المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - لو جاز لجاز في نقل القرآن - رسالة في فرضية اتباع السنة، والكلام على تقسيم الأخبار وحجية أخبار الآحاد - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٩

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌3 - لو جاز لجاز في نقل القرآن

[ص 50] وإن أريد بالأصول: أصول الفقه، فإننا نلتزم وجوب قبول الأحاديث الصحيحة فيها أيضًا.

ثم إن كان الأصل من الأصول العظمى التي تكثر فروعها في الشريعة جدًّا، فالكلام في هذه كالكلام في الضرب الأول من العقائد، فإذا انفرد حديث بأصلٍ ــ على أنه من ذلك ــ فهذا لا يكون صحيحَا؛ لما تقدم.

وإن كان في الأصول التي تقلُّ فروعها فنقول: إن قامت الحجة فيها على أنها لا تثبت إلا بحجة قاطعة فكالأصول العظمى، وإلا فكالفروع، فتقبل فيها الدلائل الظنية، ومنها الحديث الصحيح. والله أعلم.

‌3 - لو جاز لجاز في نقل القرآن

.

وأجاب

(1)

بأن القرآن معجزة الرسول، فالمطلوب منه إقامة الحجة القاطعة على رسالته.

أقول: بل نلتزم وجوب قبول الحديث الصحيح في هذا أيضًا. وقد كان في أول الإسلام يثبت القرآن بخبر الواحد، فقد كان الرجل يسلم ويتعلم سورًا من القرآن، ثم يذهب إلى قبيلته فيدعوهم، ويعلِّم من يُسلِم منهم

(2)

تلك السور، ويتلونها، ويصلّون بها، ويعملون بها.

ولو ذهب الآن رجل مسلم إلى جزيرة منقطعة فدعا أهلها إلى الإسلام، فأسلموا، وعلَّمهم سورًا من القرآن، فتلَوها، وصلَّوا بها، وعملوا بها= لكانوا محسنين.

فإن فُرِض أنه أدخل في القرآن ما ليس منه، وكانوا قد اختبروه

(1)

أي الآمدي في "الإحكام"(2/ 74).

(2)

في الأصل: "منه".

ص: 77

فظنوه ثقةً، فلا إثم عليهم، إلا أن تقوم عليهم الحجة، أو يتحقق تقصيرهم.

وأما قول أهل العلم: لا يثبت القرآن بخبر الواحد؛ فالمعنى في ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا القرآن، واتفقوا على أنه لم يبق منه آية محكمة إلا وهي فيما جمعوه، ثم تواتر ذلك المجموع إلينا، فثبت بذلك أن ما لم يكن في ذلك المجموع فليس من القرآن المحكم. بل إما أن لا يكون كان منه البتة، وإما إن يكون كان منه فنُسِخ.

فما ثبت بالأحاديث الصحيحة على أنه من القرآن، ولم يكن فيما جمعه الصحابة رضي الله عنهم، فالظاهر أنه كان منه فنسخ. ويجب قبول تلك الأحاديث على هذا المعنى.

ثم إن وجدنا في الكتاب أو السنة ما هو صريح في خلاف معنى ذلك الكلام الذي نقول بأنه كان من القرآن فنُسِخ، تبين لنا أنه نُسِخ معناه كما نُسِخت تلاوته.

وإن وجدنا فيهما ما يوافق معناه تبين لنا أن الحكم باقٍ.

وإن لم نجد لا ذا ولا ذاك، وقلنا بأن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ممكن شرعًا= كان حجة، كما لو نُقِل على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد احتج أهل العلم بأشياء من ذلك كما هو معروف.

والحاصل أن عدم ثبوت أنه قرآن محكم إنما هو لقيام الحجة على أنه ليس منه، ولو اتفق مثل هذا في الأحكام الفرعية بأن يصح حديث في شيء بأنه من أركان الصلاة، وتكون عندنا حجة أقوى منه على أنه ليس منها؛ فإننا نقضي بأنه ليس منها.

ص: 78

ولا يلزم من سقوط حجية الدليل إذا عارضه ما هو أقوى منه أن تسقط حجيته البتة. وهذا بغاية الوضوح، ولله الحمد.

4 -

قد يتعارض خبران، فيلزم من القول بوجوب الأخذ به أن يجب الأخذ بالمتضادَّينِ. وهو محال.

وأجاب

(1)

بأنه إن أمكن الترجيح فالحجة في الراجح ويسقط المرجوح، وإلا فإن قلنا بالتخيير فهو من قبيل الواجب المخير مع امتناع الجمع، وإلا فغايته امتناع التعبد بمثل هذا لتعذر العمل، ولا يلزم من ذلك امتناعه عند الإمكان.

أقول: قد يقع التعارض بين آيتين، وبين دليلين عقليين، فهل يقول مُورِد هذه الشبهة إنه لا يجوز الاحتجاج بالقرآن ولا بالمعقول أيضًا؟

فإن قال: أما الآيتان فناسخة ومنسوخة، وأما الدليلان [ص 51] العقليان ففي أحدهما خلل.

قلت: فكذلك نقول في الحديثين إذا تعارضا: إنهما إما ناسخ ومنسوخ، وإما في أحدهما خلل.

والكلام فيما ينبغي اعتماده في أشباه ذلك مبسوط في موضعه.

5 -

الأصل براءة الذمة عن الحقوق والعبادات وتحمُّل المشاقّ، وهو مقطوع به، فلا يجوز مخالفته بخبر الواحد مع كونه مظنونًا.

وأجاب

(2)

بأنه لم يبق القطع بعد الوجود والتكليف في نفس الأمر،

(1)

الآمدي في "الإحكام"(2/ 74) ..

(2)

المصدر السابق (2/ 99).

ص: 79

قال: ثم هو منتقض بالفتوى والشهادة.

أقول: قولكم "مقطوع به"، أتريدون مقطوع بأنه قد كان، أم بأنه مستمر؟

لا سبيل إلى الثاني، كما لا يخفى، وأما الأول فلا يلزم من كون زيد كان حيًّا العامَ الماضي قطعًا أن يكون حيًّا اليوم. إذن، فحياته اليوم محتملة فقط، وأما الحكم باستصحاب الأصل فإنما هو لمعانٍ:

منها: أنه قد يساعده الظاهر، كما لو كان حيًّا صحيحًا بالأمس، فإن الظاهر أنه حيٌّ اليومَ؛ لأنّ موت الفجأة قليل.

ومنها: أن يكون الأصل عدمًا، وإقامة الحجة على بقاء العدم مما يصعب، وذلك كما لو عهدناها زوجته فإنه من الصعب إقامة الحجة على أنه لم يطلق. إلى غير ذلك.

وكذلك هنا، فإن الأشياء لا تحصى، والأفعال لا نهاية لها، فلم يعتن الشارع بتعداد المباحات لأنها لا تحصى، ولا بتعداد ما ليس بعبادة من الأفعال لأنها لا نهاية لها.

بل اعتنى بالدلالة على المحرمات والمكروهات من الأشياء والأفعال، وعلى الواجبات والمندوبات من الأفعال، فكان إثبات النص في كل شيء أن الشارع لم يحرمه ولم يكرهه، وفي كل فعل أنه لم يحرمه ولم يكرهه، ولم يوجبه ولم يندبه = متعذرًا.

فإذا لم نجد في الشرع دليلًا على تحريم شيء أو فعل ولا كراهته، كان الظاهر أنه مما ترك، وإنما ترك الشارع المباحات.

وكذلك إذا لم نجد دليلًا على وجوب الفعل ولا ندبه، كان الظاهر أنه مما ترك، وإنما ترك الشارع ما ليس بعبادة.

ص: 80