المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ شبه ذكرها الآمدي - رسالة في فرضية اتباع السنة، والكلام على تقسيم الأخبار وحجية أخبار الآحاد - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٩

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌ شبه ذكرها الآمدي

[ص 48]

‌ شبه ذكرها الآمدي

(1)

:

1 -

لو جاز قبول خبر الواحد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بدون قرينة تبلغه القطع لجاز قبول دعوى مدعي النبوة بغير معجزة.

وأجاب بأن مدعي النبوة بغير معجزة لا يغلب أن يكون صادقًا، بل الغالب أن يكون كاذبًا. وبأننا إنما نوجب العمل بخبر الواحد لقيام الحجة القطعية على وجوب العمل به، ولا حجة على وجوب تصديق مدعي النبوة بدون معجزة.

ثم ذكر اعتراضًا على هذا، وهو أنه لو فُرض أن نبيًّا معلوم النبوة قال للناس: إذا ادعى إنسان النبوة وظننتم صدقه فاتبعوه = لكان هذا حجة قطعية على وجوب اتباع من يدعي النبوة ويُظن صدقُه، ومع ذلك لا يجوز الاتباع.

وأجاب بمنع عدم الجواز. يعني: يجب الاتباع حينئذٍ حتمًا، وهو ظاهر.

ثم ذكر أن الفرق بين الأمرين أن المفسدة اللازمة على دعوى النبوة أعظم.

أقول: هذا الفرق يبين أنه يمتنع أن يقول نبي معلوم النبوة: كل من ادعى النبوة وظننتم صدقه فاتبعوه. لا أنه على فرض وقوع ذلك لا يجب الاتباع.

ثم أقول: أما بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم عليهم أجمعين فقد عُلِم سدُّ الباب قطعًا، فمدَّعيها ممن لم يُعلم أنه كان نبيًّا من قبلُ كاذب قطعًا.

(1)

"الإحكام"(2/ 70 وما بعدها).

ص: 71

ونحن إنما نقبل خبر من عرفناه ثقة بشرط أن لا يتبين كذبه أو غلطه، كما يأتي إن شاء الله.

بل بادعاء من ذكر يتبين أنه كافر أو مجنون، فتزول ثقته إن كان قبل ذلك ثقة.

وأما إذ كان باب النبوة مفتوحًا فإنه كان إذا ادعى رجل أنه يوحى إليه فقط، أعني: أنه لم يُخبر عن حكم لا يُعلم إلا مِن قِبَله = كان على الناس إذا عرفوا منه قبل ذلك الصدق والأمانة والخير والصلاح، واستمر يتزايد في ذلك؛ أن يظنوا صدقه. ولا حرج في ذلك؛ إذ لا ينبني عليه حكم إلا زيادة الاحترام له، ولا ضير فيه.

وإن ادعى الرسالة وأخبر بأمور من الدين على أنه بُعِث بها = فعلى الذين بلغهم خبره ودعواه أنه مبعوث إليهم أن يبحثوا عن حاله، ويسائلوه، مع العزم على اتباعه إن كان صادقًا. فإذا فعلوا ذلك فلا بد أن يهديهم الله عز وجل للحق؛ لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

وتفصيل ذلك: أنه إن كان في نفس الأمر كاذبًا فلا بد أن يبين الله عز وجل كذبه، وذلك بأن يخبر بما عُلِم قطعًا أنه محال، أو يخبر عن أشياء أنها كانت ويتبين قطعًا أنها لم تكن، أو نحو ذلك. وإن كان صادقًا فلا بد أن يبين الله عز وجل لهم صدقه.

نعم، من جملة الجهاد في الله عز وجل أن يتبعوا ذاك الرجل إذا كان ما يدعو إليه خيرًا مما هم عليه في فِطَر الناس وعقولهم وفيما عُلِم من الشرائع الأولى.

ص: 72

قال الله تبارك وتعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 14].

فهؤلاء كانوا قد أسلموا طائعين، وبذلك تبين أنه ليس عندهم عناد ولا استكبار، وهذا هو الذي يمنع من الإيمان بعد الاطلاع على المعجزة القاطعة، فبان أن عدم دخول الإيمان في قلوبهم إنما هو [لأنه] لم يتفق لهم بعدُ ما يقطع الريبة، كالمعجزة القاطعة. ومع ذلك لم يذمهم الله عز وجل على الإسلام قبل التيقن، بل وعدهم بأن يدخل الإيمان في قلوبهم، كما تقتضيه كلمة "لمّا"، ووعدهم أنهم إذا أطاعوا أثابهم، وأوعد ــ في غير هذه الآية ــ غيرهم ممن لم يؤمن بعد بلوغ الدعوة بالعذاب.

فثبت بذلك أن تصديق مدَّعي الرسالة واتباعَه لا يتوقف وجوبه على المعجزة القاطعة، بل قد يجب بدونها إذا كان معروفًا من المدعي الصدقُ والأمانة والخير والصلاح، ودعا إلى ما يتبين للعقول أنه حق، أو يترجح أنه حق، ولم يظهر من أقواله وأفعاله وأحواله ما ينافي النبوة.

وأما قول الآمدي

(1)

: "إنه لا حجة على وجوب تصديق مدعي النبوة بغير معجزة"= فليس بمستقيم.

بل الحجة قائمة، وهي ما يعلمه الناس بفطرهم وعقولهم، وبما بلغهم من الشرائع المتقدمة، أن على الإنسان اتباع ما يترجح أنه حق واجتناب ما يترجح أنه معصية.

(1)

"الإحكام"(2/ 73).

ص: 73