوجد كثير منهم أن الذي كتب عنه التقرير أمُّه أو أختُه أو زوجتُه أو صديقُه!.

10_

شيوع الأوهام والمخاوف.

11_

الإجرام السياسي: وهو من أعظم آثار الإلحاد؛ ذلك أن الأخلاق المادية الإلحادية التي جعلت قلب الإنسان يمتليء بالقسوة_دفعته إلى تطبيق ذلك عملياً، لذلك رأينا الدول الكبرى كيف تفعل بالدول المُسْتَعْمَرة من الإهانة، والإذلال، والقتل، والتشريد.

(1) رواه البخاري رقم (13) ، ومسلم رقم (45) .

(2)

انظر إلى كتاب: التوبة وظيفة العمر للكاتب، ففيه تفصيل لذلك.

ص: 32

ولا أدل على ذلك مما فعله ستالين إبَّان فترة حكمه؛ حيث قتل في تلك المدة أكثر من ثلاثين مليوناً.

هذا شيء من آثار الإلحاد المدمرة.

ومن خلال ذلك يتبين لنا مدى ما تصل إليه البشرية عندما تبتعد عن وحي السماء، ويتبين لنا_أيضاً_مدى حاجتها إلى المنهج الصحيح الذي يقودها إلى سعادة الدارين.

ولا يتم ذلك إلا بالجد، والاجتهاد في الدعوة إلى الله، وبيان محاسن الإسلام، والتصدي لشبهات الملاحدة، مع العناية بتربية الناس على العقيدة الصحيحة، والأخلاق القويمة المستمدة من مشكاة الوحي، فيهدي الله بذلك من شاء هدايته ممن سبقت له الحسنى.

* * *

ص: 33