المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 ـ دلالة أسمائه وصفاته - رسائل الشيخ الحمد في العقيدة - جـ ١

[محمد بن إبراهيم الحمد]

الفصل: ‌5 ـ دلالة أسمائه وصفاته

ز_اختلاف الطعوم والألوان والروائح في النبات:

وهذا دليل حسي على وحدانية الله؛ فالماء ينزل من السماء عديم اللون والطعم والرائحة، ينزل على الأرض الجرداء، ثم يخرج_بإذن الله_من جَرَّاء ذلك نباتاتٌ مختلفة في اللون، والطعم، والرائحة، فبعضها حلو، وبعضها حامض، وبعضها مُزٌّ، وبعضها أخضرُ، وبعضها أصفرُ، وبعضها أسود.

بل إن النوع الواحد من بعض الثمار متنوع تنوعاً عجيباً؛ ومن ذلك على سبيل المثال (العنب) فمنه جنات معروشات وغير معروشات، ومنه الحلو، ومنه الحامض، ومنه الحامض الحلو، ومنه الأخضر، ومنه الأحمر، ومنه الأسود، ومنه الطويل، ومنه المدور إلى غير ذلك.

وقل مثل ذلك في النخل؛ فمنها ما تكون حلاوته بسراً أكثرَ من حلاوته رطباً والعكس بالعكس، ومنه الأسود، ومنه الأصفر، ومنه الطويل، ومنه المدور، كل ذلك وهو يسقى بماء واحد.

فمن الذي فضَّل بعضها على بعض في الأكل؟ ومن الذي أودعها هذه المزايا من الألوان والأطعمة؟.

إنه الله [وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى](الأعلى: 3_5) .

ح_ اختلاف الألسن:

فنحن نرى اختلاف الألسن واللغات من شعب إلى شعب، ومن إنسان إلى إنسان، فمن الذي علم الإنسان البيان؟ ومن الذي يعلم تلك اللغات جميعاً، ويحصي ما يقولون فلا تختلط عليه؟.

إنه الله الواحد الأحد.

فاختلاف الألسن آية عظيمة تدل على وحدانيته_سبحانه وتعالى_ (1) .

* * *

‌5 ـ دلالة أسمائه وصفاته

(2)

وهذه هي طريقة الخواص يستدلون بالله على أفعاله، فإن قيل: كيف يُسْتَدل بأسمائه وصفاته على استحقاقه للوحدانية، فإن ذلك لا يعهد في الاصطلاح؟

(1) انظر تفاصيل ما مضى في الجزء الأول من مفاتيح دار السعادة لابن القيم.

(2)

شرح العقيدة الطحاوية، ص95_96.

ص: 22

فالجواب: إن الله قد أودع الفطرة التي لم تتنجس بالجحود والتعطيل، ولا بالتشبيه والتمثيل أنه_سبحانه_الكامل في أسمائه وصفاته، وأنه الموصوف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسلُه، وما خفي عن الخلق من كماله أعظمُ مما عرفوه منه.

ومَنْ كماله المقدس شهادتُه على كل شيء، واطِّلاعه عليه؛ بحيث لا يغيب عنه ذرة في السموات ولا في الأرض باطناً وظاهراً.

ومن هذا شأنُه كيف يليق بالعباد أن يشركوا به، وأن يعبدوا غيره، ويجعلوا معه إلهاً آخر؟!.

وكيف يليق بكماله أن يقر من يكذب عليه أعظم الكذب، ويخبر عنه بخلاف ما الأمر عليه، ثم ينصره على ذلك، ويؤيده، ويعلي شأنه، ويجيب دعوته، ويهلك عدوه، ويظهر على يديه من الآيات والبراهين ما يعجز عن مثله قوى البشر، وهو مع ذلك كاذب عليه مفترٍ؟ !.

فأنت ترى من خلال ما مضى أن الاستدلال جرى باسم الله (الشهيد) لتقرير الوحدانية وصدق الرسل.

أما تقرير الوحدانية فإن الإيمان باسم الشهيد يقتضي المراقبة الدائمة لله_عز وجل_فكيف يليق بالعبد أن يعصي الله وهو يعلم أن الله مطلع عليه في كل أحواله؟.

وهذه المراقبة هي أعلى مراتب الدين؛ لأنها مرتبة الإحسان.

أما صدق الرسل من خلال الإيمان بهذا الاسم (الشهيد) ؟ فوجهه أنَّ مَنْ كمال الله_سبحانه_أنه لا يعزب عنه شيءٌ، فكيف يليق بمن هذا شأنه أن يقر من يكذب عليه؟ بل ويؤيده وينصره ويهلك عدوه، بل ويعلي ذكره ودعوته؟ !.

هذا لا يليق، فلو كان الرسل كاذبين لأخذهم الله كما أخذ الدجالين في الماضي والحاضر كمسيلمة والقادياني وغيرهما.

ومن هنا نعلم صدق الرسل من خلال الإيمان باسم (الشهيد) . ولهذا قال بعض أهل العلم إن إنكار رسالة الرسول"جحد للرب بالكلية.

وهذا باب من أبواب الاستدلال على وحدانية الله.

والقرآن مملوء من هذه الطريق، ومن الأمثلة على ذلك قوله

ص: 23